يستعرض هذا الإيجاز اليومي منتخبات من الأخبار والمقالات والتقارير التي تعكس وجهات نظر بعض دوائر التفكير الغربية، وما نُشر فيها، حول التظاهرات والتحركات الشعبية في إيران، ومحاولة فهمها، وتقييم تعامل المفكرين والساسة الغربيين مع أخبارها، وينتهي بخلاصة تتساءل إن كان ثمة اختلاف بين المظاهرات الموالية لطهران وبين خطوة إشاعة طهران لخبر عن اعتقال أحمدي نجاد.
- باحث: القمع متزن، والمؤامرة وهم، وحرية شركات الاتصالات هي المفتاح
نشر موقع War on the Rocks المختص بالتحليلات العسكرية والسياسية، والمتابع من قبل النخبة السياسية والعسكرية الأمريكية، نشر حوارا مع الباحث أشتون أوستافار، وهو أمريكي من أصول إيرانية ومؤلف كتاب “طلائع الإمام” عن الحرس الثوري الإيراني.
كان الحديث الخاص مع أوستافار عن المظاهرات وتوقعاته حيال ردود فعل متوقع أن تقبل عليها الحكومة الإيرانية مع استمرار الاحتجاجات.
يرى الباحث أنّ القيادة الإيرانية تنظر إلى المظاهرات من متغيرين، أحدهما مظاهرات عام 2009 في إيران التي انتهت بعنف، وما عرف بحركة “الربيع العربي” في العام 2011 والذي أتى بنتائج مختلفة ولكن بشكل عام، انتهت بشكل سيئ. حيث ترى الحكومة الإيرانية أنها كانت أكثر حظّاً من الدول العربية، وتقدّر أن استجابة قواتها الأمنية كانت -إلى حد ما- غير عنيفة، على الرغم من وقوع (20) قتيلا على الأقل. ولكن مقارنة بسجل إيران الإنساني وتعاملها مع المتظاهرين، تعدّ ردة فعل القوات الأمنية حتى الآن مُتّزنة. وإنّ السبب في تحقيق هذا التوازن هو حرمان الأصوات “الشعبوية” من الفرصة -على حد تعبير الكاتب- وكذلك عدم إعطاء فرصة أمام التدخّل الأجنبي.
في سؤال للمحاور عن التبرير الذي قدمه خامنئي عن دور قوى خارجية في تحريض الشارع الإيراني، قال الباحث: إنّ تبريره كان متوقعاً حيث تكون المؤامرة هي المسبب الأساسي لأي شكل من أشكال الارتباك. وأضاف الكاتب: “يمكن للولايات المتحدة ودول الجوار الإقليمية وإسرائيل وأوروبا أن تكون صامتة تماماً تجاه ما يحدث، ولكن لن يثني ذلك القياديين عن الإدلاء بمثل هذه التصريحات”. لذلك فإن أستون أوستافار لا يقتنع كثيراً بالخطاب السائد بين اليسار ومعارضي الرئيس دونالد ترمب، بأنّ موقف وتصريحات الأخير ستعزز موقف خامنئي.
يتفق السيد أوستافار مع الباحثين الذين يرون أهمية الضغط على شركات الاتصالات العملاقة ومواقع التواصل الاجتماعي؛ لكي يبقى العالم على معرفة بما يجري في الشارع الإيراني. كما لفت في تحليله إلى أنّ المظاهرات قد تعين روحاني إن أراد الضغط على الحرس الثوري، أو سعى لتقليص الأموال المخصصة للوكلاء الإيرانيين في الخارج، غير أنّ هذه الاحتمالية تبقى نسبية وبعيدة، في تقديره.
