تواجه الدولة النيجيرية معضلة تاريخية في التعامل مع تراثٍ إسلامي عميق الجذور في الشمال؛ وممالك باذخة الأثر النفسي لدى مواطنيه، تتمثل بإمبراطورية برنو (1380 – 1893) وتاريخ خلافة عثمان دان فوديو (Usman dan Fodio) (1754 – 1817) في سوكوتو. أنتج التاريخ بأمجاده وانكساراته، ثم الفشل في تنمية الشمال، والعبث بالتركيبة الإسلامية الداخلية، عبر استيراد تيارات إسلامية وافدة لتعزيز هوية دينية سياسية جديدة؛ ذهنية إسلامية نافرة من فكرة الدولة في الشمال، الذي قدم هويته الدينية على هويته الإثنية فعرف نفسه بانتمائه إلى الإسلام، أما الجنوب فعرف نفسه مسيحياً, حتى غدت الذهنية المسلمة تعادي نمط التعليم باعتباره غربيًا غريبًا.
نشطت السلفية في نيجيريا، ومعها الإخوان المسلمون، منذ سبعينيات القرن المنصرم، كما سيظهر في الدراسة تباعاً، وصار للشيعة وجود بعد أن نجح الخميني في ثورته عام 1979 وتأثر الطلاب بها. وحدث تمرد «مروة» في 1995 وهو سياسي ديني، يشكو الفقر والتهميش ويعتمد على الأصول الكاميرونية. ولكن الانطلاقة الحقيقية للجماعات كانت بالتوافق بينها وبين بعض السياسيين، حين أُعلن خيار تطبيق الشريعة، فاستطاع حكام الولايات كسب تأييد الجماهير عبر هذه الجماعات، التي أصبحت تظن أن لها سلطة على الحكّام، وسرعان ما حدث الخلاف بينهما، فنتج عن ذلك وجود صراع اتجه نحو التشدد أكثر فأكثر، تكرر الأمر ذاته مع محمد يوسف الذي انتقد «جماعة إزالة البدعة وإقامة السُنّة» لأنها دعمت مرشحًا مسلمًا في الانتخابات فشاركت بذلك في إثم «الديمقراطية» الغربية، حسب رؤيته. عبّر عن هذا الرفض بالهجرة وبناء مجتمعات منعزلة؛ لأن المجتمع العام كافر -حسب تصوره، وهنا اتسع نطاق التكفير مجددًا ليُربط بنطاق «رفض الدولة» ويأتي من بيئة التهميش.
بعد نزوع محمد يوسف إلى التشدد الأكبر نسبت إلى جماعته اغتيالات لعلماء دين آخرين، أقل تشددًا. وتسبب مقتله بطريقة مهينة في تفجير الطاقة الجهادية لبوكو حرام, التي بايعت داعش وما تزال تتشقق متنافسة في سباق التكفير. وما يزال السجال مفتوحًا على فظاعات إرهابية تقوم، باسم الدّين، بخطف الفتيات وقتل الشيوخ والأطفال، ولا يواجهها سوى المزيد من العنف.
تحاول هذه الدراسة تتبع مسار خروج التطرف الديني من تفاعلات الإسلام التقليدي، والإسلام السياسي، وصولاً إلى التطرّف المتشدد في شمال نيجيريا، وتتناول التاريخ السياسي للدين فيها، مع ملاحظة عناصر التقليد الصوفي، وظروف التهميش السياسي، ومحفزات الثورة الإخوانية والخمينية، مع سوء إدارة الدولة، وصولاً إلى انفجار الحركة الإرهابية المتطرفة، مثل بوكو حرام.
الصلة بين تاريخ وحاضر المسلمين في نيجيريا
يشكل المسلمون نسبة غالبة في غرب أفريقيا، ويتركز أكثرهم في شمال نيجيريا ويتوزعون بين عرقياتها الكبرى، ويتزاوج الدين والإثنية والجهة في صناعة الواقع السياسي لنيجيريا بما يتصل وأزمة بوكو حرام. تجلّى هذا التأثير في الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وهو التأثير الذي رافقته مسببات الخلل الهيكلي في بناء الهوية النيجيرية -حالها حال أغلب الدول الأفريقية- وما نجم عنه من إشكاليات الاندماج الوطني، وتنامي الولاءات الفرعية (الدينية والقبلية والطبقية) على الولاء الوطني للدولة النيجيرية.
يرجع الاختلال في تكوين الهوية الوطنية في الغالب، إلى الإرث الاستعماري، وممارساته من الحملات التبشيرية المسيسة، وتلاعبه بالتعددية الإثنية والعرقية. ولكن يضاف إليه في حالات النزاع، سيولة الحدود التي تفصل «قبائل موحدة» ذات إرث تاريخي مشترك، وانعدام الصلة بين الشمال والجنوب من الناحية الدينية أو التاريخية، فيشعر الطرفان أنهما مرغمان على العيش معًا، جبرًا لا اختيارًا.
المسلمون أنفسهم ليسوا كيانًا واحدًا متجانسًا ولا جسدًا متماسكًا، بسبب عوائق اللغة وحواجز الطرائق والمذاهب، فالشمال ذو الأغلبية المسلمة، تسكنه قبائل «الهوسا» و«الفولاني»، وفي الشرق والجنوب الشرقي قبائل «الأيبو»، وفي الجنوب والجنوب الغربي ذي الأغلبية المسيحية تسكن قبائل «اليوروبا»[1].
فخاخ مضللة في دراسة التشدد في نيجيريا
فخ تجاهل التاريخ: ينأى المؤلفون عن الخوض في فخاخ تاريخ نيجيريا، المعقد من ناحية، والمضلل من نواحٍ أخرى؛ فلكل فريق داخل نيجيريا رواية تؤيد ما يدّعيه، ولذا افترض باحثون[2] أن عليهم البدء من العام 1970، أي منذ ميلاد مُنشئ بوكو حرام؛ الأول، محمد يوسف، ثم أبي بكر شيخو. تقوم فرضية هؤلاء على أنّ المهم فهمه ودراسته هو ما شكّل شخصيات مثل محمد يوسف، وبالتالي فالأحداث الرئيسة تبدأ في الثمانينيات، فلا تشمل جدال تطبيق الشريعة الذي كان في آخر السبعينيات. بل تبدأ بأزمات النزاع الأهلي في 1987 ، وتمرد «محمد مروة»، الذي انعكس على وعي يوسف وشيخو وجيلهما، وعرف الجيل عبره أن الدولة تتعامل مع المسلمين بعنف، حسب الزعم، ولاحقًا ترسّخت لديهم رؤية بأن دولة ما بعد الاستقلال مصممة لعداء المسلمين!
ولكن هذا الاتجاه من الدراسات يقع، في طريق هروبه من التعقيد؛ في فخ محير، لأن كل هذه الدراسات، التي تدّعي أنها ستختصر فهمها في قياس مدى التأثير في حياة أبطال القصة أو عناصر الحركة الرئيسة، تقع في تبسيط التاريخ عوضًا عن تناوله بعمق، وهذا التبسيط أيضًا لا يخلو من الغرض، خصوصاً وأن باحثين قفزوا إلى عثمان دان فوديو (1754-1817)، مباشرة لربطه ببوكو حرام. وهي محاولة أُشير إليها كثيرًا[3]، ولكنها تتجاهل السياق التاريخي العميق، الذي يبرز فيه دان فوديو صوفياً يقود حركة جهادية بأسلوبٍ فقهي، قد يتوافق إلى حدٍ كبير مع المعطيات الدينية آنذاك، ولكنه لا يلتقي مع الأصول السلفية التي انبعثت في الجزيرة العربية آنذاك، بل يقع داخل مدارس التفكير الفقهية التقليدية النيجيرية، بينما محمد يوسف يمثل النقيض السلفي له، النقيض الذي أتى بأفكار من خارج القارة والمذهب، أو تفاعل معها، كما يأتي في حالة الزكزاكي. والانتقاد نفسه، وجّه لمن حاول ربط محمد مروة بدان فوديو، لعلة تكرر المهدية[4].
