ترجمة: عبدالعزيز حمدي عبدالعزيز[2]
الناشر: كلمة، أبو ظبي، الطبعة الأولى، 2014، (831 صفحة)
يتضمن الكتاب توثيقاً غنياً يحيط بالثقافة الصينية القديمة ويعكس الطبقات التاريخية التي عرفتها الحضارة الصينية. لا تنحصر المادة التي جاءت في (13) فصلاً، يضاف إليها مجموعة من الملاحق، ضمن إطار التأريخ السياسي فحسب، بل تكشف –أيضاً- عن الجغرافيا الصينية وتطور التاريخ، وأسماء الأسر والأفراد والألقاب والكُنى، والرموز، والفكر الأكاديمي، والمعتقدات والأديان، والتعليم في العصر القديم، ونظام الفحوص الإمبراطورية، والكتب القديمة والسجلات التاريخية، والإنجازات العلمية والهندسية، والأدب الكلاسيكي والفنون والعادات والتقاليد، وغيرها من الموضوعات.
يمثل الكتاب رحلة علمية، تميط اللثام عن تفاصيل كثيرة في الثقافة الصينية، وتضع القارئ أمام أهم منجزاتها الحضارية، في بلد يصل عدد القوميات فيه إلى (56) قومية وتبلغ مساحته (9,6) ملايين كيلو متر مربع، بما يعادل (15%) من إجمالي مساحة اليابسة في العالم، وتساوي حجم قارة أوروبا.
يقدم الكتاب بانوراما عن التاريخ الصيني والثقافة الصينية وتاريخ التطور الأدبي والفكري والديني… إلخ. يعتبر جولة فكرية عظيمة وجريئة وواسعة –كما يلاحظ المترجم- تسد ثغرة معرفية في المكتبة العربية التي تفتقر إلى الكثير من المصادر والمراجع ذات الارتباط بالحضارة الصينية، ومرد ذلك يعود بالدرجة الأولى إلى بطء حركة تعريب الكتب الصينية، على الرغم من الاهتمام الذي توليه بعض المراكز البحثية ودور النشر في العالم العربي.
كتب الفيلسوف الألماني ليبنتز (Leibnitz) في مقدمة كتاب «الأحوال الراهنة في الصين» قائلاً: «إننا منذ زمن بعيد، لا يوجد بين ظهرانينا من يصدق أن في العالم توجد أمة نظامها الأخلاقي أكثر كمالاً من نظامنا، وطريقها في تثبيت أقدامها ومعالجة شؤونها أكثر تقدماً من طريقنا، والآن تأتي الصين من الشرق، وتجعلنا ننهض من سُباتنا العميق».
من عوامل نهوض الحضارة الصينية عامل الاندماج بين السياسة والأخلاق[3]؛ وهي ميزة طغت وطبعت التاريخ القديم، وتركت أثرها على التاريخ المعاصر، وانعكست على المجتمع والثقافة، وآلت إلى تطوير الوعي الوطني الجمعي، بصرف النظر عن مستوى التعقيد في الفسيفساء المجتمعية، أثنياً ودينياً، علماً أن الصين –كما يبرهن الكاتب– لم يكن المعيار الديني في أي حقبة من حقباتها التاريخية هو المحدد لهويتها العامة.
الجغرافيا وتطور التاريخ والأسر
يدرس تشنغ يوي تشن البدايات التاريخية لموطن الأجداد الصينيين في العصور الغابرة على ضفاف النهر الأصفر[4] ونهر اليانجتسي، كاشفاً عن التغيرات في حدود الصين وخريطتها عبر الأزمنة، حيث شهدت عملية تطوير. لا سيما في أسرة تشين (Qin) (221 ق. م – 207 ق. م) التي وحدت الصين للمرة الأولى ووضعت إرهاصات خريطة الصين. أما الأسر التي تلتها فقد عملت على توسيع الجغرافيا الصينية على الرغم من الاضطرابات وقلاقل الحروب في عصر الممالك الثلاث المتحاربة. إلى ذلك يضعنا المؤلف أمام التقسيم الإداري الذي عرفته الصين في تاريخها القديم، محدداً أصل تسمية المقاطعات والمدن والمناطق ذاتية الحكم، حيث شهدت تبدلات إلى أن استقرت في تقسيمها الإداري الحالي منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية في أول أكتوبر (تشرين الأول) عام 1949.
