قراءة: منيرة رزقي (باحثة تونسية في علم الاجتماع)
يضم كتاب “تجارب كونية في تدريس الأديان: محاضرات كرسي اليونسكو للدراسات المقارنة للأديان”، مجموعة من الدراسات والخبرات حول تدريس الأديان في بعض الدول الأوروبية والعربية. شارك فيه خبراء في مجال التربية والتعليم وعلم الأديان والتاريخ والفلسفة، وهم على التوالي: مصطفى الشريف، محمد الحدّاد، عبدالرزاق العيادي، محمد الصغير جنجار، ولفرم وايس، جيرار جانيس، جون فيليب برا، ريجيس دوبريه، جون _ ماري هوسير، ولفغونغ بوك، معز الخلفاوي، لويس _ ليون كريستيانس، بيار سيزاري بوري، ريستو جيكو، هارتموت بوبزاين. وقام بنشره مركز المسبار للدراسات والبحوث عام 2014 ووقع في 372 صفحة.
التعليم الديني: الجمود والتنافر
“من الواضح أن برامج التعليم منذ المدرسة الابتدائية وحتى الجامعات هي أول شيء ينبغي تغييره إذا أردنا التوصل إلى ثقافة إنسانية منفتحة يوما ما”.
ذلك ما قاله محمد أركون في كتابه “معارك من أجل الأنسنة في السياقات الإسلامية” مقارباً من خلاله أزمة التعليم الديني في الفضاء العربي الإسلامي. ولعله يكون من المفيد الاستهلال به في عرضنا لكتاب “تجارب كونية في تدريس الأديان” الذي قام البروفيسور محمد الحداد بالإشراف عليه وتقديمه وتعريب الدراسات الواردة بين دفتيه، وهي محاضرات أعدّت في إطار نشاطات كرسي اليونسكو للدراسات المقارنة للأديان الذي يشرف عليه.
وقد أراد التأصيل لهذا الكتاب بالقول:
“المهم اليوم أن لا ننخرط في الشعارات الزائفة، ولا نبتعد عن الموضوع المطروح للتفاخر بالآباء والأجداد وما تركوه من تراث، فلا مناص من الإقرار بأن نصيبنا حالياً من علم الأديان نصيب ضئيل، وأنه ليس من كبار أعلامه في العصر الحديث شخصيات عربية ولا إسلامية، وأن حضوره في جامعاتنا بالمعنى العلمي الحديث الذي بينا حضور ضعيف، بل يكاد يكون معدوماً. فأفضل ما يمكن القيام به اليوم هو أن نبدأ بفهم ما تراكم من معارف منذ نشأة هذا العلم قبل أكثر من قرن، وأن نعمل على عرضها بلغتنا العربية عرضاً منهجياً، وعلى تعريب المصادر الأساسية في هذا العلم، ثم نحاول -في مرحلة لاحقة- أن نقدم اجتهاداتنا في هذا المجال انطلاقا من التجربة الإسلامية التي تمثل جزءا مهما من الظاهرة الدينية الكونية”.
ويؤكد البروفيسور الحداد أنه على الرغم من الأهمية المركزية للظاهرة الدينية في المجتمعات المعاصرة، وعلى الرغم من تنامي الاهتمام بهذه الظاهرة وإثارتها للجدل، فإن دراستها أكاديمياً لا تزال من دون المأمول، لا سيما في الجامعات العربية اللإسلامية؛ إذ ثمة غياب واضح للمناهج والآفاق المنشودة، كما أنه لا وجود لتصور أو رؤية تهدف إلى التجديد ومحاولة التجاوز. وهو ما بات حاجة ملحة لتحقيق النهوض الحضاري.
وعلى الرغم من المكانة المحورية للدين في مجتمعاتنا، فإن التعاطي البحثي والأكاديمي معه يعادل ولوج حقل ألغام؛ نظرا لما يحف بذلك من مزالق ومخاوف تجعل الباحث ينأى عن مقاربة القضايا المتصلة بهذا الحقل المعرفي.
