هذه الدراسة نشرت في كتاب المسبار الشهري (115) “إيران ودول المغرب: المسألة الشيعية، يوليو/ تموز 2016”.
عُرفت القارة الأفريقية منذ قرون بأنها القارة المسلمة، بعد أن انتشر فيها الإسلام بشكل سريع منذ السنوات الأولى للدعوة الإسلامية؛ بل إنها تعرفت على هذا الدين ووصلتها دعوته قبل أن تصل المدينة المنورة في شبه الجزيرة العربية، حيث كانت هجرة المسلمين الأولى –نحو (83) رجلاً فضلا عن النساء والأطفال- إلى الحبشة، وهي الهجرة التي كان لها عميق الأثر بالنسبة للجماعة المسلمة في مكة المكرمة.
توصف الشخصية الأفريقية بأنها سهلة الانقياد، تقبل كل شيء وأي فكرة إذا ما وُجد الداعي لها، وبسبب فهم العقلية الشيعية لهذه التركيبة، سعى الشيعة منذ سنين عدة إلى الانتشار في القارة السمراء، تحت شعار محبة أهل البيت وموالاة الإمام علي بن أبي طالب [1].
وقد أصبح المد الشيعي يتصاعد بشكل لافت للنظر في الجزائر، في غياب تام لاستراتيجية المواجهة، في مقابل مشروع كامل متكامل من جانب دولة إيران في نقل التشيّع إلى أقصى البقاع، ضمن خطة تصدير الثورة التي انطلقت بعد نجاح الثورة الإيرانية، وأصبحت الجزائر في مرمى المخاوف من انتشار المذهب الشيعي الاثني عشري، المدعوم من الجمهورية الإسلامية في إيران[2].
في بلدٍ ذي مذهب سني مالكي منذ قرون، وأقلية إباضية، ما الذي دفع بالآلاف للتشيّع خلال السنوات الأخيرة؟ وما أدوات تغلغل المد الشيعي الداخلية والخارجية؟ وما رد السلطات الرسمي على هذا الملف المسكوت عنه، أو الذي تكون ردة الفعل ضده خجولة؟
عوامل وأسباب انتشار التشيّع في الجزائر
تعالت مؤخرًا أصوات في دول عربية عدة (الجزائر- المغرب- مصر- السودان- الأردن… إلخ)، تنبه إلى انتشار ظاهرة التشيّع وتحذر من توسعها. وذكرت صحف ومجلات عربية اهتمت بالموضوع، أن الجزائر من بين البلدان التي يشهد فيها «المذهب الشيعي انتشارًا بشكلٍ سري في قطاعات واسعة من المجتمع الجزائري (السني بأغلبيته)، خصوصاً خلال السنوات الأخيرة».
ومع ذلك، فإن هذه المسألة ما زالت غير مطروحة رسمياً، إذ لم يصدر أي موقف يشير إلى ذلك وينبه إلى هذا الأمر، باستثناء بعض الكتابات المحدودة في وسائل الإعلام (الصحف) إلى جانب تسليط بعض المواقع الإعلامية على شبكة الإنترنت الضوء على هذا الموضوع. لكن لمحدودية زوارها في الداخل «كون مجال الإنترنت مقتصرا على فئات محدودة في المجتمع الجزائري، الذي لا تتوافر فيه الشبكة إلا بنسبة (2.4%) من السكان، في وقت لا يتجاوز الذين يستعملون هذه التقنية (800) ألف نسمة، بمعدل (500) ألف مستعمل بصفة منتظمة»، لم يُمكن أغلبية المجتمع من الاطلاع عليها، على عكس الصحف المكتوبة التي تعرف انتشارًا كبيرًا، إلا أنها تتحاشى الخوض في الموضوع.
وهناك تفسيرات عدة لهذا الأمر: فثمة من يقول: إن حرية المعتقد أمر يكفله دستور البلاد، وإن الدولة لا تتدخل في معتقدات الناس ومذاهبهم. وهناك من يرجع الأمر إلى «طبيعة الجزائريين» المتسامحة وقدرتهم على التعايش مع بعضهم البعض، بقطع النظر عن المعتقدات والمذاهب.
