يستعرض هذا الإيجاز اليومي، منتخبات من الأخبار والمقالات والتقارير التي تعكس وجهات نظر بعض دوائر التفكير الغربية، وما نُشر فيها، حول التظاهرات والتحركات الشعبية في إيران، ومحاولة فهمها، وتأثيرها على طموحات إيران الإقليمية، وتقييم تعامل المفكرين والساسة الغربيين مع أخبارها.
كما يحاول تتبع أهم الخلافات في الوسائط الغربية، ومسارات فهم دوافعها.
- واشنطن بوست: على ترمب مواصلة الاتفاق النووي مع إيران
تُتيح الاحتجاجات الأخيرة في جميع أنحاء إيران فرصة جديدة للسياسة الأمريكية، ولذا يتعين على الرئيس دونالد ترمب خلال الأيام القليلة القادمة أن يقرر ما إذا كان سيواصل الاتفاق النووي مع إيران، وذلك بحسب ما جاء في مقالة نشرتها صحيفة “واشنطن بوست”، جاءت بعنوان “الاحتجاجات الإيرانية تقدم فرصة لترمب”، بقلم كل من: ويليام بيرنز، رئيس مركز كارنيغي للسلام الدولي. وجاك سوليفان، هو زميل أقدم في المركز ذاته.
اعتبر الكاتبان أنه من الأفضل مواصلة الاتفاق النووي مع إيران. وبناء على ذلك يتم تجديد الضغوط الدولية على تهديدات وتجاوزات الحكومة الإيرانية للمنطقة وشعبها، مع الاستمرار في تقييد طموحاتها النووية. و أنه لا يوجد شيء يتنافى مع تنفيذ الاتفاق النووي. إلا أن المقالة اقترحت في الوقت ذاته تمرير عقوبات اقتصادية جديدة تستهدف منتهكي حقوق الإنسان في إيران.
كما اعتبر الكاتبان أن استعادة العقوبات سوف تسرع بنهاية النظام، من خلال الضغط الاقتصادي. ويقترح الكاتبان أن تشير إدارة ترمب لشركائها الأوروبيين بأنها ستواصل الالتزام بالاتفاق، ولكنهما يتوقعان منهم أيضاً أن ينضموا إلى حملة جادة للرد على سلوك النظام الإيراني في الداخل والخارج.
- يا مجلس الأمن أما يكفي تواطؤًا!
في مقالة رأي نُشرت في “US news”، يؤكد لامونت كولوشي، أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، قد أثبت عدم جدواه مرة أخرى. مُشيراً إلى الاجتماع الطارئ الذي عُقد الأسبوع الماضي لمناقشة الاحتجاجات ضد النظام الإيراني. ويستنكر كولوشي موقف المجلس الذي ركز على الطبيعة الإيجابية للاتفاق النووي، بدلاً من التركيز على ما يحصل في الاحتجاجات، واتخاذ إجراءات ضد الثيوقراطية الإيرانية. حيث ذكر الكاتب: “مرة أخرى، لم يفعل مجلس الأمن شيئاً ضد الطغيان”.
ويُضيف الكاتب: إن الاحتجاجات الإيرانية الأخيرة، وبرنامج إيران النووي والصاروخي، والنشاط المشترك بين إيران وكوريا الشمالية، ورعاية الدولة الإيرانية للإرهاب، والتهديد الوجودي الذي تفرضه إيران على بعض دول المنطقة، كلها تشكل جزءاً من مثلث: الحماس الديني للشيعة الإيرانية من جهة أولى، والرغبة في إمبراطورية إيرانية من جهة أخرى، والنظام نفسه، الذي يشكل القمة. هذه هي المشكلة المتطابقة مع كوريا الشمالية. معتقدا أنه “إذا توقف النظام عن الوجود، فإن جميع المشاكل المتأصلة تتوقف أيضاً”.