فلا يزال التعليم الديني -في مجمله- يقوم على الجمود والتنافر مع العصر، كما أنه كثيراً ما يحمل مقومات الغلو والتطرف التي تؤدي إلى إثارة نزعات الحقد والكراهية للآخر المختلف دينياً. ولعل هذا العزوف الذي ترك شغوراً معرفياً في مبحث على درجة بالغة من الأهمية، هو ما يفسر أهمية الكتاب الذي بين أيدينا، إذ يرنو إلى أن يملأ هذا الشغور الحاصل في هذا الحقل المعرفي في الفضاء العربي الإسلامي في التعاطي مع الظاهرة الدينية بحثاً ودراسة ومقاربة وتفهماً، وذلك عبر جملة من الدراسات القيمة التي تسلط الضوء على تعاطي عديد البلدان مع مبحث الأديان المقارنة، وتنزيلها إياه في سياق بحثي وأكاديمي مخصوص، إقراراً منها بأهميته والفوائد المرجوة منه على الجامعة والمجتمع.
وهذه الدراسات من شأنها أن تحفز الراغبين في تغيير المناهج التعليمية في العالم العربي الإسلامي في مجال تدريس الأديان، ولا سيما أن هناك دعوات ما فتئت تتعالى في هذا الصدد.
إذن، في هذا الإطار يتنزل هذا الكتاب الذي يتضمن جملة من الدراسات الأكاديمية المعمقة التي تحوم حول تجارب تدريس الأديان في عدد من البلدان، متوسلة إلى تفهم هذه الظاهرة الدينية بأدوات منهجية ونظرية، ومستفيدة في ذلك من مكاسب الدراسة الاجتماعية. وقد رام جملة من المفكرين والدارسين والخبراء تقديم هذه النماذج التي يمكن الإفادة منها، بهدف مراجعة وإعادة النظر في التعليم الديني وتطويره.
ومن مظاهر أهمية هذه التجارب المتنوعة والمتعددة، أن الإفادة منها مضاعفة في محيطنا العربي، نظراً لإخفاق الجميع في تدريس الديني، وهو ما يحجم إمكان إيصال جوهر الرسالة الدينية إلى المتلقي. فالفاعل الاجتماعي في الفضاء العربي ما زال يتعاطى مع الديني من منطلق يقيني عقائدي صرف، وهو ما يقود إلى الانغلاق تجاه الأديان الأخرى، والتعاطي معها بتعالٍ أحياناً، وبتجاهل أحياناً أخرى، وربما يصل الأمر إلى ازدرائها من دون البحث عن سبل حقيقية لمعرفتها ومعرفة معتنقيها معرفة حقيقية تؤسس للتثاقف والتقارب.
ومن هذا المنطلق، فإن النظر إلى المعيش الديني للأفراد في مجتمعاتنا يكتسي أهمية بالغة، فلا يمكن أن ننكر الوظيفة الاجتماعية للأديان وتغلغلها في الوجدان الجمعي للشعوب، غير أن دراسة تمظهرات الظاهرة الدينية وتمثلات الأفراد والجماعات للديني، يظل دون المأمول، ولا سيما أنه على امتداد عقود ظلت مثل هذه البحوث بعيدة كل البعد من اهتمامات الباحثين، باعتبار وقوعهم تحت سطوة فكر حداثي يقوم على كثير من الغلو في التعاطي مع المقدس عموماً. مقابل ارتماء عموم الفاعلين الاجتماعيين في أحضان اليقينيات الثابتة التي تقوم عليها الظاهرة الإيمانية.
غير أن عودة الديني في مختلف تمظهرات الحياة، وتنامي الصراعات القائمة على أساس ديني، وبروز مصطلح “الصدام الحضاري” حتى بات ” موضة” فكرية تلاقفها الباحثون للانكباب على دراستها من زوايا نظر نفسية واجتماعية وتاريخانية، حتمت الانتباه إليها والتقاط تفاصيلها، ولا سيما أن الظاهرة الدينية قد استحالت إلى حدث متكرر في المعيش اليومي للأفراد بشكل هادئ حيناً، وعنيف أحياناً أخرى.
علم الأديان الغائب عن جامعاتنا
غير أن تقاطع الحقول المعرفية الذي من شأنه أن يؤثر إيجاباً في التقدم البحثي، والذي فرضه تعقد الواقع الراهن، قد أفضى إلى الإفادة منه في مجال جديد، ألا وهو علم الأديان، الذي يتسق مع الوقائع المستجدة ومع الآني الفائر.