فخ تجاهل التكوين العرقي للمسلمين: حاول آخرون تجاهل التكوين العرقي، وانشغلوا بالتركيبة الدينية المبنية على أرقام تعكس عدد المسلمين والمسيحيين، فمن جهةٍ هم يتناسون أنّ هذه الأرقام منذ العام 1900 إلى الآن تغيرت بشكل كبير، مما يجعلها واجهة لتغيير أكبر منها، ورصدها كرقم فحسب يضيع معناه إن لم نبحث عن العناصر الاجتماعية التي تشكلها. فإذا عرفنا أن نسبة الأديان الإبراهيمية كانت لا تجاوز (40%)، في تاريخ نيجيريا، فنسبة المسيحيين كانت دون (10%)، ونسبة المسلمين كانت (25%) في بداية القرن العشرين، حسب المزاعم الرسمية، ثم أخذت هذه النسب في القفز في صراع بينهما حتى تناصفا عدد السكان.
إن افتراض الأغراض السياسية للتديين والتبشير والدعوة مهم، خصوصاً وأن هناك ملاحظات من قبيل تحوّل قبائل إلى أديان أخرى لأغراض سياسية؛ فثمة قبائل وثنية أشارت بحوث أنها انتظمت في المسيحية لتعزيز قوى سياسية وتنظيم حزب يمثل عرقيتها بصورة أفضل[5]. ويمكن فهم إيجاد الأمر نفسه، في بحوث أخرى لانتقال متصوّفة إلى مذاهب أخرى؛ سواء خارج المذهب السني كالتشيّع بعد الثورة الخمينية كما سيلي، أو إلى السلفيّة العربيّة قبلها.
ما تعريف التطرف وحده، وهل الشريعة هي لافتته؟ هل كل نيجيري يطالب بالشريعة، يتبع لنسق التشدد؟ أم إنّ الشريعة ربما تصبح مفهومًا يطلق على حالة هوياتية رمزية، لا لازم أو مقابل لها في الواقع؟ هذا أمر آخر، يبدو التنبيه إليه في المعالجة مهمًا؛ فإن الشريعة الإسلامية كمطلب لم تكن مرتبطة كمحدد للتطرف داخل نيجيريا، بل كانت ضمن المستفزات ذات الحدين، تُثار من السياسيين المسلمين، لجذب المتدينين، أو إحراج المدنيين، فأغلب الذين دافعوا عن الشريعة لم يكونوا جهاديين، ولكن حركتهم السياسية منحت أشخاصًا مثل محمد يوسف فرصة البروز كواجهة للمسلمين، في «سوكوتو» و«مايدوغري» وغيرهما. ولعل الارتباط بالشريعة في الغرب الأفريقي، هو ارتباط هوياتي؛ لا علاقة له بالمضامين التشريعيّة الحديثة التي يوحي بها اللفظ. فالسلاطين في «سوكوتو» أو «كانو» يؤمنون بهذا الارتباط على نسقٍ مالكي معزز. أما اللفظ في سياقه الجديد، الذي يظهر في المطالبات السياسية، فكان يتكئ على نسق سلفي يعتمد على ابن تيمية وتلاميذه المباشرين، أو الروحيين. ولم تقتصر المطالبة السياسية به على الإخوان، فسيظهر في مسوغات العنف الحركي الشيعي، محفزٌ لرفض أيّ تحولٍ يحكمه دستور «غير الشريعة»، كما في حالة إبراهيم الزكزاكي.
فخّ أخير، عن هويّة اللغة وهويّة القبيلة، وهي أنّ القبائل في الشمال أو الألقاب والتعريفات الإثنية، مضللة، فالهوسا لغة أولاً ثم تحالف قبلي؛ وليست سلالة، والفولاني في الشمال الغربي يتضامن مع الهوسا، وهو يقوم على إرث يعتمد يقينًا على جهود (عثمان دان فوديو) في القرن الثامن عشر، والكانوري في الشمال الشرقي هم المقيمون على أنقاض بلاد البورنو «المسلمة» صاحبة الأروقة في الأزهر، وهي البلاد التي خضعت لاحقًا لعثمان دان فوديو خضوعًا[6]، وعاصمتها مايدوغري التي نُسبت إليها بوكو حرام ومحمد يوسف. وتطوي هذه التناقضات قراطيسَ من التفاصيل الاجتماعية الملغزة، التي تستدعي الانتباه.
نجد –مثلًا- تعريفًا عن مدينة سوكوتو، باعتبارها «مدينة الشيخ عثمان ومقر حكومته، اتخذها موطنًا له بعد هجرته من بلاد غوبر، ولازمها حتى أيامه الأخيرة. وظلت قاعدة حكومته السياسية حتى الاحتلال البريطاني حيث أنشؤوا القاعدة الحاضرة في كدونا، فصارت سوكوتو مقاطعة من جملة المقاطعات. أما مقاطعة سوكوتو فإنها تشمل بلاد زنفرة التي كانت إحدى الممالك الهوسية القديمة والتي كانت عاصمتها كياوي، ومنها انتقلت العاصمة إلى سوكوتو. ولما احتل الإنجليز بلاد الشمال فقدت سوكوتو نفوذها وضاع مجدها وبهاؤها إلا في صفحات التاريخ، ولا يزال سلطانها يحمل لقب أمير المؤمنين، ويتمتع بالشرف الروحي والتقليدي بين أمراء الشمال، وأضاف إلى شرف هذا الأمير كون رئيس وزراء شمال نيجيريا من أهل بيته»[7].
المكوّن التقليدي: صراع التيجانية والقادرية
يتبع معظم المسلمين في نيجيريا المذهب المالكي، وأغلبهم منتمٍ إلى الطرق الصوفية التقليدية، التي يمتد تاريخها في شمال نيجيريا إلى القرن التاسع عشر؛ إذ سلك عثمان دان فوديو الطريقة «القادرية» التي كان أتباعها من نخب الفولاني وأصحاب المناصب والامتيازات في المجتمع، وقد أصبحت هذه الطريقة جزءًا من هوية خلافة سوكوتو. وفي عام 1830 قام «عمر فوتي» بنشر الطريقة «التيجانية»، والتي انتشرت على نطاق واسع بحلول القرن العشرين في أوساط العامة، وخصوصاً في «كانو» العاصمة التجارية للشمال، مما ساهم في سرعة انتشارها في كافة أنحاء نيجيريا وغربها بالتحديد، وتعتبر هي المنافس للقادرية وما تمثله، وقد كانت بينهما منازعات. بالإضافة إلى الطريقتين الكبريين (التيجانية والقادرية)، ظهرت بعض الفرق الصوفية الأخرى، مثل «الأحمدية» و«السنوسية».
أما عن تركة الاستعمار أو الأمر الواقع السياسي، الذي خلّف مشاكل بين من تعايش معهم، ومن تناكروه، فهي تركت لغزًا إضافيًا، فقد كان الاستعمار ينظر إلى الكانوريين أو الكانم على أنهم متشددون، وكان «المسلمون الصالحون» في أعين البريطانيين هم الحكام السابقين لخلافة سوكوتو، القادريين، لأنهم يعتبرونهم معتدلين دينيًا، وعلى النقيض من ذلك، اعتبروا أن الطرق التيجانية والمهدية والسنوسية الصوفية هي طرق يحمل أتباعها جينات التعصب، وبالتالي هم «مسلمون سيئون».
اعتقد البريطانيون أن التربية الإسلامية بالنسق التعليمي البورناوي ستؤدي إلى التعصب. ومن هذا الصراع على التعليم، يأتي أحد الأصول الثقافية لاسم «بوكو حرام»[8]. كذلك ظهرت على الساحة العديد من الجماعات الدينية والحركات الإصلاحية، كانعكاس للحركات الإصلاحية البروتستانتية في جنوب نيجيريا، مثل «جماعة نصر الإسلام» التي تأسست عام 1961، والساعية لتوحيد الشمال المسلم تحت قيادة أحمد بيللو، الذي أراد قوة إسلامية تمكنه من حكم كل نيجيريا. ظهرت لاحقاً «إزالة البدعة وإقامة السنة»، وجماعات ثورية مثل «الميتايتسين» وغيرها، كلها تستند على تطبيق الشريعة وتأسيس الدولة الإسلامية وإقامة حكومة دينية. وارتبطت هذه الجماعات بالفكر السلفي، والذي ظهر في نيجيريا في حقبة الستينيات من القرن الماضي في مواجهة الطرق الصوفية، وقد اشتبكت هذه الجماعات في نزاعات طائفية في حقبتي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وهي نزاعات بين مسلمين ومسلمين أو مسلمين ومسيحيين»[9]. إلا أن العامل المؤثر في ظهور الحركات السياسية الدينية الإسلامية بعد الاستقلال، شهد تغييرًا كبيرًا بعد الثورة الإيرانية في 1979، والتي كانت نموذجا للدولة الدينية.