في سبيل فهم الثقافة الصينية وخصائصها لا بد من فهم التاريخ الصيني. يسعى المؤلف إلى الإضاءة على مصدر الثقافة الصينية ضمن المُهود الأولى في حوض النهر الأصفر، وحوض نهر اليانجتسي وحوض نهر اللؤلؤ ومنطقة الشمال والشمال الشرقي. عرفت هذه المناطق ثقافات عدة من بينها «ثقافة بيلي قانغ» في مدينة شينجيانغ بمقاطعة خنان يعود تاريخها إلى ثمانية آلاف سنة تقريباً، و«ثقافة يانغشاو» في محافظة شينغتشي بمقاطعة خونان وتاريخها حوالي خمسة أو ستة آلاف سنة.
يتناول المؤلف تاريخ الأباطرة الثلاثة والملوك الخمسة. كان هؤلاء مجموعة من الحكّام شبه الأسطوريين[5] وأبطال الثقافة الذين حكموا الصين القديمة، وقد سبقت هذه الحقبة أسرة شيا[6] (Xia) (من القرن 21 ق.م – القرن 17 ق.م). يذكر تشن –طبقاً لما أوردته السجلات التاريخية– بعض أحوال أسرة شيا، حيث بلغت قوة الإنتاج في المجتمع مستوى مرتفعاً، وعرفت الملكية الخاصة، وأسست نظام حكم للبلاد يشتمل على: نظام توريث السلطة جيلاً بعد جيل؛ نظام خاص بموظفي الحكومة؛ ونظام المناطق الإدارية. يعرض الكتاب تاريخ المجتمع الصيني في أسرتي شانغ وتشو وفترتي الربيع والخريف وعصر الممالك المتحاربة، حتى يصل إلى عصر أسرتي سوي وتانغ وسونغ ويوان ومينغ وتشينغ، متناولاً –بإيجاز شديد- مرحلة التاريخ المعاصر.
ترمز أسماء الأسر في الصين إلى علاقة أواصر الرحم في الهيكل الاجتماعي، وقد أضاف إليها أعضاء المجتمع بعض النصوص واللوائح في عملية التطوير بهدف تنسيق هذا الهيكل والحفاظ عليه، ثم تبلورت ملامح نظام أسماء الأسر. يشير المؤلف في معرض تناوله لأسماء الأسر والأفراد والألقاب والكُنى إلى الخاصيّة التي تميزت بها، والتي تقوم على نظام المشيخة العشائرية بصورة أساسية.
نظريات الثقافة الصينية من الكونفوشية إلى أسرة تشينغ
تكونت النظريات الثقافية في الصين القديمة من مذاهب ومدارس عدة تلاقحت فيما بينها. ويشكل مذهب كونفوشيوس – مينشيوس وأفكار لاوتسي وتشوانغ تسي ونظرية المدرسة الموهية ونظرية المدرسة الشرائعية أصولها الأساسية.
