نُشرت المادة سابقاً في المجلة الروسية
Russian View
June-July 2018
يونيو- يوليو
تعد المملكة العربية السعودية من أكثر دول العالم تعرضاً واستهدافاً للعمليات الإرهابية خلال العقود الماضية، وهي تقوم بدور مؤثر وفعال في مجال حفظ الأمن ومكافحة الإرهاب والتصدي له على مختلف الاصعدة وبجميع المستويات المحلية والإقليمية والدولية، حيث تبنت المملكة استراتيجية وطنية تقوم على عدد من الركائز، من أهمها المعالجة الفكرية والمواجهة الأمنية وفرض القيود المالية، بالإضافة الى إسهامها بفعالية في كافة المساعي والجهود الإقليمية والدولية الساعية لموجهة الإرهاب ومكافحته، إذ شاركت المملكة في المبادرات الدولية الرامية لتعزيز الجهود الجماعية التي تنتظم تحت مظلة الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، وتتمحور تلك الجهود على ثلاث مستويات على النحو التالي:
أولاً- على المستوى المحلي:
* قامت المملكة بتحديث وتطوير واستحداث أجهزة أمنية معنية بمكافحة الإرهاب.
* تعزيز التعاون والتنسيق بين مختلف الجهات الأمنية وغير الأمنية.
* وضع قيود مشددة على صناعة أو استيراد أو بيع أو حيازة أو تداول أو اقتناء الأسلحة والذخائر والمواد الكيميائية.
* التعامل بحزم مع مرتكبي الجرائم الإرهابية وتعقبهم واتخاذ الاجراءات القانونية والقضائية بحقهم وفقاً للشريعة الإسلامية والقوانين المرعية في المملكة والتزاماتها الدولية.
ب. جهود مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب:
* أنشأت في عام (2003م) وحدة للتحريات المالية ولجنة وطنية دائمة لمكافحة الإرهاب تعنيان بقضايا غسيل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب ووحدات لمكافحة غسيل الأموال في البنك المركزي وفي البنوك والمصارف السعودية.
* أصدرت عدداً من الأنظمة ومنها:
ـ نظام مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله.
ـ نظام مكافحة غسيل الأموال.
ـ نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية.
ج. الجهود الفكرية والإعلامية:
أولت المملكة اهتماماً كبيراً بالجانب الفكري لإيمانها بأن الارهاب ما هو إلا نتاج لأفكار إقصائية متطرفة ترفض الحوار والتعايش السلمي، وأنه لا يمكن القضاء عليه من خلال المعالجات الأمنية الصرفة فقط وأنه لابد من معالجة الفكر المنحرف بالفكر المعتدل، وقد اهتمت بفئة الشباب وقضاياهم وتحصينهم من الانحرافات الفكرية مع تثقيف المجتمع أمنياً وفكرياً تجاه ظاهرة الإرهاب من خلال برامج توعوية عبر وسائل الإعلام المختلفة وتدريس مادة مكافحة الإرهاب في بعض المناهج الدراسية، كما عملت المملكة على انتهاج سياسة إعلامية مبنية على الشفافية تتسم بالكشف عن هوية المطلوبين أمنياً عبر بيانات لوسائل الإعلام المختلفة، والتأكيد على أن الجهات المختصة عازمة على ملاحقة عناصر الإجرام، وأنها لن تتسامح أو تتساهل مع من يقوم باحتضانهم أو مساندتهم أو تمويلهم، وتم إنشاء مركز محمد بن نايف للمناصحة والرعاية عام (2004م) ليمثل تجربة رائدة وفريدة في مجال المواجهة الفكرية، لما له من دور محوري في تغيير قناعات عدد كبير من الإرهابيين والمعتنقين للفكر المتطرف وإعادة دمجهم وتأهيلهم ليكونوا أعضاء نافعين في المجتمع.
