العالم متغيّر. وقد أظهر القرن الحادي والعشرون سهولة انهيار التحالفات الجيوسياسية الطويلة الأمد. فكيف ستؤثر هذه التحوّلات الواسعة النطاق على الاقتصاد العالمي؟ وكيف تستطيع الحكومات والمؤسسات العالمية أن تجتمع معاً لضمان التقدم على المدى الطويل؟ وكيف تمكن تعبئة هذه الموارد لمواجهة التهديدات القائمة؟ وكيف يستطيع العالم إيجاد التوازن بين العوامل المتنافسة في الظاهر مثل السيادة والأمن والتقدّم التكنولوجي والإنسانية والمساواة والازدهار الاقتصادي؟
وتتغير أولويات توازن الابتكار أيضاً. فكيف يستطيع قادة الأعمال الاستفادة من هذه الفرص الجديدة، وما دور صنّاع السياسات في ضمان أن تؤدي الاستثمارات الجديدة إلى تحقيق رخاء شامل؟ إن الابتكارات التكنولوجية غير المسبوقة توحّد العوالم الفيزيائية والرقمية والبيولوجي، لتصبح جزءاً لا يتجزأ من الأعمال والحياة على حدٍّ سواء. فكيف تستطيع الأعمال استباق هذه التغييرات للسماح لشركاتها بالنموّ والتطوّر ضمن أولوياتها المؤسسية؟ وما التحوّلات التكنولوجية المحدّدة التي يجب إدخالها على وجه السرعة؟ وما الاستثمارات اللازمة للحدّ من المخاطر التي تنطوي عليها؟
أخيراً، إن المجتمع العالمي المتأثر بالتطوّر التكنولوجي والعولمة والضغوط المالية يشهد تغيّرات جوهرية في مجال الفن والثقافة. وذلك يحتّم الأخذ برؤية جديدة لما هو الفن والثقافة. فالعولمة توسّع تعريف هذين المفهومين ما يفتح الأبواب أمام أسواق جديدة …
يمكن الاستمرار في تعداد القضايا الجوهرية الملحّة. وتجدر الإشارة إلى أن منتدى الاستثمار الدولي (23-25 أكتوبر(تشرين الأول) 2018 في الرياض) أصبح منبراً لهذه المناقشة، وكان شعاره وضع خطة عمل للقرن الثاني والعشرين.
وترى روسيا والمملكة العربية السعودية أن النظرة إلى مستقبل التطوّر العالمي والإقليمي يبدو متوافقاً بطرق عديدة.
المملكة العربية السعودية هي أكبر بلدان شبه الجزيرة العربية. وقد يشار إلى المملكة أحيانا “أرض الحرمين الشريفين” في إشارة إلى المسجد الحرام (في مكة)، والمسجد النبوي (في المدينة)، أقدس الأماكن في الإسلام.
عاصمة المملكة العربية السعودية: الرياض
اللغة الرسمية: العربية
أكبر المدن: الرياض، وجدّة، ومكّة، والمدينة
ملك المملكة العربية السعودية هو سلمان بن عبد العزيز آل سعود، خادم الحرمين الشريفين.
روسيا والمملكة العربية السعودية: تبادل السلع
التجارة الروسية مع المملكة العربية السعودية في سنة 2017 بلغت 915,198,199 دولاراً، بزيادة تصل إلى 86.14% (423,521,278 دولاراً) مقارنة بسنة 2016.
الصادرات الروسية إلى المملكة العربية السعودية في سنة 2017 بلغت 770,682,488 دولاراً، بزيادة تصل إلى 119.62% (419,767,831 دولاراً) مقارنة بسنة 2016.
الواردات الروسية من المملكة العربية السعودية في سنة 2017بلغت 144,515,711 دولاراً، بزيادة تصل إلى 2.67% (3,753,447 دولاراً) مقارنة بسنة 2016.
فائض التجارة الروسية مع المملكة العربية السعودية في سنة 2017كان إيجابياً وبلغ 626,166,777 دولاراً. وقد ازداد الفائض الإيجابي بمقدار 197.96% (416,014,384 دولاراً) مقارنة بسنة 2016.
حصة المملكة العربية السعودية من التبادل التجاري الخارجي لروسيا في سنة 2017 بلغت 0.1567% مقابل 0.1051% في سنة 2016. وحظيت المملكة بالمرتبة الخامسة والستين وفقاً لهذه الحصة في التبادل التجاري الروسي في سنة 2017 (المرتبة الخامسة والسبعين في سنة 2016).
حصة المملكة العربية السعودية من الصادرات الروسية في سنة 2017 بلغت 0.2158% مقابل 1.1229% في سنة 2016. وحظيت المملكة بالمرتبة السادسة والخمسين وفقاً لهذه الحصة من الصادرات الروسية في سنة 2017 (المرتبة السبعين في سنة 2016).
حصة المملكة العربية السعودية من الواردات الروسية في سنة 2017 بلغت 0.0637% مقابل 0.772% في سنة 2016. وحظيت المملكة بالمرتبة السادسة والسبعين وفقاً لهذه الحصة من الواردات الروسية في سنة 2017 (المرتبة الخامسة والسبعين في سنة 2016).
في النصف الأول من سنة 2018، بلغت تجارة روسيا مع المملكة العربية السعودية 496,356,200 دولار، بزيادة 49.41% مقارنة بالفترة نفسها في سنة 2017. وفي النصف الأول من سنة 2018، بلغت الصادرات الروسية إلى المملكة 354,613,377 دولاراً، بزيادة 39.91% مقارنة بالفترة نفسها في سنة 2017. وفي النصف الأول من سنة 2018 بلغت الواردات الروسية من المملكة 141,742,823 دولاراً، بزيادة 79.98% مقارنة بالفترة نفسها في سنة 2017.
وفقاً للموقع الإلكتروني http://russian-trade.com
الصادرات الروسية إلى المملكة العربية السعودية
استأثرت أنواع المنتجات الآتية بالحصة الكبرى من الصادرات الروسية إلى المملكة العربية السعودية في سنة 2017:
- المنتجات الغذائية والمواد الخام الزراعية: 44.59% من إجمالي الصادرات الروسية إلى المملكة العربية السعودية (70.29% في سنة 2016)
- المنتجات المعدنية: 35.38% من إجمالي الصادرات الروسية إلى المملكة العربية السعودية (1.22% في سنة 2016)
- المنتجات الكيميائية: 8.09% من إجمالي الصادرات الروسية إلى المملكة العربية السعودية (13.08% في سنة 2016)
- الفلزات ومنتجاتها (رموز النظام المنسق 72-83: 5.66% من إجمالي الصادرات الروسية إلى المملكة العربية السعودية (6.16% في سنة 2016)
- الخشب والمنتجات الخشبية: 3.39% من إجمالي الصادرات الروسية إلى المملكة العربية السعودية (7.35% في سنة 2016)
- الآلات والمعدات والمركبات: 1.14% من إجمالي الصادرات الروسية إلى المملكة العربية السعودية (1.45% في سنة 2016)
سجّلت فئات المنتجات الآتية أكبر المكاسب في الصادرات الروسية إلى المملكة العربية السعودية في سنة 2017 مقارنة بسنة 2016:
- أنواع الوقود المعدنية والزيوت المعدنية ومنتجات تقطيرها، والمواد البتومينية، والشموع المعدنية
- الحبوب
- الحديد والصلب
- الدهون والزيوت الحيوانية أو النباتية ومشتقاتها
- الكاكاو ومستحضرات الكاكاو
- المطاط ومفرداته
- الورق والكرتون
- الخضراوات
- المنتجات الصيدلانية
وفقاً للموقع الإلكترونيhttp://russian-trade.com
رؤية 2030
صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع،. أصبح برنامج ولي العهد للإصلاح حدثاً مشهوداً في تاريخ المملكة العربية السعودية الحديث. وأصبح امتلاك أحد أكبر احتياطيات النفط في العالم ميزة للمملكة العربية السعودية “ميزة ومشكلة في آن معاً”. في 25 أبريل(نيسان) 2016، أعلن ولي العهد رؤية 2030 لبلاده، وهي برنامج اقتصادي طموح يرمي إلى تأكيد مكانة المملكة بوصفها “قلب العالم العربي والإسلامي، ومركزاً استثمارياً ومحوراً يربط بين ثلاث قارات”. يستند هذا البرنامج إلى ثلاث ركائز – المجتمع والاقتصاد والأمة –ويهدف إلى تقليل اعتماد المملكة على عائدات النفط، وتطوير الاقتصاد، وإطلاق تطوير الطب والتعليم والبنية التحتية والسياحة، ورفع نصيب إيرادات الصادرات غير النفطية من الناتج المحلي الإجمالي من 16 إلى 50%، وتحسين الإعانات المقدّمة لموارد الطاقة.
موسكو– الرياض: أجندة جديدة
تبرّر المملكة العربية السعودية، التي بدأت التحديث الاستراتيجي للاقتصاد والحياة العامة – رؤية السعودية 2030 – طموحاتها بحلول ملموسة داخل البلاد وخارجها. ويعدّ الاتحاد الروسي من الشركاء الذين يحظون بالأولوية في المملكة العربية السعودية، وهو ما تؤكّده الاتصالات الرفيعة المستوى بين حكومتي البلدين.
كان الاتحاد السوفياتي أول دولة تعترف بالدولة السعودية المستقلّة – مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها، التي أصبحت المملكة العربية السعودية منذ سنة 1932. فقد أقيمت العلاقات الدبلوماسية في فبراير(شباط) 1926. غير أن الأمور لم تمض بسلاسة، فأغلقت البعثة الدبلوماسية السوفياتية في جدة في سنة 1938، وقُطعت العلاقات الدبلوماسية بحكم الأمر الواقع. ولم تشهد العلاقات تطبيعاً إلا في سنة 1990. وتعمل السفارة الروسية في العاصمة السعودية، الرياض، منذ مايو 1991، في حين بدأت القنصلية العامة في جدة العمل منذ أبريل(نيسان) 1991. وافتتحت السفارة السعودية في موسكو في ديسمبر(كانون الأول) 1991. في 30 ديسمبر(كانون الأول) 1991، أعلنت المملكة العربية السعودية الاعتراف بالاتحاد الروسي خلفاً لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية.
في سبتمبر (أيلول) 2003، قام عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، ولي العهد السعودي (الملك السعودي بين سنتي 2005 و2015)، بزيارة موسكو. وفي تلك الزيارة، وقّعت حكومتا البلدين اتفاقات للتعاون في مجال النفط والغاز والثقافة والرياضة، بالإضافة إلى مذكرات تعاون بين الأكاديمية الروسية للعلوم ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية وغرف التجارة والصناعة.
وكانت زيارة الدولة التي قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الرياض في فبراير 2007 الزيارة الأولى لرئيس الدولة الروسية إلى شبه الجزيرة العربية في التاريخ. وقد أسفرت عن توقيع مجموعة من الوثائق، منها اتفاق بين حكومة الاتحاد الروسي وحكومة المملكة العربية السعودية بشأن الاتصالات الجوية، واتفاقية تجنّب الازدواج الضريبي بشأن الضرائب على الدخل على ورأس المال، ومذكرة تعاون بين الوكالة الاتحادية للثقافة والسينما في الاتحاد الروسي ووزارة الثقافة والإعلام بالمملكة، إلخ.
