في مقاله المنشور عبر “عين أوروبية على التطرف” European Eye on Radicalization يُشير الباحث المتخصص في قضايا الإرهاب والأمن القومي فرانشسكو مارون Fransecesco Marone إلى التجربة الإيطالية مع الإرهاب الجهادي. ومن خلال النظر إلى التجربة الإيطالية، يلاحظ الكاتب وجود عوامل متعددة ومترابطة لاعتبار بيئة إيطاليا مناسبة للتعبئة الجهادية. من الناحية الجغرافية، تقع إيطاليا في منطقة قريبة من مناطق الصراع الدائرة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولديها بشكل نسبي حدود رخوة. ومن جهة أخرى، استقبلت الدولة عدداً من المهاجرين غير النظاميين، كانت الغالبية العظمى منهم مسلمين، قد جاؤوا من مناطق الصراع التي عاشوا فيها على هوامش مجتمعاتهم، وكانوا بذلك قابلين لعمليات الردكلة.
من جهة أخرى، ارتبطت إيطاليا تاريخياً بعدد من التنظيمات الجهادية المتنوعة، كما تظهر إيطاليا كهدف جاذب للتنظيمات الجهادية، لامتلاك روما القيمة الروحية للمسيحية، وباعتبارها رمزاً رئيساً للحضارة الغربية.
تعد مستويات الراديكالية المحلية منخفضة مقارنة بالدول الأخرى، ولم تواجه إيطاليا تحدي إرهاب الجهادية حتى الآن، حيث لم تقع عمليات إرهابية ناجحة في إيطاليا منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، على خلاف تنامي وتيرة الهجمات الإرهابية منذ صعود تنظيم “الدولة الإسلامية” عام 2014، حيث شهدت هذه الفترة وقوع هجمات إرهابية كبرى، في كل من المملكة المتحدة والبلقان والدنمارك وفرنسا وألمانيا وإسبانيا والسويد ودول أخرى.
في أحدث تقرير صادر عن مجتمع الاستخبارات الإيطالي المنشور في 20 فبراير (شباط) 2018، أفاد بأن خطر الإرهاب ما زال حاضراً وحقيقياً، ليس نتيجة للدور الذي احتلته الدولة في الجهاد والتخيل الجهادي، ولكن نظراً لوجود أفراد متطرفين على أراضيها.
حاز القليل من المهاجرين على الجنسية الإيطالية، نظراً للقوانين الصارمة فيما يتعلق بمنح الجنسية فيها، وكباقي الدول الأوروبية، يتشكل المشهد الجهادي في إيطاليا من مجموعات غير متجانسة. ومع ذلك، فإن النمو الأخير في المشهد الجهادي الإيطالي يتضاءل، مقارنة بالزيادة التي شهدتها دول أخرى في أوروبا.
ووفقاً لآخر التقارير الصادرة عن وزارة الداخلية في ديسمبر (كانون الأول) 2017؛ فإن (129) شخصاً غادروا إيطاليا، للانضمام إلى مجموعات جهادية مختلفة في سوريا والعراق ومناطق شرق أوسطية أخرى، ولا سيما تنظيم “داعش”. ثلاثون شخصاً من هؤلاء الأشخاص مواطنون إيطاليون، توفي منهم اثنان وأربعون شخصاً، وعاد ثلاثة وعشرون آخرون إلى أوروبا. وبالنسبة للتقديرات الأخيرة التي صدرت عن الدول الأوروبية الأخرى، كفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، وبالمقارنة مع الدول الأصغر كبلجيكا والنمسا والسويد، تعد هذه التقديرات مذهلة.
ويمكن أن يُعزى ذلك إلى مجموعة متنوعة من العوامل، ذلك أن دور النظام الإيطالي في مكافحة الإرهاب كان فعالاً؛ ووفقاً للعديد من الخبراء، يعود ذلك إلى تاريخ إيطاليا الطويل في مواجهة الإرهاب الداخلي، والجريمة المنظمة.
على مدار عقود، اضطرت إيطاليا لمواجهة أشكال من الإرهاب المحلي، كما واجهت كلاً من المتطرفين اليمينيين، والمتطرفين اليساريين، في الفترة الممتدة منذ أواخر الستينيات وحتى الثمانينيات، الفترة التي أُطلق عليها “سنوات الرصاص”.
كما واجهت إيطاليا تهديدات عرقية في إقليم جنوب (تيرول) الناطق باللغة الألمانية في الستينيات من القرن الماضي، إلى جانب التهديدات الفوضوية، التي نشطت في بداية القرن الحالي. اعتبرت (الكتائب الحمراء) المنظمة اليسارية المتطرفة (Brigade Roses) التي تأسست عام 1970، أخطر مجموعة متطرفة في تاريخ إيطاليا في مرحلة ما بعد الحرب، فضلاً عن كونها أبرز التنظيمات الإرهابية على مستوى القارة الأوروبية ككل.
وفيما يخص الجريمة المنظمة، فإن إيطاليا لها تاريخ طويل ومكثف في النضال ضد المنظمات الإجرامية، مثل جماعة المافيا “كوزا نوسترا” Cosa Nostra في صقلية، ومنظمة الجريمة “ندرانجيتا” Ndrangheta في كالابريا.
ونتيجة لهذه التجارب، طورت السلطات الإيطالية مهارات في مواجهة التهديدات، وأدوات قانونية في مواجهة الإرهاب الجهادي، فضلاً عن قدرة أجهزتها الفعالة في التنسيق.
كما قام مشرعون إيطاليون بتشريع قوانين مختلفة هدفت لتقوية تشريعات البلاد في مكافحة الإرهاب والتكيف مع التهديدات الحالية. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن هذه التكتيكات لم يرافقها نهج وقائي قوي، خلافاً للدول الأوروبية، إذ لم تقم إيطاليا بتطوير برنامج أو استراتيجية منهجية، لمكافحة التطرف. يخلص الكاتب إلى نتيجة مفادها أن هناك ضرورة لاستكمال أدوات مكافحة الإرهاب، من أجل تعزيز قدرة الاستجابة للتهديد الجهادي من خلال التركيز على مكافحة التطرف.
الرابط لقراءة النص الكامل: https://goo.gl/Kx4KBN