دبي
يتناول كتاب المسبار “تحولات خطاب الإسلام السياسي السعودي من الخلافة إلى الحقوق” التحولات في الخطاب الديني والسياسي عند الإسلاميين في الخليج عموماً والسعودية خصوصاً. وتهتم الدراسات المدرجة بالمتغيرات التي عرفها خطاب الحركات الإسلامية الخليجية، وتسعى إلى فهم مستوى التبدل لديها، من خلال التركيز على مسائل مركزية، كالعلاقة المتوترة مع الدولة، وموقع التنمية والحقوق عند التيارات الدينية، وتحولات الإخوان المسلمين في البيئة السلفية السعودية إلى جانب موضوعات أخرى.
خطاب التنمية والحقوق بين التيارات الدينية في السعودية
يناقش الباحث السعودي عبدالله محمد الرشيد الخلاصات والنتائج لخطاب التنمية والحقوق بين التيارات الدينية في السعودية، وينطلق منه إلى فهم الصورة الشمولية، والعقل المركزي لدى التيارات الدينية السعودية في تعاطيها مع قضايا التنمية والحقوق، من خلال المسارين التاريخي والفكري.
يفترض الباحث أن التيارات الحركية الإسلامية لا تؤمن بقيم التنمية والحقوق، ويرى أن قيم التنمية والحقوق، لا تكون لدى التيارات الدينية استماتة في الدفاع عنها إلا متى ما كانت خادمة لنفوذ المشروع الحركي الإسلامي وتمدده، وليس من منطلق الإيمان ببعدها وقيمتها الإنسانية. كما يعتقد أن الانخراط المتأخر للتيارات الدينية في هذا المجال يعود لمخاوفها من “التغريب” أو لأن الوقت قد حان في نظرها لاستخدامها للوصول إلى السلطة. وهو ما يعني أنها اضطرت للتعاطي مع خطاب التنمية والحقوق، للوصول للأهداف وتمكين الإسلاميين.
يتحدث الرشيد عن خطاب التنمية والحقوق، ويتخذ لذلك حركة المطالبات في تسعينيات القرن الماضي أنموذجا، منذ ظهورها إبان حرب الخليج، ثم تطويرها لتكون حركة وعي سياسي تستقطب أكبر قدر من الشخصيات المؤثرة، بين تيارين متناحرين إعلاميا وهما الصحوي والليبرالي، مع التركيز على “مذكرة النصيحة” التي كتبها الصحويون لهدف أساسي: فرض الوصاية الصحوية على المجالات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية والإعلامية كافة، مع عملية تجييش هائلة للرأي العام. راهن الصحويون على استغلال ضعف الدولة في مرحلة ما بعد أزمة حرب الخليج، ولكن الدولة فاجأتهم برفضها للرضوخ، كما أن التيار الديني التقليدي فاجأهم برفضه هذا التحالف، وجدد ولاءه للدولة ووقف معها في وجه الصحويين. ويشير الكاتب إلى ما نشط في العقد الأخير من دعوات “الملكية الدستورية”، ثم بيان دولة الحقوق والمؤسسات، وما تشكل بعد ذلك من تأسيس (جمعية الحقوق المدنية والسياسية) المعروفة بـ”حسم”.
الإخوان المسلمون وتحولاتهم في البيئة السلفية
ينطلق الباحث الأردني علي البلوي من لحظة تقسيم المنطقة إثر “سايكس بيكو”، مما جعل العامل الديني مساهماً رئيساً في عمليات الدفاع والتحرر الوطني، وفي بناء وتشكيل الهويات الوطنية، على أسس جديدة. ويرى أن التيار الديني -على أهميته وصدقيته آنذاك- لم يكن مؤهلاً لإدارة الدولة، الأمر الذي دفع بالمؤسسات العسكرية لملء الفراغ، وهو ما جعل السعودية ودول الخليج تتنبه إلى أهمية العامل الديني في تعزيز الوحدة وفي تجاوز الاختلافات القبلية، وأن التدين الخليجي، كان ولا يزال أكثر نقاء ووضوحاً وعمقاً واختلافاً وقدرة شرعية وعملية على المواجهة العقدية، من حالات التدين السياسي والاجتماعي في البلدان العربية الأخرى.
