يقسّم معتز سلامة، مدير برنامج دراسات الخليج العربي ورئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بمركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام (مصر)، علاقة مصر بقطر في عهد مبارك إلى مرحلتين، ويرى أنه يصعب التوصل إلى فواصل زمنية قاطعة بينهما لأنهما متداخلتان، خصوصاً من ناحية استمرار خصائص المرحلة الأولى خلال المرحلة الثانية، وهما: مرحلة الارتياب والعداء الشخصي التي سادت منذ عام 1995 وحتى 2005، والتي شهدت في بداياتها محاولة انقلابية على الأمير حمد بن خليفة في نوفمبر (تشرين الثاني) 1996 وجه فيها الاتهام إلى مصر ودول أخرى، ونشأة قناة الجزيرة في الشهر ذاته والسنة نفسها، وهي القناة التي تناولت الشؤون المصرية بالنقد الشديد. وهذه المرحلة ظلت مؤثرة على الدوام، واستمرت ملامحها خلال المرحلة التالية. ومرحلة المنازعة على الدور الإقليمي، وسعي قطر لسحب البساط من تحت أقدام الدور المصري العربي، والتدخل في الشؤون الداخلية لمصر. ويمكن تحديد بدايات هذه المرحلة مع بدايات صعود الدور الإقليمي لقطر الدولة في تسوية المنازعات الإقليمية، والقيام بأدوار وساطة في الصراعات العربية، وتعود بجذورها إلى عام 2005، واستمرت حتى سقوط مبارك في فبراير (شباط) 2011.
ومن خلال استعراض أشكال وأنماط العلاقة بين مصر وقطر على مدى الأعوام من 1995 وحتى 2011، تبرز ثلاث خلاصات كبرى:
الأولى: أنه لم يتضح في الفترات المبكرة من تلك العلاقة (بين 1995 و2005)، أنه كانت هناك رابطة قطرية خاصة مع جماعة الإخوان المسلمين داخل مصر، ولم يكن هذا الموضوع في ذهن أي من المسؤولين المصريين عند التعامل مع النظام القطري، وكان أقصى ما يتحدث عنه النظام المصري في شأن العلاقات الدولية للإخوان خلال تلك الحقبة هو الحديث عن التنظيم الدولي للجماعة، دون تحديد لعلاقة الجماعة بدولة عربية محددة، وهو ما يشير إلى أن علاقة قطر بالإخوان تم بناؤها بشكل تدريجي، وأن قطر اكتشفت رؤيتها ومصلحتها من تلك العلاقة مع الزمن، ولم تكن لقطر رؤية مستقلة أو تصور عن تلك العلاقة أو عن تحالف سياسي بين الاثنين مسبقا، لكن المصالح من وراء هذا التحالف تشكلت تدريجيا وبالتكشف الذاتي، وربما جمعت بين الجانبين في محطات مختلفة أدوات التواصل مع الشبكات الخارجية والدولية، والتي دفعت إليها وعبرت عنها بوضوح أوراق سياسات في مراكز دراسات عالمية.
أما في الفترة الممتدة بين 2006 و2010، فقد تمثل التلاقي القطري مع إخوان مصر على نحو غير مؤسسي أو تنظيمي، ولكن على شكل تلاقي مصالح عن بعد، من خلال مساعي قطر للإضرار بنظام مبارك؛ فبرزت الجزيرة كصوت للمعارضين السياسيين وكأداة لفضح جوانب الخلل والتزوير في الانتخابات المصرية، وتناولت أوضاع البائسين والفقراء في ظل حقائق اختلال الثروة، وغياب العدالة الاجتماعية والفساد، فشكلت بذلك أكبر داعم لتيار الإخوان، من خلال مساعدتها للجماعة على إيجاد أرضية تعاطف قيمية مهدت الطريق للإخوان بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني). وبشكل عام، كان عداء قطر لنظام مبارك يفوق تأييدها أو تعاطفها مع الإخوان أو المعارضة المصرية، وكان مشروع قطر ضد النظام أكبر من مشروعها لمساندة الجماعة.
الثانية: أنه للفترة الأكبر من عمر العلاقة مع نظام حمد بن خليفة، لم تكن لمصر رؤية لإدارة علاقة صراعية معلنة مع النظام القطري، ولم يدرك نظام مبارك حجم ما يمكن أن يشكله النظام القطري من تحدٍ مستقبلي، وتعاملت مصر مع قطر في سياق إدارتها الشاملة لعلاقاتها العربية، ومن منطلق مبدئي، يستهين بإمكان أن يشكل بلد عربي بحجم قطر تهديدا للأمن القومي لمصر، ومن خلال رؤية مصرية تعتبر أن مصر كبيرة وليست بالدولة التي يمكن أن تتعرض للخطر من جراء سلوكيات قطرية. وذلك ما تكشفه بجلاء النظرة الشخصية للرئيس مبارك لقطر، والتي عبر عنها أكثر من مرة بأشكال مختلفة، وهي إشارات لم تعدم تكرارها على لسان أقرب معاونيه والمسؤولين في عهده، فحتى في ظل أقصى فترة سخطه على قطر-في خطابه سالف الذكر في 24/1/2010- تأبّى على مجرد ذكر اسم قطر. وفي أغلب تصريحاته عن قطر أبدى ترفعه عنها وعن قناة الجزيرة، وهناك رواية عنه كثيرا ما تُجرَى الإشارة إليها تفيد بأنه عندما زار «الجزيرة» قبل سنوات من الإطاحة به، نظر إلى المبنى، وقال: «كل هذا يخرج من علبة الكبريت هذه». ويتذكر صحفي البي بي سي «فرانك جاردنر»، قول الرئيس مبارك وهو يشكو من خلاف له مع أمير قطر: «لماذا أهتم ببلد تعداد سكانه يعادل حجم نزلاء فندق صغير؟». ولم يكن مبارك استثناء من نظرة رئيسي مصر السابقين عليه لقطر، وهي الدولة التي طالما توترت علاقتها مع مصر.
الثالثة: أن نظرة مصر لقطر؛ كدولة ضمن المنظومة الخليجية في مجلس التعاون الخليجي، شكلت معطى مهما في السياسة المصرية تجاه قطر، خصوصاً في وقت لم يكن قد اتضح بعد طبيعة الخلافات الخليجية مع قطر، في ظل رؤية مصرية كانت متيقنة، أنه لا يمكن أن ينحاز الخليج لمصر على حساب قطر. وذلك ما يشير إليه الفقي، الذي يؤكد أن لمصر علاقات وثيقة مع دول الخليج عموماً، ولكنها تدرك في الوقت ذاته أن من غير الواجب ولا المستحب التصعيد في حدة الخلاف مع دولة قطر، لأن ذلك سيؤثر بالضرورة على علاقات الخليج بمصر، لأن «اللُّحمة» الجغرافية والتاريخية بين دول الخليج أقوى من علاقة أي دولة فيه مع طرف عربي آخر.
ولذلك كان الرئيس المصري يتعامل مع قطر، وهو مدرك تماما لحدود حركته مع النظام القطري، مؤثرا عدم الرغبة في الإضرار بعلاقات مصر الخليجية. وذلك ما يفسر جانباً من تراوح السياسات المصرية خلال فترة مبارك لملف قطر بين الاحتواء والتصعيد المحسوب، وهو ما كان أمراً ملموساً في إدارة مبارك للملف.