عمرو الديب([1])
تبقى قوات حرس الثورة الإسلامية التي تأسست في الأيام الأولى لانتصار هذه الثورة، راسخةً ثابتةً من أجل أداء دورها في حراسة الثورة ومكاسبه»([2]) . هكذا تحدد المادة (150) من دستور جمهورية إيران الإسلامية مهام الحرس الثوري الإيراني. إلا أن بعد ما يقرب من (40) عاماً تحول الحرس الثوري الإيراني لمركز قوة في الحياة السياسية والاقتصادية في إيران، متخطياً كل الأدوار التي حددت له في مرحلة التأسيس.
إذا ما أردنا وصف القدرات العسكرية للدولة الإيرانية، أو الحديث عن أركان الحكم فيها، لا يمكن لنا تجاهل «الحرس الثوري الإيراني»، فقد تم تأسيس هذه القوات في 22 أبريل (نيسان)، 1979وذلك من أجل حماية رجال الدين الذين شاركوا في الثورة، ولمحاولة بناء قوة عسكرية مناوئة للجيش الإيراني، الذي كان يدين معظم جنرالاته للشاه محمد رضا بهلوي.
تمتلك قوات الحرس الثوري الإيراني فروعاً رئيسة تتمثل في القوات البرية، القوات الخاصة «فيلق القدس»، القوات البحرية، القوات الجوية وقوات الباسيج([3]). فمن ناحية التنظيم يشبه تماماً الجيش النظامي إلا أنه من حيث المهام تتجاوز أنشطة الحرس الثوري المهام الموضوعة لأي قوات مسلحة في العالم، حتى وحدات «شوتزشتافل» النازية التي تشبه الحرس الثوري عسكريا وأيديولوجيا، لم تكن تمتلك المزايا الاقتصادية المؤثرة مثل الحرس الثوري الإيراني.
فتقوم قوات الحرس الثوري الإيراني بمهام عديدة تتمثل في الحفاظ على الأمن الداخلي من خلال مكافحة أي تيارات مناهضة لمبادئ الثورة الإسلامية؛ أو أي عناصر تخريبية مضادة. وهذه المهمة كانت واضحة في فترة اضطرابات عام 2009 وواضحة أيضا في الاضطرابات المستمرة منذ نهاية عام 2017، الوقاية من اختراق «الأيديولوجية والثقافة الغربية» في البلاد، تدريب وقيادة قوات المقاومة «الباسيج» والدفاع المدني، تنفيذ مفهوم «تصدير الثورة الإسلامية»، مكافحة الاتجار بالمخدرات، مكافحة التجسس، المشاركة (إذا لزم الأمر) في حماية حدود الدولة والمشاركة في تنفيذ مشاريع الدولة واسعة النطاق في إطار الانتعاش الاقتصادي والتنمية.([4]) وبالإضافه لهذه الاختصاصات الواسعة، يمتلك الحرس الثوري الإيراني نسبة ليست قليلة من حجم الاقتصاد الإيراني ككل.
يمثل الحرس الثوري الإيراني في الوقت الحالي نخبة حاكمة تتألف من: بعض العسكريين، رجال المخابرات، السياسيين، رجال الدين، وبعض الكيانات الاقتصادية- المالية في إيران، وبعبارة أخرى الحرس الثوري هو جمهورية داخل الجمهورية.
ترجع أهمية موضوع هذه الدراسة إلى الدور الكبير الذي يلعبه الحرس الثوري الإيراني في الحياة السياسية والاقتصادية الإيرانية. وتهدف إلى إلقاء الضوء على الدور السياسي، العسكري والاقتصادي للحرس الثوري الإيراني.
ويتطلب الوصول لغاية البحث إلقاء الضوء على النقاط التالية:
– نشأة وتكوين قوات الحرس الثوري الإيراني.
– الهيكل التنظيمي للحرس الثوري الإيراني.
– الدور السياسي والعسكري للحرس الثوري.
– الحرس الثوري الإيراني كمؤسسة اقتصادية.
– الصراع بين الحرس الثوري ومؤسسة الرئاسة.
نشأة وتكوين قوات الحرس الثوري الإيراني
في الحادي عشر من فبراير (شباط) عام 1979 تم الإعلان عن انتصار الثورة الإسلامية بخلع آخر شاه في الإمبراطورية الفارسية، التي استمرت لفترة (2500) عام. وأي ثورة ناجحة تمثل صدمة اجتماعية وسياسية قوية، لها عواقب مدمرة. لم تكن الثورة الإسلامية في إيران استثناءً. فسقطت دولة إيران في الفوضى، كانت الأشهر الأولى من الحكومة الثورية الموقتة، برئاسة رئيس الوزراء مهدي بازركان مخيبة للآمال بسبب عدم تمكنها من السيطرة على الأوضاع الأمنية.
كما أن القادة الإسلاميين الذين شكلوا المجلس الثوري الإسلامي واللجنة المركزية للثورة الإسلامية، لم يكن لديهم أذرع تنفيذية حقيقية لإدارة الوضع وتنفيذ أوامرهم. فمعظم الهياكل التنفيذية التي كانت تعمل تحت حكم الشاه كانت قد توقفت عمليا.
في الوقت نفسه، وحتى قبل سقوط نظام الشاه في البلاد، كانت قد ظهرت بعض الهيئات التي تتمتع بالإدارة الذاتية، كانت هذه الهيئات على شكل لجان من المتطوعين ومجالس للعمال في الشركات. وقد قامت هذه المجموعات بوظائف متنوعة، منها المشاركة في تنظيم التجمعات والمظاهرات وحراسة المتظاهرين في الشوارع.
مباشرة بعد الإطاحة بالشاه، شكلت جميع هذه الهيئات العديدة التي نصبت نفسها بنفسها بفضل جهود مختلف الجماعات والمنظمات السياسية والدينية نظامًا أمنيا متجانسًا -إلى حد ما- ليحل محل الأجهزة الأمنية للشاه. وهذه الهيئات كانت عبارة عن اللجان الثورية المختلفة مثل «لجان الخميني»، «لجان الإضراب»، «المحاكم الثورية»، «مفارز الحراس» وما إلى ذلك. كانت الخلفية الأيديولوجية لهذه المجموعات متعددة مثل الماويين اليساريين، الشيوعيين الموالين لموسكو من «حزب توده»، الديمقراطيين الليبراليين المؤيدين للغرب، المؤيدين الشيعة لآية الله الخميني والمتطرفين الإسلاميين المتعصبين([5]).
خلال الأحداث الثورية، بقي الجيش الإيراني محايداً من الناحية العملية. لم تنقذ القوات المسلحة الشاه عندما تمت الإطاحة به من على كرسي العرش، لكنها في الوقت ذاته لم تقف إلى جانب الجماهير الثورية كقوة منظمة واحدة. وخلال هذه الفترة من الاضطرابات الثورية، انهار «جيش شاهنشاه العظيم» بشكل واضح.
مارست اللجان الثورية الإسلامية القمع على قادة الجيش الإيراني، فتم إطلاق النار على حوالي (100) جنرال وتم التنكيل بأكثر من (2000) ضابط، الأمر الذي أدى إلى فرار العديد من الجنرالات والضباط، فضلاً عن خبراء عسكريين خارج إيران. فخسرت الوحدات العسكرية قدرتها القتالية، كما فقدت هذه الوحدات التنظيم والروح المعنوية. في بداية الحرب مع العراق سبتمبر( أيلول) 1980 فقد الجيش الإيراني (45%-55%) من قوة الضباط العاملين، وفقد الجيش الإيراني (30%-40%) من قوة الرقباء والجنود. وأيضا لم يكن (45%) من المعدات العسكرية صالحة للاستخدام([6]).
وبالرغم من أن الجيش الإيراني –نظرياً- مؤسسة مهمة جداً في أي دولة، فإن الظروف الخاصة بالثورة الإسلامية حرمت تماما القوات المسلحة الإيرانية من المطالبة بالقيام بأي دور في تشكيل هياكل الدولة الجديدة.
كان الوضع القائم في البلاد بعد نجاح الثورة مزعجاً للغاية بالنسبة للثوار الإسلاميين الذين تجمعوا حول آية الله الخميني، فكان تأثير المجموعات الليبرالية والمجموعات اليسارية واضحاً فيما يخص رغباتهم بإقامة نظام ديمقراطي، مستخدمين حماسهم الثوري، واستعدادهم القوي لبناء الدولة الجديدة. وبالطبع لم يستطع أتباع آية الله الخميني قبول ذلك، فكان عليهم أن يبادروا ويقوموا بإنشاء هياكل تضمن لهم الحصول على السلطة.
رجال الدين الثوريون كان موقفهم واضحاً مع الجيش الإيراني منذ الأيام الأولى للثورة، فلم تكن لديهم الرغبة في الاعتماد على بقايا الجيش الذي شوه نفسه بصلاته مع نظام الشاه. فحاول رجال الدين بكل وسيلة ممكنة التقليل من أهمية القوات المسلحة، مع التركيز على خلق تشكيلات مسلحة بديلة معتنقة بالكامل العقيدة الخمينية.