فهذا المبحث العلمي يحيلنا على تفهم وتمحيص الديني، بعيداً من إملاءات اليقينيات، ويحمينا من إمكانات التعصب ومزالق التطرف.
فنحن اليوم إزاء واقع متشعب، تقتضي مقاربته التمكن من عديد القضايا وطرحها ونحن مدججون بأكبر قدر ممكن من الموضوعية، وهو ما تتيحه دراسات الأديان المقارنة، التي تتبوأ اليوم مكانة مهمة في الغرب، فهذا المبحث يتجاوز الذاتي والحميمي للمعيش الديني، ذاك الذي يتعلق بالاعتقاد والإيمان والممارسة الطقوسية للفعل الديني إلى طرح قضايا جوهرية تتصل بأثر الأديان على حياة الأفراد ومصائرهم والعلائق التي يؤسسونها مع الآخر المختلف عنهم.
ومن هذا المنطلق بدأ هذا التخصص الأكاديمي يتنامى، لا سيما في الغرب، وظل بعيداً من أنظار الباحثين عندنا. وهذا من المفارقات الغريبة حقاً؛ ففي مجتمعات تعيش اليوم على وقع تمظهرات جديدة للفكر الديني، وبروز الإسلام السياسي كمعنى أساسي في المعادلة السياسية والاجتماعية والفكرية، كان من المفترض أن تهب الجامعات العربية إلى تأسيس منابر لتدريس علم الأديان للطلبة، وأن يتم تجسير الفجوة بين الجامعة والمجتمع؛ بغية التعريف بهذا المبحث العلمي وتحقيق الإضافة المنشودة.
وفي الكتاب -الذي نحن بصدده- حاول الباحثون الذين قدموا هذه الدراسات تسليط الضوء على تجارب كونية في تدريس الأديان وفق خصوصية كل بلد، وتماشياً مع البنية الذهنية للمجتمع الذي تتنزل فيه هذه الظاهرة، وذلك من خلال مباحث ترنو إلى إماطة اللثام عن تجارب مخصوصة.
ويؤكد الباحثون أن الرؤية للظاهرة الدينية قد تطورت على الرغم من عدم تبلور معالم نهائية لعلم مخصوص بالدين، كما أن الدراسات المقارنة للأديان بمختلف صورها قد أفادت من علوم الإنسان والمجتمع، وأصبحت جزءاً من مكاسب الحداثة المعرفية.
وتؤكد الدراسات التي يضمها هذا الكتاب أن إقامة ارتباط بين اختصاصات متعددة، من شأنه أن يجعل إمكان مقاربة الظاهرة الدينية بشكل منهجي وموضوعي وعلمي في فضاءات التدريس والبحث ميسرة ومتاحة بشكل أفضل.
نشأة علم الأديان
ويخلص الباحثون إلى ضرورة اعتبار الظاهرة الدينية ظاهرة إنسانية اجتماعية مستمرة استمرار الوجود الإنساني، وقابلة أن تكون موضوع بحث منهجيا معقلنا، وأيضا قصر الاهتمام على البحث العلمي دون غيره من الاهتمامات ذات الطابع السياسي أو الإيماني أو الاجتهادي.
هذا إلى جانب الاعتماد على مكاسب العلوم الإنسانية والاجتماعية ومقارباتها المتعددة للظواهر الدينية، على أن يكون هذا الاعتماد نقدياً لا تلقينيا إسقاطياً.
عاد الحدّاد إلى نشأة علم الأديان في القرن التاسع عشر على غرار كل العلوم الإنسانية الاجتماعية، مؤصلاً هذا التخصص في جذوره البعيدة التي تعود إلى اليونان القديمة والرومان والعرب.
كما أشار الحداد -لدى تأطيره لهذا المبحث- إلى مفردات علم الأديان وخصائصه، منبهاً إلى أنه “أصبح مبحثاً من مباحث هذا العلم، يخضع لمنهجيات خاصة وتقنيات مضبوطة. وقد نهل من باقي العلوم، وأفاد من منجزات الفكر الحداثي بكل ما يحمله من مناهج تقوم على العقلنة والرصانة العلمية.