كانت تيارات الإسلام السياسي في الخليج منقسمة بين تيارين أساسيين: الأول: التيار السني وتفرعاته (السلفي والإخواني)، والتيار السياسي الشيعي وتفرعاته ببعديه العروبي والفارسي. ومع تطور المجتمعات الخليجية بعد النفط، وانخراط عديد من الشباب في سلك التعليم وتحديدا في مصر ولبنان، كانت هناك تأثيرات فكرية وسياسية كثيرة، تمثلت بالفكر القومي، وأيضا بفكر الإخوان المسلمين والإسلام الحركي.
يشير البلوي إلى أن للإخوان مراحل تحول رئيسة:
أ. المرحلة الأولى: موالاة السلفية والاختلاف مع الدولة
ب. المرحلة الثانية: تعثر مسيرة الصحوة وبروز التيار الجهادي
ت. المرحلة الثالثة: التماهي والمشاريع الغربية لمواجهة الشيوعية
ث. المرحلة الرابعة: الإخوان والبراغماتية الديمقراطية
ج. المرحلة الخامسة: الإخوان والربيع العربي
ح. المرحلة السادسة: الإخوان وخطاب التنوير الإسلامي
يرى الباحث أن السلفية التقليدية ظلت أمينة لمراجعها وتراثها ولعلاقتها مع الدولة، وحتى وإن تغيرت الأوضاع والظروف السياسية والثقافية، ثم أنتجت سلفية جديدة كلامية أقرب إلى المنهج الإخواني، غير أنها ظلت أمينة لمشروعها وتأصيلاتها الدينية، ولهذا لم يجد التنويريون الإسلاميون من يواجهونهم سوى التيار الليبرالي، على اعتبار أنه القوة المنافسة.
ويختتم الباحث دراسته باعتبار أن التحولات التي يعيشها الإخوان المسلمون في السعودية والخليج تبدو واحدة؛ فهي جماعة ما زالت فاقدة الإرادة كبقية الأفرع التابعة للإخوان المسلمين في القاهرة، كما أن اختلاف الظروف السياسية، جعل إخوان السعودية يظهرون على شكل إقطاعيات نخبوية جديدة، ولهذا كانت مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية هدفهم الرئيس. كانت تفاعلات إخوان السعودية والخليج مع صعود إخوان مصر غير عادية، لولا التخبط الذي برزت عليه جماعة الإخوان الأم ودفعها لإخوان الخليج بالتحرك الشعبي، غير أن موقف الإمارات الحازم، وموقف الكويت الواضح، أسهما في إبطاء تحركات الإخوان ومصادرة تطلعاتهم غير المشروعة
الدستور عند الإسلاميين السعوديين
يشير الكاتب السعودي محمد حسين الدوسري إلى أنَّ مفهوم “المصدر” يشوبه بعضُ الغموض في تحديده، وحوله آراء عدة وتصورات مُختلفة، وأن العلوم المعرفية لدى الإسلاميين تستند إلى أصل وجودها، وهي تتمحور حول النص والعقل، وأن التاريخ المعرفي في حقيقته يضمر في داخله المصادر التي تستند إليها تلك المعرفة (الكتاب والسنة والإجماع). ويرى الدوسري أن المصادر النقلية هي المسيطرة لدى الإسلاميين السعوديين في رؤيتهم لمصادر المعرفة؛ ولا يكاد العقل يكون له سبيل في تلك المصادر إلا شزراً يسيراً، وهي إشكالية هذا الفكر، تتضح جلياً عند الدستوريين الإسلاميين في السعودية، وكذلك هي مصاحبة لمن ليس إسلامياً سعودياً، وذلك بسبب النظام الأساسي للحكم في السعودية الذي يعتبره المدنيون هو الدستور.
ويستعرض الدوسري بتفصيل واسع مكونات نظام الحكم الأساسي في السعودية بسلطاته الثلاث، للوصول إلى التساؤل عن مدى وجود مبادئ دستورية مثل مبدأ الفصل بين السلطات في المملكة. وللإجابة عنه يشير إلى أن مبدأ الفصل بين السلطات، غير موجود قانوناً أو فعلاً، بانتظار تفعيل دور مجلس الشورى وإعطائه صلاحيات أكثر وأعمق –مستقبلاً- ليمثل السلطة التشريعية، مع اكتفاء مجلس الوزراء بأعباء إدارة الحكومة التي هي في حقيقتها أصعب بكثير من مجرد التشريع.