وفي الصراع من أجل التأثير في الهياكل السياسية المختلفة التي نشأت بعد الثورة، وضع رجال الدين الثوريون رهانهم على عاتق العناصر الثورية الأكثر تعصبا وممثليهم في هذه الهياكل. وبتوحيد عناصر الطبقة نصف البروليتارية في منظمة سياسية عسكرية «يتم التحكم بها عن طريق المساجد» واستخدامها كسلاح ضد القوى السياسية الأخرى، رأت السلطة الروحية أن هذه المنظمة هي السبيل الوحيد لتعبئة الجماهير العادية من أجل الاعتماد عليها للاستيلاء على السلطة والاحتفاظ بها، ومن ثم القيام بإجراءات سياسية تهدف إلى إنشاء دولة إسلامية في إيران. هذه المنظمة كانت النواة الأولى لقوات الحرس الثوري الإيراني.
في اجتماع بين ممثلي المجلس الثوري الإيراني، الحكومة الثورية المؤقتة وممثلي اللجان الثورية الأربع عشرة في طهران، تم دمج كل المفارز المسلحة في «فيلق الحرس الثوري الإيراني»، ولكي يضمن آية الله الخميني السيطرة على هذا الفيلق، تم استحداث منصب «المشرف على الحرس» وقام بتعيين أحد مستشاريه «آية الله لاهوتي» في هذا المنصب([7]). وكان أول قائد رسمي للحرس الثوري الإيراني هو عباس زماني، وهو أيضا الأب الروحي لحزب الله اللبناني.
رسمياً، تم الإعلان عن تأسيس فيلق الحرس الثوري الإسلامي في 6 مايو (أيار) 1979. وكانت أهدافه «حماية الثورة الإسلامية في إيران وتعزيز انتشارها في العالم على أساس أيديولوجية إسلامية صارمة». وشملت مهام الحرس الثوري الإيراني الحفاظ على النظام، ومكافحة الثورة المضادة، والتفاعل مع الجيش ومساعدة هيئات السلطة الإسلامية.
قوات الحرس الثوري الإيراني تم تشكيلها في (29) مدينة، وتم استخدامها بشكل فعال لهزيمة المنظمات اليسارية وقمع حركة الأكراد للاستقلال الوطني (أغسطس (آب) 1979). وهنا نجد ثناء آية الله الخميني على أنشطة الحرس الثوري الإسلامي. في اجتماعه مع قادة الحرس الثوري في 20 أغسطس (آب) 1979: «أنا سعيد بالفيلق وبأي حال من الأحوال لن أغير رأيي عنه. إذا لم يكن هناك فيلق، فلن يكون هناك بلد. أنا حقا أحب الفيلق ونعتز به…»([8]).
نما عدد أعضاء الحرس الثوري الإيراني بسرعة: فنجد أنه في مايو (أيار) 1979، لم تصل مفرزة الحرس الثوري في طهران لأكثر من (6000) مقاتل، أما في أبريل (نيسان) 1980 فكان العدد هناك (40000)، وفي بداية الحرب مع العراق سبتمبر ( أيلول) 1980 وصل العدد لحوالي (60) ألف مقاتل([9]).
الحرس الثوري: الهيكل والتشكيلات العسكرية
يضم المجلس الأعلى للحرس الثوري الإيراني: القائد الأعلى ونوابه، ورئيس هيئة الأركان المشتركة للحرس الثوري، قائد القوات البرية، قائد القوات الجوية، قائد القوات البحرية، قائد الباسيج، وقائد القوات الخاصة «فيلق القدس»، بالإضافة إلى ممثلين عن المرشد الأعلى للبلاد، وممثلي الحرس الثوري الإيراني في أفرع القوات المسلحة. يمارس القائد العام الإدارة العامة للفيلق من خلال جهاز النواب. القيادة التنفيذية لقوات الحرس الثوري الإيراني تُعهد إلى هيئة الأركان المشتركة، وتتألف من (13) مكتبًا: (عملياتي، مخابرات، مكافحة التجسس، التدريب على القتال، التخطيط والإحصائيات، الهندسة، الاتصالات، الموظفون، الأيديولوجية السياسية، السيطرة والتفتيش، للعلاقات مع الجيش والمؤسسات الحكومية، الجمهور والثقافة والتعليم، طبي ومالي)([10]).
القوات البرية الخاصة بالحرس الثوري الإيراني واحدة من أهم عناصر القوات المسلحة في جمهورية إيران الإسلامية. وهي استحدثت لأداء المهام الاستراتيجية والتشغيلية في مسارح العمليات العسكرية من خلال القيام بعمليات دفاعية وهجومية، سواء بنفسها أو في عمليات مشتركة ( مع أفرع أخرى من القوات المسلحة). في الوقت الحالي، فهي تشكل القوام الأساسي للقوات البرية في القوات المسلحة الإيرانية.
قائد القوات البرية الخاصة بالحرس الثوري هو الجنرال محمد باكبور، الذي يقدم تقاريره إلى القائد العام للحرس الثوري الإيراني ورئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية. هذا الشخص هو المسؤول عن الحفاظ على المستوى المطلوب من القدرة القتالية وجاهزية القوات الموكلة إليه، وتطوير وتنفيذ خطط الاستخدام العملي والقتال، وتنظيم دورات تدريبية لموظفي تشكيلات ووحدات لتنفيذ المهام الموكلة لهم.
جدول لتقييم القوة القتالية للقوات البرية للحرس الثوري الإيراني حتى عام 2025([11]):
القوة القتالية |
عام 2015 |
عام 2020 |
عام 2025 |
– الفرق العسكرية فرق المشاة فرق ميكانيكا فرق مدرعة فرق مشاة آلية فرق مظلات – لواءات مستقلة لواء مشاة لواء مدرع لواء ميكانيكا لواء مشاة آلي لواء هندسي لواء جوي لواء حرب كيميائية لواء حرب نفسية – مجموعات صواريخ – مجموعات مدفعية – مجموعات دفاع جوي الأسلحة والمعدات الدبابات القتالية مدفعية راجمات صواريخ مدافع هاون (81 مم فما فوق) أسلحة مضادة للدبابات منظومة صواريخ محمولة مضادة للدبابات مدافع عديمة الارتداد (75 مم) ومدفع مضاد للدبابات (100 مم) مضادات للطائرات منظومات الدفاع الجوي المحمولة مركبات مدرعة |
43 30 6 5 1 1 37 18 3 1 1 7 2 4 1 2 8 2 1800 4000 400 2800 1050 400 650 1100 600 1600 |
47 32 6 5 2 1 59 20 4 5 8 12 5 3 2 5 9 5 2000 4600 600 3000 1200 500 700 1300 700 2100 |
54 34 8 8 2 2 72 21 6 7 10 15 7 4 2 6 11 10 2800 5100 700 3200 1600 800 800 1700 800 2500 |
القوات الجوية للحرس الثوري الإيراني التي أنشئت على أساس من قوات سلاح الجو، هي جناح عسكري مستقل للقوات المسلحة الإيرانية. وهي تستند إلى الطائرات والصواريخ من القوات.
قائد القوات الجوية هو الجنرال أمير علي حاجي زاده. وهو المسؤول عن الحفاظ على الاستعداد القتالي للوحدات التابعة، ووضع وتنفيذ خطط للاستخدام التشغيلي، والاستعداد القتالي للقوات، وإجراء التدريب التشغيلي والقتالي والنفسي، بالإضافة إلى التجهيز الديني والأيديولوجي للأفراد وتدريب العاملين في مراكز التدريب. تتكون القوات الجوية للحرس الثوري هيكليا من وحدات إدارية، وحدات قتالية، وحدات للخدمات اللوجستية الخاصة والمؤسسات التعليمية العسكرية ومراكز التدريب([12]).
يجب أن تكون القوات الجوية للحرس الثوري على استعداد للقيام بالمهام التالية:
- القيام بهجمات صاروخية على أهداف العدو البرية، والجوية والبحرية والمنشآت العسكرية والاقتصادية الخاصة بقوات العدو.
- الدعم المباشر للقوات البرية والبحرية الإيرانية.
- الحد من قدرة الدفاع الجوي لقوات العدو.
- القيام بعمليات استطلاع جوي.
- القيام بعمليات إنزال جوي لقوات المظلات في مناطق العمليات.
تمتلك القوات الجوية للحرس الثوري (3) قواعد جوية، (11) سرباً جوياً، (6) كتائب صواريخ، مفرزة طائرات تحكم، سرب طائرات تدريب ومركزين للتدريب.
وبالنسبة لتسليح القوات الجوية للحرس الثوري، فتمتلك (72) طائرة مقاتلة، (26) طائرة نقل، (90) طائرة تدريب، (180) طائرة اتصال و(25) طائرة هليكوبتر([13]).