د. تطوير استراتيجيات مواجهة الإرهاب:
بلورت المملكة جميع جهودها من خلال خطط عمل واضحة واستراتيجيات موجهة للتصدي للإرهاب على مختلف المستويات، وذلك من خلال إشراك كافة مؤسسات المجتمع (الأسرة – المؤسسات التعليمية- المساجد- وسائل الإعلام – العلماء وكافة فعاليات المجتمع) في الجهود الرامية لمكافحة الفكر المتطرف والتصدي له بجانب الجهود الأمنية، ومن أبرز الخطط والاستراتيجيات في هذا المجال بناء استراتيجية مواجهة الانحرافات الفكرية في المجتمع السعودي عام (2008م) التي تؤطر أعمال مختلف الجهات لمواجهة خطر التطرف والإرهاب، كما تبنت المملكة ومنذ وقت مبكر خططاً طموحة في مجال رصد الشبهات التي تثار على شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي وتفنيدها والرد عليها بأسلوب علمي مقنع، كما تبني مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني عدة مساهمات في مجال نشر ثقافة الحوار بين مختلف أطياف المجتمع وقيامه في عام (2016م) بإعداد استراتيجية شمولية لمواجهة الفكر المتطرف وتقوية اللحمة الوطنية.
ثانياً- على مستوى العمل الخليجي والعربي المشترك:
تبنت المملكة إقرار الاستراتيجية الموحدة لدول مجلس التعاون لمكافحة التطرف المصحوب بالإرهاب (عام2002م) والتي تؤكد على أهمية التعاون وتبادل المعلومات والتنسيق بين تلك الدول في مجال مكافحة التطرف والإرهاب، وتساهم تلك الاستراتيجية في حل كثير من القضايا المتصلة بالإرهاب، كما دعمت المملكة العديد من القرارات التي أصدرها مجلس وزراء الداخلية العرب الهادفة إلى تعزيز التعاون الأمني بين الدول العربية ومن ذلك اقرار الاستراتيجيات والاتفاقيات والقوانين النموذجية في مختلف مجالات الأمن، ومنها الاستراتيجية العربية لمكافحة الإرهاب (عام1998م) والاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب (عام 1998م) التي تعد من أهم الانجازات الأمنية بين الدول العربية لمواجهة الارهاب بمنظور عربي مشترك.
ثالثاً- على المستوى الدولي:
أتاحت مكانة المملكة في العالم الإسلامي العمل على تعميق التضامن الإسلامي والمساهمة ضمن منظومة رابطة العالم الإسلامي الى تبني عقد عدة مؤتمرات وفعاليات لمحاربة الإرهاب، وتقديم عدة مبادرات في هذا الصدد ومن أبرزها مبادرة الملك عبدالله بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ للحوار بين أتباع الأديان والثقافات (عام2005م) وكذلك تبنيها (عام 2015م) للتحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب والذي يضم (41) دولة إسلامية، كما انضمت المملكة وصادقت على الاتفاقيات الستة عشر لمكافحة الإرهاب (13 اتفاقية و3 بروتكولات اضافية) تحت مظلة الأمم المتحدة، اضافة لمشاركتها الفاعلة في اجتماعات قمة العشرين (G20) وتنفيذ التوصيات الصادرة عنها، وعملها مع فريق العمل المالي (FATF) والذي اجتازت تقييمه في عام (2004م) ولكونها واحدة من الدول السباقة التي نادت بمفهوم التسامح والحوار بين أتباع الأديان والثقافات دعمت المملكة وشجعت مبادرة تأسيس مركز الملك عبدالله العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات في فينا (عام2012م) كما دعمت انشاء مركز الأمم المتحدة لمكافحة الارهاب بمبلغ (100) مليون دولار أمريكي، وفي عام (٢٠١٧م) أنشأت ومولت في مدينة الرياض المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف (اعتدال) وكذلك مركز الحرب الفكرية التابع لوزارة الدفاع. وقد أسفر عن تلك الجهود تبادل المعلومات السرية مع الدول الشقيقة والصديقة مما أسهم في تدمير بنية الخلايا الإرهابية، واعتقال القادة والمنظرين والمخططين لها، كما أسهمت في إحباط عدد كبير من العمليات الإرهابية الوشيكة سواء داخل المملكة أو خارجها، منقذة بذلك آلاف الأرواح البريئة.