ويناقش الباحث موقف الإسلاميين من الدستور في السعودية، فالفكر السائد الديني لدى الإسلاميين السعوديين، يُقرر أن كل حكم بغير كتاب الله وسنة رسوله، في أي مجال من مجالات الحياة، مهما كانت صوره ومبرراته، هو طاغوت يجب اجتنابه والبراءة منه واعتقاد بطلانه ومعاداته والكفر به جملة وتفصيلاً. ويعتقد الباحث أنه لا يمكن أن يتأسس فكر دستوري خالص، تُقرر فيه الحقوق الأساسية والمبادئ الدستورية، وأن كثيراً من إشكاليات المجتمع لا يمكن حلها، سواءً كانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسة، إلا بوجود ذلك الدستور الذي يُقرر تلك الحقوق. ويخلص الدوسري إلى أن كثيراً من الحركات التي أخرجت بيانات (كحركات سداد أو حسم) التي تدعو إلى الدستورية أو إلى حراك دستوري، تحتاج إلى إعادة نظر في مفهومها للدستورية، حيث إن جميع مرجعياتهم نصية نقلية ولا يختلفون كثيراً عن المسار التاريخي للدولة السعودية، ويعتقد الباحث أن الدولة لو كانت قد استجابت لهم لما حدث أي تغيير في النظام الأساسي. ويرى الدوسري أنه ما لم يتم تفكيك تلك الإشكاليات في فكر الإسلاميين السعوديين، فلن يتم الوصول إلى فكر دستوري عميق ومترسخ.
حركيو الخليج في الخارج بين معارك المقدس والهوية
ينناقش الباحث في الفكر الإسلامي المعاصر حمّود حمّود صعود الهوية، ويضعها كأحد الأعمدة البنيوية للنسيج الأصولي، في حين يصف الطائفية بأنها أرض النبات الأصولي، وأن الطائفية والهوية لا ينفصلان، ويرى أن الصراع مع إيران سيمدّ في عمر الأصولية والأصوليين في المنطقة، وأن صراع الأصوليات هو نفسه صراع الهويات وعلى معناها. ويقسم الباحث أطراف الصراع إلى: أصوليي السنة وأصوليي الشيعة، ويخصص دراسة حالته لنماذج الطرفين من الخليجيين في الخارج.
يطرح حمود حمود في فصله الأول مسألة تشظي الهوية في حالة الناشطين السعوديين. لكنه ينطلق من اعتبار أن معظم الأصوليين هم خارجون من الدولة وعليها، وهو في نظره ما ينطبق على أصوليي الداخل والخارج، حيث يخلط هؤلاء بين معارضة السلطة ومعارضة الدولة، ويلجؤون تباعا لولاءات خارج الدولة، ويضع فؤاد إبراهيم مثالا، ثم ينتقل إلى محمد المسعري الحالم بالأنموذج الإسلامي للدولة.
ويرى الكاتب أن فضاء الإنترنت شوش معنى الخارج والداخل، فالمعارض أو الأصولي وإن كان خارج الدولة فإنه يحل فيها من خلال محاولة التأثير على الرأي العام الداخلي عبر الإنترنت، مما يجعل النماذج التي ذكرها “مخلوقات أصولية ولدت من فضاءات (اللامكان) و(اللادولة)” مع عدم إنكاره أنّ أصوليي الخليج في الخارج يتميزون بميزات تختلف قليلاً عن أصوليي الداخل. ويتساءل حمود: كيف يمكن تشخيص الحالة الأصولية خارج الخليج في ظل الصراع الأصولي الذي تشهده المنطقة؟ وللإجابة عن ذلك يتناول الكاتب عامل الهوية والطائفة في الفكر والسلوك الأصوليين، وينطلق من هذا العامل لتفسير سلوك الإسلامويين المعارضين في الخارج، ويعتبر أنهم هم من يحرك معارك الداخل من الخلف.
يناقش حمود منطلق الإمامة عند “حزب الله الحجاز” ومرجعيتها “الخمينية” والحراك الذي نتج عن ثورته في إيران سنة 1979. ثم يطرح مسألة استقطاب المعارضين الذي تلجأ له طهران، وهو ما ولّد “حزب الله الحجاز” فيما بعد، على الرغم من احتمال أن يكون انطلاقها امتدادا لحركة “الطلائع الرساليين” التي نشأت في ستينيات القرن العشرين الميلادي. ويشير الكاتب إلى أن بزوغ دولة أصولية التوجه كإيران، ساعد في تأجج الأصولية في المنطقة عموما باتجاه أجندتها أو ضدها، وأن المعارضة الشيعية تتوزع في الداخل والخارج السعودي، وتتقارب وتتباعد أنسجتها الفكرية من الإصلاحية الإسلامية إلى الراديكالية المسلحة.