القوات البحرية للحرس الثوري الإيراني قد تم استحداثها للقيام بمهام تكتيكية لصد أي عدوان بحري ومساعدة القوات البرية للقيام بعمليات دفاعية أو هجومية في اتجاه البحر، المهام الرئيسة المسندة إلى الحرس الثوري البحري هي:
- إجراء عمليات عسكرية ضد تشكيلات السفن والطائرات المعادية في سبيل الهيمنة البحرية في مياه الخليج العربي والخليج العماني.
- حماية المياه الإقليمية وساحل البحر، بما في ذلك المراكز الإدارية والسياسية الهامة في جنوب البلاد، المناطق الاقتصادية، حقول النفط، القواعد البحرية، الموانئ والجزر.
- حماية الاتصالات البحرية الساحلية والحد من قدرة الاتصالات البحرية للقوات المعادية في الخليج العربي، والخليج العماني وبحر قزوين .
- السيطرة على الوضع في منطقة مضيق هرمز.
- تقديم الدعم المباشر للقوات الجوية والقوات البحرية في إجراء العمليات في المناطق الساحلية.
- المشاركة في عمليات الاعتداء البرمائية ومكافحة القوات البرمائية البحرية لقوات العدو.
- إجراء الاستطلاع المستمر في البحر ومراقبة الوضع البحري في منطقة المسؤولية للقوات البحرية للحرس الثوري الإيراني.([14])
يقود القوات البحرية للحرس الثوري الإيراني الأدميرال علي فدوي، من خلال جهاز النواب، وقيادة البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني، وهيئات المراقبة ذات الصلة في مناطق العمليات والمناطق البحرية. إن قيادة القوات البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني هي الجهاز الرئيس للهيئات الإدارية والتشغيلية ووحدات سلاح البحرية. وهي مسؤولة عن التخطيط للاستخدام القتالي، والأنشطة اليومية والقتالية للقوات ودعمها اللوجستي.
تتكون القوات البحرية للحرس الثوري الإيراني من: (4) قيادات، (5) مناطق بحرية، كتيبتي سفن قتالية، كتيبتي قوارب قتالية، قسمين لزوارق الصواريخ، قسمين للغواصات الصغيرة جداً، قسمين للغواصات الصغيرة، (2) لواء صاروخي، من (4) إلى (6) أقسام صواريخ محمولة مضادة للسفن، (2) لواء لمشاة البحرية، (4) لواءات خفر سواحل، (6) مراكز تدريب وسرب طائرات هليكوبتر. وتتسلح قوات البحرية للحرس الثوري الإيراني بالآتي: (12) غواصة صغيرة، (9) غواصات متناهية الصغر، (9) سفن برمائية، (230) قارباً قتالياً، (80) قاذفة صواريخ مضادة للسفن، من (40) إلى (60) قاذفة محمولة مضادة للسفن و(72) مدفع هاون([15]).
قوات الباسيج كجزء من قوات الحرس الثوري
مباشرة بعد الاستيلاء على السلطة في فبراير (شباط) 1979، دعا آية الله الخميني إلى إنشاء «جيش العشرين مليون رجل». وفي هذا الصدد، أولت القيادة الروحية للثورة الإسلامية اهتماماً خاصاً لوضع نظام للميليشيات شبه العسكرية، يُنظر إليه على أنه الجزء الأكثر استعداداً في القوات الاحتياطية للدولة. تم تشكيل هذه القوات في إطارأيديولوجي أساسه مبدأ «ولاية الفقيه»([16]).
تم دمج قوات «الباسيج» في الهيكل الإقليمي للحرس الثوري الإيراني، فأصبح كل منهما مقسما إلى (31) وحدة، بمعدل وحدة واحدة لكل محافظة إيرانية، ووحدتين لمنطقة طهران، وذلك عام 2008 . وفي أكتوبر تشرين الأول) 2009 دُمجت قوات «الباسيج» رسميا في القوات البرية التابعة للحرس الثوري، وعملية الدمج هذه ترجع إلى اللواء محمد علي الجعفري، الذي تولى قيادة قوات الحرس الثوري في سبتمبر (أيلول) 2007، وإلى الدور الذي لعبته قوات «الباسيج» في الحركة الخضراء 2009 ([17]).
وفقا للاستراتيجية التي على أساسها تم تأسيس قوات «الباسيج» يعهد إليها بالمهام التالية: تنظيم التدريب العسكري لجميع السكان الإيرانيين، بما في ذلك تدريب جنود الاحتياط؛ والتربية السياسية والأيديولوجية للإيرانيين بروح الإخلاص المتعصب للإسلام والنظام الحاكم؛ تحضير ملفات وبيانات أفراد الخدمة العسكرية وجنود الاحتياط؛ تنفيذ تدابير الدفاع المدني للسكان والمنشآت الصناعية؛ تقديم المساعدة إلى الأجهزة الأمنية في محاربة المعارضة والعناصر الإجرامية وحماية مؤسسات الدولة والمرافق العسكرية والاقتصادية المهمة للبلاد.
يترأس منظمة قوات التعبئة «الباسيج» العميد غلام حسين غيب برور، وهو يقدم تقاريره مباشرة إلى قائد الحرس الثوري الإيراني ومن خلاله إلى القيادة العليا للقوات المسلحة ورئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية. إلا أن قوات «الباسيج» تخضع لمبدأ ازدواجية القيادة في القرار الذي يميز الكثير من المؤسسات الحيوية في إيران، ولذلك فإنها تتلقى الأوامر رسميا من قائد الحرس الثوري، لكن قياداتها تتصل مباشرة بمكتب المرشد الأعلى للثورة، الذي يمتلك بشكل حصري تعيين قائد الباسيج بناءً على اقتراح من قائد الحرس الثوري. قائد قوات «الباسيج» هو المسؤول عن تدريب جنود الاحتياط، وفعالية أنشطة جميع الأجهزة الشعبية، والحفاظ على الكفاءة القتالية والاستعداد للأقسام غير النظامية في قوات «الباسيج». ويتولى القائد قيادة وحدات الباسيج من خلال جهازه، بمن في ذلك النائب والأمانة والموظفون المركزيون([18]).
ويتكون الجهاز المركزي لقوات «الباسيج» من: مجلس الشورى، المقر التفيذي الرئيس، مركز تحديد المهام ومكتب ممثل القيادة الإيرانية.
ويلعب المجلس الاستشاري في قوات «الباسيج» دورا محوريا، فهو يتألف من كبار جنرالات وضباط الحرس الثوري الإيراني، أيضا هو المسؤول عن تطوير المفاهيم الأساسية للبناء العسكري لقوات «الباسيج» والمسؤول عن تقديم التوصيات العامة بشأن جميع وظائف ودور قوات المقاومة الشعبية.
المقر المركزي لقوات «الباسيج» هو هيئة الإدارة التنفيذية الرئيسة، التي تشمل الإدارات الرئيسة. يرأسهم نائب رئيس الأركان المركزية. مركز تحديد المهام هو هيئة التنسيق الرئيسة في المسائل المتعلقة بالاستخدام الوظيفي لقوى ووسائل قوات «الباسيج»، والرقابة على تنفيذ المهام المعينة إلى وجهتها.
يقرر مكتب ممثل الزعيم الإيراني في قوات «الباسيج» ما يلي من المهام الرئيسة:
- تنظيم وإجراء عملية تربية دينية وسياسية وأيديولوجية لأفراد «الباسيج» على أساس التقيد الصارم بقوانين الإسلام وأحكام القرآن.
- تنظيم وإجراء أنشطة للتدريب الأخلاقي والنفسي لأفراد «الباسيج».
- تنظيم المراقبة المستمرة والتحكم لحالة الميليشيات العاملة والاحتياطيين السياسية والأيديولوجية والنفسية ومدى ولائهم للنظام.
- تخطيط وتنفيذ حملة دعائية واسعة النطاق خلال الأعياد الإسلامية، في «أسبوع الباسيج»، في أيام ذكرى أولئك الذين ماتوا من أجل إيمان أعضاء «الباسيج» والحرس الثوري.
- التنسيق مع الإدارات المالية واللوجستية في قيادة قوات «الباسيج» والحرس الثوري الإيراني في المسائل المتعلقة بتوفير الوسائل المالية والمادية، بشأن الوسائل التقنية للعمل الديني والسياسي – الأيديولوجي، وتشييد المباني الدينية وتجهيزها.
- تنظيم حملات دعائية واسعة النطاق بين جميع قطاعات السكان من أجل جذب أكبر عدد ممكن من الناس إلى قوات «الباسيج».
- رصد مستوى هيئة التدريس والموجهين الروحيين، والتحقق من ولائهم للنظام القائم([19]).
تتكون قوات التعبئة (الباسيج) من ثلاثة فروع رئيسة:
الفرع الأول: يتكون من كتائب «عاشوراء» وتتكون من الذكور وكتائب «الزهراء» التي تتكون من الإناث ويتكلف هذا الفرع بأمور الأمن، والفرع العسكري يتكلف بأمور بالدفاع عن الأحياء في حالة الطوارئ.