فيما يرى البعض الآخر أن هذا «الصمت الرسمي» على انتشار التشيّع في الجزائر مرده العلاقات التي تحسنت بين الجزائر وإيران. وهي علاقات توطدت خلال السنوات الأخيرة.[3] وهناك تفسيرات أخرى منها:
أن شعب الجزائر هو شعب محب لآل البيت حبًا حقيقيًا.
ظهور شخصيات شيعية مؤثرة ذات طرح جريء وعلمي ومقنع بعرض الأدلة من كلا المذهبين؛ ومناقشتها والتمحيص فيها وتقديم النتيجة للمشاهد، وسردها بأسلوب سهل وسلس يستطيع أي شخص فهمه، مع ذكر للمصادر بالأسماء والأرقام، وأشهر هذه الشخصيات: ياسر الحبيب (يأتي بالدرجة الأولى)، ومن بعده حسن الله ياري، فيما يأتي عبدالحميد المهاجر بالمرتبة الثالثة، مع أن محاضراته بسيطة، إلا أنه شيّع الكثيرين، عكس بعض الشيوخ الذين أفرطوا في التقية، مما جعل من محاضراتهم محاضرات كلاسيكية تخاطب الشيعة فقط، مما حصر أثرهم في الوسط الشيعي. ويوجد غيرهم إلا أن تأثيرهم فردي.
ظهور قنوات شيعية كثيرة وانتشارها في الآونة الأخيرة، وهي تعرض المذهب الشيعي، وتنقل قناة الأنوار محاضرات المناطق الشيعية أمام الجمهور الشيعي.
تأثر بعض الجزائريين بأمين عام حزب الله حسن نصر الله، والثورة الإيرانية، مما جعلهم يبحثون عن حقيقة التشيّع واكتشافهم إياه.
متشيّع يشيّع أهله وأصحابه، وهذه أيضا إحدى سبل انتشار التشيّع.
انتشار كتب الشيعة على مواقع الإنترنت.
عن طريق الأصدقاء الشيعة من العراق وغيرها من البلدان، أثمرت تلك الصداقات في نشر مذهب آل البيت.
ملل المخالفين من عقيدة تحمل من جهة راية لا إله إلا الله، محمد رسول الله، ومن جهة أخرى تذبح باسم الإسلام وتفجر المفخخات وتمثل بالجثث فهذه ليست عقيدة، بل عمليات إرهابية، ومجموعة أفكار دموية تتستر بالإسلام.
ومما دعم أكثر التشيّع، دعاية تبني السياسة الخارجية الإيرانية للقضايا الإسلامية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. وفي موازاة ذلك الفراغ السياسي العربي الكبير الذي أحدثته اتفاقية «كامب ديفيد» بين مصر والكيان الصهيوني، التي تزامنت مع الثورة الإيرانية، وغياب الدعاية لمشروع سياسي عربي يحمل هذه القضايا، ثم اتجاه جل الدول العربية نحو مسار التسوية السلمية؛ تأثرًا بالتطورات التي نجمت عن نهاية الحرب الباردة وهيمنة الولايات المتحدة على النظام الدولي في العقد الأخير من القرن الماضي، إضافة إلى بعض الخلافات العربية البيِّنة التي عمقت الفراغ السياسي العربي الذي استثمرته إيران.[4]
وقد وجد الشيعة الذين يعملون في الجزائر التحول الذي أحدثته الثورة الإيرانية مناسبًا لممارسة نشاطهم في سياق التحمس للثورة؛ إذ يشير المتشيّع فضيل الجزائري في حوار له مع قناة «الأنوار» إلى أن السبب المباشر لتشيّعه كان الحوارات والنقاشات التي يجريها مع زميله الإيراني في الجامعة في بداية الثمانينيات، إلى جانب البعثات الدراسية نحو دول المشرق العربي، خصوصاً تلك التي لديها نسبة كبيرة من أتباع المذهب الشيعي مثل سوريا ولبنان والعراق؛ في بداية الثمانينيات وخاصة في أوساط طلبة وهران الذين وجدوا في انتظارهم الكثير من المشيعين الذين أقنعوا عديداً منهم بأطروحات «الثورة الإسلامية»، وقد أقام المرجع اللبناني محمد حسين فضل الله الكثير من الملتقيات التي حاول من خلالها «تأطير» المتحولين إلى المذهب الشيعي، من أجل استغلالهم كقوة نفوذ عند عودتهم إلى الجزائر، بغرض إقامة «حركة دعوية» قوية بها[5].