أما في حالة الإخوان والإسلاميين، فيرى حمود أنها “حالة ملتبسة” في السعودية مقارنة بالبلدان العربية الأخرى، وأن الصراع فيها متأجج بين الإخوان وبقية الإسلاميين على الهوية الإسلامية. ويقسم الكاتب ظهور هؤلاء في الخارج إلى مرحلتين: التسعينيات إثر حرب الخليج، ومرحلة الربيع العربي. وينطلق الكاتب بعد ذلك لشرح شكل العلاقة بين الدولة السعودية وفكر جماعة الإخوان المسلمين وأفرادها، خاصة في ظل اعتماد الدولة السعودية عليهم في الحرب ضد الحوثيين، وفي سوريا.
يخلص حمود إلى استنتاج أنه بمقدار ما ينتعش الفضاء الطائفي، ينتعش الفضاء الأصولي، وأن “الإخوان المسلمون” يجمعون بين مخيال الطائفية ومقدس الأصولية.
من الصحوية إلى النقدية: شهادة ذاتية في التحول الفكري
يرى الطاتب السعودي شتيوي الغيثي أن التجربة التي مر بها كانت أقل شهرة وحدة، لكن تبقى التجربة ذات بُعد يمكن من خلاله فهم انتشار ظاهرة التحولات في أكثر من مكان في السعودية، ولا يرى فيها تلك التحولات العنيفة، لا في فترة الصحوة، ولا في المرحلة اللاحقة لها. ويعرج الكاتب على مراحل تلك الحالة في التحول الفكري عنده، بدءا من الحالة “الوثوقية”، حيث التأثر بالخطاب الديني المسيّس كان له دور كبير في تشكيل فكره الذاتي، أو فكر غالبية الشباب –كما يزعم- مما عزز فكرة الجهاد عنده. ويرى الغيثي أن الوضع خلق تصورات وثوقيّة، بحيث تَشكَّل في المجتمع فكرٌ واحدٌ، ورأيٌ فقهي وديني واحد، حجّم التعددية الفكرية والدينية في السعودية، وانساق الكثيرون إلى ذلك. كانت أفكاره تتشكل، منساقة إلى كثير من تلك المصطلحات ودلالاتها، دون وعي حقيقي بإطارها التاريخي، لتكون الرؤية وثوقية خالصة، فلا وجود لحالة شكية لمدى تعمق المسألة الدينية في الوجدان الجمعي.
ثم يتحدث الكاتب عن مرحلة “الشكوى والشك”، حيث يتشرب العقل تساؤلاته عن ركام الأفكار، وخلف تلك الكتيبات، والكاسيتات، وبين دفتي الكتب الدينية، رغبةً في التوسع حولها. ويرى أن تلك الحالة الشكية صاحبها نوع من العنت الفكري تجاهه، والتحذير من مغبة الدخول في مثل تلك الأفكار، الأمر الذي عزز من حالة الشك، وهي بالتحديد المرحلة التي بدأت عندها التحولات نحو مزيد من النقد للأفكار، والانتقال لحالة “الإرباك”، عندما كان الناقد للتقليديات يواجه سيل المناصحات، والتهم بالضلال. كانت تلك الاتهامات لا تصعد أكثر من ذلك، إلا في بعض المنتديات الثقافية من بعض الأشخاص الذين يتخفون وراء أسماء وهمية، أو رمزية تكيل الحديث، والنبز بالألقاب.
حينها تبدأ -من وجهة نظر الكاتب- مرحلة “الانطلاق” التي لا تحاول أن تجعل لنفسها إطاراً محدداً، فهي تريد أن تكون أكثر انعتاقاً من صراع الأفكار الذي ربما يضر التفكير النقدي، كونه يحد من عملية توسعه ونقده للتيارات والأفكار والأشخاص كافة، مع تعميق الرؤية إن استطاعت.
ويخلص الكاتب إلى أنه -ككاتب سعودي- يمر بعملية تحوّل دائمة، ومن الصعب وضع نقاط محددة على أنها المراحل المفصلية من عملية التحول، فالمراحل متداخلة في كثير منها، كما أن الطريق ما زال طويلاً، وما زالت عملية التحوّل قائمة. لكنه يرى أن هذا لا يجعل إمكانية العودة واردة، كما كانت من قبل؛ بل هي رؤية أقرب إلى “عقلنة التدين”.
