عن مركز «المسبار» في دبي، صدر أخيرًا الكتاب رقم (119)، بعنوان: «أزمات المسلمين الكبرى… التاريخ – الذاكرات – التوظيف»، الذي يتضمن عددًا من الأبحاث بشأن «أزمات المسلمين الكبرى»، وما عاشوه ويكابدونه حاليًا من مشكلات وتحديات معاصرة، تمثل ما يسميه الكتاب «همًا إسلاميًا» لمجموعة من البشر يعيشون في بقع جغرافية وثقافات متعددة!
وتحت عنوان: «المتطرفون البوذيون في ميانمار»، يتناول الباحث عظيم إبراهيم (الزميل في كلية مانسفيلد بجامعة أكسفورد) في هذا الكتاب الأزمة التي يعاني منها مسلمو ميانمار، والتطرف الذي يستهدفهم هناك، وتحديدًا ما يعرف بـ«حركة 969»، مبينًا أن للجماعات البوذية صلات واسعة مع «الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية» والنظام العسكري القديم على حد سواء. وهم يؤثرون في معتقدات معظم البورميين العاديين، بسيطرتهم على قسم كبير من النظام التعليمي في البلد. وفي ميانمار الحديثة، لا يجرؤ إلا القليل على الوقوف في وجه تعصبهم أو تحدي مقولاتهم.
الباحثة المصرية أماني الطويل، تكتب تحت عنوان: «المسلمون في أفريقيا الوسطى»، مشيرة إلى أن التحول في طبيعة الصراع في دولة أفريقيا الوسطى، من صراع سياسي إلى صراع طائفي بين المسلمين والمسيحيين، أسهم في أن تكون أزمة أفريقيا الوسطى من نوع الأزمات المفتوحة، خصوصًا أنها تملك جذورًا تاريخية، سواء من عصور الاستعمار الكولونيالية أو أكثر حداثة من هذه الفترة، وهي تمتد لدولة الاستقلال الوطني.
ويُعنى هذا البحث بجذور الصراعات الراهنة في جمهورية أفريقيا الوسطى، ومحاولة رسم خريطة لطبيعة الانقسامات، سواء الطائفية أو القبلية، مع التعرض لأطراف هذه الصراعات، وطبيعة ارتباطاتها الإقليمية والدولية، ويسبق كل ذلك ملمح عن الدولة، من حيث المعطيات الجيوسياسية.
وفي خلاصة الورقة، تستنتج الطويل أن المشكلة في الصراع متعلقة بجهود الدبلوماسية الإقليمية والدولية، إذ يمكن القول إن المحاولات الإقليمية والدولية للحد من تصاعد العنف تعكس مجموعة من المشكلات الخاصة باستراتيجيات حفظ السلام في أفريقيا الوسطى، خصوصًا ما يرتبط بفاعلية الهياكل الأمنية الوطنية، في ظل تدفق الأسلحة والمقاتلين من الدول المجاورة عبر الحدود، مع انتشار ثقافة سياسة «الفائز يأخذ كل شيء»، والإفلات من العقاب لمنتهكي حقوق الإنسان، لا سيما في قوات أمن الدولة، خصوصًا مع انتشار أنشطة عبور المقاتلين للحدود التي تمثل نمطًا هيكليًا للصراعات في هذه المنطقة؛ في دارفور وتشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى، ولها آثار كبيرة سواء على المستوى المحلي أو المستويات العابرة للحدود الوطنية.
وفي الموضوع ذاته، تضع الباحثة المصرية المتخصصة في الدراسات الأفريقية هالة ثابت مجموعة من التساؤلات حول ملف الصراع الطائفي في أفريقيا الوسطى، مستفهمة: هل يمكن تبرير أعمال العنف التي تشهدها البلاد بدائرة مفرغة من الصراع الديني بين المسلمين والمسيحيين، وبالتالي يمكن إرجاع الأمر إلى سوء إدارة النظام (أو النظم المتعاقبة) للملف الإثني – الديني، أم أن الأمر أعمق من ذلك بكثير؟ وهل كان تأسيس حركة الأنتي – بالاكا لتلعب دور سيف العدالة المطبق لاستراتيجية الإدارة العنيفة لملف الصراع الديني، أم أننا أمام صراع سياسي على السلطة متسربل بعباءة دينية، خصوصًا أن أهم اثنين من منسقي الحركة، وهما المنسق السياسي والمنسق العسكري، وزيران سابقان في حكومة الرئيس المخلوع بوزيزي؟
وفي محصلة دراستها، تفترض الباحثة ثابت عددًا من الإجابات، كما يلي: الصراع في حقيقة الأمر صراع اجتماعي ممتد، يعكس مجموعة من العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتجذرة، بدليل توجيه العنف ضد من يُشك في صدق ولائه أو انتمائه للقرية أو البلدة، أو ولائه وانتمائه لدول مجاورة شاركت في ممارسة الظلم على أبناء البلد، وهو كذلك صراع يعبر عن طموحات أطرافه.