ما بين عقاب من الله، ومحاولة دول للهيمنة، ونشر الوباء عن طريق المهاجرين واللاجئين، ووسيلة لقتل الأقليات، وغيرها من الحجج تختلف رؤية المجموعات الإرهابية لفيروس كورونا، وفقاً لمعتقداتهم، ومن ثم تختلف الدعوات وطرق التجنيد.
يوفر انتشار وباء كورونا، فرصة للتنظيمات الإرهابية للظهور على الساحة بصورة أبرز، سواء بكسب مجندين أو تنفيذ عمليات إرهابية، فإن كان الوجود الأمني وحظر التجول في العديد من الدول يمثلان رادعاً أمام المجموعات الإرهابية في تنفيذ عملياتها أو التحضير لها في تلك الأوقات، إلا أنه يساعد بصورة أكبر في توسع التنظيمات الإرهابية في ظل بقاء الأفراد في المنازل والاتصال بصورة أكبر بمواقع وشبكات التواصل الاجتماعي. عن طريق تأليب الرأي العام حول سياسات دولة بعينها أو ضعف قدرتها على التعامل مع الوباء وانتشاره، أو من خلال نشر الشائعات وإتاحة فرصة أكبر للحديث حول نظريات المؤامرة في ظل محاولة المتابعين فهم ومتابعة التطورات في انتشار الوباء وتفسيراتها، مما يسهل عمليات التجنيد للمجموعات بمختلف انتماءاتها حسب ميول المتابع.
داعش ومحاولة العودة:
في ظل ما يعانيه تنظيم داعش من ارتباك وتخبط في الفترات الأخيرة ،لا سيما بعد فقدانه مناطق نفوذه وتراجعه، بالإضافة إلى وفاة زعيمه البغدادي، وفر ظهور وباء كورونا فرصة للتنظيم للفت الانتباه والظهور على الساحة الجهادية بصورة أكبر.
فسلك التنظيم التدرج في الاهتمام بالوباء مع تدرج انتشاره، فاكتفى بالعدد (219) من صحيفة النبأ، بنشر خبر حول تطورات الوباء بالصين التي يصفها بالطاغوت والحكومة الكافرة، شيئا فشيئاً بدأ ملاحظة زيادة الاهتمام، فنشر في افتتاحية العدد (220) مقالاً بعنوان “إن بطش ربك لشديد” أرجع فيه انتشار الوباء بالصين إلى ما ارتكبته بحق المسلمين، داعيا أنصاره إلى الابتعاد عن المناطق الموبوءة. العدد (223)، استمر على المنوال نفسه، فناقشت افتتاحيته فكرة انتشار الوباء على أنه عقاب إلهي لمن يعبدون دونه. وحتى لا تؤثر التغطية الإعلامية ونظريات المؤامرة على هدف التنظيم، اتجه نحو نفي المزاعم بكون الفيروس مصطنعاً، أو أن هناك يداً بشرية متحكمة في انتشاره، وذلك في افتتاحية العدد (227).
منذ العدد (228) بدأت توجهات التنظيم ورغبته في الاستغلال تظهر صراحة، فنشر مادة بعنوان “أسوأ كوابيس الصليبيين”، ناقشت تبعات حظر التجوال في الدول الغربية وبقاء المواطنين بالمنازل، مشيراً إلى أنها تتكبد خسائر اقتصادية، مع رغبتها في توقف نشاط التنظيم وأتباعه. وعليه ينطلق التنظيم للدعوة لاستغلال تلك الظروف في الانطلاق بعمليات إرهابية تستهدفهم وحلفاءهم.
الأعداد التالية حتى العدد (230) اكتفي التنظيم بمشاركة أخبار حول انتشار الوباء، أو اتخاذ إجراءات في مكافحته، مثلما نوه لإعلان المملكة العربية السعودية التي يصفها بالمرتدة، وقف إطلاق النار في اليمن لمدة أسبوعين بالعدد (229). وغاب الحديث عن الوباء بالعدد (231).
لقياس تأثير الوباء على استراتيجية تنظيم داعش، قمنا برصد عمليات التنظيم وفقاً لصحيفة النبأ -مع التأكيد أنها عادة ما تبالغ في عدد العمليات- منذ أول حديث له عن الوباء بالعدد (219) حتى العدد (231)، مقارنة بالفترة نفسها ما قبل الحديث عن الوباء خلال الفترة من العدد (206) حتى العدد (218)، ولوحظ انخفاض عدد العمليات بنسبة (12.4%) بعد الوباء، كما يوضح المخطط التالي:
وعلى الرغم من الانخفاض في عدد العمليات، فإن خريطة عمليات التنظيم اختلفت، حيث حدث انخفاض في عدد العمليات بولايات “الشام، الصومال، باكستان، خراسان” وزادت العمليات بولايات “العراق، سيناء، غرب إفريقيا، شرق آسيا، وسط إفريقيا، اليمن، الهند”، كما يوضح المخطط التالي:
موقف تنظيم داعش، وإن كان الأكثر تداولاً واهتماما بالوباء، إلا أنه الأقل تأثيراً من ناحية استغلال الوباء، حيث لا تبرز خريطة التغيرات الهامة في عمليات التنظيم تغيراً في استراتيجيته وفقاً لانتشار الوباء، باستثناء العراق الذي زاد بها نشاط التنظيم مع إعلان التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية تقليل عدد قواتها بالعراق خوفاً من تفشي كورونا.
