أعلنت قطر يوم الاثنين عبر لولوة راشد الخاطر، المتحدثة باسم وزارة الخارجية أن الدوحة تؤيد العملية العسكرية التركية الجارية حاليا في شمال سوريا. وأضافت أن تركيا كانت “دائما عامل استقرار في المنطقة”. وقالت أيضا بأن قطر واثقة تماما من قيام الجمهورية التركية بالحفاظ على أمن وسلامة المواطنين السوريين ووحدة الأراضي السورية.
وتشنّ أنقرة أخيراً هجمة على قوات وحدات الـ YPG التي أعانت قوات حماية الشعب السورية في منطقة عفرين، وهي جماعات مسلحة متكونة من إثنيات متعددة، عرباً وأكراداً وآشوريين قاتلوا في السنوات الماضية “داعش” وقوات الرئيس السوري بشار الأسد أيضا، وتلقوا الدعم المالي والمعنوي من الولايات المتحدة ومعظم الدول الأوروبية، بل وحتى تطوع في صفوفهم مقاتلون أجانب من أجل محاربة “داعش”. ولا يمكن نكران علاقة هذه القوات بصفوف حزب العمال الكردستاني، والذي تعتبره تركيا ومعظم دول العالم تنظيماً إرهابياً. وقد يرى المراقب بأن من حق تركيا الدفاع عن حدودها في وجه جماعات مسلحة مرتبطة بمن تعتبره أنقرة العدو اللدود الأول، ولكن الموقف التركي الأخير شائك ومعقد ومتناقض بكل تفاصيله، ويعكس تماما السياسات الثنائية للإسلاميين الذين يجدون طرقا للالتفاف لتبرير مواقفهم.
لم تفكر تركيا في إنشاء مناطق عازلة في شمال سوريا عندما كانت أراضيها الممر الرئيس للجهاديين من كل حدب وصوب، والذين يدخلونها بجوازات أجنبية ثم يتفقون على مرأى ومسمع من السلطات مع المهربين وسماسرة الحرب للنفاذ خلسة إلى سوريا والعراق، لغرض الانضمام إلى “داعش” أو الجماعات المتطرفة الأخرى. وهناك ارتكبوا من المجازر والجرائم ما لا توصف بحق المدنيين العزل في الموصل والفلوجة والرمادي والرقة ودير الزور ومدن أخرى. ولم يجد أردوغان سبباً لفتح تحقيق عن كيفية وصول السلع والبضائع التركية المنشأ بشكل شبه يومي إلى الأراضي التي كان “داعش” يسيطر عليها، ولم يرَ ضرورة في وضع حد لعمليات شراء النفط الذي كان “داعش” والجماعات الجهادية المتطرفة الأخرى يبيعونه من حقول نفط العراق وسوريا التي كانت تحت سيطرتهم، ولكن أردوغان اليوم يصور حزب العمال الكردستاني، وهو بالتأكيد تنظيم إرهابي، على أنّه مكافئ لـ”داعش” ويشكّل الخطورة نفسها على تركيا، ناسياً أو متناسياً أنّه نجح في اكتساب أصوات الأكراد في بداياته السياسية عن طريق عملية السلام مع حزب العمال الكردستاني، وفتحه لباب الحوار معه. فكيف –إذن- هو مكافئ لـ”داعش”؟ بل سبق لحزب العدالة والتنمية، وعلى لسان رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو، أن قلل من أهمية وخطورة “داعش”، واصفاً إياهم بالمجموعة الغاضبة من الشباب على الرغم مما ارتكبه التنظيم من فظائع.
أمّا في الحملة العسكرية الأخيرة في عفرين، فلم يتردد أردوغان عن استخدام الخطاب الديني الرنان، فوصف قوات حماية الشعب بأنّهم “صليبيون”، وفي مناسبة أخرى قال عنهم “ممكّنين للصليبيين”، وهنا يجب السؤال: من هم الصليبيون الذين يقصدهم أردوغان؟ فالولايات المتحدة حليفة لتركيا، وروسيا كذلك، بل إنّ المفارقة المضحكة هي قاعدة إنجرليك التي تتخذها القوات الأمريكية مقراً لها، ومنها تنطلق في عمليات دعم لقوات حماية الشعب، تنطلق منها أيضاً الحملة التركية التي تستهدف قوات الـ YPG. وقالت إحدى الصحف التركية بأنّ المقاتلين الأجانب، الأوروبيين تحديداً، الذين تطوعوا في صفوف الـ YPG هم الصليبيون، وهنا سؤال آخر: ماذا عن الآلاف من الأوروبيين الذين عبروا الأراضي التركية للانضمام إلى “داعش”؟ يعتمد أردوغان ومؤيدوه في الإعلام على تسويق الحملة الأخيرة كحرب دينية مقدسة، أو غزو، كما تصدح به مساجد تركيا أخيراً. والحقيقة أنّ أردوغان يتفنن في هذا الخطاب الشعبوي الديني، كما يحلو للإسلاميين تهييجه في جميع المناسبات، لأنّ هناك جمهوراً واسعاً يتلقفه بشغف. ولا يعبأ المحرضون على الخطاب الديني الطائفي بالعواقب والتبعات، كما لا يهتم الجمهور به كذلك، طالما أنّه يشبع جزئياً حنينهم لأمجاد الغزوات الإسلامية، ويبقي الصراع الديني مشتعلاً في المنطقة ليستغله الإسلاميون للتحريض على “الصليبيين” و”أعوانهم” لاختلاق المزيد من الأزمات في المنطقة.
منذ ما لا يقل عن عقد من الزمن وحزب العدالة والتنمية بزعامة شخص أردوغان ونموذجه يصوّر تركيا على أنّها البلد الزعيم للأمة الإسلامية بامتدادها العابر للغات والحدود، دون أدنى اعتبار لمدى أهمية ذلك أو الحاجة إليه، أو رغبة المسلمين حول العالم بهذه الزعامة المفترضة. لقد آمنت تركيا الإسلامية بالوهم الذي فرضته عليها الولايات المتحدة، وهو أنهم الإسلامويون الديمقراطيون الذي طال انتظارهم واحتاج إليهم المسلمون في العالم، وأنّ التجربة التركية الناجحة يمكن تقليدها في جميع الدول ذات الغالبية المسلمة، بغض النظر عن السياقات الاجتماعية والسياسية. يرى الغرب اليوم مدى الورطة الكبيرة في مفهوم “الديمقراطية الإسلامية”، وهو الآن واقع بين حليف حارب داعش نيابة عنه، وبين حليف يساوي بين الديمقراطية الحديثة، والغزوات التاريخية.