تقديم
يستكمل مركز المسبار للدراسات والبحوث في كتابه (الشرطة الدينية (2): الدول، المؤسسات، الثورات) (الكتاب الحادي عشر بعد المئة، مارس/ آذار 2016) دراسة واقع الشرطة الدينية في سياقين: الأول: الدول التي لديها منظومة رسمية تضفي الشرعية على هذه المؤسسة الرقابية؛ والثاني: ظاهرة البيروقراطيات الدينية في بعض الدول الإسلامية.
ركز الجزء الأول من الكتاب (الشرطة الدينية: الحسبة، الإخوان، داعش) على الحركات الإسلامية الداعية إلى تطبيق «الحسبة الشرعية» والتي تعمل على تنفيذها في السنوات الأخيرة بسبب ضعف رقابة الدولة على هذه الظواهر الشاذة، وسيطرة التيارات الجهادية على مناطق جغرافية محددة في العالمين العربي والإسلامي، كما هو الحال مع منظمتي «داعش» و«بوكو حرام» الإرهابيتين.
تطرقت الدراسات في الجزء الثاني إلى موضوعات مهمة، من بينها: دراسة نظام الحسبة وحقوق الإنسان والحريات، تمكين البيروقراطية الدينية في ماليزيا، الشرطة الدينية في إيران، مقاومة الإيرانيات لنظام الوصاية الدينية، الشرطة الدينية في السودان، وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المملكة العربية السعودية.
يتناول الكتاب أسئلة جديدة عن الحسبة والاحتساب ومؤسسات الأمر بالمعروف، والرعاية الدينية والسياسية لها، ويرصد حالات الاحتجاج التي تسجلها بعض الشرائح المجتمعية.
يطرح الكتاب سؤالاً: إن كان بعض أشكال الشرطة الدينية يطبق مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عبر الوسائل الرادعة؛ فهل يؤدي ذلك إلى إنتاج بعض حالات التصادم؟
يجادل الباحثون أن ثمة علاقة وثيقة بين هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأنظمة السياسية التي سيطر عليها قادة الإسلام السياسي؛ فهل أصبح «الاحتساب الشرعي» وبشكل ممنهج أداة رئيسة يوظفها الإسلاميون لاستهداف المعارضة السياسية، وأصوات النخبة المعترضة على سياسات أسلمة الدولة والمجتمع.
في إطار متابعة توليد النظريات انبرى قسم من المتابعين لدراسة نماذج الانخراط في أعمال عنف موسعة في حال وقوع أي اهتزازٍ أمني يؤدي إلى تراجع قبضة الدولة. مختبراً الجهوزية والوسائل التي تستطيع من خلالهما التأثير في الجماعات الدينية، بدءاً من خطابها الذي تضفي عليه قدسية، وصولاً إلى قدراتها المالية والعينية.
ويرى البعض أنه عوضاً عن إلغاء جهاز الشرطة الدينية بشكل كامل، فإنّه يمكن تغيير دوره وصلاحياته، بحيث يمارس دوراً وعظياً فحسب، من دون أي وسائل للتدخل في الحياة الشخصية. وهذا الدور ليس ثانوياً، خصوصاً في هذه الفترة التي يحتاج فيها المجتمع إلى تركيز جهوده على مواجهة موجات التمرّد والعنف السياسي والإرهاب.
تستند عناصر الكتاب إلى فحص «الذهنية المتقرحة» التي يعتمد عليها الأفراد المتطرفون دينياً. ويحاول تعزيز سياج الفصل ووقاية الشرطة الدينية من فحيح المتطرفين. ويتناول الباحثون عمليات التأهيل المقترحة، ويدرسون جدوى التحول من أدوار الرقابة المجتمعية، إلى حماية المجتمع من التطرف والإرهاب، عبر السعي لكبح العنف الإرهابي. وعليه؛ وهي فرضيات تكامل بين إعادة صوغ مفاهيم اجتماعية للتضابط المجتمعي وإزاحة الرسمية عنه لإبراز قوة المجتمع المتدرج في انفعاله بالحياة والفضيلة.
لقد أصبحت المجتمعات الإنسانية أكثر تنظيماً بعد إقرارها القوانين المدنية. وتبقى الضمانة الوحيدة لحفظ كرامة المواطنين، هي بناء دولة الحق والقانون بما يترتب عليها من موجبات وحقوق ومساواة بين الجميع، وتعزيز قوة المجتمع بالحرية التي تلد نظاماً يطور القيم الأخلاقية.
في الختام يتوجه مركز المسبار بالشكر لكل الباحثين المشاركين في الكتاب، ويخص بالذكر الزميل محمد الحدّاد الذي أشرف على العدد، والزميلة ريتا فرج التي نسقته، ونأمل أن ترضيكم ثمرة جهودهما وفريق العمل.
رئيس التحرير
مارس (آذار) 2016