يعتبر مذهب كونفوشيوس أول نظرية أثرت في تاريخ الثقافة الصينية، وقد تمحورت أفكاره الأساسية على الخير ومغزى الخير، وقدم مجموعة من المفاهيم الأخلاقية لإصلاح الذات والتربية الأخلاقية. كان مينشيوس –كما يذكر المؤلف- من كبار الأساتذة في المذهب الكونفوشيوسي واعتاد كونفوشيوسيون في الأجيال اللاحقة الربط بينه وبين كونفوشيوس. تنهض فكرته على إقامة «حكومة خيرية»، حيث اعتقد أن كل كائن إنساني يحمل في داخله إرهاصات النزعة الخيرية. أما أفكار لاوتسي –مؤسس المدرسة الطاوية- وتشوانغ تسي فهي بمثابة ثاني أهم نظرية. ثمة اختلافات بارزة بين الطاويين والكونفوشيوسيين يبرزها الكاتب؛ ترمز الكونفوشيوسية إلى علم الاندماج في العالم وتتناول بصورة أساسية التربية السياسية، أما الطاوية فهي علم اعتزال العالم، وتتناول بالشرح الكون والحياة، ويتركز دورها وتأثيرها على الحياة. أقر لاوتسي بأن الأشياء تتألف من الشيء ونقيضه مثل: الوجود والعدم، الصعب والسهل، الجمال والقبح، الحياة والموت، الذكاء والغباء، النصر والهزيمة، وأن الشيء ونقيضه ليسا منعزلين في الوجود، بل يتفاعلان بصورة متبادلة[7].
تركز أفكار المدرسة الموهية على مصالح الطبقات الدنيا من الكادحين، واقترح موه تسي مؤسس المذهب، عشرة موضوعات رئيسة هي: الحب الشامل، مناهضة النزعة العسكرية، الاتفاق على الفضيلة، الاتفاق على الأعظم، الاقتصاد في إقامة الجنائز، الاقتصاد في الإنفاق، مناهضة الموسيقى، مناهضة الإيمان بالقضاء والقدر (الجبرية)، إرادة السماء، والإيمان بالأرواح. وظهرت نظرية المدرسة الشرائعية (القانونية) في مرحلة ما بعد فترة الممالك المتحاربة، وتركزت طروحاتها حول قبضة الحاكم على مقاليد السلطة بقوة القوانين الصارمة والعقوبات الرادعة، وهنا يلاحظ المؤلف أن أفكار هذه المدرسة كانت حجر الزاوية في نظرية الحفاظ على السلطة المركزية الاستبدادية للحكام في عصور الإقطاع اللاحقة.
الديانات في الصين
نشأ الدين في الصين منذ العصر البدائي، وبعد تشكل دين الطاوية شهدت الصين البوذية والإسلام تباعاً، ولكن لم يظهر فيها أبداً -كما يسجل المؤلف- دين من الأديان يسيطر على وعي وأحاسيس الشعب الصيني، بل لم يظهر فيها ما يطلق عليه «دين الدولة»، ولذلك تعايشت فيها جميع الأديان جنباً إلى جنب، فضلاً عن عبادة تعدد الآلهة.
يؤرخ تشن لتاريخ الديانات في الصين (تعدد الآلهة، الطاوية، البوذية، الإسلام والمسيحية) محللاً بعض معتقداتها وطقوسها وكيفية انتشارها. وصلت البوذية أواخر أسرة هان الغربية أو في الفترة التي تمتد بين أسرتي هان الشرقية والغربية، وقد شهدت تطوراً بارزاً في أسرتي وي وجين وفي الأسر الجنوبية والشمالية. ومن العوامل المساعدة على انتشارها: اتساع نطاق ترجمة كتاب البوذية بصورة ملحوظة، ازدهار أنشطة نشر البوذية، وبناء عديد من الأديرة البوذية. تفرع من البوذية تسعة مذاهب: مذهب سان لون (النظريات الثلاث)، مذهب المراحل الثلاث، مذهب فاشيانغ (صور الأشياء البوذية)، مذهب وصايا دينية، مذهب هوايان، مذهب تيان تاي (المذبح السماوي)، مذهب جينغ تو (الأرض الطاهرة)، مذهب ميي، ومذهب تشان (جلسة تأمل بوذية).
وعلى الرغم من أن البوذية –التي تعتبر ديانة أجنبية- لم تتصادم مع الديانتين المحليتين: الكونفوشيوسية والطاوية على الصعيدين الفكري والنظري، لكنها تواجهت مع الطبقة الحاكمة (الأباطرة والملوك الإقطاعيون بصورة أساسية) حيث وقعت أربع حوادث كبرى لوأد البوذية في التاريخ القديم. يقارن المؤلف بين المعتقدات البوذية والكونفوشيوسية مبرزاً الإطار العقدي ومفنداً الاختلافات العقدية.