تحولاتي الفكرية.. سيرة الآخر
في هذه السيرة المشابهة لسابقتها، يلخص الطاتب السعودي عبدالله المطيري تحولاته بأنها التحول من أخلاق العداوة والكراهية المتأسسة على الأيديولوجيا الدينية المتطرفة، وعلى منطق الأنانية وتجاهل الآخرين، إلى الحلم بأخلاق المحبة والتعاون، المتأسسة على منطق الضيافة والباب المفتوح للغريب والضعيف وعابر السبيل. ويشرح المطيري مراحل هذا التدين الذي عاشه ويعيشه بدءا من التدين البسيط، لحقتها خصومة عميقة معقدة مع العنف والسلطة، ثم القراءة سيلا ضد الجهالة، والكتابة رفيقا لها، وبفعل دراسته الشرعية، شرح المطيري كيف انتقل إلى مزاوجة الدين والفلسفة وميله للمذاهب العقلانية والمعتزلية، وحلل قراءاته في الفلسفة الغربية الحديثة والقديمة وكيف أنها صارت فرصة لتحويل الغضب والألم من المشاكل حولنا إلى بحث معرفي صحي ومفيد. يروي بعدها الكاتب دور أسفاره وعبرها في إثراء تجربته حول الآخر، وكيف تعلم من أسرته وزوجته أثناء عيشه في أمريكا أنه يمكن أن نعيش حياتنا بدون كراهية وحقد على أحد، وأن نملأ بيوتنا بالمحبة بدلا من الكراهية.
تحولات في التجربة والطموحات
تروي الإعلامية والكاتبة السعودية سكينة المشيخص في حديثها عن تجربتها منذ الثمانينيات كيف أنها ليست متطفلة إلا بالقدر الذي يتفق مع مقتضيات ممارستها الصحفية التي كبرت عليها، ولكنها فضولية إلى الحد الذي يتوقف عند احترام خصوصيات الآخرين. وتشرح المشيخص كيف أن انتماءها للوسط الشيعي جعلها تدرك كيف أصبح الخميني ملهماً لكثير من أوساط محيطها الشيعي، وكيف صنع تغييراً تاريخياً يمنح الشيعة في كل العالم أملاً في الحصول على استحقاقات وحقوق تبدو غائبة أو بعيدة، ومن هنا تكوّنت -بصورة تراكمية- كاريزما روحية في بيئة تميل دينيا إلى قائد أو زعيم يقود ويوجّه ويعزز الثقة في النفوس. وتحكي كيف حركت تلك الفكرة أعمامها نحو المطالبات الحقوقية للشيعة في السعودية، وكيف أنتجت النقاشات المنزلية والمجتمعية المحدودة –تلقائياً- الفكرة الحقوقية داخلها كثمرة جهد انتقل من عقل باطن إلى عقل مدرك مع الوقت. انتقلت بعدها للحديث عن النزعة الوطنية للتسعينيات، وأعادتها إلى متغيرات دولية في المنطقة تدفع إلى تعزيز اللحمة الوطنية.
أسهم كل ذلك –من وجهة نظر المشيخص- في تشكيل شخصيتها ووعيها وفكرها على نحو يحتفظ بعمقها المذهبي والوطني معاً، في وقت بدا فيه أنه من الصعب الموازنة بين العمقين، في ظل عدم الوصول إلى حالة حقوقية متزنة. وتناقش الكاتبة كيف أن التضاد مع المحيط الذي نشأت فيه، سببه الرئيس عدم تقدير الموازنة بين المذهب والوطن، وهي حالة سوء فهم موجودة للذين يطغى عليهم الحماس للمطالبة بالحقوق المنقوصة، ولكن متى حدث التعادل والكفاية الحقوقية يحدث نوع من الاسترخاء وإعادة الأمور إلى نصابها.
السعودية في انتقال: رؤى في التغير الاجتماعي، السياسي، الاقتصادي، والديني
في قراءته لكتاب “السعودية في انتقال: رؤى في التغير الاجتماعي، السياسي، الاقتصادي، والديني” يحلل الباحث السعودي عبدالله حميد الدين كيف يرى الكتاب أن السعودية تمر بمتغيرات سريعة، وأن قيادتها الأكبر سنّاً قد اتجهت نحو نقل السلطة إلى جيل جديد، وأن مجتمعها الشاب قلق وغير مستقر.
بقيت المملكة لفترة طويلة مغلقة على الباحثين الأجانب، والقليل منهم تمكّن من الدخول إليها خلال العقد المنصرم. تقدم المواد المدرجة -التي هي نتاج مؤتمرين عن سياسة وتاريخ السعودية- نتائج أبحاث أولئك القلة من المختصين، إضافة إلى بعض أبرز الباحثين في مجال دراسات الشرق الأوسط؛ فيتناول في فصوله الخمسة عشر أبرز التحوّلات التي عرفتها السعودية في أكثر من جانب.