الفرع الثاني: كتائب الإمام الحسين، وتتألف من قدامى محاربي قوات «الباسيج» الذين يتعاونون مع القوات البرية للحرس الثوري الإيراني.
الفرع الثالث: كتائب الإمام علي، ومهمتها التعامل مع التهديدات الأمنية وبشكل خاص التعامل مع الاحتجاجات الشعبية.
قوات «الباسيج» لديها أيضاً فروع متعددة مع وظائف متخصصة، منها: باسيج النقابات، باسيج العمالية، باسيج الموظفين، وباسيج الطلاب([20]).
تتم عملية التجنيد في قوات «الباسيج» تحت إشراف رجال الدين للأحياء والمواطنين المؤتمنين والجمعيات الشرعية في الأحياء. بمعنى آخر، فإن المسجد المحلي الذي يقع فيه مركز «الباسيج» يتمتع بالقول الفصل في قبول المتقدمين للجناح المسلح. كما يتم توظيف أعضاء هذا الجناح للخدمة والعضوية الكاملة في فيلق الحرس الثوري الإسلامي. أما الفروع الأخرى، مثل الباسيج الطلابية، فيرجح أنها تتبع سياسات تجنيد أقل تقييداً.
يميز قانون الباسيج بين ثلاثة أنواع من الأعضاء: 1- الأعضاء المنتظمون، الذين يتم تعبئتهم في أوقات الحرب والانخراط في الأنشطة التنموية في وقت السلم. 2- اﻷﻋﺿﺎء اﻟﻌﺎديون هم ﻣن المتطوعين وهم غير مدفوعي الأجر، ﻣﺎ ﻟم ينخرطوا ﻓﻲ واﺟب اﻟﺣرب. أما الأعضاء النشطون، فهم الذين تلقوا التلقين العقائدي والسياسي الواسع، وهم الذين يتلقون أيضًا أجراً شهرياً مقابل العمل في وقت السلم.
3- الأعضاء الخاصون، الذين يتقاضون رواتب مزدوجة من الباسيج والحرس الثوري الإيراني، ويعملون كقوات برية تابعة للحرس الثوري الإيراني([21]).
جهاز الاستخبارات الخاص بالحرس الثوري الإيراني
يتم تنظيم المعلومات الاستخبارية في فيلق حرس الثورة الإسلامية من قبل وكالة الاستخبارات المركزية التابعة للأركان المشتركة التابعة للحرس الثوري الإيراني، والتي تشمل الإدارات التشغيلية والإعلامية والفنية، التي تتكون بدورها من الإدارات وتقوم إدارات الاستخبارات التابعة للحرس الثوري الإيراني بإجراء عمليات استطلاع استراتيجية وتشغيلية وتكتيكية. تعتمد هذه العمليات بشكل أساسي على العوامل البشرية وفي جزء منها على الأجهزة الإلكترونية. كما تقوم الإدارات العملياتية في وكالة الاستخبارات المركزية التابعة للأركان المشتركة للحرس الثوري الإيراني، بالإشراف على المجموعات الاستخباراتية في الخارج، والتي يعمل موظفوها «تحت سقف» السفارات والقنصليات وغيرها من المهام الرسمية والخاصة الرسمية لإيران في الخارج. ومع ذلك، فإن جوهر جهاز الاستخبارات الاستراتيجي في الحرس الثوري الإيراني هو القوات الخاصة «فيلق القدس»([22]).
يمثل فيلق القدس القوة الخامسة لقوام قوات الحرس الثوري الإيراني مع القوات البرية، القوات الجوية، والقوات البحرية وقوات التعبئة «الباسيج». قائد فيلق القدس الجنرال «قاسم سليماني» ينسق مع وكالة الاستخبارات المركزية التابعة للأركان المشتركة جميع أنشطة الفيلق([23]). تم استحداث قوات «فيلق القدس» للقيام بعمليات خاصة في إيران أو خارجها. المهمة الرئيسة لفيلق القدس في زمن السلم هي تعزيز تصدير الثورة الإسلامية إلى دول أخرى، بالإضافة إلى إجراء عمليات الاستطلاع لمصلحة النظام. يتضمن تنفيذ هذه المهمة ما يلي:
دعم وتمويل وتقديم المساعدة الشاملة لمختلف المنظمات الإسلامية في العالم، في مقدمتها المنظمات ذات التوجه المؤيد لإيران.
القيام بعمليات خاصة للقضاء على قادة المعارضة والأشخاص غير المرغوب فيهم، كذلك القيام بعمليات إرهابية.
إنشاء شبكات تجسس للاستطلاع الاستراتيجي والتشغيلي.
القيام بتدريب مسلحين من دول أجنبية وإرسالهم إلى مناطق مختلفة للقيام بأعمال تخريبية وأنشطة إرهابية لصالح النظام الإيراني.
القيام بنظام تدريبي للمفجرين الانتحاريين للعمل في مؤخرة العدو عند بداية أي نزاع مسلح.
تتكون وحدات فيلق القدس من الناحية التنظيمية من القيادة الرئيسة، قسم الانتحاريين، قسم القوات الخاصة، قسم الاستخبارات الخارجية تحت الغطاء، قسم الاستخبارات الخارجية غير القانونية، شبكة من مراكز التدريب المقاتلين الإرهابيين في كل من إيران والخارج([24]).
تدير إدارة فيلق القدس، من خلال مقرها الرئيس، أنشطة ثمانية مكاتب إقليمية، مكتب العمليات الخاصة، مديرية المعلومات والتحليلات، إدارة اللوجستيات، إدارات الأمن والخدمات. وفيما يلي المكاتب الإقليمية لفيلق القدس: مكتب تركيا والقوقاز، مكتب العراق، مكتب لبنان والأراضي المحتلة، مكتب للجمهوريات الإسلامية في الاتحاد السوفيتي السابق وأفغانستان وباكستان والهند، مكتب شمال أفريقيا، مكتب لأوروبا وأمريكا الشمالية والجنوبية، مكتب وسط وجنوب أفريقيا ومكتب لدول الخليج([25]).
ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺤﺎﺿﺮ، ﻳﺸﻤﻞ فيلق القدس الخاص بالحرس الثوري الإيراني ﻓﻲ ﺗﻜﻮﻳﻨﻪ حوالي (25) ألف مقاتل. هؤلاء هم أفضل الجنود تدريباً واستعداداً للقتال، فقد تم اختيارهم خصيصا من أفضل جنود قوات الحرس الثوري، عادة ما يكون لهم خبرة في القتال في العراق، سوريا، لبنان أو أفغانستان. وبشكل عام، نظراً لتعصبهم الكبير للقيادة الروحية في إيران والجاهزية القوية بالتضحية بالنفس والتدريب الجيد، سواء في وقت السلم أو وقت الحرب، يمثل فيلق «القدس» القوة الضاربة الرئيسة للنظام الإيراني خارج الحدود في إدارة الاستخبارات البشرية والعمليات الخاصة.
الحرس الثوري الإيراني والحياة السياسية
منذ أن نجحت الثورة الإيرانية وحتى الوقت الراهن، لعبت قوات الحرس الثوري الدور الأهم في الدفاع عنها. وهذا الدور تم تأكيده في لقاء المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي مع قيادات حرس الثورة الإسلامية في سبتمبر (أيلول) 2007، عندما قال: «إن حرس الثورة من نعم الله التي أنعم بها على البلاد والشعب الإيراني» وأضاف: «إن هذه النعمة التي كانت لها بركات كثيرة خلال المراحل المختلفة من الأعوام الـ(28) الماضية، لا سيما في فترة الدفاع المقدس، تمكنت من إسداء خدمات كثيرة وجليلة للبلاد من خلال المحافظة على جوهرها المتمثل بالعنصر العسكري في سبيل الله، والجهوزية للتضحية في سبيل الهدف»([26]).
وفقا لميثاق الحرس الثوري الإيراني، تم تأسيس الحرس الثوري من أجل «حماية الثورة الإسلامية في إيران ومكتسباتها، نشر حكم الإسلام بما لا يخالف الدستور، تعزيز تنفيذ التعاليم الإسلامية باستمرار، وتعزيز القدرات الدفاعية للبلاد، والتدريب العسكري للميليشيات الشعبية».
وذكر الميثاق أيضا بعض المهام الداخلية للحرس الثوري التي تتمثل في مكافحة «التيارات والعناصر التخريبية» التي تعارض الثورة الإسلامية، ومساعدة «قوات إنفاذ القانون»، بما في ذلك المساعدة في أمن المؤسسات العامة وأمن الشخصيات الدينية والسياسية، وأيضاً المشاركة في عمليات الإنقاذ في حالة الكوارث الطبيعية. وتشمل المهام الخارجية لقوات الحرس الثوري «دعم الجيش النظامي في الدفاع عن استقلال وسلامة إقليم الدولة والنظام الجمهوري الإسلامي». في القيام بهذه الوظائف، وأنها تعمل بشكل وثيق مع وكالات الاستخبارات ومكافحة التجسس([27]).