القاعدة وطالبان استغلال غير مباشر:
تنظيم القاعدة اتخذ ظاهرياً موقفاً مثالياً، حيث نشر بياناً بعنوان “السبيل لخروج البشرية من بطن الحوت: وصايا ومكاشفات بشأن وباء كورونا”، تجنب الدعوة فيه لعمليات إرهابية، بل دعا المواطنين في الدول الغربية لدخول الإسلام من منطلق أن ما جاء هو غضب من الله لعدم اتباع التعاليم الإسلامية كاستحلال الربا، وأن الإجراءات المتبعة في مكافحة الوباء هي تعاليم إسلامية ووصايا نبوية، كما دعا رجال الأعمال بالتبرع للتنظيم.
إلا أنه في إصدارات أخرى سواء تابعة للتنظيم أو مجموعات موالية له، أظهر التنظيم خطاباً مغايراً، فنشرت حركة شباب المجاهدين الصومالية بياناً حمل عنوان “بيان صادر عن الاجتماع الاستشاري بشأن الجهاد في شرق إفريقيا”، حملت فيه القوى الصليبية -على حد تعبيرها-مسؤولية انتشار الوباء، وأعلنت عزمها تكثيف العمليات. كما نشرت مجلة ابنة الإسلام في عددها (13) مادة بعنوان “كورونا يكشف الوجه القذر للغرب”، انطلاقاً من انتقاد السياسات الغربية في التعامل مع تفشي كورونا، مدعياً تجاهلها حياة الشعوب واهتمامها بالنواحي الاقتصادية، كذلك انتقدت الدعوات لاستخدام الأفارقة للتجارب في فرنسا، والدعوات لطرد المهاجرين. بصورة عامة، الموقف القاعدي كان أكثر استغلالاً من الموقف الداعشي، حيث اعتمد تنظيم القاعدة على محاولة كسب إرهابيين محليين من خلال استغلال تبعات التعامل مع الأزمة في الدول الغربية.
حركة طالبان تعاملت مع الأمر بصورة مختلفة، فأعلنت استعدادها لوقف الحرب في المناطق الأفغانية المتضررة بفيروس كورونا، وذلك وفقا لتصريحات ذبيح الله مجاهد المتحدث الإعلامي باسم الحركة وقوله: “إذا حدثت الفاشية، لا سمح الله، في منطقة نسيطر فيها على الوضع، عندها يمكننا وقف القتال في تلك المنطقة”، بل نسب لها مقاطع دعائية يظهر فيها مقاتليها يقومون بعمليات تطهير وتوزيع أقنعة للوجه.
الإخوان المسلمين والاستغلال السياسي:
بخلاف السلفية الجهادية، تستغل جماعة الإخوان المسلمين الوباء في محاولة للعودة إلى الساحة السياسية، محاولة استعطاف فئات من الشعب المصري حولها، والظهور بثوب الفصيل الوطني الهادف للمساعدة، فأطلقت الجماعة مبادرة حملت عنوان “شعب واحد.. نقدر”، ووفقاً للمتحدث باسم الحملة أحمد ثابث، في تصريحات لموقع (عربي 21) “هي حملة أطلقتها جماعة الإخوان المسلمين، وتستهدف -كما هو واضح من اسمها (شعب واحد)- جموع الشعب المصري بشرائحه المختلفة ودون استثناء، من الشباب والشيوخ والرجال والنساء، وجميع الفئات المهنية من الأطباء والمهندسين والمدرسين والعمال والوظائف المتاحة، وتهدف لجمع كل الخبرات، وتجميع كل الطاقات كي ينطلق المجتمع كله على قلب رجل واحد للخروج من الأزمة”، مشيراً إلى أنها تعمل على أكثر من مستوى طبي واقتصادي واجتماعي وشرعي وإعلامي… إلخ.
وكانت الجماعة قد عقدت مؤتمراً صحفياً بتقنية الفيديو كونفرانس بعنوان “التعاون والمشاركة فريضة”، دعت فيه لتنحية الخلافات السياسية والفكرية جانبا، والعمل على مواجهة جائحة “كورونا”، معلنة تشكيل لجنة من كفاءات مهنية متخصصة من مختلف المجالات المحيطة بالجائحة، داعية إلى الإفراج عن المعتقلين والسجناء كسلاح من أسلحة مقاومة الوباء.
