كشف تقرير جوبي واريك، مراسل صحيفة “واشنطن بوست”، في 28 أبريل (نيسان) المنصرم، تفاصيل لم تكن معروفة من قبل عن أموال طائلة دفعتها قطر في الربيع الماضي، لميليشيات شيعية تدعمها إيران، وميليشيات جهادية سنية.
وبلغ مجموع الأموال (275) مليون دولار على الأقل وفقاً لواريك، وربما زاد على (770) مليون دولار، وفقاً لتقرير روبرت وُرث، الذي صدر أخيراً عن صحيفة “نيويورك تايمز” ونقل عنه واريك. استُخدمت هذه الأموال لتحرير (25) رهينة قطرياً، من بينهم تسعة أفراد من الأسرة الحاكمة، احتجزتهم في العراق ميليشيا شيعية تدعمها إيران لمدة (16) شهراً.
غير أن مقالتي صحيفتي “واشنطن بوست” و”نيويورك تايمز” تمنحان المصداقية لخبر نُشر سابقاً في جريدة “فايننشال تايمز” وأشار إلى أن تلك الدفعات كان لها غرض آخر أيضاً، هو تسهيل اتفاق لنقل السكان السنّة والشيعة في أربع بلدات سورية محاصرة. وتؤكّد صحيفة “نيويورك تايمز” أن قطر حاولت تسهيل الاتفاق الأخير الذي عرضته إيران، لتعزيز سيطرة إيران وحزب الله على الأراضي القريبة من دمشق. وشمل المستفيدون من النقود القطرية أربعة كيانات -على الأقل- تعتبرها الحكومة الأمريكية راعية للإرهاب الدولي: الحرس الثوري الإيراني، وميليشيا كتائب حزب الله في العراق، وجبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة في سوريا، وأحرار الشام.
وكشف تقرير “واشنطن بوست” أيضاً عن مصدر آخر لمعلومات واريك، أي قيام حكومة أجنبية لم يكشف النقاب عنها بمراقبة واسعة للمكالمات الهاتفية والرسائل النصية ورسائل البريد الإلكتروني القطرية. تمّت هذه المراقبة طوال (18) شهراً سبقت القرار الذي اتخذته المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر في يونيو (حزيران) 2017، بقطع العلاقات مع قطر وفرض حظر على التجارة معها والسفر إليها، بغية وقف الدعم القطري للإرهابيين ومن يساعدهم. وربما يساعد اطّلاع حكومة مجهولة الاسم على تفاصيل وحجم التعاملات القطرية المتعلقة بالإرهاب في وضع التدابير الدراماتيكية التي اتخذتها الرباعية العربية في يونيو (حزيران) في سياقها الصحيح.
من المرجح في قادم الأيام أن تتصدّى الحكومات الغربية ومؤسسات السياسات لتداعيات تقرير واريك والقصتين اللتين سبقتاه. وثمة ثلاث نتائج ذات أهمية خاصة:
- كشف كذب المسؤولين القطريين. في 28 مارس (آذار)، كتب السفير القطري في الولايات المتحدة، الشيخ مشعل بن حمد آل ثاني، رداً على تقرير روبرت وُرث في صحيفة نيويورك تايمز أن “قطر لم تدفع فدية”. ونفى المزاعم بأن قطر تدعم الجماعات الإرهابية ووصفها بأنها “زائفة”. وحاول تصوير المدفوعات القطرية في العراق بأنها شكل من أشكال المساعدة الحكومية الرامية إلى “تقوية العلاقات الثنائية” بقدر ما ترمي إلى تسهيل إطلاق سراح الرهائن. لكن الاتصالات القطرية التي نشرتها صحيفة واشنطن بوست الآن وسمعها واريك وشاهدها تنفي مزاعم السفير بوضوح.
- مع أن بعض الدعم القطري للإرهابيين قد يكون خياراً استراتيجياً متعمداً، فإنه ناجم بالقدر نفسه في حالات أخرى عن التهوّر الخالص. أشار تحليل سابق لمركز المسبار إلى أن بعض الدبلوماسيين الغربيين، الذين أجروا تقييماً لأموال الفدية التي دفعتها قطر إلى جبهة النصرة في سوريا، أعربوا عن شكوكهم في أن تكون “الفديات” وسيلة لتقديم العون للإرهابيين بموجب حيلة معقولة. ومع أن تقريري واريك ووُرث لا يناقضان هذه الفرضية تماماً، فإنهما يقدّمان أمثلة على أن المسؤولين القطريين لم يعملوا بطريقة منهجية كما أشار الدبلوماسيون الغربيون ضمناً. فقد كتب روبرت وُرث في مقالته في صحيفة نيويورك تايمز: “يبدو أن القطريين كانوا مغفّلين أكثر من كونهم أشراراً، ومنتشين بأموال الغاز الطبيعي، وغافلين عن النتائج الوخيمة المترتّبة عليها. كانوا ينفقون النقود بإهمال في مساعٍ خرقاء للتلاعب بسياسات منطقة مضطربة، ليتبيّن لهم لاحقاً أن الأوضاع انقلبت”. ولعل الحكومة، التي تنفق دون إدراك الأرباح الطائلة التي تجنيها من الطاقة على الجماعات المسلّحة وسط حريق إقليمي، أشدّ خطراً من بعض النواحي من الحكومة التي تتصرّف بفاعلية واتساق –بصرف النظر عن سوء سياساتها. وفي الحالة الأخيرة ، قد يكون من الممكن أن تشجّع القوى الخارجية إحداث تغيير في السياسة القطرية عن طريق مزيج من الضغوط والحوافز. لكن إذا كان القادة القطريون “منتشين بأموال الغاز الطبيعي” كما أشار وُرث، فإن العلاج الآمن الوحيد قد يكون بتجريدهم من المفاتيح، إذا تابعنا تشبيه وُرث.
الأموال القطرية ساعدت نظام طهران في الحفاظ على سلطته وسياساته. في ضوء ضخامة المبالغ القطرية المدفوعة إلى الحرس الثوري الإيراني ووكلائه، يبدو أن الدوحة قدمت شريان حياة لسياسات طهران التدخلية، بينما كان الاقتصاد الإيراني يترنّح من تأثير العقوبات الدولية. أي إن ضخّ رأس المال القطري جاء بمثابة هدية للحرس الثوري الإيراني مع تصاعد الضغوط الداخلية الإيرانية لخفض دعم مغامراته في الخارج. فبدءاً من 28 ديسمبر (كانون الأول) 2017، شارك ملايين من المواطنين المهمّشين اقتصاديا -أي الأكثر عرضة للتدهور الاقتصادي للبلاد- في المظاهرات التي جابت كل أنحاء إيران مطالبين بإنهاء التمويل الحكومي للمنتسبين للحرس الثوري الإيراني في سوريا والعراق ولبنان وغزة. وقد تمكّنت الحكومة الإيرانية من إخماد هذه الاحتجاجات عن طريق مزيج من القمع والإغاثة المالية، محافظة في الوقت نفسه على سياساتها التدخّلية في المنطقة المحيطة. ولو لم تسلّم الدوحة إيران ووكلاءها الدفعات المالية الضخمة، لواجه الملالي صعوبة أشدّ في الاستمرار في خوض الحروب وحكم إيران.