تأثير الحكومات في فشل إدارة التنوع وتسييسه
«المشكلة ببساطة هي فشل القيادة. ليس هناك أمر خاطئ من الشعب». هذا التعليق «ما يزال ساريًا إلى اليوم»[10]، وهذه الحوكمة التي فشلت في ضمان استقرار بلد بخيرات مثل نيجيريا، يمكن أن يُعزى فشلها، بكسل، للدستور الذي خلّفه المستعمر.
فقد توالت الدساتير منذ العام 1951، وبرزت أحزاب مثل «اتحاد شعب الشمال» (Union of the People of the North) بزعامة الدكتور «ديكو» (Dikko)، وحزب «المؤتمر الشعبي الشمالي» (Northern People’s Congress)، بزعامة السير «أحمدو بيللو[11]» سلطان سوكوتو (وهو حفيد الشيخ «عثمان دان فوديو»)، وحزب «الاتحاد التقدمي للعناصر الشمالية» (Northern Elements Progressive Union) بزعامة المعلم «أمينو كانو» (Amino Kanu) (وهو أيضًا سليل أسرة دينية)، وكلها أحزاب شمالية. بينما ظهر في الغرب حزب «جماعة العمل» (Action Group)، بزعامة الرئيس «أوبافيمى أولوو».
بدأ سنة 1956، الحكم الذاتي في نيجيريا على أساس إقليمي وفيدرالي، بحيث يكون لكل إقليم وزراؤه وإدارته، ويكون للشعب كذلك تمثيله النيابي في حكومة فيدرالية ومجلس تشريعي فيدرالي. في 2 سبتمبر (أيلول) 1957 اختير الحاج «أبو بكر تافاوا باليوا»، رئيس حزب «المؤتمر الشعبي الشمالي»، كأول رئيس لوزراء نيجيريا، بتعيين من الحاكم العام البريطاني آنذاك، سير «جيمس روبرتسون» (James Robertson)، حيث شكّل الحاج «أبو بكر» حكومة وطنية تتكون من ستة وزراء من أعيان الشمال التقليديين.
وفّق الشماليون أوضاعهم بعد مؤتمرات بعضها في لندن والآخر في مناسباتهم الدينية، فكان الحزبان الرئيسان في الشمال هما: «المؤتمر الشعبي الشمالي»، و«الاتحاد التقدمي للعناصر الشمالية»، فقد صار المؤتمر الشعبي الشمالي هو المناوئ الرئيس للمسيحيين؛ لأنه اعتُبِر بشكل عام الحزب الذي يجسِّد في الأساس الهيمنة الهوسوية– الفولانية في شمالي نيجيريا. وهيمنت عليه النخبة الإسلامية في شمالي نيجيريا. بينما يمثل (NEPU) ميلًا أيديولوجيًا أكثر راديكالية وانحيازًا لمساواة اجتماعية، ورفعًا للصفوف الدنيا الأكثر تمييزًا سلبيًا ضدها من النظام الاجتماعي.
يرى البعض أن غياب الذهنية الجماعية إزاء الحالة الدستورية النيجيرية والافتقار إلى حكم ديمقراطي منذ الاستقلال، يمكن أن يرجع بسهولة إلى التدخل المتكرر في العملية السياسية من قبل الجيش. وسنلاحظ لاحقًا أنّ ممارسات الجيش، سواء عبر الانقلابات أو عبر مكافحة الإرهاب والتمرد بوحشية كبرى، أفقدت الشعب الثقة فيه، وهي واحدة من العقبات الكأداء أمام انتهاء تهديد بوكو حرام.
كان الجيش النيجيري، من الستينيات حتى الثمانينيات، من القرن الماضي، هو سيد المرحلة. وفي الثمانينيات، بدأ نظام حكم ديمقراطي مدني، ولكن رافقته أزمة اقتصادية بسبب انهيار أسعار النفط، تلتها تعقيدات محلية لأسباب تراجع الصناعة، فانجذبت الفئات الرأسمالية النيجيرية أكثر نحو الدولة لإبداء التبعية، من أجل ضمان التراكم الرأسمالي لهم من خلال العقود والاستشارات والخدمات غير الإنتاجية، وهو الأمر الذي قوّى مساهماتهم المالية مع الدولة.
كانت عملية دخول المجتمع في الدولة، إبان حكم الرئيس شيخو شاجاري (ترأّس من 1979-1983، بعد أباسانجو، وكان سنيًا هوسيًا من الحزب الوطني) محفّزًا لممارسة الفساد بشكل كبير، واتّسم العصر كله بتطرّف الميراثيّة الجديدة (Neopatrimonialism) والكهنوتية (Prebendalism)، ورأى السياسيون أن السياسة والوصول لسلطة الدولة مسألة حياة أو موت. وقد حاول نظام «شاجاري» القيام بإصلاح طفيف من خلال قانون الاستقرار (Stabilization Act). في نهاية عام 1983 وبداية يناير (كانون الثاني) 1984، أسقط المجلس العسكري بقيادة الجنرال «بوهاري» نظام «شاجاري»، واستهلك نظام الجنرال «بوهاري» نفسه نتيجة للتناقضات التي ولّدتها سياسة الأزمة والتكيّف، وسرعان ما تمّ إسقاطه في «انقلاب قصر» بقيادة الجنرال «بابانجيدا» في أغسطس (آب) 1985 [12].
عرف النظام النيجيري خمسة دساتير منذ الاستقلال، بينها فترات من الحكم العسكري غير الدستوري، إلا أن الدستور الأخير الصادر عام 1999، حدّد شكل الدولة الحديثة، إذ نصّت الفقرة الأولى من المادة الثانية، على أن «نيجيريا دولة موحّدة ذات سيادة غير قابلة للحل ولا للتقسيم، وتعرف باسم جمهورية نيجيريا الفيدرالية». ولا يزال دستور 1999 الوثيقة الأكثر أهمية التي تُبقي على نظام الحكم النيجيري اليوم، غير أن الواقع يشير إلى أن هذا الدستور يعاني من واقع فرضه الجيش من قبل، وأنه يمثل «انقطاعًا وتجاهلًا فظيعًا من قِبَل الجيش للمواطنين، من خلال توريطهم في البنية الأساسية لصنع القرار، في ظل نظام حُكمهم غير الديمقراطي». ومن ثم فإن مكونات مثل هذه الوثائق تُظهر عدم كفاءة تتّسم بها مثل هذه البيئات السياسية، في ضوء أن مسألة الشرعية محدِّد هام للغاية في عملية التحول الديمقراطي»[13].
إذن، فعبر خمسة دساتير، وتنقُّل بين نظام حكم بريطاني برلماني إلى نظام حكم أميركي جمهوري، كانت الأخطاء السياسية تُراكم نفسها، والفساد وعنف الساسة ينخران عظم «رأس المال الاجتماعي»، وبه يتعامل الجيش الوطني مع الثورات والنزاعات. كما جرت صراعات إثنية ووطنية وقودها الشباب، كانت بدافع الدين أو في أوقات الانتخابات.
يكرر المراقبون القول بأن الشمال السياسي قد تمّ تهميشه أو حرمانه من السلطة، خلال سنوات حكم «أولوسيجون أوباسانجو» (Olusegun Obasanjo) المسيحي اليوروبي الأولى في السبعينيات، وهي فكرة رفضها بعض الباحثين في الشأن النيجيري، واعتبروها مقاربة غير صالحة، لأن السلطة كانت في الأصل مقسّمة وتعدّدية، ولكن هذا لا ينفي أن «الانقسام الطائفي وجد محفّزات مناسبة ساهمت فيها»[14]. وقد شهدت فترة حكم «مرتضى الله محمد» (رئيس الحكومة العسكرية) و«أوباسانجو» بداية صعود دور الدين في السياسة النيجيرية المعاصرة، وعليه فإن الدوافع الدينية لم تكن غائبة عن محاولة الانقلاب الفاشلة في فبراير (شباط) 1976، حيث لا يمكن إنكار وجود قوى دينية داخلية وخارجية وراء المحاولة الانقلابية التي قام بها أحد أفراد الجيش النيجيري، ويدعى «بوكا سوكا ديمكا»، وقُتل خلالها رئيس الحكومة العسكرية.