وكما نرى، فقد حددت المواثيق واللوائح المنظمة لعمل الحرس الثوري بشكل غامض المهام التي تم إلزامها بها. مما فتح الباب لزيادة المهام والمسؤوليات على مدى (40) عاماً من عمر الثورة الإسلامية في إيران. أيضا بسبب هذا الغموض، اختلفت النخب السياسية على واجبات ومسؤوليات الحرس الثوري الإيراني، بينما قام القادة باستمرار بزيادة نطاق مهام الحرس الثوري الإيراني. ومن ثم، اتسعت اهتمامات الحرس الثوري لتشمل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية التي حوَّلتها بشكل لا مناص منه، إلى فاعل سياسي ينظر إلى التطورات في إيران من خلال منظور أيديولوجيتها. كما أن النظرة الأيديولوجية/ السياسية للحرس الثوري الإيراني قد جرّته أيضًا إلى المجال السياسي، وأصبح الحرس الثوري الإسلامي أهم نخبة سياسية- عسكرية وحتى اقتصادية في إيران.
طبقا للدستور الإيراني، أجريت أول انتخابات رئاسية في 25 يناير (كانون الثاني) 1980. وحينها قد منع آية الله الخميني رجال الدين من الترشح لمنصب الرئاسة، في حين تم منع جلال الدين فارسي مرشح الحزب الجمهوري الإسلامي من الترشح بسبب أنه لم يكن إيرانيا في الأصل، الأمر الذي دفع الحزب الجمهوري الإسلامي بتقديم حسن حبيبي ليكون مرشحا رئاسيا. إلا أنه أعلن فوز أبي الحسن بني صدر بنسبة تفوق (75%) من إجمالي الأصوات ليصبح أول رئيس لجمهورية إيران. لكنْ أبو الحسن بني صدر دخل في صراع مرير مع رجال الدين حول السيطرة على جهاز التلفزيون والإذاعة الحكومية، والسيطرة على اللجان الثورية والسيطرة على مؤسسات الدولة الفاعلة. حيث إنه حاول إبعاد رجال الدين المتطرفين من المناصب المؤثرة في الحكومة، وفي هذا السياق حصل على دعم المعتدلين وبعض الجماعات اليسارية([28]).
وعندما بدأت الحرب الإيرانية- العراقية، عارض بني صدر بقوة انخراط الحرس الثوري الإيراني في جبهة الحرب، ومنع تقديم المزيد من الأسلحة لقواته. وعلى النقيض من بني صدر، دعم رجال الدين المتطرفون الحرس الثوري، ووصل بهم الأمر إلى اتهام أبي الحسن بني صدر بالتخطيط لاستخدام الجيش للاستيلاء على السلطة. عمل الحرس الثوري على إضعاف الرئيس وتقويض سلطته، مما آل في النهاية إلى عزله بعد (17) شهراً فقط من توليه السلطة، بعد أن أعلن البرلمان الإيراني أن بني صدر «غير مؤهل سياسياً» في 21 يونيو (حزيران) 1981، أوضح رئيس البرلمان في ذلك الوقت علي أكبر «هاشمي رفسنجاني» وهو من قادة الحرس الثوري الإيراني، أن بني صدر عمل باستمرار ضد النظام. كما تم أيضا التخلص من دور حركة «مجاهدي خلق» مما فسح المجال أمام الخميني وحرس الثورة لتطبيق أيديولوجية الثورة في كافة المؤسسات ومجالات الحياة الإيرانية دون عوائق من داخل أجهزة الدولة، أو ربما من الداخل الإيراني ككل.
في بداية الحرب الإيرانية- العراقية، لعبت قوات الحرس الثوري دوراً محدوداً عندما كان الرئيس بني صدر في السلطة، أما بعد التخلص منه، فقد أطلقت يد الحرس الثوري في العمليات العسكرية ضد العراق. ثم قام الحرس الثوري الإيراني بتجنيد وتدريب وتنظيم الباسيج، في وقت قصير وأرسلهم إلى جبهة الحرب. واستخدم الحرس الثوري تكتيكات الحرب غير التقليدية، مثل حرب العصابات و«استخدام الموجات البشرية» من أجل تنظيف الألغام. وبذلك، قامت إيران بتحرير الكثير من أراضيها التي كانت تحتلها القوات العراقية عام 1982.
عندما تولى مجموعة الراديكاليين في إيران الحكم منذ فترة رئاسة علي خامنئي في الفترة ما بين 1981 حتى 1989 وفترة رئاسة علي أكبر هاشمي رفسنجاني في الفترة ما بين 1989 حتى 1997، قاموا بإضفاء الطابع البيروقراطي على عملية صنع القرار السياسي، وإضفاء الطابع المهني على الحرس الثوري وعدم تسييسهم، إلى جانب بقية الأجهزة البيروقراطية في الجمهورية الإسلامية. فكلاهما كان يخشى من ازدياد دور الحرس الثوري السياسي. ويرجع هذا التخوف إلى التطابق الأيديولوجي بين الحرس الثوري والراديكاليين في الحكومة. لذلك، برز الحرس الثوري الإسلامي كمؤسسة وظيفية، وظفته القيادة الراديكالية كقوة إضراب ضد المعارضين، وقوة دفاع ضد الجيش المعتدي، حتى كأداة تكميلية في السياسة الخارجية للمساعدة في تصدير الثورة.
عندما أصبح علي خامنئي المرشد الأعلى، بدأ بتعزيز الدور السياسي للحرس الثوري الإيراني من أجل الحصول على الشرعية التي افتقر إليها في الأصل، ومن أجل تعزيز دوره كوريث لآية الله الخميني. كما وسع خامنئي الدور السياسي للحرس الثوري الإيراني لمنع الإصلاحيين من تحقيق أجندات أكثر ليبرالية.
في سبيل إبعاد قادة الحرس الثوري الإيراني من الحياة السياسية طوال فترة رئاسة علي أكبر هاشمي رفسنجاني (1989-1997) قام برشوتهم عن طريق إشراك الحرس الثوري الإيراني في خطط إعادة إعمار إيران بعد الحرب مع العراق، مما أدى إلى ظهور الدور الاقتصادي للحرس الثوري في إيران([29]).
بوصول الرئيس محمد خاتمي للحكم بعد انتصار ساحق غير متوقع عام 1997، أبدى العديد من قيادات الحرس الثوري تخوفهم من الحركة الإصلاحية التي بدأها محمد خاتمي، لتغيير الجمهورية الإيرانية نحو الحرية والديمقراطية، بعد أن توسعت الحركة لتشمل شباب الجامعات، حتى العديد من الصحف والمجلات بدأت بنشر العديد من المقالات التي تهاجم القبضة الحديدية للحرس الثوري.
على الرغم من استياء الحرس الثوري تجاه حركة الإصلاح، فإن المرشد الأعلى علي خامنئي طالبهم بقبول الرئيس المنتخب، واستقال الجنرال محسن رضائي من منصب قائد الحرس الثوري في سبتمبر (أيلول) 1997 وكانت هذه الاستقالة خطوة إيجابية في تكريس حكم الرئيس محمد خاتمي، وأيضا كانت فرصة لتحسين سلطة علي خامنئي من خلال تعديل قيادة الحرس الثوري، بتعيينه يحيى رحيم صفوي قائدا للحرس.
إلا أن يحيى رحيم صفوي عارض بشكل واضح حركة الإصلاح والرئيس محمد خاتمي، وذلك في رده على مقابلة الرئيس خاتمي الشهيرة، تلك التي ظهرت على قناة سي إن إن الدولية، لأن محمد خاتمي أعرب عن «أسفه» على الاستيلاء على السفارة الأمريكية في طهران في نوفمبر (تشرين الثاني) 1979.
وكانت أقوى تصريحات يحيي صفوي عندما كان في لقاء مع قوات الحرس الثوري في أبريل (نيسان) 1998 حيث أكد أن أنشطة السياسة الخارجية للرئيس خاتمي، بما في ذلك سياسة الانفراج، الحوار بين الحضارات، والمشاركة في الاتفاقيات، لن تعزز الأمن القومي الإيراني ومصالحه. كما هاجم الصحافة الليبرالية، التي ازدهرت في إيران تحت إدارة خاتمي، وهدد بقطع رأس المثقفين «الليبراليين» الذين كانوا مرتبطين بالغرب([30]).
في مرحلة رئاسة محمد خاتمي كانت العلاقة بين حرس الثورة الإسلامية ومؤسسة الرئاسة عبارة عن تدخلات في الشؤون السياسية، عندما تمثل سياسات الرئيس خاتمي خطراً على الثورة الإسلامية ومكتسباتها، ذلك إما عن طريق إطلاق بيانات تعارض سياسة خاتمي أو عن طريق اتخاذ إجراءات عملية مثل: فض أعمال الشغب التي قام بها الطلاب الإيرانيون في يوليو (تموز) 1999 بالقوة، سلسلة الاغتيالات التي استهدفت المعارضين السياسيين الإيرانيين أو الحكم القضائي الذي أدى إلى غلق أكثر من عشرين صحيفة إصلاحية في يومٍ واحد.
