تأليف: سامح سعيد عبود
الناشر: مركز المحروسة للنشر والخدمات الصحفية والمعلومات
القاهرة: مصر، الطبعة الأولى 2017، (عدد الصفحات: 248)
في كتابه “ بدايات وتحولات أصل الأناركية “عرف الكاتب الأناركية، وأشار إلى اشتقاقها من الكلمة الإنجليزية (Anarchism) التي تعود لليونانية؛ وتعني التحررية أو اللاسلطوية. والأناركية اتجاه سياسي يرفض الدولة وكل المؤسسات الهرمية كذلك، ويعتقد الأناركيون أنها غير ضرورية وغير مرغوب بها.
ركز الكاتب على جذور الأناركية في الحضارات القديمة؛ مُشيراً إلى امتداداتها في المجتمعات البدائية. يبدأ الكاتب في تتبع الأناركية منذ وجود البشر في مجتمعات بدائية. ثم يُشير إلى وجود الأناركية في الصين القديمة أيضاً، وتحديداً إلى الفلسفة الطاوية فيها. كما تطرق الكاتب كذلك إلى امتداد الأناركية في الفكر اليوناني القديم؛ حيث يعتقد أنَ اليونان شهدت بعض النصوص الأناركية التي تنتمي لبعض المفكرين، الذين اعتقدوا أنَه ليس من الحكمة أن يتخلى الناس عن حرياتهم لصالح الدولة.
كما أرجع الكاتب الأناركية إلى العصور الإسلامية؛ ويزعم أنه تم العثور على بعض مظاهر الفكر الأناركي في العصور الإسلامية المبكرة. بعض فقهاء المسلمين، دعمها -حسب تفسيره- عامر البصري وأبو حنيفة النعمان، وعززتها حركات مقاطعة الحكام مما مهد الطريق إلى تأسيس نظام الوقف الإسلامي الذي كان بمثابة بديل للناس لتمويل الملاجئ والمساجد والأسبلة وغيرها. لفت الكاتب أيضاً إلى المسلمين الخوارج الذين لم يروا ضرورة لوجود الإمام إلا في حالة الحرب، أما في حالة السلم، فيحتكم الأفراد فيما بينهم؛ وأشار أيضاً إلى بعض مفكري المعتزلة في القرن التاسع مستشهدًا بأبي بكر الأصم، والذين تم اعتبارهم أناركيين –حسب تصنيفه- فيما يتعلق بمسألة السلطة.
عرج الكاتب إلى أناركيي العصور الوسطى كذلك؛ مستشهداً بما كتبه “جورج لاكتير” بأنَ “المؤسس الفعلي للأناركية كان يسوع المسيح”؛ وبأن المجتمع الأناركي الأول مكونٌ من الرسل والمسيحيين الأوائل. كما أكد الكاتب وجود مجموعات متنوعة من الحركات الدينية اللاسلطوية خلال العصور الوسطى في أوروبا. ثم تناول الأناركية في عصر الثورة الفرنسية، مُشيراً إلى اليعاقبة أو جماعة الغاضبين. ثم اتجه الكاتب ليتناول الأناركية المعاصرة، وأهم منظريها وتفرعاتها.
تناول الكاتب أحداث كميونة باريس وهايماركت ولفت إلى تصاعُد أعمال الأناركيين بعد هذين الحادثين، واتساع عمليات الاغتيال المسماة بـ”الدعاية بالفعل”؛ حيث دعا بعض الأناركيين مثل “يوهان موست” لإقامة أعمال عنف “ضد أعداء الثورة” في ثمانينيات القرن التاسع عشر، وبدأ الأفراد داخل وخارج الحركة الأناركية في استخدام شعار “دعاية الفعل” للإشارة إلى التفجيرات الفردية وعمليات الاغتيالات. حيث قام الأناركيون باغتيال العديد من رؤساء الدول في الفترة الممتدة ما بين (1881-1914) بما في ذلك القيصر الروسي ألكسندر الثاني، والرئيس الفرنسي “سادي كارنو”، وإمبراطورة النمسا “إليزابيث”، والملك الإيطالي “أومبيرتو” الأول، والرئيس الأمريكي “وليام ماكنلي”، وغيرهم. ويُشير الكاتب كذلك إلى قيام أتباع الأناركي الأمريكي “لويجي جالليني” بشن سلسلة من التفجيرات ومحاولات الاغتيال في الفترة الممتدة بين (1914-1932)، حيث اعتبروا هذه الهجمات موجهة ضد الطغاة وأعداء الشعب.
للكاتب تاريخ في انضمامه لعدد من المنظمات اليسارية المصرية في الفترة (1982-1993) قبل تحوله إلى الفكر الأناركي في منتصف التسعينيات. روج من خلال كتابه للفكر الأناركي الذي يهدف إلى إزالة الدولة، وبشكل واضح في الخاتمة، حيث خلص إلى أنَ “الأناركيين يحاولون بناء حركة أممية تنسيقية منظمة تهدف إلى تحويل الكوكب إلى تشاركية ستكون وثبة كبرى في التطور الإنساني وخطوة ثورية عملاقة. إنها تغير العالم الذي نعرفه وتنهي المشاكل الاجتماعية التي طالما اجتاحت الجنس البشري، إنها بدء عصرً جديدً من الحرية والإنجاز”. وأضاف: “إن جذر الفساد هو السلطة في حد ذاتها وبذاتها ولذاتها، فالسلطة مفسدة، وعندما تكون مطلقة فهي فساد مطلق”. ويكمل: “إن أردتم القضاء على الفساد قضاءً مبرماً فلا بد من اجتزاز السلطة”.
ورغماً عن كون فكرة الكتاب مهمة، طالما أنَ الفوضوية تقف ضد السلطة والدولة والنظام، بالإضافة إلى أنَ الفوضويين كانوا مسؤولين عن عدد من أعمال العنف والاغتيالات التي استهدفت شخصيات بارزة في فترات مختلفة، فإنَّ الكاتب مشبع بالفكر الأناركي، وحاول إضفاء جذوره في كل الحضارات والأديان على اختلافها وتنوعها. فضلاً عن أن المحتوى يعوزه الحجج والبراهين، حيث لم يقم بتدعيم العديد من المعلومات والأفكار التي أوردها. كما أن المصادر التي استخدمها في المجمل ضعيفة، يستند معظمها إلى مواقع الإنترنت والصفحات الإلكترونية. بالإضافة إلى أن الكتاب شمل عناوين كثيرة جداً، تسهم في تشتيت القارئ.
جمانة مناصرة
باحثة فلسطينية