شهد العام 1976 إنشاء الرابطة المسيحية النيجيرية كإطار تنظيمي يعبر عن مصالح المسيحيين في نيجيريا، ومن ثم توالت المظاهر الدالة على صعود الدين كعامل بارز في الحياة السياسية النيجيرية، وهو ما تبدّى في الجدل الحاد حول إنشاء محكمة استئناف التعاملات الشرعية الإسلامية في العام 1978، خلال أعمال الجمعية الدستورية لدستور الجمهورية الثانية، بالإضافة إلى ظهور عدد من التنظيمات والحركات الدينية المتشدّدة، كجماعة «إزالة البدعة وإقامة السنة» في الجانب الإسلامي، وجماعة «المولود من جديد» على الجانب المسيحي، واستمر دور الدين في السياسة النيجيرية في تصاعد بعد تسليم السلطة للمدنيين عام 1979»[15].
يشير باحثون إلى أن وضع حركة العصيان المسلّح لجماعة بوكو حرام في إطارها النيجيري العام، يمكن فهمه عبر إشكالية الديني والسياسي؛ فالخطاب الديني بشقّيه الإسلامي والمسيحي بعد الاستقلال، صار أحد أدوات التعبئة والتنافس على السلطة. وتاريخ الصراع قديم؛ ففي الستينيات كانت «حرب بيافرا» صراعًا مسلحًا دار من 16 يوليو (تموز) 1967 حتى 13 يناير (كانون الثاني) 1970، حاولت عبره ولايات الجنوب الاستقلال لإعلان جمهورية بيافرا، قبل أن يتم قمعه[16].
المسلمون بين التجديد واستعادة الخلافة والصراعات
يُطرح سؤال الإيمان بهوية الدولة الوطنية؛ في الكتابات النقديّة الداخلية، فقبل الدخول في التيارات السلفية والجهادية التي أنتجتها أزمات الفكر والاقتصاد في الشمال النيجيري، من المهم دراسة تفاعل المسلمين مع الدولة النيجيرية وهويّتها. وفحص الكيانات التي استعجلت تبنّي هويّات فرعية مضادّة لهويّة الدولة المتعالية على الأفراد والانتماءات، مع ملاحظة أنّ قوة جذب المركز لم تكن كافية لضمان تخلّي الناس عن القديم.
كانت المسارعة الإسلامية في نيجيريا للتواصل مع المسلمين في مصر والسعودية والسودان، هي إحدى الخطوات التي ساهمت في تفتيت خط التسارع في بناء اللُّحمة الجديدة، وهو تسارع مبرَّر؛ نسبة لتلقّي الأطراف الأخرى دعمًا وأفكارًا مماثلة. سارع المسلمون الشماليون بالتواصل مع الأزهر ومصر، تعزيزًا لثقافتهم واستمرارًا لتواصلٍ قديم؛ فقد كان التواصل بين الممالك الإسلامية في سوكوتو وبورنو مع مصر والحجاز قديماً، ولما جاء التواصل مع مصر، كان مع الإخوان المسلمين ومع الأزهر، ولم يكن مستوفيًا الغرض الجديد، بل كان يصب في مصلحة التقليديين.
لا يمكن الجزم أن ثمة إرادة تغيير داخل المسلمين التقليديين أرادها السياسيون للتخلص من سطوة الطرق الصوفية، والسلطنات التقليدية والإمارات، فحاولوا إقامة علاقات مع مكوّن «مسلم» جديد، يتمثل في السلفية، التي بدأت مشروع دعم للمسلمين الجدد، وكأنها تقدم لهم هدية وتغريهم بأسلمة بلدهم كاملًا، ولكن بلون جديد من الإسلام.
في الخمسينيات، اتُّهم المؤتمر الشعبي الشمالي بتكوين تحالفات مع مصر ومع مؤتمر العالم الإسلامي والسلفية التقليدية، من أجل إقامة إمبراطورية إسلامية في نيجيريا. ولاحقًا عملَت المؤسّسات الدعوية الإسلامية على الترويج للإسلام، ودخل في خط تشجيع النيجيريين على التحوّل الديني صراعات بين مصر ودول عربية أخرى، وبين الدول العربية وبين إسرائيل، كان لها انعكاسات في تمويل أنماط معيّنة من الإسلام، مالت إلى السلفيّة، وتحوّلت عن التصوف.
حفّز هذا التواصل ظهور هوية جديدة عند المسلمين، خصوصاً أنّ المتحولين إلى الإسلام، بفعل الدعوة، لم يكونوا من نسيج القبائل الهوسوية والفولانية، التقليدية، وبالرغم من ذلك حاولوا دمج الإسلام مع الإثنية في شمال نيجيريا ليُشكِّل مفهوم الشمال الموحّد، وهو مفهوم سياسي بحت، أو قل هي معالجة سياسية قفزت على البعد الاجتماعي.
وبالنسبة للأقليات الإثنية في وسط البلاد –على سبيل المثال– كان التحول الشعبي لاعتناق المسيحية واستمرار اعتناقهم لها متّصلاً بقوة بالحاجة إلى تقوية هويّتهم وتكوين أيديولوجيا قوية لمقاومة الإسلام وسلطة الطبقة السياسية الفولانية- الهوسوية.
يرى البعض أن هذا الفهم للعناصر الوافدة إلى الإسلام النيجيري «التقليدي»، كان في صالح قوى سياسية داخلية أرادت إضعاف الخصوم الشماليين التقليديين. وذلك لم يكن على الفترات الأولى فحسب، بل في مراحل لاحقة، حيث أراد بعض الرؤساء تدمير ما تبقّى من سلطة السلاطين، سواء في سوكوتو أو في كانو أو غيرها.
ومن هذا المنطلق، قام «ساني أباتشا» (تولّى الرئاسة من 1993-1998) بإضعاف الحكم الإسلامي في ولايات الشمال، بعد اعتقاله «إبراهيم الدسوقي» سلطان سوكوتو السادس عشر، وتعيين خليفة له[17]. وكان المعين الجديد هو السلطان «محمدو ماسيدو»، الذي ساهم في إعادة ترميم السلطنة، ثم قضى لاحقًا في حادث تحطم طائرة في نيجيريا في 29 أكتوبر (تشرين الأول) 2006. وخلفه شقيقه «محمدو سادا (محمد أسعد) أبو بكر»، الثالث في هذا المنصب.
الجدير بالذكر أن وصول «الدسوقي» إلى الخلافة كان بدعم خاص من إبراهيم بابنجيدا (Ibrahim Babangida) سلف «ساني أباتشا» (Sani Abacha)، ولكن هذا التدخل الأخير من «أباتشا» تسبّب في إضعاف السلطان ومكانته الروحية وصلاحياته. هذا التدخل الفوقي، عزز تشوهات في الإسلام التقليدي، إذ ما عاد السلطان، على رمزيته الروحية المنقطعة عن السياسة، يتمّ تفويضه من داخل الجماعة، بل دخلت السياسة إلى حيّزه. في بلدٍ يعيش صراعاته كلها باسم الروح.
برزت القيمة المضاعفة للدين والسباق نحو من يمثِّله مجددًا في نهاية الألفية، حينما مكّن الدستور الجديد في العام ١٩٩٩ الولايات من تطبيق ما تراه من قوانين -عدا الردة؛ فأعلن حاكم ولاية زمفرا، «الحاج أحمد ثاني»، عزمَه على تطبيق الشريعة، وتحرّك المسلمون من مختلف أنحاء نيجيريا للمطالبة بتطبيق الشريعة في مناطقهم؛ فتضامن العلماء والدعاة والجمعيات الإسلامية بمختلف توجهاتهم ومناطقهم وقبائلهم، وبرز بينهم المتشددون، ومن يرون أن التطبيق الكامل لم يأت بعد، وأن السباق ابتدأ للتو. وفيما يلي جدول توضيحي لتواريخ تبنّي الولايات لقضية التطبيق:
جدول يتضمن الإعلان وتطبيق الشريعة في الولايات النيجيرية[18]
الولاية |
تاريخ الإعلان |
تاريخ مباشرة التطبيق |
زمفرا |
27/10/1999 |
27/1/2000 |
نيجا |
12/12/1999 |
14/1/2000 |
سوكوتو |
30/1/2000 |
29/5/2000 |
كانو |
21/6/2000 |
9/12/2000 |
كاتسينا |
|
1/8/2000 |
جغاوا |
|
2/8/2000 |
يوبي |
7/8/2000 |
1/10/2000 |
بورنو |
|
19/8/2000 |
كبي |
|
1/12/2000 |
بوشي |
|
27/1/2001 |
كدونا |
2/11/2001 |
2/11/2001 |
غومبي |
14/12/2001 |
|
وقد شمل تطبيق الشريعة جميع أبواب الجنايات ما عدا الردة، ثم أُنشِئت المحاكم للعمل به، وذلك استثماراً للمَنفَذ الموجود في دستور عام 1999 (الفقرة «7» من المادة «4»)، والذي سمح لكل ولاية بوسيلة سلطتها.