وقد بلغت ذروة تدخل الحرس الثوري في السياسة الإيرانية الداخلية في فترة حكم محمود أحمدي نجاد عندما نجح في الانتخابات الرئاسية عام 2005 فقد وصل عدد الوزراء القادمين من الحرس الثوري الإيراني في فترة حكمه الأولى إلى (9) وزارات: «وزير الطاقة، وزير الرعاية الاجتماعية، وزير الصناعات، وزير المناجم، وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي، وزير النفط، وزير الدفاع، وزير التجارة ووزير العدل».
واصلت إدارة أحمدي نجاد هذا الاستحواذ مع تعيين المحافظين، فقد تم تعيين خمسة محافظين من الحرس الثوري في محافظات «كرمان، خوزستان، أذربيجان الغربية، همدان وعيلام». كما تم تعيين عزت الله ضرغامي رئيسا للإذاعة والتلفزيون. بالإضافة إلى وجود ما لا يقل عن (90) نائباً في مجلس الشورى بالإضافة لرئيس المجلس «علي لاريجاني».
أظهرت الانتخابات البرلمانية لعام 2008 الدور السياسي المتنامي للحرس الثوري في الحياة السياسية الإيرانية، بدعم من علي خامنئي وأحمدي نجاد. حيث قام خامنئي بتعيين علي رضا أفشار (من الحرس الثوري) للإشراف على الانتخابات. فقد تم تسجيل (7168) مرشحا للانتخابات البرلمانية وتمت الموافقة على (5000) مرشح، في حين تم استبعاد الباقين لأسباب مختلفة([31])، مما يعطي انطباعاً بأن انتخابات البرلمان 2008 كانت تحت سيطرة كاملة من جانب الحرس الثوري الإيراني.
بعد إعلان فوز أحمدي نجاد لفترة رئاسية ثانية في 2009، خرجت جموع من الشعب الإيراني إلى الشوارع والميادين تنديدًا بتزوير نتيجة الانتخابات حسب زعمهم. واشتهرت هذه المظاهرات بالحركة الخضراء، وطوال هذه الاحتجاجات كان أفراد من الحرس الثوري الإيراني والباسيج يقتحمون المنازل والمساكن الجامعية ويقومون بتدمير الممتلكات من أجل زرع الخوف داخل الإيرانيين، أما عن التكتيكات التي استخدمتها قوات الباسيج ضد المتظاهرين وصفت بأنها اختيار «الأهداف على حواف الحشود والذهاب للفئات الضعيفة، ثم القيام بجرحهم بسكاكين صغيرة أو أمواس حلاقة». وقد ساعدت هذه التكتيكات من قوات الباسيج في التخلص من هذه الاحتجاجات. ولذلك ضمت رسمياً قوات الباسيج إلى الهيكل التنظيمي لقوات الحرس الثوري الإيراني، لأهميتها في فض المظاهرات.
بالرغم من الدور الكبير الذي قام به الحرس الثوري في السياسة الإيرانية والاقتصاد الإيراني في الفترة الأولى من رئاسة أحمدي نجاد، فإنه في بداية الفترة الرئاسية الثانية له، استشعر تنامي قوة الحرس، وبدأ يفهم أن صلاحياته كرئيس لا تضاهي صلاحيات الحرس. لذلك بدأت الخلافات بينه وبين الحرس الثوري. وظهرت بشكل واضح هذه الخلافات عندما طالب أحمدي نجاد قوات الحرس ببيع بعض أصوله لمساعدة الاقتصاد الإيراني المهلهل بسبب العقوبات الغربية. رداً على ذلك، شن «الحرس الثوري» حملة ضد الرئيس، الذي ساعده الحرس في انتخابات 2005 والذي وقف بجانبه في انتخابات 2009 ([32]).
دور الحرس الثوري في الاقتصاد الإيراني
الحرس الثوري الإيراني ليس فقط هيئة عسكرية أو هيئة قمعية للشرطة، ولكن أيضا بنية سياسية واقتصادية قوية. ولقد تم البدء في تحويل الحرس الثوري الإسلامي إلى كيان اقتصادي ومالي في أواخر الثمانينيات. بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية.
جاء إلى الرئاسة عام 1989 أحد الآباء المؤسسين للحرس الثوري الإيراني: علي أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي سعى بشكل ملموس إلى التقليل من الطموحات السياسية للحرس الثوري، فقرر إعادة توجيه تطلعاتهم، وأعطى «الحرس الثوري» الفرصة للاشتراك في عمليات إعادة الإعمار للبنية التحتية الإيرانية بعد سنوات الحرب، وهذا السعي من جانب رفسنجاني كان له أساس عملي، يتمثل في خبرة الوحدات الهندسية في أعمال التحصينات خلال الثماني سنوات الطويلة من الحرب. وأيضا كان له أساس قانوني يستند إلى المادة (147) من الدستور الإيراني «في زمن السلم يجب على الحكومة الاستفادة من أفراد ومعدات وتقنية القوات المسلّحة في عمليات الإغاثة، التعليم والإنتاج، جهاد البناء، علی أن لا یتجاوز معاییر الإسلام، ولا یؤدي إلی هبوط الاستعداد القتالي»([33]).
وبذلك تم تأسيس شركة خاتم الأنبياء على أساس وحدات الهندسة الإنشائية في قوات الحرس. في التسعينيات حصلت على الجزء الأكبر من مشاريع إعادة بناء البنية التحتية الاقتصادية للبلاد، التي دمرت خلال القتال. وفي بداية العقد الحالي، كان لدى «خاتم الأنبياء» (40) ألف موظف، وبلغت عائداتها السنوية (12) مليار دولار.
ومجالات عمل مجموعة «خاتم الأنبياء» عديدة، فتعمل في مجالات: الصلب، الغاز، والنحاس. بعض الشركات التابعة لمجموعة «خاتم الأنبياء» مثل شركة سبانير، وهي شركة معنية بالنفط وشركة سباسد: وهي شركة معنية ببناء السدود والأنفاق.
وتمت إضافة هيكل آخر للكيان الاقتصادي الخاص بالحرس الثوري وعلي خامنئي -»هيئة تنفيذ أوامر الإمام»، التي تسيطر على ما يقرب من (812) شركة تابعة على الأقل رأس مالها يقترب من (100) مليار دولار.([34])
وتم إنشاء صناديق استثمار خاصة بالحرس الثوري مثل «Mehr Eghtesad Iranian» وتمت السيطرة على «Bahman Group» كما استولى الحرس على مؤسسة «Islamic Revolution Mostazafa Foundation» التي شكلت بعد الثورة لإدارة ممتلكات الشاه المصادرة. الشركات التي يسيطر عليها الحرس الثوري تنتج في إيران (27٪) من المنسوجات، (22٪) من الأسمنت، (45٪) من المشروبات الغازية، (28٪) من الإطارات، (25٪) من السكر([35]).
يسيطر الحرس الثوري على سوق الاتصالات ففي خريف عام 2009، وجد الحرس الثوري مصدرا آخر للدخل المرتفع -أعمال الاتصالات السلكية واللاسلكية. اشترت «موبين ترست كونسورتيوم»، وهي شركة مرتبطة بالحراس، من الحكومة حصة قدرها (7.8) مليارات دولار في شركة الاتصالات الإيرانية.
ولقد سيطر الحرس على هذه الشركة من خلال سيناريو معروف. حصلت الشركة الخاصة، المنافس لكونسورتيوم موبين، أولاً على إذن من لجنة الخصخصة للمشاركة في المناقصة، لكن قبل يوم من المناقصة تم استبعادها من قائمة المشاركين «لأسباب أمنية». وعملية استيلاء الحرس على مناقصة شركة الاتصالات الإيرانية، استمرار لسياسة الاستيلاء، التي بدأت في مايو (أيار) 2004 عندما أغلقت قوات من سلاح الجو الخاص بالحرس الثوري مطار الخميني، في أول يوم تشغيله، أيضا لأسباب أمنية، وتم إسناد إدارة المطار لشركة تابعة للحرث الثوري، في حين أن الشركة التركية (TAV) كانت قد فازت في مناقصة لإدارة المطار([36]).
العقوبات المالية والاقتصادية الدولية المفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي عام 2006 وخاصة العقوبات من جانب واحد من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والعديد من البلدان الأخرى من عام 2011، خلقت ظروفاً أكبر لدمج الحرس الثوري الإيراني في اقتصاد البلاد.
وفي الظروف التي كانت فيها فرص المستثمرين الأجانب محدودة، اضطرت القيادة الإيرانية إلى الاعتماد على القوى الداخلية. ومع أن القطاع الخاص الإيراني لا يمتلك الإمكانات المالية والتقنية، كان النصيب الأكبر من عقود بناء مترو الأنفاق، تطوير حقول الغاز وبناء خطوط أنابيب الغاز وغيرها من المشاريع للشركات التي تتبع قيادة الحرس الثوري الإيراني. وبالطبع مسألة إرساء المناقصات الاقتصادية لشركات الحرس الثوري، خلق حالة عدم ثقة في الاقتصاد الإيراني في نفوس القطاع الخاص، الأمر الذي أدى إلى زيادة النفوذ الاقتصادي لقوات الحرس يوما بعد يوم.
