يتناول كتاب المسبار «الأديان في كردستان العراق» (الكتاب السادس والثلاثون بعد المئة، أبريل/ نيسان 2018) الأقليات الدينية في كردستان العراق. نواصل دراسة هذا الإقليم لنكشف عن التنوع الديني والمذهبي الذي لا يقتصر على الأديان الإبراهيمية وحدها. فبالإضافة إلى المسلمين السنة والشيعة، تتوزع الخريطة الدينية على أقليات تنتمي إلى الصابئة المندائية، والكاكائية (اليارساني) والإيزيدية، والبهائية، والزرادشتيين الجدد، علماً بأن الوجود اليهودي والمسيحي في كردستان التاريخية يعود لفترة زمنية طويلة. لقد أفردنا للمسلمين الأكراد أكثر من كتاب لدراسة السلفية والحركات الإسلامية والتنوع الإسلامي، لتأكيد فكرة التعدد الديني والمذهبي الفريد في هذه المنطقة من العالم التي تعيش في مجال جغرافي مضطرب.
إن آليات إدارة التعددية الدينية ودورها في تعزيز السلم المجتمعي والتعايش بين الأديان، أصبحت جزءاً أصيلاً من استراتيجيات الحكومات بعد تجارب تاريخية مؤلمة أُخذت منها الدروس والعبر، إلاّ أن الحروب والاضطرابات السياسية والانغلاقات الثقافية تؤدي إلى نزف في رصيد التنوع الديني والإثني. لا يرتبط هذا النزف بالحرب والهجرة والأزمات الاقتصادية والإرهاب فحسب، بل بأزمة المواطنة والخطاب السلبي تجاه الأقليات. إن الحديث عن النزف المسيحي واليهودي في الدول العربية يوازي اليوم الحديث عن التراجع الهائل للأديان السابقة على المسيحية، كالصابئة والإيزيدية والبهائية، تحديداً في العراق ومن ثم إقليم كردستان بعد عام 2003، الذي شكل انعطافة كبرى في تاريخ المنطقة، بما خلفه من تحولات سياسية واقتصادية وإقليمية، تركت تأثيرات مباشرة على الجماعات الدينية.
الصابئة المندائية في كردستان العراق
تركز الباحثة الكردية العراقية أمل باجلان، في دراستها على وجودهم في كردستان العراق قبل الغزو الأمريكي للعراق 2003، على مدى الـ(100) عام السابقة، والآثار المترتبة على التغييرات التي طرأت خلال هذه الفترة، وقسمت دراستها على شكل أجزاء تضمنت البعد التاريخي والجغرافي للصابئة المندائية في كردستان، وانتقالهم في مرحلتين إلى المدن الكردية، وحدوث العديد من أعمال العنف التي استهدف أغلبها الأقليات الدينية والعرقية في مدن العراق، مما اضطر أبناء ديانة الصابئة المندائية للهجرة إلى مدن كردستان العراق، كما تذكر هجرة الصابئة الخارجية وأسبابها، وأخيراً العلاقات الاجتماعية مع الكرد ولماذا اختاروا كردستان ملاذاً لهم.
ترى باجلان أن طبيعة وبيئة وشخصية الفرد الكردي فرضت نفسها للتعايش مع المكونات الأخرى بمختلف انتماءاتهم ومعتقداتهم الدينية، باستثناء بعض الحالات قد تكون وجهات نظر تابعة إلى أصحابها ذوي الفكر المتشدد، وهذا يكاد يكون طبيعيا إذ لا تخلو أي بيئة أو بلد من المتطرفين بمختلف توجهاتهم، ويعود هذا الاندماج إلى اختلاف البيئة والتكوينة المجتمعية ونظرة الإنسان الكردي للآخر المختلف عنه بشكل عام، فهو لا يعتبر الاختلاف الديني أو الطائفي وحتى العرقي مشكلة للتعامل مع الآخر، بل يضع الإنسان في المقدمة ومن ثم الاعتبارات الأخرى.