ارتفعت في سباق تطبيق الشريعة أصوات كثيرة، ولم تستطع الأصوات التقليدية احتواء الرغبات الكبرى -كما سيظهر. من الأشياء الملائمة التي يمكن أن تَشرح السباق نحو تمثيل الجماهير الإسلامية بين الحركات والسلطنات، الاعتراضات التي أبدتها جماعات إسلامية عديدة حول «مسابقة ملكة جمال العالم» والتي كان من المزمع أن تستضيفها نيجيريا في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام 2002، وذلك بدعوى أن هذا الشهر سيشهد فيه المسلمون صيام شهر رمضان، كما أن المسابقة –بحسب إفاداتهم- ما هي إلا دعوة لنشر الفسوق والفساد، ومن أمثلة هذه الجماعات: «المجلس النيجيري الأعلى للشؤون الإسلامية» (Nigerian Supreme Council for Islamic Affairs) و«جماعة نصر الإسلام» (Society for the support of Islam)، و«المجلس الوطني للشباب المسلم» (National Council of Muslim Youths)، و«المجلس الأعلى للشريعة في نيجيريا» (Supreme Council for Sharia in Nigeria). والجدير بالذكر، أن هذه الاعتراضات قد سبقت الاشتباكات العنيفة التي وقعت لاحقًا بين مسلمين ومسيحيين، والتي أسفرت عن سقوط مئات الضحايا وأدت لنقل المسابقة من العاصمة النيجيرية، أبوجا، إلى لندن في ذلك العام[19].
تحمل هذه الحادثة عناصر كاملة تمنحنا مدخلاً جيدًا لفهم الحالة. أولاً: ثمة تكتلات إسلامية بعضها تقليدي، وبالرغم من اشتراكه في السلطة، فإنه وبسبب حصوله على سلطة فيدرالية أولاً وتشبع أتباعه بفكرة الخصوصية التاريخية، يتّخذ، قناعةً أو استجابةً لضغوطات، قرارات قد لا تتوافق مع الدولة، وقد تتصادم مع فكرتها. وتاليًا: هو يقوم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكنه يضعها في سياق أخلاقي، في محاولةٍ لضمان مشروعيتها. وثالثًا: هناك واقع لصراعات دينية بين المسلمين والمسيحيين، ويبدو أن سببها تطبيق الشريعة في بعض الولايات. هذه العناصر فتحت الباب أمام جهات أخرى لتبرز في الساحة كما سيبدو.
فالاتجاه لتبنّي السياق المعارض، ينطبق تماماً على أدبيات السلفية الجهادية، التي كانت تمر في العالم كله بطورٍ جديد يتجه نحو العنف.
جذور بوكو حرام: الإخوان والتشيع السياسي
كما مرّ، فإن الإسلام في شمال نيجيريا مالكي أشعري، صوفي منقسم بين القادرية في سوكوتو وعند النخب الفولانية، وبين التيجانية لدى الكانوريين. إبان رحلة الاستقلال، سعى محمد بيللو ومستشاره، أبو بكر جومي، في مشروع «أنصار الإسلام»، بغرض تنظيم المسلمين -دون مهاجمة التصوف، وبعد وفاة بيللو تحول جومي إلى عرّاب لمهاجمة التصوّف، تحت ستار السعي لمنع الفرقة بين المسلمين. وانبجست عن ذلك حركة «إزالة البدعة وإقامة السنة»، والتي ستصير لاحقًا مفرّخًا للحركات السلفية.
جماعة إزالة البدعة وإقامة السنة
أُنشئت الحركة عام 1978، وهي تتوّج أفكار «أبي بكر جومي»، الذي صار راعيها الأساسي، وترك إدارتها لتلميذه «إسماعيل إدريس»، العسكري السابق في الجيش النيجيري. وقد نهل كلاهما من السلفية، ولهما علاقة بالسلفية العربية.
«أبو بكر جومي» هو مستعرب مثقف يتحدّر من خلفية سوكوتويّة. درس العلوم الدينية على يدي والده، وأخذ كثيرًا من العلوم عن المتصوفة قبل أن يلتحق بالمدارس النيجيرية «بوكو» التي تقدم التعليم الغربي. عُيّن قاضيًا بعد الاستقلال، يقضي بالمذهب المالكي، ولكنه وأثناء توليه هذا المنصب عمل مستشارًا مع الحاج «أحمد بيللو» رئيس وزراء الشمال، أثناء محاولاته لتوحيد شمال نيجيريا، وقد حرص «بيللو» على عدم الصدام مع الطرق الصوفية، وهو ما اضطر «جومي» إلى الالتزام به في ذلك الوقت، بحكم تبعيته «لبيللو»، بحالةٍ من المهادنة مع الصوفية.
أسّس بيللو عام 1962 «جماعة نصر الإسلام»، التي لقيت دعم الصوفيين والمعتدلين، وصار لجومي دور كبير فيها. لكن الجماعة بعد اغتيال «بيللو» في 1966 تحولّت ليد جومي الذي فارق الاعتدال، وارتضى لنفسه خطًا جديدًا يقوم على مهاجمة الصوفية، الذين يراهم دعاةً من دواعي التفرّق بين المسلمين، وأطلق لسانه كالسيف من غمده يهاجم به «التقيّد بالمالكية»، وقام ضد «الأشعرية»، و«الطرق الصوفية»، وكان ذلك عام 1967.
أشهر جومي دعوته في رمضان مهاجمًا الطرق الصوفية بطريقة مبسطة، ثم عبر المقالات، ثم أصدر كتابه الأول باللغة العربية: «العقيدة الصحيحة بموافقة السنة»، الذي هاجم فيه الطرق الصوفية بضراوة متهمًا إياها بالكفر، إلا أن انتشاره كان محدودًا بين شريحة نخبوية من علماء الدين، ثم تلاه بكتابه الثاني بلغة الهوسا: «الإسلام والأشياء التي يمكن أن تدمره»، وقام بالخطوة الكبرى، فترجم القرآن إلى لغة الهوسا، ونشر هذه النسخة على نطاق واسع، مما أضاف شعبية إلى «جومي»، وجعل الصراع بين الطرفين ينتشر في كل مناطق نيجيريا ومساجدها، فاصطدم أنصاره بشباب «جناح الإصلاح» في الطريقة «التيجانية»، وإثر ذلك تفكّكت جمعية «نصر الإسلام» إلى مجموعات متنافسة، كانت «جماعة إزالة البدعة وإقامة السنة»[20] إحداها وهي تحت سيطرة جومي[21].
قامت «إزالة» بدعم العديد من البرامج الاجتماعية والسياسية، مستغلّة حظر تكوين الأحزاب السياسية. وردًا على نفوذها انتهجت الجماعات الصوفية المسلك نفسه، ليصبح التنافس بينهم (مَن أكثر إسلاماً من الآخر).
ركز «جومي» هجومه على أتباع «التيجانية»، وقد أدّت أحداث العنف لتراجع الطريقة التيجانية ووقف احتفالاتها، بينما استمرت الطريقة القادرية في ممارسة احتفالاتها، حيث كثّفت الجماعة انتقاداتها للطريقة التيجانية عن الطريقة القادرية.