نشأت الطاوية في التربة الصينية وجاءت متأخرة عن البوذية، ولكن مصدرها موغل في القدم. يحدد المؤلف مصدر الطاوية في المجالات الآتية:
الديانة البدائية والسحر.
نشأة «إكسير الحياة» في فترة الربيع والخريف وعصر الممالك المتحاربة.
مذهب الين (السالب) واليانغ (الموجب) والعناصر الخمسة (المعدن، التراب، الماء، النار، الخشب).
مذهب هوانغ – لاوتسي.
عرفت الطاوية تطورات مذهبية واكبتها مراحل أسهمت فيها بالأحداث التاريخية، فاضطلعت بالانتفاضات الفلاحية على نطاق واسع، وشكلت الأرضية الشعبية للسلطة السياسية في فترة حكم تشانغ لو، حفيد تشانغ لينغ، الذي حكم لفترة ثلاثين عاماً في منطقة هان تشونغ على أسس حكم يجمع بين الدين والسياسة.
دخل الإسلام إلى الصين في عصر أسرة تانغ (618- 907م) ثم تطور بعد ذلك. ترك الإسلام تأثيراً محدداً في الثقافة الصينية، ولكنه لم يكن بعمق التأثير البوذي، وأثر انتشاره في تكوين القوميات الصينية، ودفع إلى الاندماج بين قومية هوي الإسلامية والقوميات الأخرى. يشير المؤلف إلى أن عدد سكان قومية هوي سبعة ملايين ومئتان وعشرون ألف نسمة، ويحتلون المرتبة الثالثة بين القوميات في جميع أنحاء الصين، ويعيشون مع قومية الهان أكبر قوميات الصين، ويستخدمون لغة الهان (اللغة الصينية) ويرتبطون ارتباطاً وثيقاً بثقافتها. يتجنب تشن الخوض في المشاكل التي تعترض المسلمين الصينيين مع الحكومة الصينية، كما أنه سقط في بعض المغالطات التاريخية والعقدية حين تطرق إلى تاريخ ظهور الإسلام وعقائده ومذاهبه.
أما المسيحية (دين جينغ) فقد انتشرت عام 635م في أسرة تانغ وعرفت تبدلات أدت إلى تراجعها وحظرها، لا سيما في عصر الإمبراطور وو زونغ، إلى أن عادت في القرن الثالث عشر الميلادي، وكان معظم معتنقيها من المغول والأجانب. وفي منتصف القرن السابع عشر الميلادي، وبعد حقبة من التراجع، انتشرت أنشطة الكنيسة الشرقية، كما دخلت البروتستانتية في مرحلة حرب الأفيون.
الكتب القديمة والسجلات التاريخية
بعد عرضه للتعليم في العصر القديم ونظام الفحوص الإمبراطورية، يدرس المؤلف الإرث الصيني الذي يتضمن الكتب القديمة والسجلات التاريخية التي يتراوح عددها بين سبعين وثمانين ألفاً، وهي تتألف بصورة أساسية من كتب ألواح البامبو وكتب من طبعات حريرية، وكتب من طبعات ورقية وكتب من طبعات خشبية، بالإضافة إلى الكتب الحجرية المنقوشة.
تتوزع هذه الكتب على: الكتب الكلاسيكية الكونفوشيوسية، الكتب والسجلات التاريخية، المراجع المبوبة والقواميس، التاريخ المحلي والحوليات المحلية، الكتب المطبوعة، وأمهات الكتب.
