تقديم
يتناول مركز المسبار للدراسات والبحوث في كتابه «المسلمون في كندا وتحديات العيش معاً» (الكتاب الثامن والأربعون بعد المئة، أبريل (نيسان) 2019) أوضاع المسلمين في كندا: أصولهم وتاريخهم وحضورهم وتوتراتهم، ناظراً إليهم كجماعات مختلفة نجحت أكثريتها في الاندماج في المجتمع الكندي.
اهتمت الدراسات؛ التي شارك فيها باحثون متخصصون، بتحليل الأنساق العامة لكيفية تفاعل «الإسلام المهاجر»، لا سيما في كيبيك، مع الدولة الليبرالية الديمقراطية وحيادها تجاه المسائل الدينية، فركزت على مجموعة من القضايا من بينها: فئات «الجماعة المسلمة الكندية»، العلمانية الكندية والاستثناء الكيبيكي، أصول المسلمين الكنديين، النقاشات حول الدين وحيادية الدولة وما يرتبط بها من ترسيم الحقل الدلالي للعيش المشترك، مخاطر الإسلاميين بتياراتهم وخطابهم، النخب الإسلامية وأنماط التدين، نشاط النساء المسلمات ومشاركتهن المواطنية والتعاونية، الإسلام في المحاكم الكندية، والتنظيم القانوني للأكل الحلال مقابل حياد الدولة.
يمثل المسلمون نحو (3.6%) من مجموع سكان كندا، وهم بذلك يُعدون من الأقليات الدينية، علماً أن الوجود الإسلامي قديم ويعود إلى قيام الكونفدرالية الكندية عام 1871. ثمة تعدد بين المسلمين الكنديين لجهة التعبيرات والانتماءات والاندماج في النظام العام؛ فالمجموعات المسلمة المهاجرة من أفريقيا ودول الشرق الأوسط وآسيا، لا يمكن النظر إليها ككتلة بشرية واحدة.
تطرح العلمانية السائدة في كندا تحديات ماثلة أمام الدولة لا سيما في كيبيك، فعلى الرغم من عدم وجود طابع ديني للدولة؛ فليس هناك دين مدني، ولكن مقاربة ليبرالية للدين تأخذ بالاعتبار الإدارة الفنية للتعددية، فلا تظهر الدولة أيديولوجية علمانية جمهورية على الطريقة الفرنسية.
تنفجر في المجتمع الكيبيكي أحداث تعكر ثقافة «العيش معاً»، ارتبطت -إلى حد كبير- بغياب أفق التواصل والمعرفة بالآخر، مما أدى إلى بروز ظاهرة الإسلاموفوبيا التي عُبِّر عنها بمواقف متباينة ومتشددة كما حصل عام 2007 في قرية هيروفيل، حيث تبنت مدونة قانونية موجهة للمهاجرين، لقيت تغطية إعلامية واسعة النطاق، مما أدى إلى تأليف لجنة استشارية لدراسة كيفية التعامل مع خصوصيات الأقليات، عرفت باسم لجنة «بوشار – تايلور» خرجت بمجموعة من التوصيات جاءت دعماً للتعددية الثقافية الكندية.
إن نقاشات الهوية والخطابات التمييزية النافرة, وظهور الاتجاهات اليمينية المتطرفة في كندا, بموازاة الخوف من الوجود اللافت للإسلاميين، ساعد على إنتاج خطاب الكراهية تجاه الجماعات المسلمة في عدد من المقاطعات الكندية.
درس الكتاب تحديات الديمقراطية الليبرالية الكندية في مواجهة الخطابات والأعمال والأفعال الدينية المتطرفة، فضلاً عن الجهود التي تبذلها النخب للتوصل إلى توافق, أو إجماع واسع في الآراء, بشأن تحديد أولويات الحقوق والحريات، ومدى حياد الدولة وحدود سيادة الفرد، والحق في الاختلاف المجتمعي. إن أهم تحدٍّ يواجه المسلمين الكنديين يتمثل بالتطرف الإسلاموي العنيف الذي يهدد العيش المشترك ويسعى إلى احتلال فضاء الإسلام الكندي، ويقصي أصوات المسلمين الديمقراطيين، لذا كان لا بد من دراسة التيارات الإسلاموية في كندا، يتقدمها الإخوان، وما ينجم عنها من تهديدات اجتماعية وسياسية.
تتميز النخب الإسلامية السُنيّة في كندا بتعدد مرجعياتها أو أشكال التدين الرئيسة؛ ويمكن الإشارة إلى ثلاث: الإصلاحية، الإسلاموية، الليبرالية الإنسانية. فمَن هي النخب الكندية الأكثر ظهوراً، التي يمكنها أن تمثل هذه الأشكال الثلاثة من التدين؟ وأيُّ أنموذج نظري، فلسفي، سياسي، ديني وأخلاقي يمكنها أن تقدمه، ولا سيّما إلى الشباب الكندي اليوم ذي الإيمان والثقافة المسلمة؟ وبأي طريقة ساهم حال التوتر بين هذه التيارات الثلاثة في توليد الرهانات (الاندماج، التعددية الدينية، العيش معاً، التطرف والعنف باسم الإسلام، رُهاب الإسلام… إلخ)، التي يواجهها الكنديون اليوم، معتنقو الإيمان والثقافة الإسلامية؟ حاول الكتاب الإجابة عن هذه الأسئلة من خلال تحليل خطابات بعض الحالات المختارة من بين النخب المسلمة الممثلة لهذه الاتجاهات.
تحضر النساء المسلمات بفعالية في الفضاءات العامة الكندية عبر إنشاء الجمعيات والمؤسسات النسائية التي تعكس -إلى حد كبير- التحديات التي تواجه المرأة المسلمة في بناء هوية كندية، فتساعدها على تجاوز الصعوبات وتسهيل الاندماج وممارسة المواطنية المنسجمة. من جهة أخرى تفرض العلامات أو الرموز الدينية التي من بينها الحجاب نقاشات مفتوحة في المجتمع الكندي، تظهر بوضوح في مجالات عدة من بينها المحاكم التي تُواجه أحياناً بالمعتقدات الدينية، فترفع راية احترام الخصوصيات المكرس من قبل قانون المواطنة، مما يعكس -إلى حد كبير- قدرة الأنموذج الكندي على إنتاج التوليفات والمساومات القانونية. لقد أوْلى الكتاب أهمية لتأثير الإسلام في المحاكم الكندية، والتنظيم القانوني للأكل الحلال والتعاطي الحيادي للدولة معه.
في الختام، يتوجه مركز المسبار بالشكر لكل الباحثين المشاركين في الكتاب، ويخص بالذكر البروفيسور سامي عون الذي أشرف على العدد، والزميلة ريتا فرج التي نسقته، ونأمل أن ترضيكم ثمرة جهدهما وفريق العمل.
هيئة التحرير
أبريل (نيسان) 2019