ليست «عاصفة الحزم» محطة عابرة في تاريخ العرب الحديث والمعاصر، إذ تُعد العمليات العسكرية الأولى من نوعها بالنسبة لبعض الدول العربية المشاركة، كما أنها التحالف العربي العسكري الأول من نوعه بقيادة السعودية، دعماً للشرعية في اليمن ضد انقلاب الحوثيين وحلفائهم، الذين أرادوا القفز على اتفاق اليمنيين، وانحازوا لانتماءات أيديولوجية عابرة للأوطان، حفزت مسؤولين إيرانيين أن يعلنوا صنعاء عاصمة رابعة يزدهر فيها النفوذ الإيراني.
تمثل عاصفة الحزم تحولاً مفاجئاً على المستوى الجيو-استراتيجي في منطقة الشرق الأوسط. يتطلب تحليل هذا الحدث التمعن في الصورة الكاملة لفهم ما جرى ويجري، بهدف التأسيس لرؤية سياسية مشتركة تسمح بالتصدي للمخاطر المستقبلية، خليجياً وعربياً، وتؤدي إلى تكوين استراتيجية لمستقبل اليمن والعلاقات العربية معه. لذلك تناول مركز المسبار هذا الملف بإصدار كتابٍ عن اليمن قبل العاصفة، ركز فيه على الخريطة القبائلية والتركيبة الاجتماعية والسياسية. ويأتي الكتاب الثاني ليدرس الظروف المحيطة بعاصفة الحزم، وتحالفاتها الخارجية محلّلاً عناصرها السياسية والإقليمية، ثم يلي ذلك خاتمة بكتابٍ ثالث يطرح أفق المصالحة الوطنية وطرق التسوية السياسية ومعالجة التراكمات المستقبلية وآثار الأزمة.
يحاول كتاب المسبار (عاصفة الحزم: التحالفات والأبعاد السياسية) (الكتاب الثامن عشر بعد المئة، أكتوبر/ تشرين الأول 2016) تحليل طبيعة التحالفات في عاصفة الحزم وأهدافها، ساعياً إلى تحديد العوامل التي دفعت لقيام هذا التحالف، من دعم لمؤسسة الدولة والحفاظ عليها في خاصرة الجزيرة العربية، والحد من النفوذ الإيراني في اليمن، والذي تباهت به قيادات إيرانية أكثر من مرة، لتبدأ تحركاً لوقف تمدد طهران عبر وكلائها في الإقليم.
لقد تمكن التحالف العربي من كسب التأييد السياسي من معظم الحكومات العربية والغربية، وتدرج التعاطي معه من المشاركة في العمليات العسكرية، إلى الدعم في المحافل الدولية. ولم يغب التنوع عن الدراسة، فمحص كتابنا هذه المواقف، واشتمل على «فرضيات» حول مدى إمكان تكرار سيناريو «عاصفة الحزم» حيال ملفات عربية ساخنة، أو مواجهات محتملة مع أطراف إقليمية، سواء في ضوء «مبادرة الدفاع العربي المشترك» أو «التحالف الإسلامي».
إن الفوضى السياسية في اليمن والتدخل الإيراني شكلا الأرضية السياسية والاستراتيجية لانطلاق عاصفة الحزم. وأدى الغياب العربي عن اليمن إلى تنامي قوة «الحوثيين» المدعومين إيرانياً، فانتقلوا من مجموعة مسلحة انفصالية، إلى تنظيم مسلح انقلب على الدولة واحتلّ مؤسساتها الأمنية والعسكرية. اهتم الكتاب بجماعة «الحوثي» من حيث تكوينها الأيديولوجي والسياسي المتلوّن، وسلوكها العسكري المتبدّل، وظروف نشأتها المأزومة، وطريقة حصولها على السلطة الانقلابية، وعلاقاتها الخارجية والمحلية المشبوهة منها والطبيعية. إلى ذلك سلط الكتاب الضوء على تسييس الدين، ودور القبيلة في الحياة السياسية اليمنية، بما يمثلانه من حضور له جذوره التاريخية، ومر بتحولات في العقود الماضية انعكست على مختلف الاتجاهات السياسية في اليمن، وعلى رأسها «التجمع اليمني للإصلاح» وجماعة «أنصار الله» الحوثية.