وبعد الربيع العربي نشط المتشيّعون وانغمسوا في الدفاع عن إيران وسياساتها عبر الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، كما قاموا بزيارة بشار الأسد، وجاهروا لأول مرة بطقوسهم عبر تسجيل إحيائهم لعاشوراء في وهران. ومما ساعدهم الدور المتزايد للحركات الدينية المتطرفة التي خلطت الأوراق، وجعلت الرؤية ضبابية بالنسبة للرأي العام الجزائري، مع وجود قنوات إعلامية محتواها يخدم الأطروحة الإيرانية، وإن كان بطريقة غير مباشرة .[6]
وضع التشيّع في الجزائر
تتنوع هذه الآليات بدءاً من حضور المؤتمرات الإسلامية المجمعة وانتهاءً بالمعارضات المسلحة والثورات والاضطرابات ومعاونة المحتل بشكل مباشر كما الحالة العراقية وإغراء الفقراء بالمال، وقيادة «الدراويش» بالاحتفالات الدينية التي لا تنقطع، وعلاج المرضى في المستشفيات وإقامة المدارس والجامعات في أفريقيا وآسيا الفقيرتين، وتشكيك المثقفين والجماهير بالصحابة ومن ثم العقيدة السنية برمتها، ومروراً بطرق تغيير التركيبة الديموغرافية للبلدان السنية عبر الهجرة إليها كما في الحالة العراقية التي تدفق عليها مئات الآلاف من الإيرانيين بعد الغزو (تشير بعض التقارير الصحفية إلى أن الرقم يتجاوز حدود المليون إيراني عبروا من خلال الحدود السائلة بين إيران وعراق الحكم الشيعي)، وكما في إيران ذاته التي حدث فيها طمس نقاء الانتماء السني في مناطق السنة الخالصة بالتوطين والهجرة التي أوعزت بها الدولة إلى أبناء طائفتها.
ولعل ما يدفع إلى طرح المخاوف من انتشار التشيّع في الجزائر، هو النفس البطيء للسياسة الإيرانية في نشر مذهبها، فهي تتحرك وَفْق رؤى وخطط طويلة الأمد تمتد لسنوات طويلة، حتى تبدأ نتائج تحركاتها تطفو على السطح، ففي اليمن –مثلاً- بدأت منذ الثمانينيات في دعم حسين الحوثي مؤسس حركة الحوثي ووالده بدر الدين الحوثي، واستمرت في الدعم والمساندة لهم حتى عام 2014 عندما أسقطوا صنعاء تحت سيطرتهم، وأعلن مسؤول إيراني أن صنعاء هي العاصمة الرابعة التي وقعت تحت سيطرة طهران.
وقد انتشرت أخيراً، في بعض مساجد العاصمة الجزائر، كتيبات ومطويات شيعية، تحت عنوان «أدعية طواف وسعي»، تعلم المصلين كيفية الدعاء أثناء تأدية العمرة أو الحج، واللافت أن جزءاً من محتوى هذه المنشورات كتب باللغة الفارسية[7].
أمّا حجم التشيّع في الجزائر فهو ظاهرة حقيقية، باعتراف الكثير من فئات الشعب الجزائري، فقد بدأت تتوسع في ربوع الجزائر، بعد تشيّع المئات من الجزائريين، بينما يصرح بعض الأئمة والمطلعين على خفايا التشيّع بأن عدد المتشيّعين يصل إلى الآلاف.
أما أبرز الفئات التي تشيّعت فهي: الطبقة المثقفة، مثل: أساتذة الجامعات، وبعض الطلبة، مما يعني أن الذين يقفون وراء حركة التشيّع في الجزائر يريدون بناء نواة جزائرية؛ تكون قادرة على الأخذ بزمام المبادرة والتخطيط والتنفيذ.