وفي عودته إلى الموروث الفكري في مجال دراسة الظاهرة الدينية، أكد الحدّاد المساهمة العربية الإسلامية في هذا الرصيد التاريخي، مشيراً إلى أنها توقفت منذ قرون، كما أهمل الباحثون الحديث عن الحلقة العربية الإسلامية. كما فقدت هذه الأخيرة علاقتها بالمحاولات الرائدة مع مرور الزمن، بعد أن انكفأ المسلمون على أنفسهم مكتفين بالكتب القديمة.
تعميم الدراسات الدينية المقارنة
وقد حاولت البحوث الواردة في هذا الكتاب الإجابة عن تساؤل مركزي يطرح نفسه اليوم بشكل ملح، ألا وهو:
هل من حاجة إلى تأسيس فضاء بحث علمي يتخذ الظاهرة الدينية موضوعاً له، ويتوسل المناهج المقارنة في هذا البحث؟
وتستوقفنا في هذا الكتاب عديد المحاضرات التي قام الحداد بتعريبها وعرضها. من ذلك ما قدمه الأستاذ مصطفى الشريف (الفيلسوف الجزائري) الذي وسمه بـ”الأديان والتعارف المتبادل”) ولاحظ فيه أن التيارات الأيديولوجية في العالم الإسلامي تخلط بين السياسي والديني، وأنه ثمة توظيف للدين في حين أن الغرب يبالغ في الفصل بين أبعاد الحياة ويهمش الديني.
وأكد الشريف أن الحديث عن الدين في إطار العولمة يفترض الحذر من انزلاقات ممكنة. فالخطورة قائمة، لا سيما في ظل مؤسسات ما زالت تتعاطى مع الدين بشكل إيماني مطلق.
وبهذا يمكن القول: إن البرامج التعليمية العربية مدعوة إلى التفكير في تعميم الدراسات الدينية المقارنة في كل مستويات التعليم، على الرغم من كل المشكلات والمصاعب النظرية والعلمية. وخلص الباحث إلى أنه لا بديل عن الحوار والنقد البناء، كي نظل منخرطين في الانفتاح والتحرير، فالإكثار من الخطابات يمنع الناس من التمييز.
تجارب أوروبية
أما أستاذ التاريخ في جامعة روان الفرنسية جون فيليب برا، فقد قارب موضوع الإسلام من منظور البرامج المدرسية من خلال التجربة الفرنسية، مؤكداً أن الأنموذج الجمهوري الفرنسي يشهد منذ عشرين سنة قدراً من الاضطرابات تتعلق بطريقته في تأسيس العلاقة بين الدولة والدين، وقد أصبح مبدأ اللائكية موضع تساؤل ومراجعة.
أما رئيس كرسي قانون الأديان في الجامعة الكاثوليكية بلوفان (بلجيكا) لويس _ ليون كريستيانس، فقد نظر في مسألة التدريس بصفتها بعداً اجتماعياً للحوار بين الأديان ( بلجيكا أنموذجاً)، منطلقاً من مدى قدرة علوم الأديان على أن تتضمن “صلاحية مواطنية” باعتبار أن إدماج هذا التوجه المواطني سيطرح رهانات مختلفة ترتبط بنمط التدريس المعني، وسعى الباحث إلى الإجابة عن تساؤل مركزي: كيف يمكن لبرنامج أكاديمي في علوم الأديان أن يتولى دوراً مسؤولاً في هذا الميدان، وخصوصاً الحوار والتفاعل بين اليقينيات المختلفة داخل المجتمع؟
وتحت عنوان “الجامعة وحوار الأديان.. وجهة نظر من الشمال” (فنلندا ): كتب الباحث في حوار الأديان من جامعة هلسنكي (فنلندا) ريستو جيكو مؤكداً أن دور الجامعات لا يمكن أن يقتصر على القيام بأبحاث حول الأديان، والنظر إلى الأديان على أنها أشياء خاضعة للمراقبة من الخارج، من دون أن تكون قادرة على الخروج بالاستنتاجات المطلوبة، وأشار إلى أن جامعة هلسنكي حددت ثلاثة مجالات لنشاطاتها وتفاعلها مع المجتمع، وتمثل الأديان عناصر ضرورية في المجتمع الفنلندي.