منذ قيام «الثورة الإيرانية»، مرت العلاقات اليمنية– الإيرانية بحالة من المد والجذر. وعلى الرغم من «التوتر الحذر» بين البلدين، تصاعد الاهتمام الإيراني باليمن منذ عام 1979؛ إذ ركزت طهران في البداية على الجنوب الماركسي في عدن آنذاك، وتطورت هذه العلاقة مع الوقت في ظل منافسة عراقية- إيرانية بلغت ذروتها عام 1986. حققت هذه العلاقات قفزة في مرحلة ما بعد انتصار علي عبدالله صالح على الحركة الانفصالية، ووصلت إلى ذروتها مع التنامي الكبير لقوة الحوثيين.
تناول الكتاب عاصفة الحزم من محاور عدة: سياسية واستراتيجية وأمنية وإعلامية، راصداً انعكاساتها الإقليمية، ومحللاً أنماط التحالفات، والعقيدة العسكرية الخليجية. لقد أولت الدراسات اهتماماً بقضايا رئيسة: مثل الطبيعة العامة للحركة الحوثية، وتحوّلاتها، مروراً بالعلاقة التاريخية بين جماعة أنصار الله وإيران.
لقد كان التحالف هو ثيمة المرحلة، فانبنى على ذلك ضرورة فهم التحالفات التي قامت عليها عاصفة الحزم. وفي هذا السياق تقدم دراسة الموقف الباكستاني من عاصفة الحزم: أسبابه ونتائجه، تحليلاً وافياً لأثر الحالة الباكستانية على العلاقات الخليجية– الباكستانية. وتزامنت عاصفة الحزم مع عودة العلاقات السودانية– الخليجية لأفضل حالاتها، وإثر ذلك انخرطت الخرطوم في التحالف العسكري العربي. المستقبل وسياسات بنائه، تناولته سيناريوهات مواجهة واحتواء الحوثيين وحلفائهم، كما جرى تقويم موقع الإسلام السياسي في اليمن من عاصفة الحزم، وطموحاته المعلنة والخفية.
إن للصحافة والإعلام دوراً كبيراً في التأثير على «الرأي العام العربي»، وشهدت الفضائيات الإخبارية والصحف العربية صراعاً للأفكار السياسية، عكس -إلى حد كبير- الصراع الجاري في الميدان، وتبدّى ذلك بصورته الأوضح في وسائل التواصل الاجتماعي، التي عرفت ساحاتها الافتراضية تفاعلاً بين مؤيد ومعارض، مما ينم -إلى حد ما- عن مؤشرات اتجاهات الرأي، لا سيما لدى الشريحة الشبابية. لقد رصدت إحدى الدراسات اتجاهات تغطية الصحافة والإعلام في دول: مصر، والسودان، ولبنان، والعراق، لـ«عاصفة الحزم»، من حيث حجم التغطية ومضامينها واتجاهاتها، ومن ثم دورها في تشكيل الرأي العام لجماهيرها، إلى جانب رصد للهاشتاج ذات العلاقة، وأقوى التغريدات المؤيدة لها والمعارضة، وكذلك مضمون واتجاه مجمل التعليقات، والتفاعل مع المحتوى الإعلامي المعروض.
في الختام، يتوجه مركز المسبار بالشكر لكل الباحثين المشاركين في الكتاب، ويخص بالذكر الزميل إبراهيم أمين نمر، الذي نسق العدد، ونأمل أن ترضيكم ثمرة جهوده وفريق العمل.
رئيس التحرير
أكتوبر (تشرين الأول) 2016
شاهد فهرس الكتاب