- الأوروبيون والقلق من العقوبات الأمريكية على إيران
يرى الباحث في مؤسسة “واشنطن”، ومؤلف كتاب “حروب إيران: الأسرار والخفايا والصفقات التي أعادت تشكيل الشرق الأوسط”، جاي سولومون، يرى أنّ الاستجابة لمظاهرات إيران تعكس احتمالية الاختلاف بين الولايات المتحدة وأوروبا، وقد تحتاج الولايات المتحدة إلى طمأنة أوروبا بأنّ الرئيس ترمب لن يلغي الاتفاقية النووية. وبالمقابل، سيكون على الاتحاد الأوروبي ورئيسته فريدريكا موغريني إبداء المزيد من الاستعداد لانتقاد سجل حقوق الإنسان في إيران.
متصورا أنه حتى إن تجاوز الرئيس ترمب بعض العقوبات، يتوقع الدبلوماسيون الأمريكيون معركةً مع أوروبا حول مستقبل العلاقات مع طهران. فإلى جانب استعداد واشنطن لمعاقبة النظام الإيراني، هناك مؤشرات على أنّ الإدارة الأمريكية قد تمضي قدماً بخططها لمنع شركات بوينغ وإيرباص من بيع طائراتها لإيران.
- تساؤلات حول طموحات إيران الإقليمية
نشرت مؤسسة “كارنيجي” تحليلاً مقتضباً بقلم هولي داغراس، عن توجهات إيران الخارجية ومدى تأثّرها بالمظاهرات. حيث ترى المحللة أنّه على الرغم من الهتافات المنددة بولاية الفقيه والحرس الثوري، فإنّ أغلبية الإيرانيين لا يعارضون السياسة الخارجية الإيرانية ولا يرونها بالضرورة مضرة بالاقتصاد الإيراني، وأنّ الشعارات التي تنتقد التدخّل الإيراني في لبنان وسوريا والعراق واليمن لا تعكس الذهنية العامة للإيرانيين بمن فيهم المتظاهرون. مضيفة: إنّ “ظهور داعش في العراق وسوريا قدّم للحكومة الإيرانية فرصة لزيادة نفوذها الإقليمي في هذه البلدان، وعندما تعرضت إيران إلى هجوم من داعش في يونيو (حزيران) 2017 تعززت هذه الرؤية. ومع تراجع داعش في دول الجوار يسأل بعض الإيرانيين عن سبب الحاجة لاستثمار الأموال والأرواح في مغامرات إقليمية، ولكن هذا شأن ثانوي لمعظم الإيرانيين. إنّ ما يعني الإيرانيين حقّاً هي أمور مثل البطالة والفساد والمحسوبية، والتي لن تتغير بسرعة على الرغم من قرب نهاية المظاهرات ونجاح الحكومة في كبتها”.
- كيف يمكن أن يخدم ترمب الشعب الإيراني للحفاظ على جذوة الغضب؟
كتبت الباحثة المتخصصة في الشأن الإيراني، نظيلة فتحي، مقالا في “نيويورك تايمز”، ترى خلاله أن هناك خطوات عدة يمكن أن يتخذها الرئيس ترمب في حال كان فعلاً يريد مساعدة الشعب الإيراني على تغيير الأوضاع في بلده. وقد ذكرت في هذا السياق إمكانية إدانة إيران في انتهاكاتها لحقوق الإنسان. وممكن أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية أيضاً بتوفير الإنترنت عبر أقمار صناعية لتأمين وصولها إلى الناشطين ليتمكنوا من التواصل مع المجتمع الدولي.
وتؤكد الكاتبة أن الأهم من ذلك، أن يقوم ترمب بالمحافظة على الاتفاق النووي ويتجنب فرض عقوبات جديدة على إيران. ذلك أن الابتعاد عن الصفقة -كما أشارت الكاتبة- سيكون هدية للمتشددين الإيرانيين الذين يستطيعون استخدام ذلك لإثارة الوطنية ضد عدو خارجي، في إشارة للولايات المتحدة.