الكاكائية في كردستان العراق وإيران
درس الباحث العراقي المتخصص في التعددية والتنوع الثقافي، عبدالرحمن كريم درويش، في أصل الكاكائية وأهم مرتكزاتها العقائدية الفلسفية ورؤيتها الحضارية وعلاقاتها مع الأديان والمذاهب الدينية والفكرية الأخرى، وأهم التحديات التي تواجهها، كجماعة دينية غير تبشيرية تحاول الحفاظ على خصوصياتها في خضم التحولات والتغيرات التي تحدث في العالم والمنطقة، وتتعرض إلى الكثير من الضغوط التي تمس عقيدتها ووجودها. وتعريف هذه الجماعة الدينية، لذا يمكن وصف هذه الدراسة بأنها من الدراسات الوصفية التحليلية، التي تتبع المنهج الوصفي والتحليل التاريخي بدرجة أساسية .
يتصل الإطار الزماني للدراسة بالأصول التاريخية لهذا الدين ومحاولة استشراف مستقبله، مركزاً بالأساس على تحديات واقعه الراهن. أما الإطار المكاني للدراسة فيشمل أماكن وجودهم بشكل رئيس في كردستان العراق وإيران. هناك العديد من الدراسات السابقة التي تناولت الديانة الكاكائية والتي تنتمي إلى حقول معرفية عديدة كالاجتماع والسياسة والدراسات الأمنية والتاريخية والفقهية والعقائدية، وهي تنطلق من مشارب فكرية متعددة ولأهداف ودوافع متباينة وبلغات مختلفة، ويحاول هنا استخدام معظم تلك الدراسات كمصادر ومراجع مباشرة وغير مباشرة بالإضافة إلى الدراسة الميدانية، وتحليل بعض النصوص المقدسة المتوافرة لتلك الديانة. تضم الدراسة ثلاثة محاور: الأول: يبحث في أصول نشوء الكاكائية. والثاني: يدرس الأسس العقائدية للكاكائية وارتباطاتها مع الأديان والمذاهب الدينية والفكرية والاجتماعية الأخرى. أما الثالث: فيحلل أهم التحديات والإشكاليات التي تواجه أتباع هذه الجماعة الدينية.
الإيزيدية في كردستان العراق وتحديات البقاء
هدفت دراسة الباحث العراقي في الإعلام وحل النزاعات وبناء السلام: خضر دوملي، إلى تقديم تعريف بالمكوِّن الإيزيدي، وبعض المحطات التاريخية المهمة التي مر عليها، والتوزيع الجغرافي له في الوقت الحاضر في كردستان، مع الإضاءة على أبرز عاداته وتقاليده، والأسس التي اتبعها حتى استطاع الحفاظ على وجوده وسط التحديات الكثيرة التي رافقت تاريخه، وصولاً إلى واقعه الحالي بعد تعرضه للهجمة الكبيرة من قبل تنظيم داعش والتي وصفت بالإبادة من قبل المؤسسات الدولية.
استندت الدراسة إلى مجموعة مصادر قديمة وأخرى حديثة، كما أنها استندت إلى بعض المقالات الجديدة التي نشرت عن الديانة، والتي فيها رؤى علمية ومعلومات مهمة، إلى جانب التركيز في تقديم هذه الديانة للقارئ العربي بطريقة واضحة ومفهومة وفقاً للوقائع التاريخية. ومثل غيرها من الدراسات فإن الكتابة عن الإيزيدية دائماً تعطي للكاتب الحرية في تناولها في اتجاهات عدة، لذلك اخترنا بعضاً من السرد التاريخي إلى جانب الوقائع التي مرت وأثرت كثيراً على هذا المكون وهويته وتاريخه المليء بالمآسي كما تذكر العديد من المصادر.
