يسلط الكتاب الشهري 114 الصادر أخيراً، عن مركز «المسبار للدراسات والبحوث»، الضوء على الوضع السياسي والأمني في ليبيا، خلال الفترة الممتدة من عام 2011 وحتى 2016. وتمثل ليبيا إحدى الدول التي عرفت انهياراً متسارعاً انعكست نتائجه بعد سقوط نظام معمر القذافي على المجتمع والاقتصاد والأمن، فدخلت البلاد في حرب أهلية دموية طال أمدها، نتيجة عدم قدرة أي طرف من الأطراف المتنازعة على الحسم في الميدان، وترافق ذلك مع الصراعات القبلية الدائرة على خلفيات سياسية واقتصادية. وعلى رغم أن العملية السياسية تتقدم، لكن من الصعوبة تحديد مسار إيجابي لنجاحها بشكل كامل، وخصوصاً أن التحديات التي ستواجه ليبيا بعد الحرب أصعب بكثير من تحديات وقف الحرب.
ويرى الباحث التونسي عبدالواحد اليحياوي (أحد المشاركين في الكتاب)، أن الصراع في ليبيا «معقد»، وعلى رغم تعدد الشرعيات التي تستند إليها المجموعات المتناحرة مثل: الثورة، والسلاح، والدين، والجغرافيا، والقبيلة، فإن جوهر الصراع سياسي على السلطة والثروة. وهذا الصراع يتم خارج مرجعية الدولة، وهو ما يجعلها مهددة بالانهيار، لأنه يستند إلى شرعيات منافسة لها، تعود أساساً – سوسيولوجيا وأنثروبولوجيا – إلى ما قبل الدولة.
من جهته، يرى الباحث والأكاديمي التونسي مهدي عبدالجواد، أن قوة القبيلة الليبية تُشكّل «جدار الصد الرئيس» ضد تيارات الإسلام السياسي، والعمود الفقري للمشروع الوطني الليبي، ولن يتسنى ذلك إلا بإطلاق مصالحة وطنية حقيقية، وضبط معالم نظام سياسي تشاركي، قائم على الديمقراطية المحلية، الأمر الذي يمنح البلدات والمدن والمحليات ومن ثم القبائل، سلطة محلية في إدارة شؤونها، وفي صوغ برامجها التنموية الخصوصية. إن هذه الديموقراطية المحلية التشاركية، ستُعيد للقبيلة دورها ولكن داخل مشروع وطني، في ليبيا موحّدة وعصرية وديموقراطية.
«مخاوف انتقال الإرهاب من ليبيا إلى أوربا، هو ما ناقشته الباحثة التونسية بدرة قعلول، مبينة أنه خلال السنوات الأخيرة بعد انتشار موجة ما يسمى «الربيع العربي»، وانهيار المنظومات الأمنية في عدد من البلدان العربية، تمكنت الجماعات الإرهابية من استغلال هذا العامل حتى تنشط حركة تنقل عناصرها عبر مختلف بلدان العالم، وخصوصاً في ظل وجود أجندات دولية وإقليمية سهلت هذا التنقل والانتشار، ولعبت على مصطلح الإرهاب والعنصر الإرهابي لتدعم تموقعها وتخدم من خلاله مصالحها، وربما تحل أزماتها الاقتصادية والمالية، ولعل في مثال الحال العراقية والسورية والليبية واليمنية أقوى دليل على ذلك، ما نتج منه عامل تعدد الجنسيات المنتمية للتنظيمات الإرهابية.