أمّا من النّاحية الجغرافية، فقد عرفت الولايات الشرقية للجزائر مثل عنابة وباتنة وخنشلة، وبسكرة، والولايات الغربية مثل وهران وعين تموشنت وتلمسان، حركة تشيّع أسالت الكثير من الحبر في الصحافة الجزائرية، وعجّلت بظهور مواقع مختصة في دراسة وربما محاربة التشيّع بالجزائر، بعد أن صار للمتشيّعين مواقع إلكترونية يقودها شيعة الخارج، بسبب خبرتهم.[8]
وعثر مهتمون بقضايا التشيّع في الجزائر على كتب شيعية في بعض المساجد بالعاصمة، كما أن عدداً من شيعة الجزائر شاركوا في مدينة كربلاء العراقية بمناسبة إحياء «أربعينية الإمام الحسين» خلال سنتي 2014 [9] و2015 [10]، ورفعوا علم الجزائر في سماء كربلاء لأول مرة منذ بداية انتشار الشيعة في الجزائر.
وعلى الرغم من أن وزارة الشؤون الدينية والأوقاف تحاول في كل مرة أن تقلل من مخاوف انتشار المذهب الشيعي في الجزائر، فإن عدداً كبيراً من المشاهد يضع الجزائر في قلق مستمر خشية نفوذ إيران فيها، والتي لن تكتفي بنشر التشيّع فقط؛ بل ستتطور الأمور إلى تشكيل كيانات مسلحة مشابهة لما حدث في اليمن ولبنان والعراق وسوريا.
وهناك زعم بوجود عدد من المؤسسات والمراكز الخيرية والبحثية الموجودة في الجزائر تمارس الدعاية للتشيّع بطريقة غير مباشرة، عبر مجموعة من الوسائل والآليات.
لقد سبق أن أعلنت السفارة العراقية في الجزائر يوم الأربعاء 15 يونيو (حزيران) 2016 عبر موقعها الإلكتروني عن منح تأشيرات سفر للجزائريين إلى مزارات شيعية في العراق، بل ومنحهم تسهيلات استثنائية في هذا الإطار، الأمر الذي أثار موجة غضب شعبية عارمة في الجزائر على مواقع التواصل الاجتماعي، فاضطرت فيه السفارة إلى سحب إعلانها من بوابتها الإلكترونية[11].
واعتبر البعض أن صيغة الإعلان هي بمثابة دعوة صريحة للتشيّع، وقد كان نصه: «تعلن سفارة جمهورية العراق في الجزائر للأشقاء الجزائريين من الشيعة أو الراغبين في التشيّع، عن إمكانية التقدم لغرض الحصول على سمة الدخول إلى الأراضي العراقية لأغراض الزيارات الدينية (مزارات الشيعة في النجف وكربلاء)»[12].
وأثار البيان موجة غضب واسعة في الجزائر، حيث شن نشطاء ومدونون وجمعيات أهلية وسلفيون حملة وطنية وصلت إلى حد المطالبة بطرد السفير العراقي من الجزائر.
وطلبت الحكومة الجزائرية منذ نصف شهر –تقريباً- من رجال دين وأئمة «الانتباه لخطر التشيّع» انسجاماً مع خطاب وزارة الشؤون الدينية، الذي تجدد على لسان الوزير محمد عيسى. وعُلم أن الطلب وجِّه شفهياً لمكتب الإفتاء في وزارة الشؤون الدينية والأوقاف[13].
وقد أكد السفير العراقي بالجزائر: عبدالرحمن الحسيني، عقب لقائه وزير الشؤون الدينية والأوقاف: محمد عيسى، بمقر الوزارة، أن السفارة العراقية في الجزائر معنية فقط بتطوير العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وأن الحملة الإعلامية المفبركة مبنية على أكاذيب لا يمكن تصديقها، ولن تؤثر في العلاقات العراقية- الجزائرية التي وصلت إلى درجة كبيرة من النضوج.[14]
وقد صدرت عن زعيم التيار الصدري في العراق في بداية نوفمبر (تشرين الثاني) 2015 تصريحات بشأن الشيعة في الجزائر، حيث دعاهم بكل صراحة ووضوح إلى أن يُجاهروا بتشيّعهم، وأن يخرجوا من قوقعتهم، وعليهم أن لا يخافوا من «الثُّلة الضّالة»، كما حثهم على الانفتاح على المجتمع وعدم التقوقع في إقامة شعائرهم وحسينياتهم.[15]
غير أن تصريحاته هذه أثارت جدلاً واسعًا، وقد توحدت مجمل الردود حول الرّفض المطلق لهذه التصريحات؛ واعتبرتها تحريضًا على الفتنة، ومحاولة صريحة لنشر الشقاق داخل المجتمع الجزائري السُّني بالجملة، والمتبع للمذهب المالكي بالأغلبية الساحقة، باستثناء المذهب الإباضي المتبع من طرف بعض السكان في منطقة بني ميزاب بمدينة غرداية[16].