شكل هذا الفصل من الكتاب مادة غنية كاشفة حيث يعرض -بشكل تفصيلي- للمعارف الصينية الكلاسيكة، ويكشف عن حجم الجهد المعرفي الذي اضطلعت فيه النخب الثقافية الصينية. لنذكر -على سبيل المثال لا الحصر- أن «المعجم الكبير يونغ ليه» تمّ إعداده زمن الإمبراطور تشينغ زو، وشارك في هذا العمل الضخم حوالي (2169) باحثاً واستغرق خمس سنوات، ويشتمل على (22937) مجلداً منها ستون مجلداً للفهارس والموضوعات، وتم تجليده في (11095) جزءاً، ويحتوي على حوالي (370) مليون كلمة، وهو يشبه دائرة المعارف، ويعد من المشروعات الضخمة في الثقافة الصينية. بعد الانتهاء من إعداده تمّ نسخه، ودُمرت النسخة الأصلية عندما اضمحلت أسرة مينغ. وفقدت أجزاء كثيرة منه. عدد المجلدات المحفوظة حالياً وصل إلى (225) مجلداً، «وكان إعداد وتبويب المرجع المعجم الكبير يونغ ليه أقدم من الموسوعة البريطانية والموسوعة الفرنسية بأكثر من (300) سنة».
الإنجازات العلمية والهندسة المعمارية والأدب الكلاسيكي والفنون
يتطرق المؤلف إلى تاريخ تطور العلوم في الصين القديمة، مشيراً إلى أهم الإنجازات العلمية في: علم الفلك والتقويم الصيني، وعلم الزراعة، وعلم الرياضيات، وعلم الطب، وعلم الأرض، يضاف إليها الاختراعات الأربعة الكبرى: فن صناعة الورق، البوصلة، البارود، وفن الطباعة.
مرّت الهندسة المعمارية التقليدية في الصين القديمة بست مراحل: مرحلة النشأة والتكوين، مرحلة النضج في أسرتي تشين وهان إلى مرحلة الممالك الثلاث، مرحلة استيعاب الفن المعماري البوذي في أسرتي وي وجين وفي الأسر الجنوبية والشمالية، مرحلة الذروة في أسرتي سوي وتانغ، مرحلة التغير والتحول في أسرتي سونغ ويوان، ومرحلة التقدم التدريجي في أسرتي مينغ وتشينغ. يفصل تشن الحديث عن الفن المعماري الذي أبرزته أسوار المدن القديمة، والقصور والأضرحة الإمبراطورية، والجسور، وتشييد أبنية القرابين، وهندسة التزيين والزخرفة، والمشروعات المائية.
يُعد الأدب الكلاسيكي جزءاً أصيلاً في الثقافة الصينية القديمة ويتمتع بتاريخ موغل في القدم. انطلقت بدايته –كما يبين المؤلف- من الأساطير وتواصل نتاجه مع «كتاب الأغاني»، وديوان شعر مملكة تشو، ونثر الفلاسفة، ومقامات ما بعد أسرة هان، والشعر النثري في أسرتي وي وجين، وشعر أسرة تانغ، وشعر تسي في أسرة سونغ ويوانتشيوي (نوع من الأوبرا الصينية التقليدية) والروايات في أسرتي مينغ وتشينغ.
يلقي الكتاب رؤية وافية على الفن التقليدي الصيني (الخط، النحت، الرسم، الموسيقى القومية، الأوبرا التقليدية، معلقات الدوبيت). يتمتع هذا الفن بأربع خصائص: مبدأ التكامل بين الطقوس والموسيقى، روح الاندماج والترابط المتبادل، الاهتمام بفن السحر الرومنطيقي، وتحقيق هدف التثقيف.
العادات والتقاليد: التعددية والاندماج
تحتوي الصين -كما أشرنا سابقاً- على (56) قومية عاداتها وتقاليدها مختلفة ومتباينة. وعلى الرغم من هذه الخاصية ثمة روابط مشتركة بين هذه القوميات أدرجها المؤلف على النحو الآتي:
أولاً: التراكم التاريخي: أي إن معظم العادات والتقاليد لدى الصينيين تتمتع بالمصدر التاريخي القديم عميق الأغوار.
ثانياً: التعددية: بمعنى أن العادات والتقاليد تتجلى في تعدد القوميات وتعدد المناطق والأنظمة.
ثالثاً: الاندماج المتبادل: أي إن العادات والتقاليد في القوميات كافة تشهد التأثير المتبادل والاندماج المتبادل، وتتمتع بميزة السعي وراء التطور المشترك.