لا يمكن قراءة هذا المشهد منفصلاً عن تحركات جماعة الإخوان المسلمين ورموزها في الدول الأخرى. فانتقد الصادق الغرياني (مفتي الجماعة الليبي وعضو اتحاد علماء المسلمين) قرار منع الصلاة في المساجد مبرراً بأن التاريخ الإسلامي لم يحدث فيه أن منعت الصلاة بكافة المساجد، وعليه قال: “مَن أراد الأخذ بالعزيمة، والذهاب إلى المسجد للجماعة، فله ذلك، وبذلك تبقى شعائر الإسلام وفرائضه مقامة داخل البلد، ولا تعطل بالكلية، بغلق المساجد ومنع الناس منها، فإن ذلك لا يجوزُ”.
كما أصدرت الجماعة بياناً في 17 مارس (آذار) المنصرم، أكدت فيه أن المرض عقاب من الله، مطالبة بالحرص على مرضاته وطاعته. ومطالبة أيضا بالإفراج عن المسجونين والمحتجزين.
المطالبة بالإفراج عن المسجونين أمر مشروع ومهم، إلا أن هناك شواهد تعبر عن فئوية مطالب الإخوان المسلمين في هذا الصدد، ففي رسائل على البريد الإلكتروني –وصلت نسخة منها لنا – من حساب بعنوان “احموا مصر من الكورونا” ([email protected]) خصص معدو الرسالة -بخلاف الحديث عن الغارمات- الحديث عن المعتقلين التابعين لجماعة الإخوان المسلمين، وبصفة خاصة أصحاب مبادرة العفو مقابل اعتزال العمل السياسي التي صدرت أغسطس (آب) 2019.
أسباب الاختلاف في رد الفعل:
في تشريح عقل المجموعات الإرهابية والسمات العامة له، تظل السمة الرئيسة والمشتركة فيما بينها “استغلال الظروف”، ولا شيء أفضل من وباء كـ”كورونا” للاستغلال. وفي هذا السياق يمكن فهم وتفسير التقرير الصادر عن وزارة الأمن الداخلي الأمريكية، والمرسل لمسؤولي تنفيذ القانون باحتمالية استغلال تنظيمات الإرهاب للوباء ومهاجمة الولايات المتحدة الأمريكية.
إلا أن الحديث حول سمة استغلال الظروف، مرهون بالتوجهات المختلفة للتنظيمات الإرهابية، فهناك تخوف دائم لدى المجموعات الإرهابية القديمة المدعية الفضيلة والمرهون خطابها بتهديد الأنظمة والحكومات لا الشعوب. يمكن قراءة هذا بوضوح -على سبيل المثال- في خطابات الإرهابي الراحل أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة خاصة نفيه في حوار مع صحيفة “أمة” ارتكاب تنظيم القاعدة بداية لأحداث 11 سبتمبر (أيلول)، وتأكيده أنه لا يعادي الشعب الأمريكي.
الشاهد أن استغلال الظرف لدى التنظيمات الهادفة للبقاء والاستمرار مرتبط دون انفصال بقاعدة المصالح، أيهما أكثر فائدة استغلال الظرف أم تخطيه؟ مشهد آخر يوضح ذلك في تنظيم القاعدة أيضا وخطابات ابن لادن، في رفضه الانطلاق بدولة الخلافة من اليمن في ظل حالة عدم الاستقرار، تحسباً من أن الشعب اليمني سيميل لدول أخرى تحثه على مقاومة الإرهاب وتسانده مادياً.
لا يعنى ذلك أن استغلال الظروف دائما ما يستبعد عمليات إرهابية في مراحل انتشار الوباء، أو محاولات زعزعة الاستقرار والتأثير على الشعوب في تلك المراحل، بل إضرار البشر العاديين. فالمجموعات الإرهابية أو المجموعات ذات الأفكار المتطرفة، مختلفة فيما بينها في القدرات الفكرية، ومدى الموازنة ما بين الأضرار والمكاسب حال استغلال الظرف. ما يدفعها نحو استغلال الظرف لهدف زيادة عدم الاستقرار، وهذا ما ظهر في دعوات خروج تظاهرات أو تجمعات ومسيرات بغطاء ديني بدافع دعاء الله ضد المرض والتخلص من الوباء كما حدث في مصر.
وكذلك ظهور محاولات استغلال فردية من أشخاص متطرفين فكرياً، للقيام بعمل إرهابي في فترة الوباء، مثل ما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية من قبل “تيموثي ويلسون” ومحاولته تفجير مركز طبي في ميزوري، منذ أيام.