البهائية في كردستان العراق: النشأة، العقيدة والتحديات
تشير الباحثة الكردية العراقية، نارين صديق مام كاك، في دراستها إلى أن البهائيين جماعة حديثة ظهرت في منتصف القرن التاسع عشر، يوجدون في مناطق متفرقة من العراق. وقد استقر كثير منهم في السنوات الأخيرة في كردستان العراق، بسبب الاستقرار الأمني والاجتماعي هناك. وإن ارتباط البهائيين بكردستان يعود إلى زمن وجود «بهاء الله» فيها، وفي السليمانية تحديداً، وخصوصاً مع أقطاب المدارس الصوفية فيها. أما في الوقت الحاضر فالبهائيون موجودون في ثلاث محافظات في الإقليم: السليمانية، وأربيل، ودهوك. وقد تم التثبيت في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بكتاب رسمي أن البهائية يبلغ عددهم حوالى مئة عائلة في الإقليم، وأن العدد الأكبر منهم موجودون في السليمانية، بسبب القيمة المعنوية لهذه المدينة بالنسبة للبهائيين، نظراً لقضاء «بهاء الله» سنتين من عمره فيها. وتضيف الباحثة: إن البهائية مرت بمراحل عدة لحين اكتمالها كديانة واضحة المعالم. كانت بدايتها على يد الباب الذي بشر بظهور الديانة البهائية. ففي بداية القرن التاسع عشر انتشرت في العالم الإسلامي موجة من التوقعات بظهور «صاحب الزمان»، وبأن عصراً روحياً جديداً سيبدأ تحقيقاً للنبوءات التي جاءت في بعض المذاهب والعقائد الإسلامية ومنها الشيخية. وبالرغم من صلتها النشوئية هذه بالإسلام، فإن البهائية اكتسبت فيما بعد بُعداً غامضاً في الثقافة الشعبية، إلى جانب العداء الذي واجهته من المؤسسات الدينية الرسمية الأخرى، فضلاً عن تقييدها بتشريعات قانونية دولتية حدّت من انتشارها، بل وعاقبت في حالات عديدة من يؤيدها ويتبعها. وهو الأمر الذي جعلها في حالة انسحاب وتخفٍّ ومناورة، في مسعى للاحتفاظ بوجودها العقائدي حتى لو كان في أضيق نطاق سري ممكن. ولأن الملابسات العقائدية والتاريخية التي أحاطت بهذه الديانة لا تزال تخضع لتأويلات متباينة غير متفق عليها لدى الباحثين والعامة في آن معاً، فإن هذه الدراسة، مستعينة بالمنهج الوصفي التأريخي، تسعى إلى الإحاطة بالأبعاد العقائدية والروحية والاجتماعية لهذه الديانة، سواءً في نشوئها أو ديمومتها، وطبيعة صلتها بالبيئة العراقية عموماً والكردستانية خصوصاً على المستويين المجتمعي والدولتي، ونوع التحديات والمعوقات التي واجهتها منذ نشوئها حتى اليوم، سعياً لتقويم وضعها الحالي وما قد يتصل به من معطيات مستقبلية. قسّمت فيه الهدف الرئيس من الدراسة إلى أربعة أهداف فرعية، يجري تحقيقها تباعاً في طيات الدراسة من خلال التساؤلات التالية: أولاً: كيف ومتى نشأت البهائية؟ وما جذورها العقائدية والروحية؟ وكيف تطورت عن البابية؟ وما أبرز تعاليمها وأنساقها القيمية وتنظيماتها الإدارية؟ وما رؤيتها للبشر والدنيا وعوالم ما وراء الطبيعة؟ وما صلتها ببقية الأديان المحيطة بها؟، ثانياً: ما الوظيفة والدور الاجتماعيان للبهائية؟ وما مدى انتشارها؟ وما مساهمتها في السلم المجتمعي؟، ثالثاً: ما أبرز التحديات والمعوقات السياسية والاجتماعية والقانونية التي واجهتها البهائية في العراق؟ وإلى أي حد نجحت في الاندماج في البنية الثقافية المحلية؟، رابعاً: ما طبيعة الوضع القانوني والاجتماعي للبهائيين في كردستان العراق اليوم؟ والمؤشرات التي يمكن الاستدلال عليها بشأن مستقبل البهائية هناك؟