على الرغم من التأثير المدمر للعقوبات الغربية للأعوام 2011-2016. بالنسبة للاقتصاد الإيراني، كان الحرس الثوري الإيراني واحداً من القوى الرئيسة التي تعارض رفعها. فلقد استطاع ممثلو الحرس الثوري إيجاد طرق للالتفاف على العقوبات والاستفادة منها. فعندما فرضت عقوبات على طهران وغادرت الشركات الغربية البلاد، تم نقل العديد من القطاعات الاستراتيجية للاقتصاد إلى إدارة شركات الحرس الثوري الإيراني. ولذلك، فإن المفاوضات والتسوية والمقايضات في القضية النووية الإيرانية، وأخيرا الاتفاق النووي، أمور ليست مربحة، للحرس الثوري الإيراني، لذلك نرى رفضاً كاملاً للرئيس حسن روحاني وسياساته، وأن انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي، يصب في مصلحة الحرس الثوري الإيراني([37]).
الصراع بين الحرس الثوري ومؤسسة الرئاسة
منذ نجاح الرئيس حسن روحاني في انتخابات الرئاسة الإيرانية 2013، أخذ على عاتقه الحد من أنشطة الحرس الثوري الاقتصادية والسياسية، مما أدى إلى بدء حرب تصريحات بين معسكر الرئاسة ومعسكر الحرس الثوري. ففي خطاب له عام 2014، دعا الرئيس روحاني الإيرانيين «لحشد كل القوى لمحاربة الفساد». وانتقد روحاني أيضا الاحتكارات، في أي شيء بدءا من إنتاج البنادق وحتى الإعلانات واعتبر الاحتكار «سبب الفساد.» وبالطبع حسن روحاني كان يقصد القوة الاقتصادية للحرس الثوري.([38])
وقبل هذا الخطاب كان قد انتقد قائد الحرس الثوري الإيراني، الجنرال محمد علي جعفري، الاتصال الهاتفي التاريخي الذي جرى بين الرئيس الإيراني حسن روحاني ونظيره الأمريكي باراك أوباما في سبتمبر (أيلول) 2013.([39])
إلا أن أول صدام بين مؤسسة الرئاسة والحرس الثوري، كان بسبب سحب مشروع سكك حديدية عملاق، يربط بين طهران- قم- أصفهان من مجموعة «خاتم الأنبياء» وإعطائه لشركة سيمينس الألمانية، بعد الانتهاء من الاتفاق النووي الإيراني. وكانت هذه الخطوة من جانب حسن روحاني تعتمد على رفع العقوبات الغربية بسبب الاتفاق النووي، الذي لم يرض عنه الحرس الثوري أبدا، فنجد رفض محمد علي جعفري قائد الحرس الثوري للاتفاق النووي «بعض أجزاء المسودة تجاوز بوضوح الخطوط الحمراء للجمهورية الإسلامية خاصة ما يتعلق بقدرات إيران العسكرية»([40]).
ولكي يؤثر الحرس الثوري سلبا على الاتفاق النووي استمر في تجاربه للصواريخ الباليستية، والتي كانت من ضمن أسباب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، مما جعل حسن روحاني ينتقد علنا هذه التجارب، قائلا: إن «جهات استعرضت مدى صواريخ باليستية وكتبت شعارات على الصواريخ سعياً لعرقلة الاتفاق النووي، في إشارة منه إلى إطلاق الحرس الثوري الإيراني، في مارس (آذار) 2016، صاروخا لمسافة (1400) كيلومتر، كُتب عليه بالعبرية «يجب إزالة إسرائيل من الوجود»([41])
يستمر الدور الكبير الذي تلعبه قوات الحرس الثوري في الحياة السياسية والاقتصادية في إيران، بالرغم من كل المحاولات التي قام بها معسكر الرئيس روحاني للحد من هذا الدور، فعندما اقتربت الانتخابات الرئاسية في 2017، وقفت قيادة الحرس الثوري ضد الحملة الانتخابية للرئيس حسن روحاني بشكل واضح، فقد تم القبض على (12) مديراً لقنوات فضائية بالإضافة لبعض الصحفيين الذين أظهروا دعمهم لمعسكر روحاني.([42])
مما جعل حسن روحاني يقوم بتحذير الحرس الثوري الإيراني من التدخل في انتخابات الرئاسة. وذلك بقوله: «لدينا طلب واحد فقط: أن تبقى الباسيج والحرس الثوري في أماكنهما لأداء عملهما».([43])
لكن هذه الضغوط التي مارستها قوات الحرس، لم تصل إلى حد إسقاط حسن روحاني وتزوير الانتخابات. وإلا كان ذلك ضد رغبات المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي. فخامنئي من مصلحته استمرار رئيس إصلاحي يقود ملف المفاوضات مع الغرب، فيما يخص الملف النووي وغيره من الملفات الخارجية لإيران.
أما الاحتجاجات في شوارع إيران بسبب التدهور الاقتصادي، والتي بدأت في نهايات 2017 ومستمرة حتى الآن، فقد أدت إلى إقناع حسن روحاني لخامنئي بتقليص الدور الاقتصادي للحرس الثوري. وموافقة المرشد على ذلك نصر سياسي لا شك فيه للرئيس روحاني، بغض النظر عن كيفية تنفيذ هذه العملية المعقدة. وهذه الخطوة غير المتوقعة من جانب المرشد الأعلى، يبدو أنها ما هي إلا لتهدئة الشارع الإيراني.
فرغبة حسن روحاني بتقليص دور الحرس الثوري الاقتصادي يصعب تحقيقها عمليا، حيث إن حجم توغل الحرس في الاقتصاد الإيراني غير محدد، وصعب تحديد الأصول التي سيتم خصخصتها، كما أن الحرس الثوري لن يوافق بسهولة على تقليص دوره الاقتصادي والسياسي. وأيضا نظرا لكبر حجم الإمبراطورية الاقتصادية للحرس، سيكون من المستحيل للشركات الخاصة الإيرانية الضعيفة أن تستطيع شراء بعض الأصول الاقتصادية للحرس الثوري. مما يجعل مؤسسة الرئاسة تبحث عن مستثمرين أجانب، وهذا الأمر به صعوبة عملية. كما أنه يمكن لتحقيق رغبة الرئيس روحاني بالحد من القدرة الاقتصادية للحرس، أن يحول ملكية هذه الأصول إلى الحكومة الإيرانية وهذا الخيار سيزيد من جراح الاقتصاد الإيراني بدون أدنى شك.
الخاتمة
مما سبق يتضح أن قوات حرس الثورة الإسلامية منذ نشأتها وحتى الآن تقوم بدور الحارس على الثورة ومكتسباتها، كما هو منصوص عليه في المادة (150) من الدستور. وطبقا لمقولة: «إن كنت تحرس فأنت تملك» توغل الحرس الثوري في الحياة السياسية الإيرانية منذ فترة الرئيس بني صدر، مرورا بالرئيس رفسنجاني، ونجاد، وأخيرا بالرئيس روحاني. وكانت دائما الكلمة العليا في أي خلاف لقوات حرس الثورة، نظرا للقوة العسكرية الكبيرة لها ونظرا لسيطرتها على مفاصل الدولة الإيرانية السياسية، الاقتصادية والإدارية.
وباستمرار الدور السياسي الفعال لقوات حرس الثورة في ثمانينيات القرن الماضي، جعلها تدخل المجال الاقتصادي في بداية حكم رفسنجاني، وجعلها تستوحش اقتصاديا في الفترة الأولى من رئاسة نجاد. فلولا وجود الدور السياسي ما كان ظهر الدور الاقتصادي للحرس الثوري، والآن العكس صحيح. وبذلك تحولت قوات الحرس الثوري من دور الحارس على الثورة إلى دور النخبة المتحكمة والمناوئة لمؤسسة الرئاسة في تسيير أمور الحكم في إيران.
امتلاك الحرس الثوري الإيراني لقوات عسكرية (برية، جوية، بحرية، قوات خاصة ومخابرات خاصة) وامتلاكه لكيانات اقتصادية عملاقة، بالإضافة إلى التحكم في السياسة الداخلية والخارجية لإيران، يجعله جمهورية مستقلة داخل الدولة الإيرانية. وهذا الوضع السياسي يجعل من مسألة تحجيمها أمراً ليس سهلاً في المستقبل، ما دامت دولة ولايه الفقيه قائمة.
[1]() باحث مصري متخصص في شؤون الشرق الأوسط وروسيا.