تتمظهر العادات والتقاليد القديمة ضمن ملامح عدة، عرفت تبدلات أدت إلى اندثار الكثير منها بفعل التطور المجتمعي. يتحدث تشن في هذا الفصل عن تقاليد الشاي والخمر وفن الطهي والزواج والجنازة والأعياد القومية في الثقافة الصينية القديمة، بحيث انطبعت بخصائص القوميات وإرثها التقليدي.
يحتوي «لمحة عن الثقافة الصينية» على مادة غنية تمكّن القارئ من الاطلاع على أبرز ملامح الثقافة الصينية. وعلى الرغم من الكمّ الكبير من المعطيات والمعلومات والجوانب التي تمت دراستها، لكنه يبدو كتاباً عادياً لغير المتخصصين في القضايا والشؤون الصينية، فضلاً عن افتقاره للمصادر والمراجع، إذا ما قورن بعدد صفحاته التي تصل إلى (831 صفحة) وهذا لا ينفي الجهد الكبير الذي بذله المؤلف.
باتت الصين اليوم مرشحة للقيادة العالمية، فهي تعد من أكبر القوى الاقتصادية في العالم. تشهد الدبلوماسية الصينية تفاعلاً إيجابياً على المستويين الإقليمي والعالمي، مما يعزز من دورها السياسي، لا سيما في العالم العربي، خصوصاً أنها ليس لها تاريخ استعماري في المنطقة العربية، مما يفتح لها آفاقاً واسعة نتيجة اعتمادها على ثنائية: الاحترام المتبادل لسيادة الدولة الوطنية ووحدة أراضيها، والتعامل على أساس المساواة والمنفعة المتبادلة[8].
يستشرف المؤرخ والفيلسوف الأميركي ويل ديورانت مستقبل الصين قائلاً: «وأكبر الظن أن الصين ستنتج من الثروة ما لم تنتجه قارة من القارات حتى أمريكا نفسها، وأن الصين ستتزعم العالم في نعيم الحياة وفنها كما تزعمته مراراً في الزمن القديم في التنعم وفي فنون الحياة».
[1] بروفيسور وعميد معهد التبادلات الدولية التابع لجامعة اللغات الأجنبية في بكين. مدير مركز الدراسات الصينية – الأجنبية، ومدير المركز الدولي لمعلومات تدريس اللغة الأجنبية. قام بتدريس اللغة الصينية في مدرسة الصداقة بين الصين وجمهورية لاوس. اشتغل بالتدريس لسنوات عدة في جامعة بكين، وفي مجموعة التربية والعلوم التابعة لمجلس الدولة الصيني وفي وزارة التعليم الصينية.
[2] أكاديمي ومترجم مصري. ترجم عديداً من الكتب الصينية إلى اللغة العربية، من أهمها المسرحيات الصينية: «شروق الشمس» و«المقهى». من أهم مؤلفاته: «التجربة الصينية» و«المسلمون في الصين» و«حصاد القول عند الأديب عبدالحليم عبدالله».
[3] يشير المؤلف في أكثر من موضع داخل الكتاب إلى خاصيّة الاندماج بين الأخلاق والسياسة التي تبدت بشكل واضح في سياق الفلسفة الكونفوشية، خصوصاً مقولة «الحكم القائم على الأخلاق الفاضلة».
[4] شكل النهر الأصفر أقدم مهد للثقافة الصينية، حيث تمّ اكتشاف أكبر كمية من الإرث الثقافي للعصر الحجري الحديث في مناطق اتسمت بالتركيز النسبي في كل من الحوض الأوسط والحوض الأسفل في النهر الأصفر وهضبة التراب الأصفر. وتأسست في وادي النهر الأصفر خمس عواصم من أصل سبع عواصم كبرى عرفتها الصين. وذلك بسبب الاقتصاد الزراعي المتطور وتأسيس مراكز سياسية في العصور التاريخية. راجع: المبحث الأول: النهر الأصفر ونهر اليانجتسي والحضارة الصينية ص40-42.