الزرادشتیون الجدد : بحث عن هویة مفقودة
اتبع أستاذ علم الاجتماع في جامعة سوران بكردستان: إبراهیم صادق ملازادة، في كـتابة هذا البحث منهجیة عملیة التشكـیل أو (Process Figurational) والتي أسس لها العالم الاجتماعي الألماني نوربرت إلیاس (Norbert Elias) الذي یتحدث عن نظریته «عملیة التشكـیل»، كـعملیة لفهم الظواهر الاجتماعیة، وفي هذا الإطار یشكـل «التشكـیل، بنیویة مجتمعیة تتشكـل من مجموعة أفراد، ومرتبطة بمجموعة من المواقف والأسس والأعراف والقیم». ويقف الباحث أمام شبكـة من أبعاد مختلفة، والأفراد ضمن إطار المجتمع، لا ینظر إلیهم كـأفراد بل كـجزء من البنیویة التي تربط النظام المجتمعي. وهذا النظام الذي يدفع باتجاه دفع الأفراد للوقوع بین حریة الحركـة والجبر المجتمعي. كما يقارب الباحث ماضي المجتمع الذي نرید أن نعرفه، أي المجتمع المستهدف، وكـذلك دراسة الحاضر الذي نحن بصدده عن طریق الأفراد الذین یعیشون واقعهم الحالي في المجتمع المستهدف نفسه. وضمن تلك المعادلة عيّن الباحث بعض المظاهر التي قد تشكـل مجتمعاً معیناً بسمات ومعاییر خاصة. ولهذا الغرض، أجرى مقابلات شبه بنیویة مع أشخاص رئیسین ضمن هذه الجماعة، لمعرفة آلیات الفكـر والسلوك التي تتحكـم ببنیویة العمل المستقبلي، وكـیفیة تعاملهم مع مجموعة من القیم والمعاییر المجتمعیة في مختلف مكـوناتهم وأیدیولوجیاتهم.
يرى الباحث أن هناك أسباباً ذاتية وموضوعية لعودة هؤلاء الناس للتوجه نحو الزرادشتیة. وهناك أسباب متجذرة وأسباب آنیة تجعل الكـثیر من الكـرد يفكرون في هویة جدیدة وترك الهویات التقلیدیة القدیمة، التي أصبحت بشعة وكـریهة بسبب سلوك الكـثیرین من الذین یمثلون هویاتهم، ومنها الهویة الإسلامویة المتطرفة أوالقومیة أو الیساریة. ونتیجة لهذا الوضع المشتت، توجه العشرات أو المئات إن لم نقل الآلاف إلى الدین الزرادشتي، واعتبار ذلك عودة لدین الآباء وتشكـیل الدین القومي، وهي تعتبر ظاهرة جدیدة في المنطقة نتیجة تصاعد الصراع الطائفي. وقد تمت دراسة الزرادشتیة، وإبراز مختصر شدید في تاریخهم ومعتقداتهم، والتعامل مع التاریخ بشكـل غیر تقلیدي، كـما یعتبرونه تاریخاً مسروقاً ویجب إعادته. درس الباحث البنیویة الهرمیة للزرادشتیین بشكـل مفصل. كما درس الأبعاد الاجتماعیة للتعایش السلمي بین الزرادشتیين الكـرد الجدد وآخرین، وحاول إبراز الجوانب الدینیة التي یؤمن بها الزرادشتیون. والحدیث حول أسباب اتخاذهم لهذه الدیانة كـهویة قومیة، واعتبارها ظاهرة حداثیة واقعة تحت تأثیر العولمة.
