دفعت الأزمة في سوريا والعراق، إثر تفاقم «العنف الإسلاموي المسلح»؛ إلى انفجار المد الإرهابي العابر للحدود، لا سيما بعد سيطرة تنظيم «داعش» الإرهابي على أجزاء من الأراضي السورية وعلى الموصل والمناطق المحيطة بها بين عامي 2014-2019. شكل قيام ما يسمى «الدولة الإسلامية في العراق والشام» أرضاً لجذب «المقاتلين» من جنسيات مختلفة. وأصبحت عودة المقاتلين إلى بلدانهم هاجساً لدى العديد من الدول في المنطقة العربية وأوروبا التي تعمل على اتخاذ الاحتياطات، ووضع معادلات الأمان، والتصدي للمخاطر التي يمكن أن يحملها «العائدون».
تأتي المحاكمة التي يخضع لها؛ الفرنسي تايلر فيلوس في بلاده على خلفية نشاطه؛ واتهامات جديّة بالإرهاب، واحتمال ضلوعه في هجمات باريس 2015، لتبرهن على العديد من المشاكل والصعوبات التي تتعرض لها الدول جراء تداعيات عودة المقاتلين من بؤر التوتر، وتحديداً أولئك القادمين من سوريا، بعد العراق.
سبق أن تناول مركز المسبار للدراسات والبحوث، هذا الملف في كتبين، الأول: “عودة المقاتلين من بؤر التوتر: التحديات والإمكانات” (الكتاب السابع والعشرون بعد المئة، يوليو/ تموز 2017)، والثاني: “رؤى من بلجيكا لمكافحة التطرف والإرهاب” (الكتاب الثامن والخمسون بعد المئة، فبراير/ شباط 2020)، يعرض فيه تجربة بلجيكا في مكافحة التطرف؛ لا سيما من داخل السجون، وفي متابعة العائدين من بؤر التوتر.
يشار إلى أن تايلر فيلوس أحيل على القضاء الفرنسي يوم 25 يونيو (حزيران) 2020 بتهمة ارتكاب أعمال إرهابية بين عامي 2013-2015، بعد انضمامه إلى تنظيم “داعش”. وقد أشارت مصادر صحفية إلى علاقته بالعقل المدبر لاعتداءات باريس عام 2015: عبدالحميد أباعود.
تستند هذه الأدلة إلى العديد من الشهادات من “جهاديين” آخرين، حول ذهاب المتهم مرات عدة إلى سوريا وعلاقته بهجمات باريس الدامية، وحصلت السلطات القضائية الفرنسية على ما تراه قرائن حول تورطه، وفي مقدمتها رسالة أرسلها مباشرة بعد اعتقاله في إسطنبول إلى عبدالحميد أباعود يوم 13 نوفمبر (تشرين الثاني) قال فيها: “لن يحبسوني إلى أجل غير مسمى. لا يغير شيئا، بمجرد أن أخرج، أتصرف” وذلك حسب ما ذكرت صحيفة لوموند الفرنسية.
بدأ فيلوس نشاطه؛ حسبما تورد الصحيفة، حين ذهب إلى تونس، وتعرف إلى متطرف راديكالي لأول مرة هناك في نهاية أغسطس (آب) 2011، ولكن وفقًا لمحضر استجواب والدته، فإن ابنها سئم من الراديكاليين التونسيين؛ وقرر المغادرة إلى سوريا في مارس (آذار) 2013. جدير بالذكر، أنّ إجراءات قضائية واجهتها والدته انتهت بسجنها، في قضيّة عرفت بين المحققين بقضيّة الجدة المتشددة، بعد زيارتها لسوريا ثلاث مرات. زعمت فيها أن الهدف منها كان قضاء وقت مع ابنها خشية أن يقتل، وذلك بحسب موقع (Syria Now News) الذي نقل الخبر عن وكالة “فرانس برس”.
تحوّل تايلور فيلوس إلى الإسلام في سن (21) عامًا، وسرعان ما أصبح متشددًا، بحسب ما ذكرته صحيفة “لوموند” الفرنسية. وما إن وصل به رحلته في التشدد إلى سوريا، حتى استقر أولًا في غرب حلب، ثم انتقل بعدها إلى الشدادي في الحسكة، والتي كانت أحد معاقل تنظيم “داعش”، بالقرب من الحدود العراقية عام 2014.
ثمة تقارير، غير موثوقة، تشير إلى أنّ نشاطه تركّز في حلب، ويُشتبه أيضاً أنه كان عضوًا في كتيبة “المهاجرين”، وهي جماعة فرنسية- بلجيكية من حوالي (40) رجلًا من بينهم عبدالحميد أباعود، وسامي أميمور، وإسماعيل مصطفى، وهم ثلاثة من أفراد الكوماندوز الذين دبروا أو نفذوا هجمات 13 نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، ويبقى الأمر قيد التدقيق.
وحتى الأول من يوليو (تموز) 2020؛ أنكر فيلوس البالغ من العمر (30) عاماً أي علاقة له بـ”داعش” وأي نية له في ارتكاب أعمال عنيفة، عند مغادرته سوريا، وأنه أراد المغادرة استعداداً لبناء عائلة في موريتانيا. ويزعم أنه اضطر إلى جعل تنظيم “داعش” يعتقد أنه كان سينفذ هجمات؛ لمنع أقاربه الذين بقوا هناك من التعرض لأعمال انتقامية، من الفارين، وذلك حسب ما أفادت صحيفة لوموند الفرنسية.
ينشر مركز المسبار ثلاث دراسات مختارة من كتابيه المشار إليهما أعلاه بهدف الإضاءة على التداعيات والتحليلات المترتبة على المخاطر الناجمة عن عودة “الجهاديين الأوروبيين” إلى بلدانهم وكيفة تعامل الجهات القضائية المختصة معهم.
وضع هذه القضيّة الشائكة تحت المجهر، يستدعي فهماً يستصحب الزوايا المتعددة، لفهم ثلاثية التطرّف (الفردي، والجماعاتي)، والعنف الهيكلي المتحول (الديني، والاجتماعي)، وجهود نزع التطرف، وهذا مضمار جديد، تكشف عنه هذه الدراسات في أطرها التحليلية المختلفة.