ومن أبرز الشخصيات الشيعية في الجزائر، مواطن اسمه عبدالباقي، وهو أحد المرجعيات الشيعية، في مدينة قم، وكذلك محمد العامري وهو المشرف على شبكة الجزائر الشيعية.
لا تتوافر أرقام رسمية حول عدد الشيعة في الجزائر، وبحسب مراقبين ما يزال الحضور الشيعي ضعيفًا في الجزائر مقارنة بذلك الحضور المسجل في بعض البلدان المغاربية.
وإذا كان الحضور الشيعي في الجزائر محتشمًا، ويمكن ملاحظته في بعض الولايات والمدن مثل الجزائر العاصمة، باتنة، تبسة، خنشلة، تيارت، سيدي بلعباس، فإن عدداً من المواقع الشيعية عبر شبكة الإنترنت، من بينها موقع مركز الأبحاث العقائدية، وهو أكبر المواقع الشيعية، بالإضافة لـ«شبكة شيعة الجزائر» التي ترفع شعار «من المدرسة المصالية إلى المدرسة الخمينية»، تقول عبر تقارير نقلتها -هذه المواقع الإلكترونية- بأن المذهب الشيعي «يزداد انتشاراً بشكل سرّي في قطاعات واسعة من المجتمع الجزائري، بعد أن نقله إليهم مدرسون وموظفون قدموا للعمل من العراق وسوريا ولبنان». ويرى المشرف العام على «شبكة شيعة الجزائر» الذي يسمي نفسه «محمد العامري» (30 عاماً) أن الاستبصار -التشيّع- في الجزائر «مستمر بحمد الله، والاستبصار أكثر من منتشر، بل منفجر في كامل أرجاء التراب الجزائري، متنقلاً عبر كل الطبقات الاجتماعية، فسابقاً كان يدور بين الشبان، والآن ببركة صاحب العصر والزمان (عليه السلام) دخلت بيوت بكاملها في التشيّع، وسمعت أن أكبر متشيّع عمره 69 سنة»[17]!
ولا يملك المشرف على شبكة «شيعة الجزائر»، أي إحصائيات أو أرقام على مدى انتشار التشيّع بين الجزائريين: «ليس هناك إحصاءات حديثة، وحتى إن كانت هناك إحصاءات فإنها تبقى سرا ولا تسلم لأي كان لأسباب يطول شرحها». غير أن بعض المراقبين يقدرون عدد الشيعة في الجزائر بالمئات، وهم منتشرون في أغلب مدن البلاد، كان عددهم لا يتجاوز العشرات في أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات، يمارسون شعائرهم وطقوسهم بحرية كإحياء الحسينيات وقيام المآتم مع بداية كل محرم إلى العاشر منه، دون أن يتعرضوا إلى أي نوع من المضايقات.
ويرى الدكتور محمد بن بريكة، المنسق الأعلى للطريقة القادرية في الجزائر وعموم أفريقيا، في محاضرته «حصاد الثقافية» عن «نشأة الشيعة والتشيّع»، «أن غياب المرجعية الدينية وضعف المناعة الثقافية في الجزائر سيسهل اجتياح المد الشيعي وتناميه في الجزائر السنية «لأن الشيعة في الجزائر موجودون وهم حوالى (300)[18]».