منعطف جديدة في الحوار السياسي
في السنوات الأخيرة، قام الأمين العام السابق لمجلس الأمن الوطني السعودي بندر بن سلطان بزيارات متكرّرة لموسكو. وناقش في اجتماعات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قضايا متصلة بالوضع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
واستقبل فلاديمير بوتين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مرات عدة في مختلف المحافل الدولية. وفي 16 نوفمبر(تشرين الثاني) 2015، عقد رئيس الاتحاد الروسي اجتماعاً مع الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز آل سعود على هامش قمة مجموعة العشرين في أنطاليا (تركيا). وناقش الزعيمان في تلك المحادثات قضايا العلاقات الثنائية ومشكلات التسوية السورية.
في الاجتماع الثنائي التالي الذي عقد في 5 أكتوبر(تشرين الأول) 2017 في موسكو، حيث وصل الملك السعودي في زيارة رسمية، تحدّثا عن آفاق التعاون في المجالات التجارية والاقتصادية والاستثمارية والثقافية والإنسانية. وفي أعقاب المحادثات، وُقّع اتفاق بشأن التعاون في استكشاف الفضاء الخارجي واستخدامه للأغراض السلمية، وخريطة طريق للتجارة والتعاون الاقتصادي والعلمي والتقني، وبرنامج التعاون في مجال الثقافة، والزراعة، إلخ.
وتبادل وزيرا الخارجية الروسي والسعودي، سيرغي لافروف وعادل الجبير، زيارات العمل، واجتمعا على هامش المنتديات الدولية وأجريا اتصالات هاتفية. وزار وزير الخارجية الروسي المملكة العربية السعودية واستقبله الملك السعودي.
في خريف سنة 2018، كُشف النقاب عن التحضير لزيارة رئيس الاتحاد الروسي إلى المملكة العربية السعودية.
الاتجاه التصاعدي
يرى الخبراء أن العلاقات بين روسيا والمملكة العربية السعودية تتطوّر الآن في اتجاه تصاعدي. وثمة إمكانات كبيرة لتطوّر العلاقات التجارية والاستثمارية.
يشهد إجمالي التجارة الخارجية بين روسيا والمملكة العربية السعودية تزايداً مطرداً. وقد بلغت915.2 مليون دولار في سنة 2017 وفقاً لدائرة الجمارك الاتحادية في الاتحاد الروسي، أي بزيادة بنسبة 86% مقارنةً بسنة 2016. وفي الوقت نفسه، طرأت زيادة كبيرة على الصادرات الروسية إلى المملكة العربية السعودية بلغت 119.6%. واستأثرت المنتجات الغذائية والمواد الخام الزراعية والمنتجات المعدنية بمجمل هيكل الصادرات، في حين تغلب منتجات الصناعة الكيميائية على هيكل الواردات.
في سنة 2015، أعلن صندوق الثروة السيادية السعودي وصندوق الاستثمارات العامة عزمهما استثمار 10 مليارات دولار أمريكي في الاقتصاد الروسي من خلال الشراكة مع صندوق الاستثمارات المباشرة الروسي. واعتباراً من نوفمبر(تشرين الثاني) 2017، استثمر الصندوق الروسي وصندوق الاستثمارات العامة في تسعة مشاريع مشتركة تزيد قيمتها على مليار دولار، وخضع أكثر من 25 مشروعاً للدراسة في إطار هذه الشراكة الاستراتيجية. واستثمر الصندوقان في مجالات مثل البتروكيمياء والطاقة والبنية التحتية للنقل وتجارة التجزئة. وتجاوزت قيمة الاستثمارات السعودية في مشاريع بروسيا ملياري دولار اعتباراً من فبراير(شباط) 2018. وما زال التعاون بين هذيت الصندوقين مستمراً.
في المنتدى الاقتصادي الذي عقد في الرياض في أكتوبر(تشرين الأول) 2018، أي مبادرة مستقبل الاستثمار، وحضره كبار الخبراء وممثلون عن الحكومات والشركات من كل أنحاء العالم (شارك في هذا الحدث أكثر من 3500 شخص من 88 بلداً)، نوقشت تحديات الاقتصاد العالمي الحالية، والاتجاهات الحالية في مجال الأعمال والتكنولوجيا والاستثمار، وأبرمت اتفاقات ذات صلة. ووقّعت في هذا المؤتمر اتفاقات تفوق قيمتها 60 مليار دولار. ومثّل الوفدَ الروسي في المنتدى ثلاثون من كبار روّاد الأعمال ومديري الشركات الروسية الكبرى، بالإضافة إلى الشخصيات العامة. ومن بينهم رئيس مجلس إدارة بنك في تي بي أندريه كوستين، والمالك المشارك لشركة سافمار هولدنغ، ميخائيل غوتسيريف، ورئيس شركة آلروسا سيرجي إيفانوف، رئيس مجلس إدارة شركة سيبور دمتري كونوف وغيرهم.
وفي اليوم الأول للمنتدى، التقى ولي العهد محمد بن سلمان مع رئيس صندوق الاستثمارات المباشرة الروسي كيريل دميترييف. وناقش الجانبان التعاون الثنائي في مجال الاستثمار، بالإضافة إلى عدد من القضايا الاقتصادية. وبعد ذلك، اجتمع سمو الأمير برجال الأعمال الروس ودعاهم للمشاركة في البرامج الاستراتيجية لرؤية 2030. وأشار رئيس صندوق الاستثمارات المباشرة الروسي كيريل دميترييف في مقابلة مع محطة روسيا اليوم، إلى إن ولي العهد عبّر عن رأيه بأن “روسيا تمتلك الخبرة والتقنيات الفريدة التي ستساعد المملكة العربية السعودية في تنفيذ هذه الرؤية الطموحة”.
ماذا إلى جانب الطاقة؟
تعدّ قطاعات النفط والغاز والزراعة أكثر مجالات التعاون التجاري والاقتصادي ديناميكية بين المملكة العربية السعودية وروسيا. مع ذلك، فإن وجهات نظر البلدين بشأن التعاون الثنائي أوسع نطاقًا بكثير.
في أكتوبر (تشرين الأول) 2002، أنشئت اللجنة الحكومية الروسية السعودية المشتركة للتعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والتقني. وثمة تطوّر في التعاون في التنقيب المشترك عن حقول النفط والغاز في روسيا والمملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى إنتاج معدات النفط والغاز، وتطوير التقنيات الحديثة وإدخاله افي مجال إنتاج النفط والغاز، وتدريب العاملين في قطاع الوقود والطاقة السعودي.
ولا ينسى الشركاء “الخبز اليومي”: فقد تقرّر توثيق منتجات اللحم الحلال والبدء بتسليمه للمملكة العربية السعودية.
في أكتوبر (تشرين الأول) 2017، وقّعت روسيا والمملكة العربية السعودية برنامج التعاون في مجال الطاقة النووية السلمية. ووفقاً للوثيقة، يعتزم الطرفان التعاون في استخدام المفاعلات النووية الصغيرة والمتوسطة الحجم لتوليد الطاقة وتحلية مياه البحر.
وفي ديسمبر (كانون الاول) 2017، وقّعت الوكالة الاتحادية للطاقة الذرية (روساتوم) على خريطة طريق مع مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجدّدة في السعودية. ويخطّط الطرفان العمل المشترك في مجال تدريب العاملين في البرنامج النووي الوطني السعودي وتطوير البنية التحتية النووية. ويدرس البلدان إنشاء مركز للعلوم والتكنولوجيا النووية على أراضي المملكة على أساس مفاعل بحوث روسي التصميم.
وثمة تطوّر في التعاون التقني العسكري أيضاً. ففي سنة 2017، تم التوصّل إلى اتفاق بشأن توريد أنظمة القذائف الروسية المضادّة للطائرات إس 400. وقد وقّعت المذكرة ذات الصلة في أكتوبر (تشرين الأول) 2017 بين شركة روسوبورون إكسبورت والشركة السعودية للصناعات الدفاعية بشأن شراء وتوطين الإنتاج العسكري بالإضافى عقد ينص على الشروط والأحكام العامة لترتيب الإنتاج المرخص لبنادق كلاشنكوف إيه كيه 103 الهجومية ومختلف الذخائر في المملكة العربية السعودية.
وتتطوّر العلاقات الإنسانية بين الاتحاد الروسي والمملكة العربية السعودية، وتشمل المنظمات الإسلامية. وقد بدأت بعثة الحج الروسية بتقديم المساعدة للحجاج الروس منذ سنة 2002.
في أغسطس (آب) 2018، زار رمضان قديروف المملكة العربية السعودية. وأوضح الرئيس الشيشاني على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فكونتاكتي أنه سافر إلى مدينة جدة. “وقد تكرّم أمير منطقة جدة، الأمير مشعل بن ماجد بن عبد العزيز آل سعود، باستقبالي في مطار جدة الدولي. وتوجّهت من المطار إلى مكة لأداء شعائر الحج”. وأشار قديروف أيضاً إلى أنمن المقرّر في برنامج إقامته في المملكة العربية السعودية أن يلتقي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وولي العهد محمد بن سلمان.
وفي إطار برنامج تنمية السياحة، تقوم المملكة العربية السعودية الآن بإصدار تأشيرات سياحية لمدة 30 يوماً اعتباراً من أبريل (نيسان) 2018، بما في ذلك تأشيرات للنساء من دون محرم اللاتي يتجاوزن الخامسة والعشرين. وكان الراغبون في دخول المملكة في السابق يمنحون تأشيرات للعمل والزيارة العائلية فقط، بالإضافة إلى تأشيرات الحجاج المسلمين لأداء فريضة الحج في الأماكن المقدّسة في مكة المكرمة والمدينة المنوّرة. أما الآن فقد أصبح كل شيء أسهل. وقد أعلنت الخطوط الجوية السعودية، منذ يونيو(حزيران* 2018، عن تسيير رحلات مباشرة منتظمة إلى موسكو.
مواد من أخبار وكالة ريا نيوز https://ria.ru
روسيا عائدة: السياسة الروسية والسعودية في الشرق الأوسط
ستتمكّن روسيا عما قريب من الحلول محلّ الولايات المتحدة بوصفها الطرف الفاعل الرئيسي في الشرق الأوسط، كما كتبت المجلّة التحليلية الأمريكية “ذا ناشيونال إنترست”.
في ما يلي المنطق وراء ذلك. بعد أربعين عاماً من تمكّن الولايات المتحدة من أن تصبح قوة رئيسية في المنطقة وطرد الاتحاد السوفياتي من الشرق الأوسط، تستعيد روسيا الأرض التي خسرتها. فقد بدأت عملية الحفض الجزئي للمشاركة الأمريكية في التعقيدات السياسية في المنطقة في عهد باراك أوباما، وازدادت كثافة في عهد دونالد ترمب. وإذا استمر هذا الاتجاه، فإن الطرف الفاعل الرئيسي في المنطقة سيصبح روسيا، كما تلاحظ المجلّة.
