قال المفكر المصري الدكتور عبدالجواد ياسين إن الإفراز الأصولي للتدين الإسلامي صار يمثل «مشكلة تثير القلق في المنطقة والعالم»، لافتاً إلى «تفاقم العنف الدموي، والتهديد تامباشر لمكاسب الحداثة النسبية التي تسربت إلى المنطقة الإسلامية خلال القرنين الماضيين، من مبادئ التفكير العقلي وفكرة الحريات الفردية، إلى فكرة القانون، حتى فكرة الدولة ذاتها».
وسلط ياسين في ورقة تناول فيها موضوع «تضخيم التدين في الاجتماع الإسلامي: الجذور الدينية والاجتماعية للأصولية الإسلامية» قدمها في محاضرة نظمها مركز «المسبار للدراسات والبحوث»، في مقره بإمارة دبي، الضوء على فرضية أساسية مطروحة للنقاش، وهي «أن هذا الإفراز الأصولي العنيف هو نتيجة ضرورية مرشحة للتولد في شكل دوري عن نمط التدين التاريخي السائد. وأن التطرف الأصولي إجمالاً هو ظاهرة لا يمكن تفسيرها بمعزل عن المعضلة النظرية الكامنة في بنية الدين كما يطرحها هذا النمط من التدين، وهو النمط الساري في السياق الكتابي منذ التجربة العبرية».
ورأى أنه وبـ«الاستقراء العام ثمة حال من التوتر المزمن في علاقة الدين بالاجتماع، تظهر بوضوح في صور الصراع الدموي التي لم تنفك عن تاريخ التدين بدءاً من مجازر التراث العبري المفصلة بإسهاب في العهد القديم، إلى حروب ومحارق المسيحية بامتداد العصور الوسطى، حتى حروب المسلمين التي لم تنقطع منذ ظهور الإسلام».
وفرّق ياسين بين مصطلحات ثلاثة، وهي: الدين، والتدين، والديانة، معرفاً الدين بأنه «ما هو وحي، هو المطلق المفارق القادم من خارج الاجتماع، وبالتالي فهو ثابت لا يتعدد ولا يتطور (الله والأخلاق الكلية)». أما التدين فهو «ممارسة الدين في العالم أو داخل الاجتماع، وبالتالي فهو خاضع لقوانين الاجتماع التي تفرض التعدد والتطور».
فيما رأى أن الديانة هي «نظام جماعي ينشأ بفعل التدين في سياق جغرافي تاريخي خاص. فهو صورة من صور التدين يرد عليها التعدد والتطور». وهو في هذا السياق يعتقد أن «المُشكل ليس في حدوث التدين، بل في تحوله إلى دين، أي في اكتسابه لسلطة المطلق المؤبدة».
وفي معالجته للموضوع، أوضح عبدالجواد ياسين أن هناك «إشكالات هيكلية ثلاث، تضمن توليد موجات متوالية من التوتر بين الدين والاجتماع الخام على رغم الحضور العميق للدين على مستوى الذات الإنسانية»، ملخصاً إياها في: إشكالية التناقض مع قانون التنوع، والتناقض مع قانون التطور، والنص.
وأعطى نماذج تاريخانية عن الموضوع، منها السياق المسيحي في الغرب، موضحاً أنه «في القرن العشرين استفاق الفكر الغربي على حقيقة بقاء الدين. وبالنسبة إليه مثلت التعبيرات الدينية الجديدة ظاهرة مدهشة باعتبارها عودة صاخية لفكرة المقدس». فيما تناول تجربة «الإسلام في الشرق»، مبيناً أن «الأصوليات الراهنة تشترك مع بقية العقل المسلم في المرجعية العامة التي يمثلها نمط التدين التاريخي الموروث بإشكالاته النظرية الثلاث. وهو النمط الذي فرض المفهوم الحرفي الشكلاني للدين، ونصَّب الفقه في صدارة الدين، كوجه مباشر يسبق مكانة الروح والضمير الأخلاقي، وكرس الخصومة التقليدية المزمنة بين الدين والحرية والعقل».