أما تجربة تدريس الدين بالمدارس العامة في ألمانيا وسويسرا وشرق فرنسا، فقد تطرق إليها الباحث الفرنسي جيرار جانيس من خلال دراسة مقارنة.
وقد خل إلى أن التعليم الديني في هذه التجارب ظل إلى فترة قريبة في شكل طائفي يتوزع خلاله التلاميذ في الدروس وفق انتماءاتهم الطائفية، وكذلك توزع الدروس على الأساتذة وفق المعطى الديني والانتماء. أما الآن، فثمة توجه جديد، فهناك تصور بدأ يبرز ويتأسس على مبدأ اقتراح درس في “الثقافة الدينية” والأخلاق يكون موجهاً لكل التلاميذ.
ومن البحوث الأخرى الواردة في كتاب “تجارب كونية في تدريس الأديان”، تقرير أعده الفيلسوف الفرنسي ريجيس دوبريه بطلب من وزارة التربية الفرنسية عندما أرادت التفكير في إدخال برامج لتاريخ الأديان والتعريف بها في المنظومة التعليمية العمومية التي كانت اللائكية تمنعها في السابق من الحديث عن الأديان.
وأقرت الوزارة بمقتضى التوصيات الواردة في تقرير دوبريه عديد التجديدات في ميدان تعليم تاريخ الأديان في المدارس العمومية، ومنها التعريف بالإسلام لدى التلاميذ الفرنسيين بمختلف أديانهم.
علم الأديان المقارن: التعارف والتقارب
يحفزنا هذا الكتاب على التفكير العميق والجاد حول مبحث الأديان المقارنة، ويدعونا إلى إعادة النظر في التعاطي مع الظاهرة الدينية بمختلف تمظهراتها، والتي تتجلى من خلال وقائع بالغة التعقيد تدعو الباحث إلى الانكباب عليها بغية تفهمها وسبر أغوارها، ولا سيما أنها تفرض نفسها علينا من خلال أشكال عنيفة وصادمة اليوم.
كما أن تنامي حدة الصراع بين مختلف الأديان والطوائف الدينية فيما بينها، يفرض اليوم -أكثر من أي وقت مضى- دراسة الأديان دراسة مقارنة للإفادة من مظاهر التكامل فيها، والتعاطي معها بما يضمن إمكانات التعايش بين مختلف البشر على اختلاف دياناتهم وانتماءاتهم العرقية.
وبهذا فحسب، يمكن تقليص حدة العنف والعدوانية الشرسة التي باتت تطبع اليوم العلائق بين أتباع بعض الأديان.
كما أن الاشتغال على هذا المبحث من شأنه أن يقوم بتجسير الفجوة بين الشعوب تكريساً لمبدأ إنساني، ألا وهو التأسيس للتعارف و والتقارب.
ومن هذا المنطلق يمكن تأكيد أهمية هذا الكتاب، الذي يمكن أن يعتمد في جامعاتنا العربية كمرجع للتعرف على تجارب الآخر في تدريس الأديان، والإفادة منها في تجاوز المنزلقات التي يمكن الوقوع فيها. والتأسيس كذلك لجيل من الأكاديميين الذين يتعاطون بشكل مغاير مع الظاهرة الدينية وتأصيلها.
ففي عصر تتلاطم فيه أمواج الصراعات المذهبية والدينية والصدام الكبير بين الحضارات، وفي ظل سعي البعض في الغرب إلى “تعيين الإسلام عدواً جديداً كي يتهرب من الأسئلة التي أصبحت مطروحة على الجميع ويتهرب من المشكلات السياسية للعالم” -على حد تعبير الكاتب- لا بد من تفهم الرسائل الحقيقية للأديان وإعادة تدريسها بشكل يسلط الضوء على مظاهر التقاطع والتكامل بينها، من دون غلو واستعلاء لدين على آخر.
كما أن من شأن هذا الكتاب أن يسهم في التأسيس لإيجاد أرضية معرفية أكثر صلابة، من أجل حوار علمي يقوم على المناهج الحديثة، ويخلق تثاقفاً حقيقياً مع الآخر، حتى لا يصبح الاختلاف والتنوع مدعاة للصراع والتباغض، وليس الثراء والتكامل.