يتعاظم نفوذ روسيا في كل أنحاء المنطقة، من المغرب إلى إيران. وقد نتجت هذه التغيّرات، وفقاً لمجلة “ذا ناشيونال إنترست”، عن المزيج الماهر لدبلوماسيتها الذكية، بالإضافة إلى بيع الأسلحة والتكنولوجيا النووية. ووفقاً للخبراء، فإن روسيا باعت لدول الخليج العربي فحسب أسلحة بقيمة 1.3 مليار دولار بين سنتي 2000 و2014. وتعتقد المجلة أن هذا النهج إرث من مخلّفات رئاسة باراك أوباما إلى حد كبير. على سبيل المثال، اكتسب امتناع الولايات المتحدة عن تقديم الدعم لنظام حسني مبارك أهمية شديدة في مصر. وأدى ذلك إلى تزايد تعاون هذا البلد مع روسيا، بعد أن كان منذ فترة طويلة حجر الزاوية للولايات المتحدة في المنطقة، كما أكّد الكاتب.
وتشير المجلة إلى التغيّرات التي طرأت على الصلات بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة. فلم تعد صيغة “الأمن مقابل النفط”، التي بدت راسخة في السابق، تقوم بالدور نفسه في العلاقات بين الرياض وواشنطن. وأتاحت زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود إلى روسيا في سنة 2017 التوصل إلى اتفاقات مهمة بشأن التزوّد بأنظمة القذائف المضادة للطائرات إس 400 والتعاون في مجال الطاقة النووية. ويوضح الوضع في سوريا عودة روسيا إلى الشرق الأوسط. ويرى الكاتب أن عمليات القوات الجوية الروسية كانت ذات تقييم عسكري مرتفع، ويلفت النظر إلى أن سربين شاركا فيها فحسب. في الوقت نفسه، تبدو آفاق التعاون على المدى الطويل بين موسكو ودمشق واضحة. وهي تسمح لروسيا أيضاً بالتأثير في عدد من القضايا الإقليمية: التوازنات الإقليمية، والحرب على داعش، والصراع الإيراني الإسرائيلي.
تشير المجلة إلى تزايد تعاون تركيا، معقل حلف شمال الأطلسي في المنطقة، مع روسيا في مجال إمدادات الأسلحة. ويسعى عدد متزايد من الدول في الشرق الأوسط لشراء الأسلحة الروسية. وإلى جانب ذلك، تمكّنت روسيا من تطوير العلاقات مع إسرائيل. ويخلص الكاتب أن العالم الدبلوماسي، مثله مثل الطبيعة، لا يطيق الفراغ، وأن روسيا تشغل المكان الذي أخلته الولايات المتحدة. مع ذلك، فإن من غير المتعذّر التراجع عن هذه العملية، كما تؤكّد المجلة: على الحكومة الأمريكية التوصّل استراتيجية واضحة تجاه سوريا، وتحديد السياسة تجاه إيران، والحرص على المحافظة على تحالف وثيق مع إسرائيل، والمساهمة قدر الإمكان في حل المشكلة الفلسطينية.
وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في مؤتمر صحفي عقب الاجتماع وزير الخارجية السعودي عادل الجبير (في أواخر أغسطس (آب) 2018)، “اتفقنا على تعزيز العلاقات الثنائية في كل المجالات وفقا للاتفاقات التي تم التوصل إليها بين قادتنا خلال زيارة الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز إلى روسيا في أكتوبر (تشرين الأول) 2017”.وهذه المجالات واسعة النطاق. على سبيل المثال، أقرّت الحكومة السعودية، التي ترأس اجتماعها ولي العهد، اتفاقاً مع الاتحاد الروسي بشأن التعاون في استكشاف الفضاء واستخداماته السلمية. فثمة اهتمام متزايد وتنافس متصاعد في هذا المجال. وتجدر الإشارة على وجه الخصوص إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة أعلنت بالفعل اسمي أول رائدي فضاء لديها، وهما يخضعان حالياً لدورة تدريبية في مركز التدريب في ستار سيتي. وأجرت البحرين محادثات مع روسيا بشأن التعاون في إعداد رواد فضاء وإرسالهم إلى مدار حول الأرض، واستكملت منافسة وطنية لاختيار مرشحين لأول فريق فضائي.
للمملكة العربية السعودية موقف قوي في قطاع الاستثمار والطاقة بالتعاون مع روسيا. ومن أهم النتائج التي حققها مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار المنعقد في الرياض في أكتوبر (تشرين الأول) (2018) اتفاق لتوسيع صندوق الاستثمار الروسي الصيني. فقد أعلن صندوق الاستثمارات المباشرة الروسي عن خطط لجذب شريك جديد يمثله صندوق الثروة السيادية السعودي وصندوق الاستثمارات العامة. ووفقاً للاتفاقات التي تم التوصل إليها، تعتزم المملكة استثمار 500 مليون دولار في هذه الشراكة الثلاثية. ونتيجة لذلك، سيبلغ حجم الصندوق الروسي الصيني السعودي الجديد 2.5 مليار دولار. وقال كيريل دميترييف، رئيس صندوق الاستثمارات المباشرة الروسي، “إن الاتفاقات الأخيرة مع الشركاء السعوديين تدفع صندوق الاستثمار الروسي الصيني إلى المستوى العالمي: ثلاثة صناديق سيادية رائدة توحّد قواها للتنفيذ المتبادل للمشاريع الاستثمارية. وسيسمح هذا المخطط للشركات في محفظة الصندوق بالحصول على الدعم في العديد من الأسواق الرئيسية دفعة واحدة”.
وفي حوار مع الصحفيين، تحدث دميترييف أيضا عن اعتزام السكك الحديدية الروسية تقديم طلب لإنشاء سكة حديدية في المملكة العربية السعودية. وفي الوقت نفسه، يبدي صندوق الاستثمارات المباشرة الروسي اهتماماً بخصخصة أصول البنية التحتية الزراعية في المملكة. وأشار دمترييف إلى “القطاع الزراعي، والتكنولوجيا بطبيعة الحال. الذكاء الاصطناعي، وعلم الوراثة، واستخدام الروبورتات، والعديد من القطاعات الأخرى: روسيا من الروّاد في هذه المجالات. ونحن نعتقد أن قطاعات البنية التحتية والتكنولوجيا والزراعة هي المجالات التي يمكننا أن ننجز فيها الكثير معاً. ووفقاً لما ذكره أيضاً، تجرى حالياً مناقشات لتحديد موقع منشآت الأدوية الروسية في المملكة العربية السعودية. لكن ذلك ليس كل شيء.
يعتقد رئيس صندوق الاستثمارات المباشرة الروسي أن المملكة العربية السعودية مستعدة لاستثمار نحو 5 مليارات دولار في مشروع “الغاز الطبيعي المسال في القطب الشمالي”. وتحدّث وزير الطاقة السعودي خالد الفالح بدوره في مقابلة مع وكالة تاس للأنباء عن الرغبة في أن تصبح المملكة ثاني أكبر مستثمر في المشروع. وقال، “لقد حدّدنا اهتمامنا. ويتعيّن علينا الآن التفاوض على الشروط مع نوفاتك. نحن لا نريد أن ندخل المشروع فحسب، وإنما أن ندخل بحصة كبيرة. ونأمل أن تقبل شروطنا”. وقال وزير الطاقة السعودي لقناة الإخبارية الحكومية إن الرياض تطالب بـ 30% من مشروع الغاز الطبيعي المسال في القطب الشمالي، وهو مشروع نوفاتك الثاني لتسييل الغاز في القطب الشمالي.
وتجدر الإشارة إلى أنه لا يمكنك تجنّب المنافسة حتى في هذا المجال. فبالإضافة إلى المملكة العربية السعودية، أبدت الصين واليابان اهتماماً بالغاز الطبيعي المسال في القطب الشمالي. لكن المملكة تستطيع أن تتجاوز المنافسين حتماً. ويعتبر الخبراء الدوليون أن مشاريع يامال لتسييل الغاز من أكثر المشاريع نجاحاً في العالم. ويقول المحلّلون، إذا لم يستطع مشروع يامال لتسييل الغاز الطبيعي منافسة الغاز المسال القطري، فإنه سيتنافس بحرّية مع الولايات المتحدة. على سبيل المثال، ينتظر أن يبلغ إجمالي الإنتاج السنوي لمشروع يامال للغاز الطبيعي المسال المكوّن من ثلاث مراحل نحو 16.5 ملايين طن من الغاز الطبيعي المسال (أي نحو 23 مليار متر مكعب). ويتعاقد على القسم الأكبر من الغاز المشاركون في مشروع يامال: نوفاتك (50.1% من المشروع)، وتوتال الفرنسية (20%) و سي إن بي سي الصينية (20%). بالإضافة إلى ذلك، ستشتري غاز بروم وشركة الغاز الطبيعي الإسباني فينوسا 2.5 مليون طن سنوياً.
إن مبادرة الاستثمار في المستقبل هي أيضاً جزء من مجال إنساني واسع، يشكّل التبادل الثقافي أحد مكوّناته المهمّة. وقد أنجز صندوق الاستثمارات المباشرة الروسي إلى جانب المتحف الروسي الخطوة الأولى فيه بتنظيم معرض في الرياض لأعمال كبار الفنانين الروس في القرن العشرين.
موسكو والرياض وسوق النفط العالمي
تعتقد المملكة العربية السعودية أن ارتفاع سعر نفط برنت فوق 80 دولاراً للبرميل ممكن على المدى القصير بسبب عواقب العقوبات الأمريكية على إيران، كما أفادت بلومبرغ (17 سبتمبر (أيلول) 2018). وقبل ذلك بيوم واحد، ناقش وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك ونظيره السعودي، خالد الفالح، الوضع الحالي للسوق والتعاون الثنائي في اجتماع في موسكو. وأكّدا عزمهما على مواصلة العمل على بنية تفاعلية على المدى الطويل داخل أوبك والبلدان غير الأعضاء في أوبك (أوبك +)
ووفقا لوزارة الطاقة، “عقد وزيرا الطاقة في الروسي والسعودي اجتماع عمل. ولوحظ وجود مستوى جيد من ديناميات التفاعل في مسألة الطاقة والمسائل الصناعية”. وتجدر الإشارة إلىأن الطرفين ناقشا أيضاً مشكلات العرض والطلب مع التشديد على اتجاهات الاقتصاد الكلّي والسيناريوهات المحتملة لتطوّر الوضع على المدى المتوسط. وجرى التأكيد على الالتزام بضمان الاستقرار في السوق و”الاستعداد للاستجابة بسرعة للتغيّرات في ظروف السوق حرصاً على الاستقرار في كل الظروف”. وأعاد الطرفان التأكيد على نيتهما مواصلة النشاط بنية تفاعلية على المدى الطويل في إطار عمليات مجموعة أوبك والبلدان غير الأعضاء في أوبك” لضمان القدرة على التنبّؤ واستقرار مصالح كل المشاركين في السوق، سواء أكانوا من المنتجين أو المستهلكين.
