في ربيع 1991، التفت مجموعة من الغاضبين حول الشيخ محمد بن صالح العثيمين، وهو فقيه سعودي توفي في يناير 2001، كان الشيخ قد انصرف من صلاة العصر، وتحت إلحاح هؤلاء الزوار اضطر إلى أن يجتمع بهم في غرفة في المسجد، كان ثلاثة منهم قد سبق أن قاموا بإحراق سيارة لمدير شرطة لأنه «علماني»، حسب وصفهم، وأحرقوا متجرين لبيع الأفلام السينمائية في مدينتين أخريين في السعودية. لم يكونوا ينتظرون فتوى من ابن عثيمين، لكنهم كانوا يحتاجونها ذريعة لتجنيد الآخرين. كان الحوار معه جريئاً ومتهكماً، وأحياناً تعلو أصواتهم. قال له أحدهم لماذا أنت جبان، لم لا تصدع بالحق؟ ابتسم، قال آخر له: لدينا أسلحة، حان الوقت أن نزيل المنكرات بالقوة. قال لهم بهدوء: «لا، لا. هذا لا يمكن قبوله». اتجه إلى أكثرهم حماسة وعاطفة وقال وهو ممسك بيده: «إياك أن ترفع السلاح، إياك أن تفكر بذلك مرة أخرى».
في الستينيات من القرن الماضي تلقى توبيخاً هو وابن باز من قبل المفتي الأكبر وقتها الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ لفتواهما في الطلاق الثلاث، لم يكن راضياً عن خلافهما له. وراثة ابن عثيمين لمدرسة ابن سعدي وشيوخه من قبله كانت تمنحه لوناً مختلفاً. ولأنه كان أحياناً ينحت مفاهيم جديدة غير معهودة لمعانٍ متفقٍ عليها في العقيدة والأسماء والصفات، فقد كان العام 1984 عاصفاً وقاسياً عليه.
أياً يكن، فإن السنوات اللاحقة بعد ذلك ضاعفت جمهوره، وثقة الملك ونائبيه، ومنحته الزيارة الملكية في أبريل 1988 في بيته وضعاً جديداً، لم يعد أحد من منافسيه أو حاسديه يمكنه أن يشكك في علمه و«سلامة عقيدته»، وجاءت المفاجأة حين أصبح عضواً في «هيئة كبار العلماء». كان «ابن عثيمين» وفقيه أصولي مكيٌّ آخر هو عبدالوهاب أبوسليمان، ممن أحدثت عضويتهما بعضاً من التذمر عند بعض زملائهم. حافظ أبوسليمان على اختلافه عنهم، بدا غريباً عليهم. وقد جرت العادة أن إلحاق أي فقيه بهيئة كبار العلماء يفرض عليه وضعاً جديداً ومحافظة في حدها الأدنى تتماشى مع روح المؤسسة. لهذا فقد تساوقت عضوية ابن عثيمين مع مزاج اجتماعي أكثر محافظة، أرغمه على أن يكون أكثر حذراً وأقل انطلاقاً مما عرف عنه في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي. لكنه كان صعب المراس ولا يمكن خداعه من قبل الإسلام السياسي.
ما سبق مهم لفهم أمر ذي صلة وثيقة، فئة أخرى من الذين كانوا يتطلعون إلى أن يكونوا ضمن كبار العلماء الرسميين، كانوا يدفعون بشعبيتهم ويسعون إلى فرض مكانتهم ومنافستهم لأعضاء الهيئة من خارج المسار الرسمي، فنهجوا نحو مداهنة وتلبية رغبات تيار ديني ذي نزعة معارضة سياسياً بدأ بالتعاظم والتأثير في مؤسسات الدولة.
ولكن ابن عثيمين صمد في وجه العاصفة، ففي ذروة الجنون الذي تلبس الإسلام السياسي منذ أغسطس 1990 حتى سبتمبر 1994، أثبت ابن عثيمين ولاء وصدقاً ونصحاً، ورغم التحقير والشتم، والطعن في ذمته، والتشكيك في نيته. كان زاهداً حقيقياً، لم يؤت من جشع أو تطلع إلى زهرة الدنيا. في سبتمبر 1994 أمام باب منزله، انهال عليه سبعة بأقسى ما يمكن أن يسمعه عالم دين. في تلك الأيام العصيبة، أصدر فتوى في غاية الأهمية معناها: «لا يجوز لمسلم شقُّ عصا الطاعة على حاكم أو رئيس غير مسلم أو ارتكب ما يسلبه الإيمان، لأن في ذلك فتنة عظمى وضرباً للاستقرار». للحديث بقية.