اليهود الكرد في كردستان العراق ومحاولة التجدد
يرى أستاذ الشريعة بكلية العلوم الإسلامية في جامعة صلاح الدين بأربيل: آدم بيدار، أن جذور اليهود في كردستان تعود إلى آلاف السنين في هذه الأرض المسماة بكردستان، فقد هجّروا قسراً من أورشليم إلى بابل، ثم أرغموا على الهجرة إلى الأرض التي هُجِّروا منها إثر قيام دولة إسرائيل عام 1948، وقرار الحكومة العراقية بتطبيق القانون رقم (1) لسنة 1951 بإسقاط الجنسية العراقية عن يهود العراق، فاختفوا عن الساحة الكردستانية تماماً. وبعد مرور حوالى (65) سنة على هذا الاختفاء عاد اليهود الكرد للظهور مرة أخرى في جنوب كردستان بحثاً عن آثار الجذور المتقطعة، فقاموا بحفر الأرض لإزالة التراب عنها وإحيائها من جديد.
في ختام البحث يتوصل الباحث إلى جملة من النتائج، أهمها: قدم جذور اليهود في كردستان. أتت الديانة اليهودية عن طريق اليهود الذين هُجِّروا قسراً من بلادهم. بدأ اليهود الكرد مع غيرهم من أبناء كردستان ببناء حياة جديدة وعلاقات متينة مع المكونات المختلفة. تمتع اليهود الكرد في ربوع كردستان بحرية كبيرة مقارنة ببقية المناطق التي هجروا إليها من المنطقة. أثر اليهود على أبناء كردستان من الناحية الدينية بشكل واضح وصل إلى اعتناق العائلة المالكة لمملكة أديابين الدين اليهودي. أضاف اليهود لكردستان إضافات ثقافية ودينية واقتصادية، وكان لهم إسهامات واضحة في شتى مجالات الحياة. تمتع اليهود الكرد في كردستان بممارسة الطقوس الدينية وبناء المعابد، وبناء علاقات اجتماعية طيبة مع مكونات كردستان المختلفة. تعرض اليهود الكرد الذين عاشوا في كردستان إلى الظلم والاضطهاد في بعض الأحيان. كان عدد السكان اليهود الكرد (22618) قبل الهجرة والتهجير، حسب الإحصائية العراقية لعام 1947، وانخفض بعد قرار إسقاط الجنسية عنهم إثر قيام دولة إسرائيل إلى (15) يهودياً بقوا في محافظات (السليمانية، كركوك، ديالى) حسب إحصائية 1977. ظهر اليهود الكرد مرة أخرى بعد سنوات من الاختفاء في 2015 عن طريق ممثلية لهم بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية بحكومة إقليم كردستان العراق. يحاول اليهود الكرد إحياء الثقافة اليهودية في كردستان الجنوبية، من خلال البحث عن العوائل ذوي الأصول اليهودية التي لم توثق بعد عددها. تنحصر الأنشطة الدينية لليهود الكرد الآن في جنوب كردستان في إقامة بعض المراسيم الدينية في خفاء ووسط أناس محددين. يمتاز اليهود الكرد، من بين كثير من المكونات الدينية المختلفة الموجودة الآن في جنوب كردستان، بتأييد القضية الكردية والإسهام في بناء دولة مستقلة على أرض كردستان، ويحلمون بإرجاع حقوقهم المسلوبة وإعادة اليهود الكرد الذين يعيشون خارج كردستان، والراغبين بالعودة إلى أصولهم الكردية. يحاول اليهود الكرد الآن المساهمة الفاعلة في شتى مجالات الحياة عموما، والثقافية والاجتماعية على وجه الخصوص، وكان لهم إسهامات واضحة في هذا المجال عموماً، وتقوية التعايش السلمي بين كل المكونات على وجه الخصوص.