وأفادت وكالة أنباء ريا نوفوستي، عشية هذا الاجتماع، أن وزير الطاقة السعودي ومسؤولين آخرين ناقشوا مشكلات مماثلة مع المستثمرين والتجار وغيرهم من المشاركين في السوق في لندن وهيوستن وواشنطن. وأعربت المملكة العربية السعودية خلال المحادثات عن مواقفها حيال الوضع في الأسواق الناشئة ومستوى الطلب على النفط بعد العقوبات الأمريكية على إيران.
ولنتذكّر أن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أعلن في 8 مايو(أيار) 2018 أن واشنطن ستنسحب من اتفاق حول البرنامج النووي مع إيران، كما أعلن عن إعادة فرض كل العقوبات السابقة، بما في ذلك العقوبات الثانوية، أي ضد الدول الأخرى التي تتعامل مع إيران. وعارض أعضاء الدول “الست” الباقون اتخاذ إجراءات مماثلة لتلك التي اتخذتها الولايات المتحدة. وقال شركاء واشنطن الأوروبيين إنهم يعتزمون الاستمرار في الالتزام بشروط الاتفاق مع إيران.
ويرى خبراء من “فاينانشيال تايمز” أن التعاون بين روسيا والمملكة العربية السعودية يؤثر على سوق النفط العالمي، وأن علاقتهما تعيد تشكيل الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط. وتعتقد “فاينانشال تايمز” أن “موسكو، التي فرضت عليها عقوبات دولية، بحاجة إلى أصدقاء ومستثمرين جدد، والرياض بحاجة إلى شريك قوي لرفع أسعار النفط”.
وأشارت الصحيفة إلى رأي خبير روسي شهير: “هذه العلاقة مفيدة جداً. لقد كانت لدينا الموارد دائماً، والآن تتيح لنا هذه الصداقة المساهمة في تصحيح الأسعار العالمية. وأصبح لدينا بعض السيطرة. إما أن نستخرج كمية أقل من النفط بسعر أعلى، وإما أن نستخرج المزيد بسعر منخفض. وسنربح في كلتا الحالتين”. وأضافت الصحيفة أنه في الوقت نفسه، “يعني ارتفاع أسعار النفط أن علينا التخلي عن جزء من حصتنا في السوق إلى منتجي نفط آخرين. والمملكة العربية السعودية تقدّم هذه التضحيات طواعية، لأنها بحاجة إلى 70 دولاراً للبرميل لتتوازن موازنتها، بينما تصل موسكو إلى نقطة التعادل عند 40 دولاراً للبرميل الواحد”.
وتشير الفايننشال تايمز إلى أن التقارب التكتيكي الحالي لأهداف المملكة العربية السعودية وروسيا يفوق التباعد الاستراتيجي. فبوتين يريد الحفاظ على موقع روسيا الجيوسياسي المواتي، أي القوة الخارجية الكبيرة الوحيدة في الشرق الأوسط التي لها علاقات عمل جيدة مع جميع الجهات الإقليمية الفاعلة”. كما تسعى موسكو والرياض الآن إلى توثيق العلاقات بينهما.
في غضون ذلك تشتدّ المنافسة. فوفقاً للمبادرة المشتركة المتعلّقة ببيانات النفط، احتلت الولايات المتحدة، في شهر مارس(آذار)، المرتبة الأولى في إنتاج النفط، متجاوزة روسيا. وحلّت المملكة العربية السعودية في المركز الثالث. ولم يتغيّر الاستخراج في روسيا، وفقاً للمبادرة، مقارنة بشهر فبراير(شباط). أما في الولايات المتحدة فإنه ارتفع بنسبة 1.6%، وتراجع بنسبة 0.28% في المملكة العربية السعودية. غير أن الفجوة بين المتنافسين الرئيسيتين تظل صغيرة من ناحية التصدير، لكن من الواضح أن الولايات المتحدة تلحق بالمنافسين.
هناك عوامل موضوعية أخرى تؤثر في السوق. لذلك خفّضت وكالة الطاقة الدولية في مايو(أيار) توقّعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط في عام 2018 بمقدار 0.1 مليون برميل في اليوم. ويقول ألكسندر نوفاك، وزير الطاقة الروسي، “سيبلغ سعر النفط نحو 50 دولاراً للبرميل على المدى الطويل. وذلك يعني أن الوضع الحالي الذي ارتفعت فيه الأسعار إلى ما بين 70 و80 دولاراً ذو طبيعة مؤقتة تنتهز الفرصة، إلى جانب أمور أخرى”. وفي الوقت نفسه، وفقاً لشركة بريتيش بتروليوم، ستنخفض تكلفة إنتاج النفط 30% في المتوسّط بحلول سنة 2050 بفضل تطوّر التكنولوجيا، في حين سترتفع الاحتياطيات المؤكدة بمقدار تريليون برميل. وستسمح الحلول الجديدة بتطوير الموارد التي لم يطلبها أحد من قبل، كما حدث بالفعل مع ثورة النفط والغاز الصخري في الولايات المتحدة.
ثمة وقت للمناورة لدى روسيا والمملكة العربية السعودية، وذلك لتجنّب تفويت فوائد السياسة المنسّقة في سوق النفط العالمية، ولتكثيف التفاعل الاقتصادي في اتجاهات بديلة.
تستطيع أوبك + (لجنة مراقبة الاتفاق، ولجنة المتابعة المشتركة بين الدول الأعضاء في أوبك والدول غير الأعضاء في أوبك، التي تضمّ إلى جانب الاتحاد الروسي والمملكة العربية السعودية، الكويت وفنزويلا وعمان على وجه الخصوص) عرض مشاريع واسعة النطاق على شركات النفط التي تمثّل الدول المشاركة. وقد أعلن عن ذلك وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك في اجتماع مع وزير الطاقة السعودي خالد الفالح. ويهمّ روسيا أن تستمر لجنة المتابعة الوزارية المشتركة، التي نوّهت بفعاليتها، في العمل وتكون مستعدة لمناقشة توسيع وظائفها من حيث تبادل المعلومات عن حالة أسواق النفط. وستساعد المشاريع المشتركة في تبادل الخبرات والتقنيات وتسمح باجتذاب الموارد المالية.
إن شبه الجزيرة العربية غنية جداً بالنفط. واستخراجه غير مكلف للمملكة العربية السعودية، إذ يبلغ نحو 10 دولارات للبرميل. أما في الولايات المتحدة، فإن الاحتياطيات أقل وفرة، ونوعية الرواسب هناك مهجورة، وتُستثمر مبالغ طائلة من الأموال في تطوير مشتقّات الهيدروكربونات الصخرية. وتقوم روسيا بعمل مكثّف لتطوير حقول كبيرة في غرب سيبيريا. والنفط هناك ليس أسوأ هناك من نفط الخليج العربي، وإنما أكثر تكلفة. ولكن بعد 19 سنة (حدّد الخبراء السعوديون الموعد النهائي لخروج روسيا من قائمة أكبر منتجي النفط)، يمكن أن تنتهي الاحتياطيات الوحيدة من النفط المنخفض اللزوجة الذي يمكن استخلاصه بسهولة من البلاد، وهو النفط المكتشف في العصر السوفييتي، حسبما قال الأكاديمي أناتولي دميتريفسكي، الباحث البارز في معهد مشكلات النفط والغاز التابع للأكاديمية الروسية للعلوم. بالإضافة إلى ذلك، لم يستكشف في غرب سيبيريا إلا 44% من إجمالي الموارد الأولية، و4.6% فقط من بحار الجرف القارّي الروسي. ويعتقد العلماء أن الاحتياطيات يمكن أن ترتفع بتفعيل الدراسات في باطن الأرض.
أوبك +
توصلت أوبك ومجموعة من الدول الأخرى غير الأعضاء فيها (أوبك +) إلى اتفاق في فيينا في نهاية سنة 2016 بشأن خفض إنتاجها النفطي منذ سنة 2017 بمقدار 1.8 مليون برميل في اليوم. وقد مدّد هذا الاتفاق مرتين، وتستمرّ المرة الأخيرة حتى نهاية سنة 2018. في نهاية يونيو (حزيران)، وافقت أوبك + على هدف تجنّب الإفراط في الوفاء بالاتفاق. وأوضح وزيرا الطاقة الروسي والسعودي أن ذلك سيعني من الناحية العملية زيادة في الإنتاج بمقدار مليون برميل يومياً، بما في ذلك إنتاج روسيا – بمقدار 200 ألف.
وترصد لجنة المتابعة الوزارية ولجنة الخبراء الفنيين تنفيذ ذلك الاتفاق وترفع توصيات لتعديله.
ووفقاً لوكالة أخبار تاس (7 نوفمبر (تشرين الثاني) 2018)، بدأت روسيا والمملكة العربية السعودية مشاورات ثنائية بشأن العودة إلى خفض إنتاج النفط في سنة 2019. وجاءت فكرة خفض الإنتاج من المملكة العربية السعودية.
وفقاً لوزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، فإن الوضع الحالي للسوق “حسن التوازن”، على الرغم من نفاذ العقوبات الأمريكية على إيران. وقد بدأ العمل بالعقوبات الأمريكية الجديدة على إيران منذ 5 نوفمبر (تشرين الثاني)، وتنطوي على فرض حظر على المعاملات مع قطاع النفط والغاز الإيراني واستيراد النفط الإيراني. غير أن السلطات الأمريكية منحت إعفاءات مؤقتة لعدة بلدان لشراء النفط من إيران، ومن بينها الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية وإيطاليا واليونان وتايوان.
روسيا: حالة الأصول في باطن الأرض
يشكّل الغاز الطبيعي، إلى جانب النفط، أكبر مورد جوفي يحظى بطلب ثابت، وينشط استخراجه في روسيا. وتحتل روسيا المرتبة الأولى في العالم في احتياطيات “الوقود الأزرق”، والمركز الثاني في إنتاجه بعد الولايات المتحدة. ويتركز ثلثا موارد الغاز في حوض غرب سيبيريا الذي طُوّر بنسبة 37 % فقط. وهناك آفاق كبيرة في شرق سيبيريا، التي ستربط بخط أنابيب الغاز الجديد مع الصين في سنة 2019. وبعد ذلك يعتزم البدء بتطوير أكبر المكامن في منطقتي ياكوتيا وإيركوتسك.
وتفخر روسيا بالمركز الثالث في احتياطيات النيكل بعد إندونيسيا وأستراليا، والمركز الثاني في الإنتاج بعد الفلبين. ويوجد 82% من الخامات التي تحتوي على النيكل في تايمير وشبه جزيرة كولا وكاريليا. وليس هناك معلومات معلنة عن إجمالي احتياطيات هذا المعدن. مع ذلك، من المعروف أن شركة “نوريلسك نيكل” تزوّد بالموادّ الخامّ لمدّة 50 سنة. ولا يطوّر حالياً في البلاد إلا 58% من احتياطيات النيكل المدرجة في الميزانية العمومية للدولة.