وقوّضت «إزالة» بنية المؤسّسة الدينيّة القائمة بالفعل، مقدّمة بديلاً عنها يقوم على شبكة ضخمة من المدارس التعليمية ودور الخدمات، فانضم العديد من الأتباع إلى الحركة، كان أغلبهم من الشباب الذين يرفضون الخضوع لسيطرة شيوخ الطرق الصوفية، والنساء الحاصلات على قدر من التعليم، والفقراء الذين رفضوا التضحية بدخولهم الهزيلة لدعم احتفالات الطرق الصوفية، مما أحدث تغيّرات جذرية في القيم الاجتماعية والدينية؛ إذ بلغ عدد أعضاء الجماعة ما يقرب من مليوني عضو في الفترة ما بين عام 1978 و1988، وهم أعضاء لديهم اتجاهات عنيفة تجاه رموز المؤسسة الدينية القديمة، الأمر الذي نتج عنه ردود فعل مساوية من قبل أتباع الطرق الصوفية[22].
زاد هذا التنافس من وتيرة العنف والانقسام بين المسلمين بدلاً من الوحدة التي أعلن عن رغبته فيها جومي؛ وتخصَّص أفراد التيجانية في الهجوم على السلفية، خصوصاً الشيخ «إبراهيم صالح الحسيني»؛ البورناوي المقيم في مايدوغري، والذي ركّز على الرد على التكفير، وما يزال يُحمِّل مسؤولية بوكو حرام والانحرافات لأفكارٍ سلفية -منشؤها جومي- انطلقت من مركز ابن تيمية في قلب المدينة، وهو المركز الذي أنشأه محمد يوسف عقب انسلاخه من «إزالة» في التسعينيات.
لم تسلم «إزالة» من الانشقاقات التي ضربت الشبكة السلفية في العالم كله، وبوفاة «جومي» عام 1992 بدأت الانشقاقات في الجماعة، وإن كانت قد ظهرت بعض الدلائل على هذه الانشقاقات عام 1991، عندما وجّه بعض الأعضاء اتهامات إلى «إسماعيل إدريس»، تتعلق بارتكابه مخالفات مالية، وهي الخلافات التي اتّسعَت بعد وفاة «جومي»، وانتقلت على إثرها العديد من القيادات المؤثّرة في الجماعة إلى جماعات أخرى، وتشرذَم الأعضاء، وهو ما جعل تأثيرهم يتعاظم في أنحاء نيجيريا كافة للدرجة التي يصعب معها حصر عدد المعتنقين لفكر الجماعة؛ فمع الخلافات على القيادة وطقوس العبادات، والافتقاد للزعامات ذات الكاريزما، تأسّسَت حركات جديدة هي: (أ) «حركة إزالة الجديدة»؛ وهي حركة أكثر تطرفًا من الحركة الأولى، وإن كانت أفكارها مستمدّة من الجماعة الأصلية، و(ب) «حركة إزالة بمدينة كادونا (Kaduna)»، و(ج) «حركة إزالة بمدينة جوس (Jos)». وفي كلا المدينتين حدثت مواجهات خلّفَت الكثير من القتلى[23].
بيد أن «إزالة» قد استطاعت -بالرغم من الانشقاقات- الحفاظ على أرضية كبرى، خصوصاً في قطاعات الشباب والفقراء والناقمين على المؤسسات التقليدية، ولمّا كانت حملة تطبيق الشريعة، لم يكن أمام المرشّحين سوى استمالة هذه الفئات، خصوصاً في الولايات التي تسعى لحشد تأييد أكبر. لهذا أعلنت ولاية «زامفرا» تطبيق الشريعة الإسلامية عام 1999، وتبعتها باقي ولايات الشمال؛ حيث أسّسَت هيئة شعبية لمتابعة «الخارجين عن الشريعة» ومعاقبتهم. ورفضَت بعض الولايات تدريس العقيدة المسيحية في المدارس العامة، وتم فرض زي معين على الطلاب في المدارس والجامعات لضبط المجتمع، فازدادت حدة التوترات في نيجيريا، وهو ما اعتبره المسيحيون في جنوب البلاد مؤامرة لإنهاء السيطرة السياسية للجنوبيين، مما أدى إلى مصادمات على نطاق واسع، نتج عنها مقتل (10,000) شخص، كما أعلن بعض أعضاء الجهاد في نيجيريا تضامنًا مع الجهاد العالمي.
تميّزت (إزالة) ببنيتها التنظيمية الخاصة وهيكلها الإداري، حيث اعتمدت على اللامركزية، ورفضت البنى القائمة والخاصة بالمؤسسات الدينية الرسمية في نيجيريا. اعتمدت على الطلبة، وخريجي الجامعات، والنساء المتعلمات، وموظفي الحكومة، وباقي الطوائف الاجتماعية الأخرى البعيدة عن التجارة، حيث تمركزت الحركة في مدينتي «كادونا» و«جوس»، وهما مدينتان أغلب سكانهما من الموظفين والعمال، وهما الطبقتان اللتان يَعتمد عليهما التغيير الاجتماعي بالتدخل.
كان الحديث داخل الحركة عن التجديد والإصلاح، لرفض المالكية ونبذ صيغ الإسلام الشعبي، مع التأكيد على النصِّيّة، وفتح باب الاجتهاد والتقليد، والتركيز على نبذ القداسة، فيما كان الإصلاح السياسي يريد الوصول إلى نموذج «سلفي» في الحكم، يشبه الدول التي تحكمها قيم سلفية. من أجل ذلك حرصت الحركة على تقديم الخدمات للمواطنين بديلاً عن الحكومة، وبادرت بإنشاء مدارس إسلامية حديثة، والتي اعتُبرت دائرة عمل الحركة الرئيسة، وكلها مدارس تم تمويلها من ممولي السلفية ورابطة العالم الإسلامي ومنظمة الإغاثة الإسلامية الدولية، بهدف نشر الفكر السلفي، وتقليل نفوذ التيارات الإسلامية الأخرى.
أسّست «إزالة» ما يقرب من (856) مدرسة في سبع عشرة ولاية، بلغ عدد طلابها عام 2000 نحو (678, 50) طالبًا، وهي مدارس شملت كل المستويات التعليمية؛ كالمدارس الابتدائية، ومدارس تحفيظ القرآن، والمدارس الإعدادية والثانوية الإسلامية، كما أسّست مدارس تعد الأولى من نوعها في نيجيريا، وهي مدارس تخصّصت في تدريس العلوم الإسلامية باللغة العربية، إضافة إلى المدارس المخصّصة للنساء المتزوجات[24].
يقوم المشروع الحداثي الذي طرحه أبو بكر جومي وجماعته على مقوّمات عدة، منها تأكيد سلطة النص وتفوُّقها على سلطة الشخص (سلطة علماء الدين)، ورفض التقليد في مقابل الدعوة للاجتهاد. ولعل ذلك التفضيل يتّفق مع الفهم الغربي لإعلاء القواعد البيروقراطية على السلطة الكاريزمية والإبداع على التقليد. يظهر ذلك واضحاً في أدبيات الجماعة التي شنّت هجوماً شديداً على مشايخ الصوفية، وعلى مظاهر البدع والخرافات التي يؤمنون بها[25].
من المهم هنا الإشارة إلى الموقف المعلَن لـ«إزالة» من اتهامها بالإرهاب؛ حيث قدّم رئيس مجلس العلماء لـ«إزالة» الشيخ «محمد الثاني يحيى جنغر»، والشيخ «عبدالله بالا» تصريحات تفيد بالتالي: «نحن منزعجون بشدة من السيناريو كله، ولكننا نعتقد أن ما يحدث، هو إشارة إلى أن دعاءنا ضد من يقفون وراء الأعمال الإرهابية، في الشمال الشرقي النيجيري تتم الاستجابة له من قبله تعالى».
تقول الجماعة: إنها تنتهج الطاعة للحكومة الفيدرالية والولائية، ولا تعارضها إلا فيما يختلف مع الدين. وتُعدِّد الجماعة و«جماعة أنصار المسلمين في بلاد المغرب والسودان»، ثم حركة أو «جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد» الشهيرة بـ«بوكو حرام» (Boko Haram) في نيجيريا، وأخرى «جماعة قتل الكافر في سبيل الله» وغيرها[26].
