مركز المسبار- خاص
يُقدم الباحث الإيطالي المتخصص في الحركات الإسلامية والعنف السياسي لورينزو فيدينو في دراسته التي (تمت بالتعاون مع معهد فيينا لدراسات الشرق الأدنى) وبدعم من تمويل صندوق التكامل النمساوي، قدم دراسة حول وجود الإخوان المسلمين في النمسا.
يسعى الكاتب إلى تتبع تاريخ حركة الإخوان المسلمين، وتطورها، إلى جانب فهم للجماعات المرتبطة بها عضوياً أو أيديولوجياً. وبالنظر إلى جدوى تقديم الصورة الكاملة حول الموضوع، وعلى ضوء ندرة الدراسات، يسعى الكاتب إلى توفير دراسة تكون قاعدة لدراسات أخرى؛ لاعتقاد الكاتب بضرورة وجود دراسات أكاديمية موجهة لفهم الديناميكيات الشخصية والمالية والأيديولوجية والسياسية، للكيانات المتأثرة بالجماعة، تمكَن الحكومة من فهم أفضل لما يمكن أن يشكل خطرا على النمسا، في الوقت الذي تنشط فيه قضايا التطرف والإرهاب وهجرة المسلمين الهائلة إلى أوروبا.
يُلقي الكاتب الضوء على وجود الإخوان المسلمين في الغرب، التي بدأت مع هجرة العديد من كوادرهم إلى النمسا خلال ستينيات القرن الماضي، وتم التأسيس لوجودهم على يد بعض المهاجرين منهم، أمثال يوسف ندى وسعيد رمضان، ومع مرور الوقت نمت شبكاتهم وتطورت. قسم الكاتب هذه الجماعات إلى ثلاثة أقسام؛ أولاً: (الإخوان النقيين)، وهم أعضاء بأفرع مختلفة في جماعة الإخوان المسلمين، أنشأت وجودها في الغرب، وتتبع بشكل مباشر لتفرعات الجماعة الأم في الشرق الأوسط. ثانياً: (سلالات الإخوان)، وهم أعضاء في المنظمات التي أُنشئت بواسطة أفراد، يرتبطون بروابط قوية مع الجماعة الأم، ولكنهم يتصرفون بشكل مستقل عن هيكلية الجماعة الأم، ثالثاً: (المنظمات المتأثرة بالجماعة الأم)، وهي منظمات أُنشئت بواسطة أفراد يرتبطون أيديولوجياً مع الجماعة الأم، وينتفي وجود روابط تنظيمية معها.
ينشط الأفراد والمنظمات التي تنتمي إلى المجموعات الثلاث السابقة في النمسا منذ عقود، ويصنعون شبكة من العلاقات القوية مع النخب، ويقيمون الأكاديميات التعليمية، والأعمال، والكيانات والشركات والجمعيات الخيرية والإنسانية، ويتمتعون بدرجة كبيرة من العلاقات والسلطة، بالنظر إلى العدد القليل من أعضاء الإخوان المسلمين والمرتبطين بهم.
يعتقد الكاتب أن هذا النمط شائع جداً في معظم الدول الغربية، حيث تمكنت منظمة الإخوان المسلمين، والمنظمات المرتبطة بها، من أن تصبح محاورة متميزة للنخب الغربية داخل المجتمعات المحلية المسلمة؛ مشيراً إلى امتلاكها قدرات مادية، ومهارات تنظيمية عالية، إلى جانب قوة العلاقات الشخصية والتنظيمية بين الأفراد ومنظمات الإخوان في النمسا. يعتقد الكاتب أن جماعة الإخوان معقدة، وفهمها أيضاً معقد وصعب؛ نظراً لارتباط الكيانات والشبكات والأفراد بطرق مختلفة. وفي السياق ذاته، يشير الكاتب إلى أن النمسا -كبقية الدول الأوروبية- فهمت بشكل جزئي جماعة الإخوان المسلمين، والكيانات المرتبطة بها، ويلفت إلى ميل المراقبين الغربيين للمبالغة في تقدير الطبيعة التمثيلية، وتجاهل الروابط بين الجماعة الأم وهذه المنظمات.