لا تزال روسيا تشغل المرتبة الثالثة في العالم في احتياطيات الذهب (بعد جنوب أفريقيا وكندا)، وفي الإنتاج (بعد الصين وأستراليا). وقد سُجّل الرقم القياسي في تعدين هذا الفلزّ الثمين في سنة 2017 وفقاً لاتحاد منتجي الذهب في روسيا، باستخراج 280,68 طن. وتستغلّ موارد الذهب بفاعلية كبيرة، إذ إن 87% من كل الاحتياطيات ملائمة للتنقيب والتطوير وموزّعة على شركات التعدين. وهذه النسبة هي الأكبر للذهب مقارنة بالاحتياطيات الأخرى، إذ تبلغ 55 % لخامات الحديد، و17% فقط للفحم.
في مؤتمر مستقبل الاستثمار في أكتوبر (تشرين الأول)، أبرمت شركة النفط السعودية أرامكو اتفاقات مع 15 شريكاً دولياً بقيمة تتجاوز 34 مليار دولار. ونحن نتحدّث عن استثمارات في البنية التحتية والنفط والغاز وقطاعات أخرى في الاقتصاد. وكان من بين المتعاقدين: شركة التبادل عبر الوطنية السنغافورية ترافيغورا، وشركة توتال الفرنسية العملاقة للطاقة، وشركة هيونداي الكورية الجنوبية لصناعة السيارات، وشركة نوريكو الصينية التي تمتلكها الحكومة، وشلُمبرغر، أكبر شركة لخدمات حقول النفط ، وشركة هاليبرتون الأمريكية عبر الوطنية، وبيكر هيوز، ثالث أكبر شركة لخدمات النفط والغاز في العالم.
ووقع الفرع السويسري لشركة ترافيغورا اتفاق شراكة بمليارات الدولارات مع شركة التعدين الحديثة القابضة. ومن بين المشاريع المشتركة إنشاء مجمّع تعديني لمعالجة النحاس والزنك وخامات الرصاص في مدينة رأس الخير. وسيكون هذا المشروع جزءاً من برنامج رؤية 2030، الذي يهدف إلى تقليل اعتماد المملكة على النفط، وتنويع الاقتصاد، وتطوير الرعاية الصحية، والتعليم، والبنية التحتية، والترفيه والسياحة.
مع ذلك، يقول ولي العهد السعودي محمد بن سلمان آل سعود إن الطلب على النفط سيرتفع حتى سنة 2030، بزيادة 1 إلى 1.5% سنوياً. “ولا نعتقد أن هناك أي خطر على المملكة العربية السعودية في هذا المجال. اليوم، لا أحد يتحدّث عن الطائرات التي تطير على الكهرباء، أو عن السفن التي تبحر في البحر على الكهرباء. أضف إلى ذلك الطلب من صناعة البتروكيماويات وآفاق صناعة البتروكيماويات بعد 10 إلى 30 سنة.
المصلحة المتبادلة
في مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار (أكتوبر (تشرين الأول) 2018) في الرياض، دعا ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان رجال الأعمال الروس إلى المشاركة في تنفيذ برنامج الإصلاحي رؤية المملكة 2030. وهو يرى أن لروسيا تجربة وتقنيات فريدة تساعد المملكة العربية السعودية في تنفيذ هذا المشروع الطموح.
وتتطابق الآراء في موسكو والرياض بشأن التعاون الثنائي تطابقاً مطلقاً، ولا يقتصر ذلك على الأعمال فحسب.
“من دون مبالغة، وقع حدث بارز في روسيا اليوم”. هكذا قال فلاديمير بوتين عن زيارة الملك السعودي إلى بلادنا – كما أشار تقرير في القناة الأولى للتلفزيون الروسي في 5 أكتوبر (تشرين الأول) 2017. “لقد وصل العاهل السعودي في زيارة دولة لأول مرة في تاريخ علاقاتنا الثنائية. وإذا قلنا إن وفداً تمثيلياً كبيراً وصل إلى موسكو فإن ذلك لا يعني شيئاً، إذ وصل أكثر من ألف شخص”. واختار القادة لمراسم الاجتماع واحدة من أكثر قاعات قصر الكرملن المنيف مهابة – قاعة أندريفسكي. ورحّب فلاديمير بوتين وسلمان بن عبد العزيز آل سعود أحدهما بالآخر بحرارة. وأكّد بوتين “أن لعلاقتنا تاريخاً مديداً. ففي سنة 1926، كان بلدنا، الاتحاد السوفياتي في ذلك الوقت، أول دولة تعترف بالمملكة الجديدة التي أنشأها والدك عبد العزيز بن سعود. ونحن الآن سعداء جداً لاستقبالك هنا يا صاحب الجلالة. إنني على يقين من أن زيارتك ستعطي دفعة جيدة لتطوير العلاقات بين بلدينا”. ورداً على ذلك، قال الملك سلمان بن عبد العزيز، “شكراً لاستقبالك لنا. نحن سعداء لوجودنا في بلدك الصديق. ونسعى لتعزيز علاقاتنا الثنائية لمصلحة السلام والأمن، ومصلحة تنمية الاقتصاد العالمي”.
كان الحدث القادم يناقش بقوّة في الصحافة الغربية حتى قبل الزيارة. فوصف الصحفيون في وكالة بلومبرغ فلاديمير بوتين بأنه “المالك الجديد” للشرق الأوسط: أمريكا تفقد نفوذها في المنطقة، بينما يتزايد نفوذ روسيا. ولذلك، وفقا لمحللين من الوكالة، فإن كل قادة دول الشرق الأوسط تقريبا أخذوا “يسلكون الطريق إلى الكرملين”، الذي يدير حوارًا مع كل الأطراف الفاعلة في المنطقة، بما في ذلك الدول المتعارضة.
وكما قال العاهل السعودي، فإن العلاقات بين موسكو والرياض “تتميّز بتوافق وجهات النظر حول العديد من المشكلات الإقليمية والدولية… ويستمر التنسيق في كل ما يسهم في أمن وازدهار دولتينا، وكل ما يخدم قضية السلام والأمن الدوليين. إننا نسعى جاهدين لمواصلة التعاون الإيجابي بين بلدينا لتحقيق الاستقرار في أسواق النفط العالمية ما يسهم في نمو الاقتصاد العالمي. وهناك فرص كبيرة لتوسيع التعاون الاقتصادي وتنويعه”. ودعا العاهل السعودي إلى بذل المزيد من الجهود لمكافحة التطرّف والإرهاب ومصادر تمويله. وقال، “إن المملكة دعت إلى إنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب تحت إشراف منظمة الأمم المتحدة، وخصصت 110 ملايين دولار لتمويل هذا المركز”.
وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بعد المحادثات، “كانت محادثات ودية وشاملة تستند إلى رغبة موسكو والرياض المشتركة في زيادة التعاون الذي يعود بالنفع المتبادل في جميع المجالات”. وخلص زميله، وزير الخارجية السعودي عادل بن أحمد الجبير إلى أن “العلاقات بين البلدين تفتح آفاقا جديدة لم يكن في وسعنا أن نتخيلها في وقت سابق”.
بعد سنة
لاحظت د. نورهان الشيخ، الأستاذة في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، في مقابلة حديثة مع صحيفة الرياض أن العلاقات بين البلدين أعمق بكثير من النفط. وفي نفس الوقت، تحدّد روسيا والمملكة العربية السعودية معاً الأسعار العالمية، ويؤثّر التفاهم المتبادل بين البلدين على استقرار أسواق النفط.
كما كتب عبد الله صادق دحلان في صحيفة عكاظ السعودية، تمتلك روسيا إمكانات هائلة في مختلف المجالات، بما في ذلك العلوم والتكنولوجيا. ولذلك يمكن أن تستفيد المملكة العربية السعودية من مشاريع مشتركة في مجالات مثل الطاقة، والتنقيب الجيولوجي، والتعدين، والصناعة البتروكيماوية، وصناعة الأدوية، والرعاية الصحية، والبنية التحتية، والعقارات، والتقنية، والاتصالات، وبناء ناقلات النفط، وتصنيع الشاحنات، والمعدّات الزراعية. ويضاف إلى ذلك نجاح نظام التعليم الروسي الذي خرّج العلماء المشهورين، وعلماء الذرة والفضاء، وعلماء الصناعة الحربية والطائرات التجارية والحربية والأساطيل البحرية.
في منتدى مستقبل الاستثمار في أكتوبر (تشرين الأول)، وفي سياق اجتماع ولي العهد محمد بن سلمان مع رجال الأعمال الروس، نوقشت إمكانات التعاون الاستثماري لا في روسيا والمملكة العربية السعودية فحسب، وإنما مع الدول الثالثة أيضاً. وقال كيريل دميترييف، رئيس صندوق الاستثمارات المباشرة، “إننا نعتزم في المستقبل القريب الإعلان عن شراكات جديدة تساعد الشركات الروسية في التطوّر بنجاح في الأسواق العالمية”.
وبعد خطط الاستثمار في مشروع نوفاتك لإنتاج الغاز الطبيعي المسال (يمكن أن توفر التمويل شركة النفط الوطنية السعودية أرامكو وشركة البتروكيماويات التابعة للشركة السعودية للصناعات الأساسية)، أعلنت المملكة العربية السعودية إمكانية المشاركة في بناء مصنع للبتروكيماويات في روسيا. ولتنفيذ الخطط المشتركة، تتطلع الرياض إلى التعاون مع شركة سيبور.
وكما رأى رئيس دائرة بحوث الوقود والطاقة في المركز التحليلي التابع لحكومة روسيا الاتحادية، ألكسندر كوردين ، فإن المبادرات المتعلقة بالغاز المسال التي أعلن عنها في المنتدى تتعلّق، في جملة أمور أخرى، بعزم الجانب السعودي على تنويع مصادر محفظته الاستثمارية ، وعدم التركيز على النفط فحسب. وتثيرّ الاستثمارات السعودية في مشاريع الطاقة اهتماماً كبيراً في روسيا أيضاً. ففي ظل ظروف العقوبات الخارجية الخطيرة، يوفّر اجتذاب التمويل الأجنبي تسهيلاً جدياً لتنفيذ مشاريع الطاقة الواسعة النطاق.
وقال ستانيسلاف ميتراهوفيتش، الخبير البارز في مؤسسة أمن الطاقة الوطنية والجامعة المالية التابعة لحكومة الاتحاد الروسي: “نرحب باستثمارات الرياض في قطاع الطاقة الروسي. وأجاب عما سيفضي إليه هذا التعاون: سواء فيما يتصل بالتسويات والمفاهمات بشأن القضايا المتعلقة بإنتاج النفط، أو بدعم سياسة قوية “مشتركة” في الشرق الأوسط”. ويرى أن خطط الرياض مشروطة بعدة أمور: “من جهة، نحن متنافسان في السوق في الواقع. لذا يجب النظر في الاقتراحات التي أعلنها وزير الطاقة السعودي مؤخراً باعتبارها محاولة لتحسين العلاقات مع روسيا. وتكتسب مبادراته الآن أهمية خاصة بسبب السياق السياسي، إذ أن الرياض تبحث عن أصدقاء تستطيع الاعتماد عليهم، وقد تكون روسيا في هذه القائمة”.