توضح دراسة لأحد الموالين لجماعة «إزالة»، الفرق بين بوكو حرام وجماعته، فيقول: «وقد تبيّن للباحث أن جماعة بوكو حرام لا يرضون بالحكومة النيجيرية ويرون أنها كافرة، والعمل تحتها كفر. أكّد هذه النتيجة المؤسِّس لجماعة أهل السنة للدعوة والجهاد (بوكو حرام)، فدعوته كما يراها: «ترفض العمل تحت الحكومة التي تحكم بغير ما أنزل الله من القانون الفرنسي، أو القانون الأمريكي، أو القانون البريطاني. لأن قبول العمل تحت مثل هذه الحكومة الكافرة من جملة الطاعة المطلقة لنظامها، والاتفاق معها على قواعدها للشراكة»[27].
وتفسيرهم لقيام بوكو حرام أنها «ظهرت في ولاية بورنو، وهي في شمال نيجيريا، جميع سكانها من المسلمين، وقامت بتمرد ضد الحكومة، وقامت الحكومة بقمعها، وقام الجنود خلال القمع بارتكاب المجازر الوحشية التي رأيناها، وقد كشف النقاب عن هذه الأفلام التي توثّق المجازر. ما حصل في بورنو ومع جماعة بوكو حرام لا علاقة له بالبعد الطائفي، والجنود الذين ارتكبوا المجازر من المسلمين (أو أغلبهم على الأقل). هي جريمة لا شك، لكن ليس لها بعد طائفي»[28].
إذن، قصة السلفية في نيجيريا تبدأ مع الشيخ أبي بكر جومي، ولكنها تغيّرت لاحقًا، فقد سعى خريجو الجامعة الإسلامية بالمدينة، والذين ولدوا في الستينيات والسبعينيات، إلى إحداث تغييرات بعيدة المدى في فهم جماهيرهم للإسلام، ومع وجود قيادة أكثر توحيدًا، كان لدى خريجي جامعة المدينة موارد فكرية افتقر إليها جومي.
لم يكن التشكّل الأولي البارز للسلفية النيجيرية مرتبطًا في الحقيقة بمعاداة التصوّف فحسب؛ بل وكما يبرز في حالة مثل الداعية النيجيري جعفر محمود آدم، خريج الجامعة الإسلامية بالمدينة، والخطيب في إزالة البدعة، والذي اتُّهِمت بوكو حرام باغتياله –كما سيأتي لاحقًا- فإنما الارتباط الحقيقي هو التحرك ضد «المذهبية»، سواء المذهبية الفقهية -وفي الحالة النيجيرية المقصود «المالكية»، أو المذهبية العقدية- وفي الحالة النيجيرية كان المقصود الأشعرية، قبل أن تُضاف إليها عداوة الشيعة في السبعينيات[29].
واصل المتحولون العمل على ما يعتقدون أنه تنقية الإسلام في شمال نيجيريا، وإضفاء الطابع الديمقراطي على المعرفة الإسلامية، فشرعوا يوفّرون الوصول للنصوص مباشرة، ويمكنون الشباب والنساء المتزوجات والفقراء وغيرهم من الفئات المهمشة من الوصول إلى النصوص التأسيسية للدين، ويقيمون شبكة واسعة من المدارس، ويؤكدون أنه يمكن للمسلمين النيجيريين المشاركة في الترجمة عن مجتمع من المسلمين الخُلَّص، يسود فيه التقوى والعلم، بدلاً من الأنساب أو الكاريزما التي هي صناعة السلطة.
تزامناً مع ظهور «إزالة»، ظهرت حركات أصغر وأكثر راديكالية، مثل حركة «محمد مروة»، أو الحركة التي عرفت باسم «الميتاتسين» (Maitatsine)، والتي تعني «الرجل الذي يلعن الهوسا». و«محمد مروة» هذا داعية شاب من شمالي الكاميرون، اتخذ موقفًا عدائيًا ضد التأثير الغربي في البلاد، ورفض قبول شرعية السلطات العلمانية. ومع تنامي عدد أعضاء جماعته من بين الشباب العاطلين خلال نهاية السبعينيات، تدهورت علاقات الحركة مع الشرطة بشكل تام. وفي ديسمبر (كانون الأول) 1980 وقعت مواجهة في مسيرة في الهواء الطلق في «كانو»، استتبعتها أعمال شغب استمرت أسابيع، وخلّفت مئات القتلى، وانتشرت إلى الولايات الأخرى. ومات محمد مروة في أعمال الشغب الأولى، لكن جيوب العنف استمرّت لسنوات عديدة بعد ذلك[30].
جمعية الطلاب المسلمين المعادية للدستور والإخوان والشيعة
من الجماعات التي تحتاج إلى دراسة أيضًا، «جمعية الطلاب المسلمين» (Muslim Students Society) التي تأسّست في جنوب غرب نيجيريا، على يد مسلمين من قبيلة اليوروبا. وتولّت الدعوة في المدارس الثانوية والجامعات، وكان لها نشاط مقدر في جامعة أحمد بيللو في زاريا، بولاية كادونا.
رفعت «جمعية الطلاب المسلمين» شعار «الإسلام هو الحل»، وساهمت في 1979 بمظاهرات في زاريا، أحرقوا فيها نسخة من دستور 1979، وهي الأصل الذي انبثق منه تنظيمان: الأول بقيادة إبراهيم الزكزاكي، والثاني بزعامة عثمان بغاجي. كانت الحركة تعتمد على كتب الإخوان المسلمين ولها صلة بهم. وأما الشيخ «الزكزاكي» فلم يسم جماعته باسم معين، ولكن سماهم الناس باسم الإخوان المسلمين، وظلت هكذا حتى عام 1979 الذي وقعت فيه الثورة الإسلامية في إيران، وأخذت المنظمة تؤيد هذه الثورة تأييدًا سياسيًا، مما أدى إلى انقسام المنظمة عام 1996 إلى جماعتين؛ الأولى: جماعة الزكزاكي، التي مالت بمرور الوقت للمذهب الشيعي، والثانية: جماعة «أبي بكر مجاهد»، التي شكّلَت الغالبية العظمى، وكوّنَت منظمة أخرى عُرفت باسم «جمعية التجديد الإسلامي»[31].
من المهم معرفة أنّ نيجيريا كانت تعيش في حالة احتقان بعيدًا عن الدوافع الدينية. ولكن التديّن الجديد الوافد؛ سواء السلفي أو الحركي الإسلاموي، كان يتشكّل ويعزّز بروز إيمانيات حركية جديدة، وهي بدورها تُولِّد شرارات كامنة. فصار ثمة احتقان داخل كيان المسلمين أنفسهم؛ فالتوجّه السلفي لم يستفز الصوفيّة وحدهم من الطريقتين التيجانية والقادرية، بل انضم إليهما تيار وافد أخير مرتبط بتحوّلات السياسة، متمثلًا في الاتجاه «الشيعي» المدعوم من إيران.
أما أتباع القادرية، والذين يمثّلون البرجوازية الأرستقراطية والشمال الغربي في خلافة سوكوتو، ويسود عرقهم الفولاني والهوسا، فلديهم خلافاتهم التاريخية مع التيجانية والبورناوي أو الكانوري. وبالرغم من أن السلفية اعتمدت على مهاجمة التيجانية وحدها، فقد كان ظهور الشيعة بعد الثورة الإيرانية وخطاب «المستضعفين» ونصرتهم جاذبًا، حيث اعتمدوا على رفض التهميش، وتجذير أيديولوجية تجعل من قداسة الماضي أملاً بالمستقبل، وهذا ما كان ينقص بعض المهمشين. ولما انتظم بعضهم في الطريق الثوري على درب الإخوان، ثم انشقوا عنهم مع «الحركة الإسلامية» صارت الخلافات الداخلية بين كتلة المسلمين أكبر من الفهم، واستعر الاستقطاب بحديّة أنتجت حركات تجديد «قرآنية» تتقاتل في ما بينها، وحركات سلفية تتسابق نحو النقاء، وحركات تحاول الحفاظ على التصوف، كلها مستعرة داخليًا وخارجيًا.
ظلّت إيران تقدّم نفسها كترياق لمشاكل السلفية ومكافئ لها، ولم تتوان كثيرًا عن الظهور بمظهر قتالي أو قريب لشكل العنف. فقد تسرّبَت صور مختلفة عن حسينيات تضمّنَت بعض الاستفزاز للمسلمين السُّنة، كما تضمّنت تدريبات عسكرية يُنسب بعضها لهرمية تنتهي بقيادة الشيخ إبراهيم الزكزاكي.
