أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، مقتل أبي بكر البغدادي، زعيم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، في قرية باريشا بمحافظة إدلب، علي يد وحدة من القوات الخاصة الأمريكية. ومن منطلق أن وفاة القيادة تؤثر بصورة كبيرة على مستقبل التنظيمات، يدفع الأمر للحديث حول أثر وفاة أبي بكر البغدادي -إن صحت الأنباء- على شكل ومستقبل تنظيم داعش، بل وعلى خارطة التنظيمات الإرهابية الأممية.
ولكن هذا الأثر يتوقف بصورة أساسية على وزن ومفهوم القيادة داخل تنظيم داعش، وعلاقة القيادة المركزية للتنظيم بالولايات والفروع، ومن ثم هناك سؤالان لا بد من طرحهما وهما:
- ما وزن القيادة داخل تنظيم داعش؟
- ما طبيعة العلاقة بين “القيادة المركزية” و”الولايات والفروع”؟
يحسب لتنظيم داعش العديد من التغيرات في استراتيجيات وتحركات التنظيمات الإرهابية في السنوات الماضية، وأحد أبرز تلك التغيرات تمثل في وزن القيادة. فبخلاف تنظيم القاعدة وغيره من التنظيمات الإرهابية “الأممية”، جاء قائد تنظيم داعش أبو بكر البغدادي، بلا هوية أو سجل وأرشيف تاريخي يوثق سيرة ذاتية تتشابه مع ابن لادن أو الزرقاوي أو الظواهري. بل إن الأمر وصل إلى أنه في إحدى رسائل أبوت أباد -التي عثر عليها في منزل ابن لادن عشية وفاته- طلب ابن لادن من عطية عبدالرحمن، إرسال معلومات حول “أبي بكر البغدادي” ونائبه “أبي سليمان الناصر لدين الله”. شاهد آخر يدلل على ضعف أهمية البغدادي داخل تنظيم داعش، يتمثل في أن البغدادي، ظهرت أنباء تفيد مقتله تقترب من (12) مرة، إلى جانب الحديث في أكثر من موضع على إصابته، ومع ذلك لم يهتم التنظيم بنفي تلك الأنباء سوى مرة واحدة عام 2014. بالإضافة إلى أنه صباح اليوم التالي لإعلان البغدادي الاتحاد ما بين دولة العراق الإسلامية وجبهة النصرة بتشكيل “الدولة الإسلامية في العراق والشام” خرج الجولاني، نافياً ذلك ومجدداً بيعته للقاعدة.
أما الولايات ومدى إحكام القيادة المركزية السيطرة عليها؛ ففي بدايات إعلان تنظيمات ومجموعات محلية متفرقة الولاء لتنظيم داعش؛ تداولت التحليلات الأمر بوصفه أمراً إيجابياً بالنسبة للتنظيم، يزيد من قوته وتوسعاته، إلا أن الواقع يشير إلى أن سلبيات التوسعات في قبول الولاء والمبايعة أكثر بكثير من إيجابياتها، خاصة في حالة مثل تنظيم سريع التشكل وحديث النشأة مثل داعش. فالتنظيمات المحلية أو الولايات ما إن تعلن ولاءها للتنظيم الأم فإنها تخلق نوعاً من أنواع الصدام بينها وبين التنظيمات الأخرى غير الموالية للتنظيم، ومن ثم يتحول الصراع مع الوقت من صدام بين تنظيمات فرعية (ولايات) وتنظيمات غير موالية، إلى صراع بين التنظيم الأم والتنظيمات المعارضة له، كما حدث في ولاية هلمند ببلاد الأفغان.
حاول تنظيم داعش تدارك السلبيات، فأعلن في 2016 عن تغييرات في هيكل التنظيم الإداري، فألغى منصب نائب الخليفة، وشكّل اللجنة المفوضة؛ التي مثلت ثالث قوة تنظيمية في الترتيب التنظيمي، من بعد الخليفة ومجلس الشورى، وكان الهدف منها الإشراف على الولايات الفرعية، ومتابعة ما يسمى بالوزارات أو الدواوين. إلا أن الخطوة لم تثمر نتائج إيجابية في علاج تهتك العلاقة ما بين القيادة المركزية والولايات.
تلك التغيرات تستخدم كحجة تشير إلى ضعف وزن البغدادي داخل تنظيم داعش.
ولكن هل هذا يعني أن موت البغدادي غير مؤثر على التنظيم؟
ربما يترتب على وفاة البغدادي الرمزية، زيادة ضعف سيطرة القيادة المركزية على الفروع أو الولايات، وهناك مجموعة من السيناريوهات، أبرزها: احتمالية ظهور مجموعات مستقلة منفصلة عن التنظيم. فيحاول كل فرد منها استغلال الحادثة بفرض نفسه خليفة على باقي الولايات والفروع، إلى جانب محاولة البعض من الولايات العودة إلى القاعدة أو مجموعة من المجموعات النشطة في أفريقيا، والولاء لها خاصة تلك ذات الطموحات التوسعية.