يجيب الممارسون عن الأسئلة التي يطرحها المحلّلون: الشركات الروسية والشركاء السعوديون. ففي أعقاب نتائج منتدى سان بطرسبرغ الاقتصادي الدولي، الذي حضره وفد تمثيلي سعودي كبير، أعلنت الهيئة العامة للاستثمار بالمملكة العربية السعودية عن مواصلة الحوار مع الشركات الروسية. ووفقاً لوكيل محافظ الهيئة سلطان المفتي، “إن الإلمام بالإحصاءات والبيانات الخاصة بالصناعات أدّى إلى اهتمام كبير بالاستثمارات، وتم الاتفاق مع ما لا يقل عن 15 شركة روسية لمواصلة الحديث فيما بعد المنتدى”. وأشار إلى أنه تم توقيع عدد من مذكرات التفاهم، وإصدار تراخيص لعدد من الشركات الروسية، بما في ذلك الشركة الاستشارية التي ستساعد المستثمرين الروس في التعرف إلى وضع السوق في المملكة العربية السعودية. وأضاف المفتي، “في ظل رؤية 2030، يوجد العديد من الفرص الاستثمارية في المملكة العربية السعودية في عديد من القطاعات ذات الأولوية بدءا من قطاع البتروكيماويات مروراً بقطاع الصحة والعلوم ومروراً بالقطاعات الصناعية والمعلومات والاتصالات. وفي كل قطاع من هذه القطاعات، يوجد العديد من الشركات الروسية التي تستطيع أن تأتي وتضيف قيمة لاقتصاد المملكة العربية السعودية وتساهم في رحلة التنويع الاقتصادي”. ورأى أن الشركاء السعوديين لاحظوا بالفعل التسارع الكبير الذي يشهده التعاون الاقتصادي بين البلدين، لا سيما في إصدار تراخيص الاستثمار للشركات الروسية. وأضاف المفتي، ” نحن نقوم بعملية إصلاح شاملة وواعدة وعندنا مستهدف لجعل المملكة من أفضل عشرين بيئة استثمارية في حلول عام 2020″.
لقد تحقّق تقدم في هذا المجال: في الربع الأول من سنة 2018، بلغت تجارة روسيا مع المملكة العربية السعودية 208,8 مليون دولار، بزيادة قدرها 68% مقارنة بالفترة نفسها من سنة 2017.
وزير الاتصالات وتقنية المعلومات السعودي، عبد عامر السواحه: “نتطلّع للعمل مع الشركات الروسية”.
أبلغ وزير الاتصالات وتقنية المعلومات السعودي عبد الله عامر السواحة وكالة ريا أن المملكة العربية السعودية تعتبر روسيا لاعباً كبيراً في مجال الأمن السيبراني، وتتطلع للتعاون معها في هذا المجال، وتبحث عن شراكة مع الشركات الروسية لنقل المعرفة والتكنولوجيا في هذا المجال. ” نرى فرصة ممتازة للشراكات والاستثمارات فى مجال البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي”. وشدّد الوزير على أن المملكة العربية السعودية هي السوق “رقم واحد” في مجال تقنية المعلومات والاتصالات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كما أنها تمثل واحدة من أسرع الأسواق نمواً في مجال التقنيات الجديدة.
“إننا نتحرك بسرعة كبيرة وسنصبح المحور التكنولوجي للمنطقة … كيف نرى المستقبل؟ المستقبل بالنسبة لنا يبدو كما يلي: سندخل تحوّلاً في مجال التعليم والرعاية الصحية من ناحية المشاركة والخبرة وإنشاء نظام بيئي على أساس الشراكة الجيدة. ولدينا أمثلة بالفعل على استحداث فرص للتعليم العالي الجودة والرعاية الصحية العالية الجودة بمساعدة تقنيات الاتصالات في مجال الطب والتعليم في المدن والقرى… لدينا بالفعل أمثلة على كيف تساعد البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي في اختيار دورة الإدارة الصحيحة، واتخاذ القرارات الإدارية الصحيحة، وتطوير الاقتصاد. وهذه المجالات تشكّل فرص استثمارية ممتازة للشركات الروسية. فبإمكانهم الانضمام إلينا ومساعدتنا في رحلة التحوّل هذه.
وختم الوزير بالقول، “نحن على قناعة بأننا نعيش الآن في عالم يستفيد فيه من يحسن التعاون على أفضل وجه مع من يستطيعون نقل المعرفة والموهبة والابتكار. ونتطلع إلى التعاون معهم (الشركات الروسية). إنهم شركاء استراتيجيون مهمون بالنسبة إلينا”.
آراء العلماء
عُرض تقرير “روسيا في الشرق الأوسط: انسجام تعدد الأصوات” في نادي فالداي للمناقشة الدولية. وقدّم العرض موظفون في المعهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، والمدير العلمي للمعهد، فيتالي ناومكين، ومدير مركز الدراسات العربية والإسلامية فاسيلي كوزنتسوف، وأيرينا زفيهيلسكايا كبيرة الباحثين في المركز. ولاحظ المؤّلفون التأثير المتنامي للقوى الإقليمية أيضاً، بالنظر إلى ارتفاع مشاركة الأطراف الفاعلة العالمية في شؤون الشرق الأوسط.
ويعدّ مؤلفو التقرير السياسة الروسية في الشرق الأوسط ناجحة. فقد أقامت روسيا علاقات مع دول الخليج ومصر والأردن وأطراف متناقضة: إسرائيل وحزب الله، والحكومة السورية والمعارضة، وتركيا والأكراد، والحكومة في طرابلس ومجلس النواب في طبرق والقبائل في جنوب ليبيا. غير أن هذا النجاح بالتحديد هو الذي يمكن أن يصبح عقبة في وجه الخروج من المنطقة: “إن دول الشرق الأوسط مهتمة كثيراً بوجود روسيا انطلاقاً من اعتباراتها الأنانية في الغالب”. الخلاصة: من الضروري اختيار الأصدقاء.
ازدهار المتحف
قال مدير متحف أرميتاج ميخائيل بيوتروفسكي في مقابلة مع وكالة ريا، “تحدثنا عن المتحف، وتحدث عن ازدهار المتحف في المملكة العربية السعودية، وعن أننا سنتعاون مع المتاحف، ومؤسسات المتحف في المملكة العربية السعودية، وعن القضايا المتعلّقة بالآثار، البعثات المشتركة، والمعارض المشتركة”. وكان يحاوره محمد بن سلمان، ولي عهد السعودي.
التقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ومدير متحف أرميتاج ميخائيل بيوتروفسكي خلال منتدى مستقبل الاستثمار الذي عقد في الرياض (23 إلى 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2018). وقدّم مدير متحف أرميتاج إلى الأمير كتاباً عن الأسلحة الشرقية في مجموعة المتحف. لم يبرز موضوع ازدهار المتحف في الحديث بين اثنين من المثقّفين من الصفر.
ففي إطار المنتدى، قدم صندوق الاستثمار المباشر الروسي، بالاشتراك مع المتحف الروسي، معرضاً لأعمال فنانين روسيين في القرن العشرين، فاسيلي كاندنسكي وبافل فيلونوف. وقد اختيرت خمس لوحات للمعرض: “عُرف أزرق”، و”نهر في الصيف”، و”الخريف” لكاندينسكي؛ و”الانتصار على الخلود”، و”وتشكيلة (تفاح)” لفيلونوف. تقدر قيمة تأمينها بعدة ملايين يورو.
ثمة حاجة إلى بعض الاستطراد الفني هنا.
في صيف سنة 2018 الذي لا ينسى، بعد يومين فقط على محادثات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ومباراة لا تنسى أيضاً بين فريقي البلدين في كرة القدم في افتتاح كأس العالم، أقيم حفل موسيقي لأوركسترا مارينسكي بقيادة فاليري غيرغيف في مدينة الظهران السعودية. وفي الحفل الذي نظمه صندوق الاستثمار المباشر الروسي وشركة أرامكو السعودية، أظهر وزيرا الطاقة في البلدين، ألكسندر نوفاك وخالد الفالح قوة الاتحاد النفطي الروسي السعودي. وبالإضافة إلى وزيري الطاقة، حضر العرض الأول للأوركسترا نائبة رئيس الوزراء أولغا غولوديتس ووزير الإعلام السعودي عواد بن صالح العواد، والمدير العام لصندوق الاستثمار المباشر الروسي كيريل دميترييف، ورئيس شركة أرامكو السعودية أمين الناصر. وافتتحت جولة الأوركسترا أول مسرح في شرق البلاد، في المنطقة الشرقية المناطق في المملكة. وزعمت وسائل الإعلام أن الصحفيين سمعوا من جمهور المشاهدين عبارات مثل “لم نشهد مثل هذا الشيء من قبل، أنتم تصنعون التاريخ”.
ثمة كثير من الأمور التي تحديث الآن لأول مرة في المملكة العربية السعودية. أولى الحفلات الموسيقية العامة، وأول ظهور علني للفنّانين من كلا الجنسين، ولأول مرة يستطيع الرجال والنساء الجلوس في القاعة نفسها. هذا ما حدث بالضبط في حفل الأوركسترا الروسية. ويضع العديد هذه الحفلة الموسيقية على قدم المساواة مع أحداث ثورية أخرى جرت في المملكة العربية السعودية مثل منح المرأة حقّ قيادة السيارات: يمكن قراءة المزيد عن ذلك في هذا العدد من RV.
أصبح كل ذلك ممكناً قبل عام واحد فقط في إطار تنفيذ استراتيجية رؤية 2030، التي حُدّد أنها تسعى إلى تحويل المملكة العربية السعودية إلى دولة حديثة لا تعتمد على صادرات النفط. ويشكّل برنامج “جودة الحياة 2020” واحدة من 12 برنامجاً استراتيجياً. وينطوي على العمل في مجالات مثل البيئة، والصحة، والسياحة، والتعليم، والرياضة، والتغيرات في المجال الاجتماعي، والحفاظ على التراث التاريخي، ونشر الثقافة الحديثة. ويشمل ذلك، من جملة أمور أخرى، افتتاح المكتبات في البلاد، وبناء دور الأوبرا والمسارح العادية، وقاعات السينما الحديثة، وأروقة العروض، والمتاحف. وقد حُسب كل شيء، بما في ذلك عدد العروض التي ينبغي إقامتها كل عام. على سبيل المثال، من المقرر إجراء 8 معارض و55 عرضاً و 110 حفلات لسنة 2018.
موسيقى النفط
لقد أقيمت حفلات لفرق موسيقية أجنبية – يابانية وألمانية – في العاصمة الرياض، وفي ثاني أكبر المدن السعودية، مدينة جدة التي تقع على ساحل البحر الأحمر. لكن لم تجرَ حتى الآن جولة للفنانين على مستوى مماثل لأوركسترا مارينسكي.
من الجدير بالذكر أن الحفل الموسيقي أقيم في مدينة الظهران الصغيرة، حيث يقع مقر أكبر أرامكو، أكبر شركات الطاقة السعودية. فعلى مقربة منها، حيث اكتُشف أول نفط سعودي ملائم للاستغلال التجاري في سنة 1938، افتتحت الشركة مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي، “إثراء”. يتخذ هذا المبنى الذي شيدته شركة نرويجية في سنة 2016 شكل حجارة ترمز إلى ماضي المملكة العربية السعودية ومستقبلها. وكل العاملين فيه – من الدليل إلى المدير – موظفون سعوديون في أرامكو أو أبرموا عقداً مؤقتاً مع الشركة، وتنفّذ كل المشاريع بأموالها أيضاً. وهكذا تشارك أرامكو السعودية بفاعلية في تحويل البلاد. وثمة بعد رمزي لإقامة حفل الأوركسترا الروسية هنا، لأن النفط كان هو الذي قرّب بين روسيا والمملكة العربية السعودية. وتجدر الإشارة إلى وزير الطاقة السعودي أجرى تغييراً على خططه ليحضر الحفل، ونوّه بذلك نظيره الروسي ألكسندر نوفاك.