- إيران محتاجة لهذا الاشتعال الداخلي: وسينجح الشعب وحده
كتبت بسمة مؤمني، وهي باحثة سورية من مركز ستيمسون الأمريكي في الصحيفة الكندية Globe and Mail -التي كانت من بين أكثر الصحف قراءة عام 2017- مقال رأي تؤكد فيه حاجة إيران إلى هذا التوتر الداخلي؛ الذي يسهم في إرغام القيادة الإيرانية على مراجعة حساباتها. أشارت أيضاً إلى أنّ نظام ولاية الفقيه لم يعد بإمكانه الاختباء وراء الحجاب الديني وهو يقف على كومة من الفساد. وقد أكّدت الباحثة أنّ السياسة الخارجية الإيرانية التي تثير قلق الشرق الأوسط لن تتغير بفعل الخارج، وإنّه من الحكمة أنْ ينأى المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون عن التصريحات النارية والمطالبة بقلب نظام الحكم؛ لأنّ ذلك قد ينعكس سلباً على طموحات المتظاهرين ومطالبهم.
- طبيعة الدعم الغربي للاحتجاجات
نشرت الصحيفة نفسها تحليلاً آخر عن طبيعة الدعم الغربي للمظاهرات، بقلم الباحث البريطاني هشام الزبير هليار، من المؤسسة الملكية للدراسات الأمنية والدفاعية RUSI. وقد رأى أنّ الدعم الغربي للمظاهرات الإيرانية يجب ألّا يكون مشروطاً بموقف الشارع من هذه الدولة الغربية أو تلك، أو موقف هذه الحكومة الغربية من القيادة الإيرانية. ويشير الكاتب إلى ازدواجية التعامل مع المظاهرات في العالم، والذي غالباً ما يتصل بالسياسة والمصالح، وليس بقيم المساواة والمثاليات.
- مظاهرات موالية واعتقال مزعوم لنجاد
كتب “توي ستاف” في “إسرائيل تايمز”، تقريراً بعنوان “الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد اعتقلته الحكومة لمشاركته في التحريض على الاضطرابات”. ويلفت التقرير إلى أنه تم عقد مسيرات كبيرة مؤيدة للحكومة رداً على مظاهرات المناهضين للحكومة وسياساتها. حيث يشير التقرير، إلى خروج تجمعات مؤيدة للحكومة في عدة مدن إيرانية، -تبعاً لما أظهره التلفزيون الحكومي- حيث لوح مئات الأشخاص بالعلم الإيراني ورددوا شعارات ضد الولايات المتحدة وإسرائيل. كما ردد المصلون الإيرانيون يوم الجمعة بعد مراسم الصلاة، هتافات خلال مظاهرات ضد المتظاهرين المناهضين للحكومة في طهران بإيران في 5 يناير(كانون الثاني) 2018. ووصف التلفزيون الرسمي التجمع بأنه “رد على مثيري ومؤيدي أعمال الشغب”. وقد نُظمت مظاهرات أخرى مؤيدة للحكومة في عدة محافظات ومدن إيرانية أخرى.
- الشعب الإيراني يدفع ثمن بناء الإمبراطورية الفارسية الجديدة
نشرت “التايمز” البريطانية مقالاً بعنوان “دفع الشعب الإيراني ثمن الإمبراطورية الفارسية الجديدة”، ويُشير المقال إلى أن الأمر استغرق أسبوعاً واحدًا فقط لمناقشة الاحتجاجات الإيرانية، التي بدأت في 28 ديسمبر (كانون الأول) 2017 عبر مجلس الأمن الدولي؛ بناء على طلب من الولايات المتحدة الأمريكية. وهناك هاجم السفير الروسي لدى الأمم المتحدة سعي الولايات المتحدة الأمريكية لإشراك المجلس في ما وصفه بأنه “شأن داخلي” بالنسبة لإيران. ويؤكد المقال أنه على الرغم من ادعاء رئيس الحرس الثوري الإيراني يوم الأربعاء الماضي بأن المظاهرات التي يسميها “الفتنة” قد هُزمت، فإن الكاتب يؤكد أن ذلك يبدو سابقاً لأوانه. ذلك أن الاحتجاجات استمرت. ويستبعد الكاتب أن تؤدي الاحتجاجات إلى الإطاحة بالنظام الإيراني، إلا أنها تقدم له تحذيرًا، شديد اللهجة. “وبالنسبة لإيران التي تنفق أموالها على بناء إمبراطورية فارسية جديدة في الشرق الأوسط، فهذا تذكير لها بأن هناك مشاكل عميقة في البيت الإيراني”.