[2]() الدستور الإيراني الصادر عام 1979، المادة (151). على الرابط التالي:
https://www.constituteproject.org/constitution/Iran_1989.pdf?lang=ar
[3]() النقيب أندريه كوشكين، الحرس الثوري الإيراني، دورية مراجعة عسكرية أجنبية ، 2013 ، عدد رقم (9) ، ص8-14.
[4]() أندريه إيفانوف، الثورة الإسلامية في إيران وحراسها، مجلة الدفاع الوطني، 2011، على الرابط التالي:
http://old.nationaldefense.ru/284/112/index.shtml?id=6836
[5]() كينيث كاتزمان، الحرس الثوري.. نشأته وتكوينه ودوره، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، أبوظبي، الطبعة العربية الثالثة 1998، الفصل الثاني، ص52-53.
[6]() فينيامين ساجين ويوري بوندار، القوة العسكرية لجمهورية إيران الإسلامية، دار نشر جامعة موسكو، موسكو 2014، الفصل الخامس، ص178.
[7]() أليكسندر شيستاكوف وفلاديمير بلاستون، الثورة الإيرانية 1978-1979 الأسباب والدروس، أكاديمية العلوم في الاتحاد السوفيتي، موسكو، 1989، الفصل السابع، ص164.
[8]() أليكسندر شيستاكوف وفلاديمير بلاستون، الثورة الإيرانية 1978-1979الأسباب والدروس، أكاديمية العلوم في الاتحاد السوفيتي، موسكو، 1989، الفصل السابع، ص169.
[9]() المصدر ذاته، الفصل السابع، ص170.
[10]() النقيب أندريه كوشكين، الحرس الثوري الإيراني، دورية مراجعة عسكرية أجنبية، 2013 ، العدد رقم (9) ، ص8-14.
[11]() فلاديمير ساجين ويوري بوندار، القوة العسكرية لجمهورية إيران الإسلامية، دار نشر جامعة موسكو، موسكو 2014، الفصل السابع، ص288.
[12]() القوات المسلحة الإيرانية، Modern Army، روسيا. تاريخ النشر 25/11/2014. على الرابط التالي:
http://www.modernarmy.ru/article/432/vvs-irana
[13]() فينيامين ساجين، سلاح الجو الإيراني ، دورية مراجعة عسكرية أجنبية ، 1998، العدد رقم (5).
[14]() البحرية الإيرانية والقوات البحرية التابعة للحرس الثوري، (Mil.Press FLOT)، تاريخ النشر: 13/1/2012، على الرابط التالي:
https://flot.com/nowadays/concept/opposite/irannavy2012/
[15]() أسطولان لسلاح البحرية الإيرانية، (Top War)، تاريخ النشر: 18/4/2013، على الرابط التالي:
https://topwar.ru/26940-dva-iranskih-voenno-morskih-flota.html
[16]() Ali Alfoneh، The Basij Resistance Force، United States Institute of Peace، 2010
URL: http://iranprimer.usip.org/resource/basij-resistance-force
[17]() فرزين نديمي، قوات «الباسيج» الإيرانية تدرس احتمال اضطلاعها بدور أكبر محلياً وإقليمياً، معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، 20/12/2016، على الرابط التالي:
https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/irans-basij-mull-a-wider-domestic-and-regional-role
[18]() ميخائيل يورييف، قوات المقاومة «الباسيج» في السياسة الدفاعية لجمهورية إيران الإسلامية، معهد الشرق الأوسط، 1/12/2006، على الرابط التالي:
http://www.iimes.ru/?p=5201
[19]() ميخائيل يورييف، قوات المقاومة «الباسيج» في السياسة الدفاعية لجمهورية إيران الإسلامية، معهد الشرق الأوسط، 1/12/2006، على الرابط التالي:
http://www.iimes.ru/?p=5201
[20]() الميليشيا الشعبية «الباسيج» التابعة لفيلق الحرس الثوري للقوات المسلحة الإيرانية، War files))Soldier of Fortune،
على الرابط التالي:
http://sof-mag.ru/news2/36_Basij.html?utm_source=warfiles.ru
[21]() علي آلفونه، قوة مقاومة «الباسيج»: هل هي حلقة ضعيفة في النظام الإيراني؟، معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، 5/2/2010،على الرابط التالي:
https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/the-basij-resistance-force-a-weak-link-in-the-iranian-regime
[22]() يوري بوندار، القوات الخاصة لإيران، معهد الشرق الأوسط، 31/3/2013، على الرابط التالي:
http://www.iimes.ru/?p=17164
[23]() فلاديمير أنيشينكو، الجهاد الأسود الإيراني، الصندوق الإقليمي للأمن الاستراتيجي، روسيا، 6/3/2018، على الرابط التالي:
http://www.fssb.su/strany-mira/sredniy-vostok/3976-iranskiy-bumerang-chernogo-dzhihada.html
[24]() Islamic Revolutionary Guard Corps (IRGC)، The Counter Extremism Project، URL: https://www.counterextremism.com/threat/islamic-revolutionary-guard-corps-irgc
[25]() يوري بوندار، القوات الخاصة لإيران، معهد الشرق الأوسط، 31/3/2013، على الرابط التالي:
http://www.iimes.ru/?p=17164
[26]() القائد: إن الحرس هو الحامي والمدافع عن عزة الثورة الإسلامية، موقع مكتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي، 9/9/2007، على الرابط التالي:
http://www.leader.ir/ar/content/3414
[27]() النظام الأساسي للحرس الثوري الإسلامي، مركز بحوث البرلمان الإسلامي لجمهورية إيران الإسلامية، على الرابط التالي:
http://rc.majlis.ir/fa/law/show/90595
[28]() أليكسندر شيستاكوف وفلاديمير بلاستون، الثورة الإيرانية (1979-1978) الأسباب والدروس، أكاديمية العلوم في الاتحاد السوفيتي، موسكو، 1989، الفصل الخامس، ص104-105.
[29]() ALI ALFONEH، The Revolutionary Guards› Role in Iranian Politics، Middle East Forum، 1-09-2008، URL: https://www.meforum.org/articles/2008/the-revolutionary-guards-role-in-iranian-politics
[30]() المصدر ذاته.
[31]() إيران تمنع حفيد الخميني من الترشح للانتخابات التشريعية، سي إن إن العربية، 9/3/2008، على الرابط التالي:
http://edition.cnn.com/arabic/2008/world/2/8/khomeini.grandson_elections/index.html
[32]() يوري باندور، الوضع السياسي والعسكري 2012 في إيران، معهد الشرق الأوسط، 27/1/2013، على الرابط التالي:
http://www.iimes.ru/?p=16637
[33]() الدستور الإيراني الصادر عام 1979، المادة (147) على الرابط التالي:
https://www.constituteproject.org/constitution/Iran_1989.pdf?lang=ar
[34]() نيكولاي كوجانوف، الحرس الثوري والاقتصاد الإيراني، معهد الشرق الأوسط، 28/7/2009، على الرابط التالي:
http://www.iimes.ru/?p=9063
[35]() فلاديمير ساجين، الحرس الثوري سيحرم من القدوة الاقتصادية، الحياة الدولية (السياسة الخارجية)، 14/2/2018، على الرابط التالي:
https://interaffairs.ru/news/printable/19328
[36]() سيرجيه مانوكوف، الحرس الثوري- ماذا تريدون؟، سري للغاية، 25/8/2015، على الرابط التالي:
https://www.sovsekretno.ru/articles/id/5001/ :
[37]() «الحرس الثوري» والجيش متفائلان بانسحاب أميركا من الاتفاق النووي، الحياة الدولية، 9/5/2018، على الرابط التالي:
http://www.alhayat.com/article/4579839/
[38]() حسن روحاني رئيس إيران يحذر من خطورة الفساد على الثورة الإسلامية، بي بي سي العربية، 8/12/2014،العنوان الإلكتروني:
http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2014/12/141208_rouhani_warns_against_corruption
[39]() جعفري ينتقد اتصال روحاني بأوباما، سكاي نيوز العربية، 30/9/2013، على الرابط التالي:
https://www.skynewsarabia.com/world/ /447049
[40]() انتقادات من الحرس الثوري الإيراني بعد إقرار مجلس الأمن للاتفاق النووي، وكالة أنباء رويترز، 20/7/2015، على الرابط التالي:
https://ara.reuters.com/article/worldNews/idARAKCN0PU1V720150720?sp=true
[41]() الحرس الثوري يهاجم روحاني لانتقاده التجارب الصاروخية، العربية أخبار، 6/5/2017، على الرابط التالي:
https://www.alarabiya.net/ar/iran/2017/05/06
[42]() إيدا سركيسان، لقد شرع الحرس الثوري الإيراني في اتخاذ إجراءات حقيقية، وكالة أنباء ريجنوم الروسية، 18/5/2017، على الرابط التالي:
https://regnum.ru/news/polit/2254120
[43]() روحاني يحذر الحرس الثوري الإيراني من التدخل في انتخابات الرئاسة، وكالة أنباء رويترز، 17/5/2017، على الرابط التالي:
https://ara.reuters.com/article/worldNews/idARAKCN18D2GX