قدّر السعوديون، من جانبهم أن الوفد الروسي جاء إليهم في ذروة كأس العالم لكرة القدم. قال وزير الإعلام السعودي مازحاً إن جمال التعاون الثقافي، أن لا أحد يخسر فيه، خلافاً للرياضة. واتفق الوزراء وغيرهم من المسؤولين على عدم الحديث عن النفط، وإنما عن الفنون والثقافة فحسب. لكن لم يلتزم الجميع بذلك، فالموسيقى والمتاحف والرسم والنفط مترابطة جداً في المملكة العربية السعودية. مع ذلك، وعد صندوق التنمية المباشرة الروسي والوزراء السعوديون بأن تحلّ أيام روسيا في المملكة العربية السعودية في خريف 2018، وأن يأتي فاليري غيرغييف. وكشف كيريل دميترييف أيضاً عن خطط لتدريب الفنانين السعوديين في روسيا. وحافظوا على وعدهم.
ووفقًا لمراسل وكالة ريا نوفوستي التي تتبعت مسار خمس لوحات الفنانين الروسيين الطليعيين من مطار الرياض إلى المعرض، فإن الأشخاص القادمين من الدول الشمالية إلى المملكة العربية السعودية لا يحتاجون وحدهم إلى التأقلم، بل الأعمال الفنية أيضاً. قبل أن تعرض اللوحات على الجمهور، تستريح في غرفة في الفندق “وتعود إليها الحياة”. وليس من السهل ترتيب مثل هذه الجولة الخارجية. ومع ذلك، من المقرّر الآن إجراء معرض كبير للفن التجريدي الروسي الآن في المملكة العربية السعودية، وفقاً لنائبة مدير المتحف الروسي للأعمال العلمية إفغينيا بتروفا. فثمة ازدهار للمتحف في المملكة!
ابتعاث الطلبة!
في إطار مذكرات التفاهم الموقعة في سبتمبر (أيلول) 2003، أنشئت روابط مباشرة بين الأكاديمية الروسية للعلوم، وجامعة الملك عبد العزيز، أكبر مركز علمي وتقني سعودي، ومركز المعلومات والأبحاث التابع لوزارة الشؤون الخارجية السعودية، ومعهد الفلك والبحوث الجيوفيزيائية. وينفّذ التعاون العلمي الأكثر فاعلية من خلال معهد علم الفلك التابع للأكاديمية الروسية للعلوم، ومعهد الدراسات الشرقية في الأكاديمية الروسية للعلوم، والمعهد الدولي لنظرية التنبؤ بالزلازل والجيوفيزياء الرياضية. وتقدّم السفارة السعودية في موسكو، من خلال مجلس المفتين في روسيا، المساعدة المالية لتطوير التعليم الإسلامي (عبر المدارس الدينية) في تتارستان ومناطق أخرى من الاتحاد الروسي. وفي سنة 2004 ، في روسيا ابتعثت إلى روسيا أول مجموعة من الطلاب السعوديين على أساس الموازنة. وقد أخذ التعاون في مجال التعليم والعلوم يكتسب زخماً.
في مقابلة أجريت مؤخّراً مع وكالة الأنباء السعودية، أشار الدكتور جاسر الحربش إلى أن برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي كان يتكوّن في البداية من ثلاث مراحل، مدة كل منها خمس سنوات. واستهدفت المرحلتان الأولى والثانية سَدّ الحاجة إلى مزيد من المقاعد الدراسية والتخصصات العلمية في الجامعات، ومع مرور أكثر من عشر سنوات؛ أصبح من الضروري تطوير آلية عمل البرنامج لزيادة فاعليته بما تقتضيه المرحلة الحالية لتنمية البلاد؛ خصوصاً بعد إطلاق “رؤية المملكة 2030” التي تسعى إلى الاعتماد على الكوادر الوطنية المتعلمة في بناء مستقبل المملكة.
يتلقى الطلبة السعوديون المبتعثون إلى الخارج التعليم في أكثر من 200 جامعة في التخصصات التالية: العلوم الإنسانية، والهندسة، والمعلوماتية، والقانون، والعلوم الإدارية والمالية، والعلوم الاجتماعية والسلوكية، والعلوم الأساسية، واللغات، والطبّ، وطبّ الأسنان، والخدمات الطبية. وكما أكد الدكتور جاسر الحربش، فإن الملحقين الثقافيين في البلدان التي يُبتعث إليها الطلبة السعوديون في الخارج يشرفون على العملية التعليمية بالتعاون الوثيق مع وزارة التعليم في البلاد.
وأوضح الملحق الثقافي بتركيا وروسيا ودول البلقان، د. مساعد بن عبد المنعم العبد المنعم إلى أن روسيا من أهم الدول الواقعة ضمن إشراف الملحقية الثقافية في تركيا، وتسعى الملحقية لتطوير التعاون الأكاديمي والعلمي بين الجامعات الروسية ونظيراتها في المملكة لما فيه صالح البلدين، بالإضافة إلى إشرافها على المبتعثين والمبتعثات في روسيا، الذين يتلقون تعليمهم في 18 جامعة روسية منها: جامعة الطب الأولى الحكومية في موسكو، وجامعة بافلوف سانت بطرسبورغ الطبية، وجامعة موسكو الحكومية التربوية، وجامعة لومونسوف بموسكو. وقد أثمر التعاون بين مراكز البحوث السعودية وروسيا نتائج مهمة وفقاً للملحق الثقافي، مثلما جرى عام 2014؛ حيث أعلنت مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية عن نجاح إطلاق القمر السعودي الصناعي الثالث عشر، الذي حمل مسمى “سعودي سات 4” من قاعدة “يازني” الروسية.
وتستفيد مدينة العلوم والتقنية من العلماء الروس في إجراء الدراسات العلمية المتخصصة، خاصة في مجال علوم الفضاء. وهكذا جرى في سنة 2015 توقيع مذكرة النوايا المشتركة في مجال الفضاء مع وكالة الفضاء الروسية، لبحث مشاركة المملكة في الرحلات الفضائية الروسية واستكشاف الفضاء بالمركبات المأهولة وغير المأهولة.
وأوضح الأمير تركي بن سعود بن محمد رئيس مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، الذي وقّع المذكرة مع مدير وكالة الفضاء الروسية إيغور كماروف، أن هذا العمل سيستفيد من تقنيات الفضاء وتطوير أنظمة مشتركة بين المملكة وروسيا الاتحادية في هذا المجال، خاصة في المشاريع التجارية والبحوث والتطوير.
إن التعاون السعودي الروسي في العلوم والتعليم، عملية ذات اتجاهين، كما يقال. فقد اتجهت جامعة الملك سعود إلى إدراج اللغة الروسية ضمن برامج البكالوريوس. ويهتم هذا التخصص الذي يدرس فيه أساتذة من روسيا ومن دول عربية درسوا اللغة الروسية في بلد اللغة، بتدريب الطالب على الترجمة بأنواعها الشفوية والتحريرية في مختلف المجالات القانونية، والأمنية، والدينية، والسياسية، والأدبية، والإعلامية.
واستضافت الأكاديمية الإنسانية الاجتماعية الروسية في موسكو في مارس (آذار) 2002 مهرجاناً ثقافياً بعنوان “يوم الثقافة السعودية”، شاركت فيه مجموعة من الشخصيات الثقافية والاجتماعية العربية الروسية، وعدد كبير من رؤساء البعثات الدبلوماسية العربية والإسلامية المعتمدين لدى روسيا الاتحادية.
وأقامت مكتبة الملك عبد العزيز العامة، اللقاءَ الثقافي السعودي الروسي في سنة 2003 بمدينة سان بطرسبرغ، وذلك في إطار دعم الحوار بين الحضارات وتعزيز التفاهم والتوافق. وكان الغرض من اللقاء تعريف الجمهور الروسي بالنهضة الثقافية التي تعيشها المملكة، ودعم التعاون الوثيق مع العديد من المؤسسات التعليمية والثقافية.
وفي سنة 2007، أقامت وزارة الثقافة والإعلام فعالياتٍ ثقافيةً سعودية في موسكو وتتارستان.
ولم تغفل الرياضة أيضاً. فقد وقّع الطرفان على برنامج التبادل الرياضي. وأطلقت وكالة الأنباء السعودية خدمةً إخباريةً جديدةً تبثّ أخبار المملكة العربية السعودية باللغة الروسية. بالإضافة إلى ذلك، وقّعت وكالة الأنباء السعودية مذكرةَ تعاون إخباري مع وكالات أنباء روسية معتمدة لتوسيع التبادل الموثق للأخبار عن كل الأحداث المتعلقة بالبلدين.
وذكرت وزيرة التعليم والعلوم أولغا فاسيلييفا أن عدد الأجانب الذين يدرسون في روسيا سيبلغ 760 ألفاً بحلول سنة 2025. وقالت: “إن هناك 273,000 مواطن أجنبي يدرسون في بلدنا هذا العام. ولدينا خطط طموحة في هذا الشأن”. ويقول الأجانب أنفسهم إن الجامعات الروسية مثيرة للاهتمام ويشمل ذلك النسبة المرضية للتكلفة والجودة. ويأتي في مقدّم الراغبين في الحصول على الدبلوم الروسي طلبة من دول آسيوية (تحتسب الدول التي لم تكن جزءاً من الاتحاد السوفياتي): 57%. ويأتي ما يقرب من نصف الطلبة من هذه المنطقة من الصين. ويليهم الطلبة القادمون من شمال أفريقيا والشرق الأوسط: 19%. وتضمّ هذه الفئة طلبة من المملكة العربية السعودية. وتلك ليست نتيجة سيئة!
السائقات: الحوافز الاقتصادية
في يوليو 2018 ، عقد منتدى للسيارات في المملكة العربية السعودية مخصص لرفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارات. وكانت المملكة العربية السعودية البلد الوحيد في العالم الذي يحظر على النساء قيادة السيارة. وقد تم تطبيق هذا التقييد منذ عام 1957، ولم ترفعه السلطات رسمياً إلا في نهاية يونيو (حزيران) 2018. ولا تقتصر أهمية هذا الحدث في البلد على وجهة النظر الاجتماعية، إذ يرى خبراء سعوديون أن هذه الخطوة ستخلق نحو 50 ألف فرصة عمل جديدة وترفع حصة النساء في سوق العمل من 22 في المئة حالياً إلى 30 في المئة. ونتيجة لذلك، يمكن أن تضيف النساء في المملكة نحو 90 مليار دولار إلى لاقتصاد الوطني بحلول سنة 2030.