لكن على ماذا تستند جماعة الإخوان المسلمين في النمسا؟ ما الرسالة التي تنشرها المساجد والاجتماعات واللقاءات التي تتبعهم؟ وما الروابط ما بين الجماعات الناشطة في النمسا والجماعة في الخارج؟ هل يتلقون تمويلاً خارجياً؟ يطرح الكاتب هذه التساؤلات التي تحتاج إلى إجابات لكي تتمكن الحكومة النمساوية من تطبيق سياسات متسقة، للتعامل مع الإخوان المسلمين والكيانات المتأثرة بهم.
صنفت جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية في دول عدة، على خلاف الدول الأوروبية بما فيها النمسا، وسعت السلطات النمساوية إلى الحفاظ على حوار مع جماعة الإخوان المسلمين من أجل تجنب تعزيز التطرف، وفي بعض الحالات، يُنظر إلى الإخوان كوسيلة لضمان النجاحات الانتخابية من جانب بعض القوى السياسية.
إلا أن الإخوان يلعبون دوراً كبيراً في تقوية الإسلام في المجتمع النمساوي كما في باقي المجتمعات الأوروبية، ويسعون لتحقيق أهداف سياسية، من خلال استخدامهم لثنائية الضحية والعنف، القضية التي تخلق بيئة خصبة للتطرف. لقد قامت كيانات الإخوان في أوروبا بالمبالغة في المواقف والمعتقدات المعادية للمسلمين، لتكريس العقلية التي تعتقد أن الغرب في حالة عداء للإسلام والمسلمين على العموم، داخل المجتمعات المحلية المسلمة. كان ذلك واضحاً بشكل خاص في النمسا خلال السنوات القليلة الماضية. وفي السياق ذاته، تبرر جماعة الإخوان المسلمين العنف في الحالات التي يعتقدون بها أن المسلمين يتعرضون للتهديد أو الاحتلال. قام قادة وفروع جماعة الإخوان المسلمين في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك النمسا، بتمويل كيانات تابعة لجماعة الإخوان المسلمين، مثل حركة حماس، ويعتقد الكاتب أن تعزيز رواية الضحية المختلطة، وتبرير العنف، يجب أن يُنظر إليها بقلق بسبب الارتفاع الكبير في الإرهاب والتطرف الذي شهدته أوروبا خلال السنوات الخمس الماضية.
تؤثر جماعة الإخوان المسلمين على المجتمع النمساوي وتماسكه، حيث ينظر الإخوان إلى المجتمعات الغربية بدونية، على اعتبار أنها مجتمعات فاسدة وغير أخلاقية، فضلاً عن أنها أدنى من المجتمعات الإسلامية. كما تتناقض مواقفهم مع القيم الأوروبية فيما يخص الحريات والحقوق، ولا سيما حقوق المرأة والحرية الدينية.
وفي الختام أشار الكاتب إلى ما قاله “جون زاراتي” Juan Zarate (المسؤول الأمريكي في مكافحة الإرهاب) فيما يخص الإخوان المسلمين: “إن ما يعقد الموضوع أكثر هو أن الإخوان حركة سياسية وكادر اقتصادي يدعم الإرهاب في بعض الحالات، لكنْ هناك بينهم معتدلون أيضاً”. وفي هذا الصدد، يلفت الكاتب إلى لزوم قيام السلطات النمساوية بإجراء مراجعة داخلية للجماعة، كتلك التي أجرتها المملكة المتحدة عام 2014، والتي هدفت لمراجعة فكر وأهداف وسلوك الإخوان، في ظل تعقد الحركة وغموضها وتأثيراتها.
للاطلاع على نص الدراسة الكامل: https://goo.gl/ienTVo