فيما يؤكد الباحث الجزائري فريد مسعودي أن انتشار المذهب الشيعي في الجزائر يعد ذاتياً بالدرجة الأولى؛ لأن وسائل الدعاية المتبعة تعتمد على الانتشار السري، بسبب عوائق موضوعية تتعلق بمدى قابلية المحيط لهذا النوع من الفكر، بمعنى أنه قد لا يتطور إلى درجة الظاهرة الاجتماعية.[19]
كما كان لوجود جاليات شيعية من العراق وسوريا ولبنان في الجزائر دور في انتشار المذهب بين أهل البلاد؛ حسب ما أشار إليه العامري: «إخوتنا العراقيون والسوريون واللبنانيون عندما كانوا في الجزائر كأساتذة ومدرسين، لعبوا دوراً في الدعوة وكانوا من الممهدين لقبول فكرة الولاء لمحمد وآله (صلوات الله عليهم)، وعندما اندلعت الثورة الإسلامية الإيرانية المباركة، وجد خط الإمام الخميني (قدس الله سره) أرضية خصبة لنشاطه في أرض الثورة والرفض»!
ردود الفعل على التمدّد الشيعي في الجزائر
ظلّت السلطاتُ الجزائرية تقلل من حقيقة حملات التشيّع في الجزائر، خصوصاً مع عدم ظهورها إلى العلن على شكل مجموعات تتخذ من الشارع والملتقيات طريقةً للإعلانِ عن نفسها، وتكررت التصريحاتُ التي تبرئ إيران من الوقوف وراء حركة التشيّع في البلد، وقد أسهم بعض القائمين على المساجد والدعوة في الجزائر في تغليط الرأي العام، عندما حاولوا نفي وجود التشيّع كظاهرة في الجزائر، بل إنّ كل ما في الأمر هو: تشيّع بعض الأفراد، الشيء الذي أسهم في تمدد ظاهرة التشيّع؛ مستغلة الفراغ القانوني والدعوي والإعلامي.
بالرغم من كل ذلك، فإن الجبهة الداخلية ترفض المنتمين للتشيّع، الظاهرين منهم والمختفين، ذلك لأن غالبية الجزائريين يؤمنون بـ«تيّار الجزأرة»، وهو الفريق الذي يطرح الإسلام من خلال خصوصية جزائريّة، ناهيك عن المحافظة على اختيار الدولة التاريخي للمذهب المالكي.
من الناحية العملية، لا يهتم الجزائريون بالمذاهب الإسلامية الأخرى حتى لو كانت سنية، والسلطات الجزائرية تعي ذلك، ولهذا لا تخشى دينياً تشيّع بعض الأفراد، ولا يمثل عددهم غير المؤكد، سواء أكان في حده الأدنى 3 آلاف أو في حده الأقصى 75 ألفاً، أي مخاوف تذكر، لكنها بالمقابل تتابع بحذر شديد تحركات الشباب الشيعة وتوظيف أولئك الأتباع من أطراف معادية للجزائر أو اختراق المجتمع الجزائري من خلالهم، وذلك ضمن متابعتها للخارجين عن الدين سلوكاً مثل «المفطرون علناً في نهار رمضان بشكل استفزازي، أو الخارجون عن الدين مثل الذين تفاعلوا مع دعوات التبشير المسيحية».
يقول قادة بعض الأحزاب الإسلامية في الجزائر: إنّ السلطات الجزائرية قد تأخرت في مواجهة التمدد الشيعي في الجزائر، بعد أن بُحَّ صوت المحذرين منها، غير أن الوقت لم يفت من أجل محاصرتها ومواجهتها؛ ولهذا فقد ثمّنَ الجميع خطوة إنشاء هيئة لمكافحة التشيّع بالتنسيق مع الجهات الأمنية بالبلد.
أما على المستوى الشعبي فقد تصدى الكثير من الأئمة لهذه الظاهرة، من خلال إقامة دورات وخطب ودروس؛ لتوعية مختلف فئات الشعب بخطورة التشيّع، كما ظهرت على مواقع التواصل الاجتماعي صفحات كثيرة تخصصت في محاربة التشيّع بالجزائر، مع وجود جهود كثيرة لتوزيع كتب ومطويات تحذر من التشيّع.