الكرد المسيحيون في كردستان العراق
يقول الكاتب والباحث المقيم في إقليم كردستان العراق بهمن طاهر نریمان: إن الدیانة المسیحیة كـدیانة عالمیة هي فوق القومیات والأماكن، مثلها مثل الإسلام والزرادشتیة، ولهذا انتشرت في كـل أصقاع العالم. والكرد إحدى القومیات التي احتضنت المسیحیة مبكـراً. جاء في إنجيل متی، القسم الثاني إن (الموغ) المجوس (وهم رجال الدین الزرادشتیون) جاؤوا من المشرق لرؤیة المسیح، في أثناء ولادة عیسی أي بعد ولادته، وكـما هو معلوم فإن هؤلاء (الموغ) كـانوا من العلماء وأصحاب الوجاهة في بلاد الكرد. ويشير الباحث إلى أنه تاريخياً، يوجد في كردستان فئتان من المسيحيین: الأولى: المسيحيون الأصليون الذين ورثوا دينهم عن أجدادهم، أي المسيحیون القدماء. الثانية: المسيحيون الذين كانوا مسلمين قبل ١٩٩١، أو ولدوا من عائلة مسلمة وغيروا دينهم للمسيحية، أي المسيحيون من أصول مسلمة.
يتناول الباحث التقسيم الجغرافي لمسيحيي إقليم كردستان وأعدادهم وكنائسهم، ويتناول أعداد المسيحيين الكرد من الأصول المسلمة. ينقل الباحث عن العدید من المؤرخین المسلمین وذكرهم للمسيحيين في كردستان في العصور الوسطى، والذين أشاروا لهم باعتبارهم كرداً أو نسطوريين أو يعاقبة، يشير الباحث إلى أن الاسمين الأخيرين لا يشيران إلى مجموعة عرقية، بل هما اسمان لمذهبين مسيحیين. وتحدث المسعودي في القرن التاسع عن الكرد بالتفصيل، يقول في القسم الخاص بأكراد الموصل: فيهم اليعقوبيون وفيهم الجوزقانيون، والمسيحيون الذين يوجدون في أماكن أو مواطن عيشهم خلف الموصل وجبل الجودي. واليعقوبیون استخدموا اللغة السريانية بشكل رئيس، واللغة السريانية لم تكن لغتهم القومية، بل كانت لغة دينهم. ويتحدث الطبري عن اليعقوبيين الذين كانوا كنيسة مسيحية خاصة، ويقول عن أحداث ٢٥٨هـ: هاجم مسرور البلخي الكرد اليعقوبيين وألحق بهم أضراراً، وأجبر البلخي الكرد المسيحيين اليعاقبة على التخلي عن المسيحية واعتناق الإسلام. في الحقيقة وإلى القرن العشرين، يذكر المسيحيون في جميع المصادر الإسلامية والأوروبية بأسماء مذاهبهم، كالنسطورية أو اليعقوبية والكلدانية أو بالكرد. استمر الأمر هكـذا إلى سنة ١٩٩١ عندما كتب الباحث الإنجليزي ويكرام (W.A. Wigram) كتاباً عن مسيحيي كردستان وإيران وسماهم آشوريين، وليس ذلك بالاعتماد على أبحاث تثبت علاقة المسيحيين بالآشوريين، بل كان يعتقد أنه بدل الأسماء الكثيرة للمسيحيين من الأسهل أن يستخدم لهم اسم الآشوريين. كان مسيحيو كردستان مختلطين مع الكرد في الماضي لدرجة أنهم كانوا يتصرفون كأي كردي، لكن مع توافد الفكر القومي إلى هذه المناطق، دفع الكثير من المسيحيين إلى إضافة الاختلاف العرقي إلى الاختلاف الديني وأن يرجعوا بنسبهم وأصولهم إلى شعوب آخرى. وساعدت على ذلك الأنظمة العراقية المتعاقبة، وبطرق مختلفة المسيحيون في كردستان، والذين كانوا يوصفون بأنهم من الكرد إلى التنكر لكرديتهم. مثلما توجد هناك محاولات مستمرة من هذا القبيل لدفع الإيزيديين للتنكر لكرديتهم. يختلف مسيحيو كردستان من منطقة لأخرى، مثلاً: إن مسيحيي قرية هرموتة، وهي قرية تابعة لمدينة كويسنجق، تسكن فيها (٢٥٠) عائلة مسيحية لديهم كنيسة خاصة بهم لا يختلفون عن الكرد في لبسهم ومأكـلهم وتعاملهم وحتى تحدثهم بالكردية، وكردية علاقاتهم الاجتماعية، لكن الكرد في عينكاوا أربيل، يختلف لبسهم وملامحهم وعلاقاتهم الاجتماعية عن الكرد.