يناقش المحور الأول للكتاب “المملكة.. تحديات السلطة وهوية الدولة” الفرضية التي ترى أن الدولة الريعية ظاهرة سلبية وضارة، خصوصاً على مستوى الحراك السياسي. فأغلب الفرضيات التي تدرس الدولة الريعية تخلص إلى أن ثمة علاقة عكسية بين أسعار النفط والحراك السياسي، بحيث يزيد الحراك كلما انخفضت أسعار النفط، والعكس بالعكس. الفصل الثاني يسأل عن هوية الدولة السعودية: هل هي دولة دينية أم دولة تكنوقراطية؟ يرى الكاتب أن الدولة السعودية تطورت بفعل العلوم والتكنولوجيا بشكل أساسي. أما الدين فله دور مركزي في الهوية التاريخية للدولة، ولكن السلطة السياسية تعتمد -بدرجة أعمق- على الحداثة. وهو يرى أن اهتمام الدولة –أخيراً- بالعلوم والتقنية، والذي تجسد من خلال بناء جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، يمثل استمراراً لنهج الدولة في الاعتماد على العلم في وجودها. وهو ينتقد الفرضيات التي تنظر إلى الدولة السعودية باعتبارها دولة تقليدية بدوية تعتمد في إداراتها على القيم الدينية والقبلية. بل يرى أنها منذ تأسيسها كانت تسعى للحداثة بشكل متسارع وعلى المستويات كافة. في الفصل الثالث يناقش الكاتب “الإسلام السعودي الرسمي” –على حد تعبيره– من خلال النظر إلى هيئة كبار العلماء. وبعدما يعالج تاريخ العلاقة بين السلطة السياسية والسلطة الدينية في السعودية، يخلص إلى أن التحالف التاريخي بين محمد بن سعود ومحمد بن عبدالوهاب خلق دائرتي نفوذ كانت الغلبة فيهما لآل محمد بن عبدالوهاب حتى نهاية القرن التاسع عشر. ومع نشوء الدولة الثالثة واستغناء الملك عبدالعزيز بالنفط، أمكن أن تنتهي دائرة النفوذ لآل محمد بن عبدالوهاب وانحصرت في آل سعود، ثم ينتقل إلى الفترة التي قررت فيها الدولة مأسسة السلطة الدينية وتحويلها إلى جهاز رسمي. ويقول كاتب الفصل: إن هذا أتى من باب السيطرة على المؤسسة الدينية وليس من باب منحها سلطة أعلى. ويشير إلى موقف محمد بن إبراهيم آل الشيخ من القوانين الوضعية التي بدأت السعودية تدشنها.
أما عن محور “النفط والإسلاموية السعودية” يناقش كاتب الفصل الأول مدى سيطرة السعودية على أسعار النفط. وهو يقول –خلافاً للسائد–: إن المملكة لا تستطيع أن تتحكم بالأسعار، وإنما تتلقى الأسعار مثلها مثل غيرها. ولكنه يستدرك أن: السعودية يمكن أن تغير هذا الوضع، وذلك بأن تلعب دوراً أكثر فاعلية في تجارة النفط العالمية، وتالياً تنتقل من كونها متلقية لأسعار النفط إلى صانعة لأسعاره. في الفصل الثاني يناقش كاتب آخر كيفية تناول النفط في خطاب الفاعلين السياسيين المعنيين في الشأن السعودي. متابعاً حضور النفط في الأدب السعودي والشعر الشعبي، ومشيراً إلى بعض الشعراء الذين شكوا من فقدان استقلالهم بعدما صاروا معتمدين على العطايا الحكومية. ويلفت إلى موقف بعض رجال الدين الذين كانوا يتخوفون من آثار النفط على الحياة الدينية والاجتماعية في السعودية. كما يناقش آراء مختلف الفاعلين السياسيين والأدباء ورجال الدين حول النفط، ويستعرض خطاب تنظيم القاعدة حول الاحتياطي النفطي السعودي، مقارناً بين خطابها وخطاب التيارات غير الإسلامية في خمسينيات القرن المنصرم، مدللاً –هنا- على مواقف القوميين الذين كانوا يرون أن نفط العرب للعرب، في حين تطور خطاب القاعدة ليطرح فكرة أن النفط للأمة الإسلامية. في الفصل السادس، يناقش كاتبه سياسات توزيع النفط في السعودية. ويرى –بداية- أن الدولة السعودية خلقت أساطير مفصلة حول أنواع الخسارات