أما من الناحية القانونية فإن بعض القضاة طالبوا بالنظر في السبل القانونية للتصدي للظاهرة- التي قد تؤدي إلى عنف معين بالمستقبل، خصوصاً بعد حادثة تعرض شرطي في مدينة تلمسان – حسب صحيفة الخبر الجزائرية إلى تهديدات من أطراف متشيّعة، بعد أن أزعجتها تحقيقاته حول ظاهرة التشيّع.
بعض الأطراف تحاول – غالباً ما تكتب تعليقاتٍ على الأخبار الراصدة للتشيّع – التأكيد تحت حرية المعتقد، ولكن يرد عليها بأن الدستور الجزائري واضح حول هذه القضية، فالإسلام دين الدولة و الشعب، وهذا دستور يعبر، عند غالبية، عن الإسلام الذي استقر في هذه الأرض منذ 15 قرنًا، فهو يعبر عن الهوية الثقافية والإسلامية للشعب الجزائري.
يكشف بومدين بوزيد، مدير الثقافة الإسلامية بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف، أن الوزارة تستعد لوقف انتشار مختلف التيارات والمذاهب الدينية القادمة من الخارج إلى الجزائر عن طريق تنظيم قوافل في الولايات الكبرى تخترق الأحياء الجامعية والثانويات، إلى جانب تنظيم دورات تكوينية لمفتشي المقاطعات وللأئمة في مختلف جهات الوطن، لتبيان ضرورة ومخاطر النحل والمذاهب المنحرفة، ومراجعة برامج التربية الإسلامية، التي قال إنها متخلّفة. كما يتحدث عن تأطير فرق متخصصة في محاربة التشيّع والتبشير المسيحي في الجزائر، مطلع السنة المقبلة، داعياً جمعية العلماء المسلمين للمساهمة في مواجهة محاولة «إغراق» الجزائر فكرياً.[20]
ومهما يكن موقف السلطات الجزائرية من التشيّع، فإن هذا الأخير يواجه بالرفض من غالبية الشعب الجزائري، كما تُشنُّ عليه حرب من التيار السَّلفي مُمَّثلاً في أحد أقطابه البارزين، وهو «عبد الفتاح حمداش»، رئيس جبهة الصحوة السلفية، غير المرخصة، الذي بدأ حملته منذ 2013. ويرى حمداش: «أن الشيعة يشكّلون خطراً على الجزائر، وأن التيار الشيعي يهدد فعلاً كيانات المجتمعات العربية السنية، والجزائر ليست بمعزل عن خيوط المؤامرة الصفوية، لذلك لابد من تحجيمهم عبر حراك مضاد»، مُلوّحاً بحرب فكرية عقائدية دعوية ضدّ المتشيّعين.[21]
الخاتمة
إن الحديث عن الشيعة في الجزائر لا يجب أن يدفع إلى الاعتقاد أنهم يشكلون «طائفة» بما يفتح الأبواب أمام الحديث عن «الطائفية» في الجزائر. هذه المسألة غير مطروحة في الجزائر التي عرفت بوحدة أبنائها ونبذهم لمظاهر التفرقة كافة على أساس عرقي أو ديني أو مذهبي أو قبلي أو جهوي. إذا ثبت أنه يوجد عدد كبير من الشيعة في الجزائر، فمثلهم مثل أقليات أخرى منها كالجالية المسيحية كلها تمارس طقوسها وشعائرها بحرية دون أن يشكلوا أي تهديد للنسيج الاجتماعي.
[1] أمير سعيد، إيران المتجهة إلى أفريقيا تبشيراً واستثماراً، موقع مجلة البيان، 15/12/2010 على الرابط التالي:
http://www.albayan.co.uk/MGZArticle2.aspx?ID=516
[2] مع بدء تحقيقات موسعة: الجزائر في مرمى التشيّع ومخاوف من صراع مذهبي، بوابة الحركات الإسلامية، الاثنين 27 أبريل (نيسان) 2015على الرابط التالي:
http://www.islamist-movements.com/28110
[3] التشيّع يخترق المجتمع الجزائري، موقع مجلة الراصد، عدد شهر جمادى الآخرة 1428هـ، على الرابط التالي:
http://www.albainah.net/Index.aspx?function=Item&id=16777&lang=
[4] بوزيدي يحيى، البحث عن الذات: المتشيّعون في الجزائر وأزمة الهوية، موقع إسلام مغربي، الثلاثاء 28 يونيو (حزيران) 2016على الرابط المختصر التالي:
http://goo.gl/MmzfXD
[5] المرجع السابق.