الديانة المسيحية في كردستان العراق
يقدم عميد كلية بابل الحبرية للفلسفة واللاهوت في عينكاوا، أربيل: غزوان يوسف بحو، نبذة تاريخية لنشأة الديانة المسيحية على يد سيدنا يسوع المسيح، حينما عاش حياته الأرضية على مدى ثلاث وثلاثين سنة في أرض فلسطين. وبعد صلبه وموته وقيامته سلم هذه المهمة إلى رسله الاثني عشر، الذين بدورهم نشروا الإنجيل في كل بقاع العالم وصولاً إلى أرض كردستان. نتطرق أيضاً في النقطة الثالثة من الدراسة إلى ما يميز المسيحية عن الديانات الأخرى بأبعادها الروحية وعقيدتها وأبعادها الاجتماعية. ومن ثم نتعرف إلى البقعة الجغرافية، وخصوصاً في كردستان العراق، وحجم وجود الديانة المسيحية وتابعيها، لكي نفهم ماذا سيكون مستقبلها في النقطة الخامسة.
تأسست المسيحية منذ أن بشر بها يسوع المسيح من خلال حياته الأرضية، التي عاشها مع شعبه اليهودي ابتداء من الجليل وأورشليم، حيث بشر وعلم وعمل وشفى المرضى وأقام الموتى، وشكل حوله حلقة من التلاميذ الاثني عشر ثم الاثنين والسبعين تلميذاً، هكذا انتشرت المسيحية بسرعة كبيرة بتعليم هؤلاء الرسل وبقوة الروح القدس، حيث كان الله يرافقهم في رسالتهم فانطلقوا من أورشليم إلى قلب الإمبراطورية الرومانية (روما) غربا، وإلى قلب الإمبراطورية الفارسية (بلاد الرافدين) شرقا، وصولا إلى الهند والصين، وشمالا باتجاه إنجلترا، وجنوبا في القارة الأفريقية. واستطاع هؤلاء الرسل الاثنا عشر أن يبشروا بقيامة المسيح وبتعاليمه كل الأمم من دون جبر وإكراه وباحترام تقاليدهم وتاريخهم، فاستطاعوا أن يؤسسوا كنائس بتقاليد ولغات وحضارات متنوعة ما زال أغلبها قائما إلى يومنا هذا، وانتشارها في أغلب مناطق كردستان شاهد على ذلك. يستنتج الباحث من هذا التاريخ الطويل أن المسيحية بالرغم من الاضطهادات التي تعرضت لها منذ نشأتها إلى اليوم، استطاعت أن تؤسس في العالم على مر التاريخ ثقافة التسامح والسلام والمحبة. لأنها المبادئ الأساسية التي عاشها المسيح طوال حياته، وبشر بها رسله الذين بدورهم عاشوها ونقلوها إلى كل العالم. واليوم تنتشر المسيحية في أغلب مناطق كردستان لتستمر بنشر رسالتها التي تدعو إلى التسامح والعيش المشترك ضمن مجتمع يؤمن بثقافة التعايش السلمي، وفق ما توفره له حكومة الإقليم من حرية دينية وحرية الفكر والتعبير عن الرأي، حيث تعيش كل المكونات بحرية وسلام ومحبة.