وتُضيف الكاتبة، أن النظام قد ينجح في إنهاء الاحتجاجات، كما حدث في عامي 2003 و2009، ولكنه لن يكون قادراً على إنهاء الغضب الشعبي المشتعل. حتى في المناطق الريفية والنائية، التي أعرب الناس فيها عن غضبهم حيال سياسات النظام داخل إيران وخارجها، الأمر الذي اعتبرته فتحي تعبيراً عن اللحظة التاريخية التي تحول فيها الأغلبية ضد النظام الإسلامي، حتى بين مؤيديه المتحمسين.
- كيف تعمل آلة القمع في طهران؟: الباسيج وقوة الشرطة
من جهته كتب الأستاذ المساعد للعلوم السياسية في “جامعة تينيسي” سعيد جولكار، كتب حول “قدرة الجهاز القسري الإيراني ومبتغاه”. معتبرا أن “قمع الانتفاضة الأخيرة في إيران نمط مألوف، وتفاقم فوراً بعد توسع رقعة الاحتجاجات في مدن وبلدات متعددة. وقد تكررت هذه السلسلة من عمليات التمرد والقمع عدة مرات في ظل عهد الملالي، حيث كان النظام ينجح في إخمادها في كل مرة. وسيرتبط مصير الاحتجاجات الحالية مباشرة بقدرة الجهاز القسري الإيراني ومبتغاه؛ لذلك فإن فهم هيكلية هذا الجهاز وعملياته الداخلية أمر ضروري”.
كما قدم الكاتب تصوره للدولة البوليسية التي تحكم إيران، وشرح تغلغلها في المجتمع. حيث تم تحويل أجهزة القمع إلى مجتمع قائم بذاته. فتم اختيار الباسيج في البدء من طبقات دنيا ووسطى، ثم تاليًا صار الدخول للشرطة يتم عبر بوابة الباسيج، فنحو (80%) من أفراد الشرطة الجدد الذين تم تعيينهم عام 2007 تم اختيارهم من “الباسيج”. لذلك فإن قمع مظاهرات الثورة الخضراء 2009 كان سهلاً لأن قادتها من الطبقة الغنية. ولكن الآن الأمر يختلف.
فمن ناحية، من الصعب نجاح الاحتجاجات الأخيرة نتيجة وجود هذه الكيانات التي تحتفظ بالقدرة على القمع والرغبة فيه. ولكن يمكن أن يقوم عدد كبير من المتغيّرات بتقويض كلا العنصرين، من بينها: التقسيم الداخلي بين نخب النظام، والاحتجاجات الموسّعة، والضغط الدولي بشأن انتهاكات حقوق الإنسان.
- خلاصة
يتجه الموقف الأمريكي نحو المزيد من الصرامة، بينما يحوم الموقف الأوروبي حول الحياد والاكتفاء بالقلق البارد. ويخشى الأوروبيون أن يتطور الموقف الأمريكي ليمس الصفقات التي تلت الاتفاقية النووية. بينما يشعر بعض المحللين من ذوي الأصول الإيرانية بأنّ المجتمع الدولي خذل المتظاهرين في جلسة مجلس الأمن، التي خصصت لتناول التطورات.
أما في الداخل الإيراني، فتأتي التحليلات لتفسر اختلاف التجاوب الأمني بين مظاهرات 2009 والمظاهرات الحالية. ففي 2009 كان الأغنياء الراغبون في الحرية يتظاهرون ويقمعهم أعضاء الباسيج القادمون من طبقات دنيا. أما اليوم فالفقراء يواجهون الفقراء!
ويراهن البعض على أنّ عملية القمع الآن تبدو أصعب، وربما تخف القدرة والرغبة في ممارسته لدواعٍ طبقية، إلا في حال واصل الملالي ضغطهم على منسوبيهم أجمعين.