والمكاسب التي تحققت لكل منطقة من مناطق السعودية نتيجة للتوحيد. ثم يضع تلك الأساطير أمام النقد، وذلك من خلال تحليل مستويات التنمية الاقتصادية، والإدارية، والبنية التحتية، والتوظيف. ويستنتج أنَّ منطقة الحجاز من أكثر المناطق السعودية إفادة ولكن ليس بقدر منطقة نجد. الفصل السابع يدرس الخطاب الإسلامي في السعودية وكيفية استخدامه، ومن قِبل من. ويشرح كيف تم تبني تعبير “السلفية” ليصبح الدال على ما عُرف تاريخياً بـ”الوهابية”. ويفسر هذا بالعودة إلى القرن التاسع عشر وكيف نتج عن مجموعة من العوامل، خصوصاً الاحتكاك بين الوهابية والحركة السلفية –آنذاك- والتي كانت تعتبر نفسها حركة تحديثية. ويرى أن الوهابية أرادت من تحوّلها إلى “السلفية” أن تندمج في العالم الإسلامي عموماً. ومن الإشارات المهمة، إشارته إلى طريقة وصف رشيد رضا للوهابية. ففي 1904 تحدث عن الوهابية باعتبارها أقرب الفرق إلى المنهج السني، ثم في العشرينيات بدأ في تسميتهم بـ”السلفية”. ويشير إلى دور عبدالله القصيمي في تعزيز وصف السلفية على ما كان يُعلم سابقاً بـ”الوهابية”. ويتابع الباحث جدل التسمية إلى حين نهاية القرن الماضي، حين صار الوهابيون يصرون على أن يسموا بـ”السلفية”. في الفصل الثامن، يتناول الكاتب الفاعلين الأساسسين على الساحة الدينية السعودية. فينظر إلى الصحوة الإسلامية التي صارت التيار الإسلامي السائد في المملكة، والتي تطوّرت من خلال التلاقح بين الإخوان المسلمين والوهابية. يرى الكاتب أن تيار الصحوة هو التيار الأكثر تنظيماً بعد الدولة، وأنه الوحيد القادر على تحدي سلطة الدولة بشكل فاعل. ولكن بسبب علاقته الوثيقة بالدولة السعودية، فإن هذا التيار لم يتمكن من خلق معارضة فاعلة، باستثناء الحالات الفردية مثل حالة جهيمان. الفصل التاسع، يركز على “الإسلاموية السعودية”، ويختار بعض النماذج من مفكري الجهادية السلفية، ويرى أن الجدل بينهم وبين خصومهم، لا سيما المؤسسة الدينية الرسمية، ورموز الصحوة الإسلامية، أسهم في إضعاف سلطة الدين في السعودية مطلع الألفية الثالثة. الفصل العاشر، يحاول فهم سبب ضعف تنظيم القاعدة في السعودية. ويشرح ذلك من خلال بيان الفروق بين الجهادية التقليدية لعبدالله عزام، والجهادية العالمية لأسامة بن لادن. الفصل الحادي عشر يطرح التحوّلات الاجتماعية والثقافية في السعودية، من خلال دراسة حياة شاعر بدوي اسمه: بندر بن سرور، ويرى الباحث أن البدو خسروا قدرهم السياسي والاجتماعي لصالح الحضر، وأن شعر ابن سرور يتطرق إلى هذا التحول بشكل دقيق، مشيراً إلى أن روح الدولة السعودية كانت مضادة للبداوة، وهو بذلك يقدم مفهوماً بديلاً للرؤية الاستشراقية للسعودية.
وحول محور “تحرير المرأة وخطاب الدولة” تضع كاتبة الفصل الثاني عشر، قراءة لواقع المرأة السعودية، تنطلق من اعتبار الدولة السعودية ذكورية، مثلها مثل كل دول المنطقة. وخلافاً لما هو سائد، فإنها ترى أن إقصاء المرأة عن بعض مناحي الحياة، أو تقييد بعض صلاحياتها وحقوقها، هو فعل سياسي وليس اجتماعياً. ويعرج الفصل الثالث عشر على بعض التحولات في فضاء المرأة من زاوية النشاط النسائي الاستهلاكي. وترى كاتبته أن زيادة مراكز التسويق في الرياض خلال العقد الماضي، أثرت في نمط حياة السعوديات بشكل لافت. ففي المجتمع السعودي الذي يفرض عزلاً صارماً بين المرأة والرجل، لعبت الأسواق دوراً مهما في منح المرأة فضاء عاماً، استطاعت من خلاله أن تعيد تشكيل أنماطها السلوكية التقليدية.