[6] نفسه.
[7] (3) آلاف متشيّع جزائري.. ثمرة جهود إيرانية وجمعيات غير مرخصة، الخليج أون لاين، 27/4/2015 على الرابط المختصر التالي:
http://klj.onl/2nBOiK
[8] محمد الأمين مقراوي الوغليسي، الجزائر في مواجهة التشيّع والخطة الخمسينية، موقع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، 16 يونيو (حزيران) 2016 على الرابط التالي:
http://iumsonline.org/ar/2/lgzr-fy-mogh-ltshyaa-olkht-lkhmsyny/
[9] شيعة الجزائر رفعوا العلم الوطني في سماء كربلاء، جريدة البلاد الجزائرية، 16 ديسمبر (كانون الأول) 2014 على الرابط التالي:
http://www.elbilad.net/article/detail?id=26866
[10] بالصور:جزائريون شيعة ينشرون صورهم خلال مشاركتهم في احتفالات أربعينية الحسين في كربلاء، النهار أون لاين الجزائرية، بتاريخ 10ديسمبر (كانون الأول) 2015 على الرابط المختصر التالي:
http://goo.gl/e0s5qt
[11] زياد الشامي، نشر التشيّع… مهمة سفارات الرافضة في بلادنا، موقع المسلم، 13 رمضان 1437هـ، على الرابط التالي:
http://www.almoslim.net/node/265804
[12] مصطفى الدليمي، التشيّع يدهم الجزائر عبر بوابة العراق، ودعوات لمواجهته، موقع عربي 21، الأحد 19 يونيو (حزيران) 2016على الرابط التالي:
http://arabi21.com/story/91553
[13] عاطف قدادرة: الجزائر تستدعي السفير العراقي بعد «تسهيلات» لزيارة كربلاء والنجف، الحياة اللندنية، الأربعاء، 22 يونيو (حزيران) 2016، على الرابط التالي:
http://www.alhayat.com/Articles/1621512
[14] زايدي أفتيس: هدفنا تطوير العلاقات مع الجزائر وليس نشر التشيّع، موقع جريدة النهار أونلاين، 26 يونيو (حزيران) 2016على الرابط التالي:
http://www.ennaharonline.com/ar/latestnews/278205
[15] صحيفة الشروق اليومية الجزائرية بتاريخ 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2015 العدد (4922).
[16] إسماعيل، خلف الله: هل أصبح للشيعة موطن في الجزائر، مركز أمية للدراسات والبحوث الاستراتيجية، 30 ديسمبر (كانون الأول) 2015على الرابط التالي:
http://www.umayya.org/articles/8352
[17] شيعة الجزائر: صحيفة المهدي، العدد (21)، صفر 1432هـ/ 10 ديسمبر (كانون الأول) 2012، تصدر عن مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي، على الرابط التالي:
http://m-mahdi.info/sada-almahdi/articles-688
[18] حداد، عبدالمالك، التشيّع يخترق المجتمع الجزائري، مجلة الراصد، عدد شهر جمادى الآخرة ١٤٢٨ـ موقع البينة:
http://www.albainah.net/Index.aspx?function=Item&id=16777&lang=
[19] مركز الأبحاث العقائدية، ينقل مشاركات توثق للتشيّع في الجزائر، انظر الرابط التالي:
http://www.aqaed.com/shia/world/algeria/page/2/
[20] مخطط وزارة الشؤون الدينية لمواجهة المد الشيعي بالجزائر، جريدة الصوت الآخر، 20 ديسمبر 2015 على الرابط التالي:
http://goo.gl/Me387H
[21] د. خالد عمر بن ققه: من «النّخبة» إلى «الشَّعبيّة»: مخاطر التّشيُّع في الجزائر..أيّ دور خارجي؟ مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية، 26 يونيو 2016 على الرابط المختصر التالي:
http://rawabetcenter.com/archives/28790