إن اجتذاب النساء في المملكة إلى العمل الفاعل هو أحد المكوّنات الرئيسية لتحقيق النموّ الاقتصادي، كما تقول جريدة “عرب نيوز” السعودية. ويهدف القرار الذي اتخذته القيادة السعودية إلى تحقيق العدالة الاجتماعية بزيادة دور المرأة. ويلحظ ذلك في برنامج التطوير الاستراتيجي لرؤية المملكة 2030.
ووفقًا لتقديرات شركة برايس ووتر هاوس كوبرز، يمكن أن تحصل نحو 3 ملايين امرأة مقيمة في المملكة على رخصة قيادة بحلول سنة 2020. وستقود السيارات ما يصل مجموعه إلى 9 ملايين امرأة وفقاً للبنك الدولي. ويرى خبراء بلومبرغ أن إلغاء الحظر المفروض على قيادة السيارات سيضيف نحو 0.9% سنويًا إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي السعودي. وتشير هذه الوكالة أيضاً إلى أن فوائد التدابير المتخذة تضاهي الربح المتوقّع من الاكتتاب العام الأولي الذي تديره شركة أرامكو النفطية السعودية!
ما سر ذلك؟ أين يتقاطع وضع المرأة التي تقود السيارة مع مستوى الناتج المحلي الإجمالي للبلد بأكمله؟ الأمر بسيط. من المتوقّع أن ترفع هذه الخطوة عدد النساء اللواتي يرغبن في العثور على عمل. وبعبارة أخرى، سيرفع ذلك حجم العمالة، وبالتالي دخل السكان وحجم الناتج المحلي الإجمالي المتحقّق.
يهدف برنامج رؤية 2030 الذي أعلنه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في سنة 2016 إلى الحدّ من اعتماد المملكة على صناعة النفط والغاز، وتطوير القطاعات الخاصة في الاقتصاد: السياحة، والترفيه، والرعاية الصحية، والتعليم، حيث لا توجد حاجة إلى مشاركة المرأة فحسب، بل هي مطلوبة أيضاً.
الآن، تفتتح فرص العمل الجديدة بالتدريج أمام الإناث المقيمات في المملكة. وقد أعلنت إدارة الطرق في المملكة العربية السعودية عن استعدادها لتوظيف النساء. ويلاحظ الخبراء أيضاً أن إلغاء حظر قيادة السيارات عن النساء له أثر إيجابي وأدى إلى التوسّع في حقوق وحريات المواطنين في الدولة. ففي سبتمبر (أيلول) 2017، أصدر الملك السعودي مرسوماً يسمح للنساء بالقيادة للمرة الأولى. وبعد بضعة أشهر، فُتحت المدرّجات الرياضية أمام النساء، بما في ذلك مباريات كرة القدم.
الأمر لا يتعلّق بالترفيه فحسب. فقد أصبحت النساء السعوديات على نحو متزايد جزءاً من مجتمع الأعمال، وأخذت مرتباتهم تقترب من مرتّبات الرجال بالتدريج. ووفقا لعدد من الإصلاحات التي أدخلها ولي العهد، خُفّض حق وصاية الرجل على المرأة. ويسمح للنساء حالياً بفتح أعمالهن دون موافقة وليّ . وقد اتخذت هذه التدابير لتشجيع ريادة الأعمال التي تسهم في الحدِّ من البطالة.
ولتحقيق هذا الهدف، توسّعت فرص العمل، بما في ذلك رفع القيود المفروضة على الوصول إلى المناصب في مجال التعليم والطب. وابتداء من سنة 2018، تستطيع المرأة أيضاً التأهل لشغل وظائف في الخدمة العسكرية في بعض المحافظات، بما في ذلك الرياض ومكة والمدينة، وكذلك في خدمات جوازات السفر في المطارات والحدود البرية. وتخطط الحكومة أيضاً لرفع مشاركة المرأة في القيادة من 1 في المئة إلى 5 في المئة.
المملكة العربية السعودية تطوّر السياحة غير الدينية
تكتسب الإصلاحات في المملكة العربية السعودية المزيد من الزخم. فلدى المملكة مهمة طموحة أخرى، إذ تعتزم أن تصبح رائدة في مجال السياحة غير الدينية، باجتذاب محبي البحر والشمس.
وتتوقع السلطات أن تتيح المشاريع الواسعة النطاق في مجال الترفيه تحقيق دخل إضافي يبلغ 4 مليارات دولار. وتلك ليست مهمة سهلة: عليك أن تبدأ من الصفر. فربما يواجه السيّاح صعوبات في الحصول على تأشيرات على وجه الخصوص. ويمكن أن تعوق المطالب الدينية أيضاً تحقيق هذه الفكرة، مثل المرافق المحرم عند دخول المملكة. لكن السلطات متفائلة، إذ يحتاج الاقتصاد القائم على النفط إلى بدائل.
كان قدوم المسلمين للحجّ من كل أنحاء العالم إلى المملكة العربية السعودية يشكّل تقليدياً أحد المحركات الرئيسية لاقتصاد هذا البلد الشرق أوسطي. ففي كل عام يتوجّه ملايين المسلمين إلى مكة والمدينة. غير أن عدد القادمين لأداء فريضة الحجّ في سنة 2016 كان الأدنى في السنوات العشر الماضية. فقد بلغ عدد الحجاج 1.86 مليون حاج (للمقارنة: قدم 3.25 مليون حاجّ في سنة 2012) وفقاً للهيئة العامة للإحصاء في المملكة. ويرجع الخبراء سبب ذلك إلى أن بعض البلدان الإسلامية (إندونيسيا ومصر)، التي يأتي منها الحجّاج، واجهت مشكلات اقتصادية داخلية، مثل انخفاض قيمة العملة الوطنية مقابل إلى الريال السعودي. وكان لذلك أثر كبير على تكلفة الحج.
لكن انخفاض عدد الحجاج ليس سببًا لجعل الحكومة السعودية تفكر في تنويع الاقتصاد الوطني والتخلّص من الاعتماد على السلع الأساسية، وإنما الانخفاض العالمي لأسعار النفط. فقد تباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وهكذا، وفقاً للبنك الدولي، ارتفع الناتج المحلي الإجمالي للمملكة في سنة 2014 بنسبة 3.6%، وفي سنة 2016 انخفض هذا الرقم إلى 1%، وتلك أدنى نسبة نمو في السنوات الست الماضية. وفقا لبرنامج التنمية الاستراتيجية للبلاد، رؤية 2030، يمكن أن يكون الاستثمار في قطاع السياحة وتنفيذ مشروع للمنتجعات هو الحل.
أعلنت المملكة العربية السعودية عن مشروع المنطقة السياحية على ساحل البحر الأحمر. ووفقًا لوكالة بلومبرغ، من المفترض أن يمتد المنتجع على مساحة 34 ألف كيلومتر مربع وأن يشمل 50 جزيرة. وبالتالي، يعتزم السعوديون اجتذاب “المسافرين الأثرياء من كل أنحاء العالم”، وفقاً للبيان الرسمي الصادر عن السلطات. والهدف الرئيسي للمشروع هو خفض اعتماد الاقتصاد السعودي على تصدير مشتقّات الهيدروكربونات.
بتنفيذ المبادرة الرامية إلى إنشاء منطقة سياحية حرة، ستحاول المملكة العربية السعودية جذب السياح غير الدينيين، بغض النظر عن دينهم. وسيطوّر المشروع ويموّله صندوق الثروة السيادية السعودي بالتعاون مع الشركات العالمية. ومن المتوقّع أن يبدأ تنفيذه في سنة 2019، وسيكون من الممكن تعديل بنيته التحتية بحلول نهاية عام 2022. وهكذا أعلنت المملكة عن عزمها التنافس مع روّاد السياحة المعترف بهم في المنطقة.
ولتحقيق هذا الهدف، تستعدّ الحكومة لاتخاذ تدابير غير مسبوقة بخصوص الحريات الشخصية. وسيتناول تخفيف القيود نظام التأشيرات أيضاً، إذ سيتمكّن السيّاح من الدخول بحرية إلى البلاد أو الحصول على إذن مسبق عن طريق الإنترنت.
ووفقًا لمجلس السياحة والسفر العالمي، تبلغ الآن حصة السياحة من الناتج المحلي الإجمالي السعودي 3.3%. ومن المتوقّع أن يرتفع هذا الرقم يرتفع إلى 3.8% بين سنتي 2017 و2027. وللمقارنة، تبلغ حصة السياحة 5.2% من الناتج المحلي الإجمالي الإماراتي.
مواد من Russia Today
في مقابلة مع مراسل روسيا اليوم، أشار خبير في السياحة في بلدان المنطقة العربية، جورجي ليونتييف، إلى أن المملكة العربية السعودية ليس لديها حتى الآن تقاليد غنية في مجال الضيافة السياحية. على سبيل المثال، يجب الآن على السائحات الغربيات، بغض النظر عن انتماءاتهن الدينية، ارتداء الحجاب وتغطية الجسم بالملابس تماماً. وأضاف ليونتييف، “غير أن المشروع يظلّ مثيراً للاهتمام، إذ لم تكن هناك سياحة في المملكة في السابق، ويجب إنشاء هذه الصناعة من الصفر. كما لم تكن هناك فئة التأشيرة السياحية في البلاد”.
تتمتّع الأراضي السعودية بقمم جبلية مرتفعة باردة، وصحارٍ خلّابة وشواطئ رملية دافئة. ويحدّ ساحل البحر الأحمر جبال الحجاز. ويصل ارتفاع بعض القمم إلى 3 كم. وهذه المنطقة تحديداً هي التي تشهد تطوّراً سياحياً رئيسياً. ويتوق المسافرون من كل أنحاء العالم إلى زيارة منتجع عسير.
تعدّ مدينة ومنتجع جدة الميناء ومكان الاستجمام الرئيسي. وفي كل عام يأتي آلاف الحجاج إلى مكة. وتثير جدة بأحيائها القديمة ومتاحفها التي تضمّ مجموعات غنية من المعروضات. ويفد المسافرون إلى هنا لرؤية قبر حواء، التي ينحدر منها البشر. وسيشعر روّاد الإجازات الشاطئية في جدة بالسعادة على الساحل الأبيض، والبحر الدافئ، والفنادق المريحة. على بعد ساعة بالسيارة من جدة، توجد هي ضاحية العبير، وتسمى “جنة الغواصين” بشواطئها وفنادقها الشهيرة.
وعلى مقربة من المدينة المنوّرة، يمكنك زيارة مدينة مدائن صالح غير المأهولة. وتعدّ هذه المنطقة أكبر الأماكن الأثرية في المملكة.
ويمكن أن يمارس الرجال الصقارة في هذه البلاد. ويفضّل صيادو السمك التوّاقون التوجّه إلى الخليج العربي، حيث يمكنهم صيد السمك.
وينبغي أن يؤخذ في الحسبان أنه رغم تميّز بعض مناطق المنتجع: فإن هناك شواطئ منفصلة للنساء والرجال. وتخضع الاحتفالات الليلية للحظر في البلاد، وينطبق الأمر نفسه على المشروبات الكحولية.
نشرت المادة في مجلة “رؤية روسية” Russian Viewفي عدد (يناير- فبراير) 2019.