ويرى حميد الدين –استخلاصاً- أن الكتاب يعطي بمجمله زاوية جديدة وأدوات مفاهيمية دقيقة حول التحولات في المجتمع السعودي. أما الفصول التي تناولت الإسلام السياسي، فهي تكرار لمواد سبق نشرها، لذا، فقد لا تضيف للقارئ السعودي أو العربي شيئاً. لكنها تبقى مفيدة للقارئ الغربي الذي يحتاج إلى رؤية عميقة، تتجاوز التنميط الغربي لبلد مركب كالسعودية.
الخصوصية المذهبية: الذهنيات التربوية في الخطاب الشيعي المعاصر
في دراسة العدد ينطلق الباحث البحريني عباس ميرزا المرشد من أن الخطاب الشيعي يعد واحداً من الخطابات الإسلامية التي تنسب دوماً إلى خطابات الفكر المتمرد؛ أو الفكر المستبعد، وأن الندرة البحثية أسهمت في تضخيم الصورة النمطية للشيعة وتحديدها بأطر محكومة سلفاً برؤية عقائدية أو انحيازات سياسية فرضتها مجريات الأحداث التاريخية. ويقول بأهمية دراسة الخطاب التربوي الشيعي لفتح الخصوصية المذهبية، وإرجاعها للحيز العمومي باعتبار الخطاب التربوي الشيعي خطاباً مجتمعياً يتوجه لأفراد الجماعة ومن هم خارج الجماعة، كما تحكمه سائر الأطر الثقافية والسياسية التي تحكم الخطابات التربوية الإسلامية أو الخطابات العربية. ويناقش الباحث الأسس التربوية للخطاب الشيعي من ناحيتي المقاربة المنهجية والفضاء التربوي عند الشيعة. ثم يحلل مضمون الخطاب الشيعي التربوي، لفهم عملية صناعة وإنتاج السلطة داخل الخطاب التربوي الشيعي. ويرى المرشد جوانب لذلك منها: وسائل التربية، والمدونات الكتابية، والأدعية، والزيارات (المقدسة). ويتحدث الكاتب عن مؤسسات التربية أو المؤسسات المادية الموكل إليها مهمة إنتاج الخطاب التربوي وتقديمه للأفراد، وكلها غير رسمية لأن الجماعات الشيعية لا تزال غير مدرجة في المؤسسات التعليمية الرسمية، وتتلخص تلك المؤسسات في المساجد والحسينيات. ثم يشير الكاتب إلى المؤسسات والمعاهد الحديثة، وتركز هذه المعاهد على ضرورة تكوين بناء ثقافي بالمعنى العام للثقافة المسؤولة عن إنتاج السلوك وحزمة القيم الكلية، ومن بين المجالات التي تركز عليها: التربية العقلية، والتربية العقائدية، والتربية العرفانية، والتربية التاريخية، والتربية الولائية.
ثم يتحدث المرشد عن الفضاء العمومي المعاصر وإعادة الإنتاج، ويشير فيه إلى بروز الجانب الثقافي في خطابات التربية لدى الجماعات المذهبية، حيث عملت تلك الجماعات على إنتاج خطاب تربوي ثقافي خاص بها يضمن لها إعادة إنتاج هويتها المذهبية من جهة، ويعيد بناء السلطة الاجتماعية والمكانة المنهارة إثر توسع التعليم الرسمي (السني) مما أدى إلى ظهور مدرستين: واحدة فكرية وأخرى حركية.
ومن خلال استعراض التراكم التاريخي للخطاب التربوي يستنتج الكاتب أن الخطاب التربوي الشيعي لا يختلف كثيرا عن الخطاب التربوي السني؛ إذ إن أوجه الاختلاف تقع في التوظيف العقائدي الخاص بالشيعة، وهذا التوظيف يأتي نتيجة لغياب الأطر القانونية والدستورية المنظمة للتنوع المذهبي والاجتماعي، الأمر الذي سمح بأن تكون هناك معارك خفية بين المناهج الرسمية والهوية الشيعية، بل وصل الأمر في بعض المناهج الرسمية إلى ممارسة الإقصاء والإبعاد لكل ما هو شيعي.