إيران وتنامي الإرهاب: الأزمة السورية أنموذجاً
يقدم الباحث المصري المتخصص في الشؤون الإيرانية: محمد محسن أبو النور، دراسة عدد، تتناول محددات دعم الإرهاب في دوائر صناعة القرار بإيران، ويشير إلى أن إيران لعبت أدواراً كبرى في تنامي ظاهرة الإرهاب الإقليمي في السنوات الأخيرة، وبدا ذلك واضحاً من خلال سلوكها في الأزمة السورية بعد عام 2011، الذي زاد من فرص تنامي الجماعات الإرهابية ليس في سوريا فحسب، بل في الإقليم بوجه عام، إذ عملت على تكوين نحو (50) فصيلاً مسلحاً يضم ما قرابته (60) ألف مقاتل ينتمون إلى عدد من الدول، وتبرز أنماطهم المذهبية من خلال تسميات تلك الفصائل التي تتراوح بين “الزينبيون” و”أبو الفضل العباس” و”لواء الإمام زين العابدين”، وغيرها من الأسماء ذات الدلالات المذهبية الطائفية الشيعية.
يتسع الإطار الزمني للدراسة في الفترة الممتدة بين نشوب الحراك الاحتجاجي في الخامس عشر من مارس (آذار) 2011، وحتى اللحظة الراهنة مع التعريج على الخلفيات التاريخية المتعلقة بفهم أسباب الانخراط الإيراني المباشر في الأزمة السورية، وأثر ذلك على تنامي ظاهرة الإرهاب الإقليمي، عن طريق اتباع منهج دراسي مسحي للخروج بخلاصات مفيدة.
تتمثل مشكلة الدراسة في فهم وتحليل طبيعة الإشكالية الطارئة في كون إيران عاملاً مشتركاً لجهة تنامي ظاهرة الإرهاب الإقليمي، في الوقت الذي يبدو فيه جلياً أنها إما دعمت الجماعات المتطرفة والراديكالية بشكل مباشر، كما هو الحال في دعمها السري والعلني لحركة طالبان وتنظيم القاعدة، وإيواء العرب الأفغان الفارين من الحرب الروسية- الأفغانية، فضلاً عن دعمها لحزب الله والتنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، أو بشكل غير مباشر من خلال دعمها للدول والمنظمات التي تدعم الجماعات المتطرفة في سوريا. لعل أبرز مثال على ذلك الدعم الإيراني المطلق للنظام القطري الذي يستقبل ويؤوي ويمول بعض الجماعات الراديكالية المتحاربة في سوريا، وكم كان هذا واضحاً وجلياً للأعين من خلال استضافة وسائل الإعلام القطرية لزعيم تنظيم جبهة النصرة: أبي محمد الجولاني في غير مرة بدءاً من عام 2013 وحتى الآن، مما يعني في المحصلة أن إيران متحالفة مع الجماعات الراديكالية بشكل مباشر، أو الدول الداعمة لهذه الجماعات.
تهدف الدراسة في الأساس إلى التوصل إلى أسباب الدعم الإيراني للجماعات المتطرفة، وحصر التحديات التي تواجه عملية إعادة السياسة الإيرانية إلى النظام العالمي الذي يحارب الإرهاب ويكافح التطرف. كما تسعى الدراسة إلى طرح عدد من الخيارات أمام صناع القرار والرأي العام، لمواجهة السلوك الإرهابي الداعم للإرهاب في الإقليم على وجه العموم، وفي الأزمة السورية على وجه الخصوص عن طريق برنامج عمل تنفيذي مكون من توصيات تساعد على الخروج بأفضل الوسائل والأقنية التي تؤدي إلى حلحلة الأزمة.