[5] أشار الفيلسوف الألماني إرنست كاسيرر إلى «أننا نكتشف من التاريخ أنه لا توجد ثقافة عظيمة لا تسيطر عليها أصول الأساطير التي تتغلغل داخلها». راجع: وو، بن، الصينيون المعاصرون: التقدم نحو المستقبل انطلاقاً من الماضي، الجزء الأول، ترجمة: عبدالعزيز حمدي، مراجعة: لي تشين تشونغ، سلسلة عالم المعرفة، (210)، الكويت، الطبعة الأولى، يونيو (حزيران) 1996.
[6] تُعد مملكة شيا أول مملكة في التاريخ الصيني، واستمرت حوالي (500) سنة. وتقع المناطق الرئيسة الخاضعة لسيطرتها في جنوب مقاطعة شانشي وغرب مقاطعة خنان. وكان دا يوه مؤسس هذه المملكة بطلاً يقال إنه نجح في السيطرة على النهر الأصفر الذي كان يفيض بكثرة، فكسب دعم أبناء قبيلته وأسس مملكة شيا أخيراً. ويرمز قيام مملكة شيا إلى تحول الصين إلى مجتمع عبودي من مجتمع بدائي استمر زمناً طويلاً. وشهدت مملكة شيا في سنواتها الأخيرة اضطرابات سياسية واشتداد الصراعات الطبقية. ونظراً لأن المعطيات التاريخية المتعلقة بهذه المملكة قليلة جداً، ما زال الأكاديميون يختلفون بشأن وجودها من عدمه. ولكن «كتاب التاريخ» -كتاب صيني قديم مشهور حول التاريخ- سجل أسماء ملوك شيا بالتفصيل. ومنذ عام 1959، ظل الأثريون يعملون على اكتشاف آثار مادية لإثبات وجود هذه المملكة ومعرفة المزيد عنها. ويرجح عديد من الأثريين نسبة أطلال اكتشفت في بلدة أر ري تو بمقاطعة خنان إلى أسرة شيا، إذ ترجع هذه الأطلال إلى حوالي عام 1900 قبل الميلاد، علماً أن مملكة شيا نسبت فيما ما بين القرنين (21) و(16) قبل الميلاد تقريباً. بيد أن الأثريين لم يكتشفوا حتى الآن أي دليل مباشر على وجود علاقة لهذه الأطلال بمملكة شيا. راجع: موقع China A B C، على الرابط التالي:
http://arabic.cri.cn/chinaabc/chapter14/chapter140101.htm
[7] لمزيد من التفاصيل حول أفكار لاوتسي وتشوانغ تسي، راجع الفصل السادس: الفكر الأكاديمي الصيني، ص150-151.
[8] في إطار الصعود الكبير الذي حققته الصين خلال العقود الثلاثة السابقة، يلحظ المحلل أنه صعود اقتصادي تميز بالسلمية، وقام على مبادئ أساسية تعد ركائز ثابتة طالما استندت إليها سياسة الصين الخارجية في المجالين الإقليمي والدولي منذ استقلالها الحديث عام 1949، تتمثل هذه المبادئ في مبادئ خمسة: الاحترام المتبادل لسيادة الدولة الوطنية ووحدة أراضيها، وعدم الاعتداء على دولة أخرى، أو التدخل في شؤونها الداخلية، والتعامل على أساس المساواة والمنفعة المتبادلة بين الدول، والحفاظ على التعايش السلمي والاستقرار على المستوى العالمي. حيث استمدت الصين من هذه المبادئ أهدافاً متعددة سعت لتحقيقها بما يتوافق مع اعتبارات المصلحة القومية العليا لها. انظر: صالح، ماجدة، إمكانية الصعود الكوني: النمور الآسيوية وقيادة العالم: دراسة للصين واليابان، المركز العربي للبحوث والدراسات، 21 ديسمبر (كانون الأول) 2014، على الرابط التالي:
http://www.acrseg.org/28483