- كيف تختلف الاحتجاجات الإيرانية الحالية عن الاحتجاجات السابقة في 1999 و2009؟
عقدت دراسة جاءت بعنوان “الحركات الاحتجاجية وأزمات النظام السياسي في إيران” نُشرت عبر المركز الخليجي العربي للدراسات الإيرانية، عقدت مقارنة بين الاحتجاجات الإيرانية في الأعوام 1999 و2009 و2017. وتُشير الدراسة إلى أن الاحتجاجات الحالية التي نشهدها كانت الأوسع نطاقاً؛ إذ كانت عام 1999 قد انتشرت في خمس مدن فقط، وكذلك الحراك عام 2009 انتشر في أربع مدن، إلا أن الاحتجاجات عام 2017 قد انتشرت في (64) مدينة في إيران.
وفيما يتعلق بالطبقات المشاركة، فقد شكلت الطبقة الفقيرة الأكثر حوجاً وعوزاً أساس الاحتجاجات الإيرانية الحالية، بينما شاركت عام 1999 الحركات الطلابية ثم انضمت إليها طبقات أخرى، وفي 2009 كانت واسعة النطاق إذ شملت الطبقة المتوسطة والرموز السياسية والنخبة السياسية والمثقفين.
تتشابه الاحتجاجات الحالية مع تلك التي وقعت عام 1999، في العفوية وعدم وجود قيادات توجهها. على عكس احتجاجات عام 2009 التي قادها (مير موسوي) و(مهدي كروبي).
أما بالنسبة للدوافع والأسباب، فإن احتجاجات عام 1999 اندلعت نتيجة صدور قانون الصحافة الذي حد من حريتها، وفي 2009 كانت الأسباب تتعلق بتزوير الانتخابات الرئاسية وتبني سياسة الإقصاء والتهميش، وفي الاحتجاجات التي نشهدها، والتي كانت قد بدأت نهاية 2017، جاءت مدفوعة بأسباب اقتصادية تتعلق بارتفاع الأسعار وتدني مستوى المعيشة. كانت احتجاجات عام 2009 مدعومة، كالدعم الذي تلقته من محمد خاتمي، وهاشمي رفسنجاني وغيرهما.
وفيما يتعلق بالتكتيكات الأمنية التي تم تبنيها خلال تلك الاحتجاجات، كما تُظهر الدراسة، فإنه في احتجاجات 1999 كان هناك استخدام للقوة الأمنية والقمع وتضييقٌ على الحريات. ونتج عنها مقتل (5) أشخاص واعتقال (200) شخص. وفي احتجاجات عام 2009 تُشير بعض التقديرات إلى مقتل (180) إيرانياً واعتقال (1500) آخرين. وكانت الاحتجاجات الأخيرة قد أدت إلى مقتل (21) شخصاً تبعاً لما أشارت له الدراسة. وتشير التقارير الحديثة إلى أن الأعداد تضاعفت بالإضافة إلى وقوع حملات اعتقالات واسعة.
الخلاصة
مع بدء تكرار بعض المقالات للسجالات حول الاحتجاجات في إيران، يتعمّق الانقسام بشكل واضح في الموقف من أهمية وتأثير تصريحات الإدارة الأمريكية والرئيس ترمب، أو المسؤولين الإسرائيليين، حول المظاهرات.
يلاحظ أيضاً أنّ الخبراء من أصول إيرانية يميلون إلى عدم إعطاء أهمية كبيرة لتغريدات ترمب، بينما الخبراء من العرب والغربيين يحمّلون ترمب مسؤولية تراجع المظاهرات إن حصل ذلك. ويعتبر الجميع هذه الاحتجاجات رسالة تهديد شديدة اللهجة للنظام الإيراني حتى وإن خبت. ولم يقدم أحد تفسيرًا واضحًا لسبب التحفظ على الرئيس الإيراني السابق “أحمدي نجاد” بحسب المعلومات التي لم تؤكد رسميا بعد؛ في سياق لا يمكن الجزم بأنه “تمثيلية” لصناعة بطل من الوجوه القديمة.