ولئن كانت العلاقة الشيعية مع الحكومة متوترة في بدايتها، إلا أنها سرعان ما سمحت لهم بتأسيس المدارس، وفتحت المجال أمامهم لممارسة نشاطهم «الدعوي» بشكل كبير، ففتح الشيعة أبواب مدارسهم للأسر الفقيرة، وكذلك يتم اختيار بعض الطلاب المتفوقين لإرسالهم إلى إيران. وقد شهد الباحث على بعض الحالات.
وبالحديث عن الزكزاكي، فقد وُلد عام 1953 في بلدة زاريا، ودرس في جامعة أحمدو بيللو (ABU) بين (1976-1979)، ثم انخرط في النشاط الإسلامي، وأصبح الأمين العام لجمعية الطلبة المسلمين بنيجيريا (1977-1978)، ونائب رئيس الشؤون الدولية للهيئة الوطنية عام 1979[32].
بعد انتصار الثورة في إيران، قامت السلطة الإيرانية بتأسيس مؤسسة دينية تابعة لجامعة المصطفى العالمية المرتبطة بمكتب خامنئي. في تقرير نشره موقع الدايلي بيست (The Daily Beast) الأميركي بعنوان «خميني نيجيريا الذي ينشر الثورة الإيرانية في أفريقيا»[33]، وصِفَ إبراهيم الزكزاكي بأنّه «العدو اللدود لبوكو حرام»، و«المعادي بشدة للولايات المتحدة»، و«حامي المناورات الإيرانية في أفريقيا»، كما ذكر أنّ أنصاره مشتركون في العديد من الصدامات مع الدولة خلال العقود الماضية، والمئات من «جنوده» في السجن، وقد تعرّض رجاله قبل مدة إلى محاولة اغتيال، كما أن الزكزاكي نفسه كان قد اعتُقِل نحو تسع سنوات خلال الثمانينيات والتسعينيات، على يد القادة العسكريين الذين اتهموه بالعصيان المدني، ولكن في الآونة الأخيرة ازدادت ثقته بقدرته على تأسيس دولة إسلامية في نيجيريا. ويشير الكاتب إلى دعوات الزكزاكي عام 1996، حينما طالب بإقامة نظام إسلامي وإعلان «الله رب جميع العباد»، متجاهلاً أنّ نصف سكّان نيجيريا هم من المسيحيين، وأنّ أغلبية المسلمين هم من السُنّة. وعلى الرغم من إنكاره تلقّي أي دعم من إيران، فإنّ العديد من قادة حركته يزورون إيران بشكل دوري ويتلقون التعليم هناك. كما تمكّن الزكزاكي من تسخير الإعلام لصالحه، حيث تعمل حركته على ترجمة الأفلام الوثائقية عن الشخصيات الدينية إلى اللغة المحلية «الهوسا»، مع مئات من أشرطة الـ(DVD) التي تباع شهريًا، ومجلتين، هما: (Pointer Express) التي تطبع باللغة الإنجليزية، ومجلة «ميزان» التي تطبع بلغة الهوسا منذ سنوات.
وفي كتاب عن الحركات الإسلامية والتيارات الفكرية في نيجيريا[34]، يشير إبراهيم هارون حسن[35] إلى أنّ المهمة المعلنة للحركة الإسلامية النيجيرية هي «تأسيس دولة دينية في نيجيريا شبيهة بإيران، وأنّ هذا ما يبقي التصادمات قائمة بين الحركة وقوات الأمن الحكومية». إنّ للحركة جبهة شبابية خضعت للتدريب العسكري، ولكن حتى الآن لا تشكِّل هذه الجبهة تهديدًا كبيرًا للدولة. ويضيف: «لا أظنّ أنّ الأوان مناسب لحمل السلاح ضد الدولة».
يُقدَّر عدد الشيعة في نيجيريا بحوالى خمسة إلى عشرة ملايين[36]، يقطن معظمهم في الشمال الشرقي في مواقع نشاط بوكو حرام. وكما سيظهر بعد قليل في القسم الذي يخص بوكو حرام، فإن محمد يوسف مرّ على هذه الجماعات بعينها، وتأثر بها، وساهمت في إنتاجه -بالإضافة لعناصر أخرى. ولا بد من الإشارة هنا قبل الختام إلى أن المنظمات المسيحية لم تنخرط في مواجهات مع الدولة النيجيرية، كما أنه لم يكن هناك فكرة مسيحية مناظِرة لفكرة الأمة لدى المسلمين. وربما كان لنزوع المسيحيين عامة لفصل الدين عن الدولة أثره في وجود علاقة طيبة مع الدولة، مقارنة بعلاقة التنظيمات الإسلامية معها. غير أن المسيحيين ساهموا على نحو متكرر في إذكاء التوتر الديني في نيجيريا من خلال استخدام خطاب حماسي معادٍ للإسلام، وإظهار عداء كبير نحوه، والادعاء أن الشمال المسلم عقبة أمام تطور نيجيريا[37].
كيف نشأت بوكو حرام؟
تقع مايدوغري -عاصمة ولاية بورنو الحدودية- في الشمال الشرقي من نيجيريا، وتشارك تشاد والكاميرون في الحدود، وأغلبية سكانها من الكانوري. صارت مايدوغري محط أنظار العالم، لكونها بلدة المنشأ، ومحط أوائل عمليات بوكو حرام، وفيها حدث التمرّد الكبير لزعيمها محمد يوسف وأنصاره، انطلاقًا من مركز ابن تيمية عام 2009، حيث قُتل محمد يوسف، وانطلق بعدها قطار عنف صعق العالم بتتابع وتيرته حتى أوائل عام 2018.
إن حركة مثل بوكو حرام تتشظى على الأفكار، وتتحد بالعنف، وتتّسع في نيجيريا والكاميرون وتشاد، معتمدةً على ظروف ضعف الدولة، والنسيج الاجتماعي المترابط للإثنيات، وإرث السلفية المتحوّرة. هذا، ويظل التعريف عن «مايدوغري»[38] كمحطة أولى، لأن كثيرًا من الباحثين ينظرون إلى بوكو حرام على أنها تمرد مايدوغري، وغضبة الكانوري، وثورة بورنو. بيد أن الأولى في موضوع بوكو حرام أن تكون البداية منها لأنها قاعدة العمليات الحالية للتنظيم، ولأن بورنو هي الآن من بين أفقر الولايات في نيجيريا، وأكثرها بطالة -لأسباب موضوعية، متعلقة بالنفور الثقافي من سوق العمل الجديد المعتمد على القيم الحداثية الغربية، ولأسباب أخرى. علمًا بأنها كانت سيدة المدن في القرن الثالث عشر إبّان إمبراطورية كانو-بورنو، والتي كانت واحدة من الممالك الأكثر اتساعاً في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. تلك الإمبراطورية التي جعلت في ذاكرة الكانوريين البورنويين تفوقًا على الجوار، وهي إمبراطورية ترزح كعبء في ذاكرة المنطقة، تجعل المهمّشين اليوم، متحسرين لدورهم الذي انحسر، ويتبعون المذاهب الجديدة والأفكار الصاعدة، إذا كانت ستحملهم لتحقيق أهدافهم. ولعل ذلك يفسر انتشار التيجانية على حساب القادرية، ثم السلفية على حساب التيجانية، ثم التحوّرات اللاحقة.
لم تظهر مايدوغري مع بوكو حرام فجأة على مشهد الأحداث العنيفة، بل شهدت في التسعينيات احتجاجات ملحقة لمحمد مروة الكاميروني وسلفيّته الغاضبة، وكانت حاضرة في الصراع مع زاريا القريبة في باب التشيّع. ولكن علينا أن نبدأ من القادة لا من المكان، ثم نحاول تركيب الهوية الاجتماعية والدينية لبوكو حرام؛ الهوية الأولى، ثم تلك التي جرت عولمتها بتكبُّر، عبر خطابات شيخو.
متى تأسست بوكو حرام؟
يُعد تأسيس الجماعات مثل جماعة بوكو حرام لغزاً؛ لأن تكوّن الجماعات الدينية أو الإصلاحية يبدأ بخطوات سرية متوازية لا تتجمّع خيوطها عند أحد، وبعد إعلان القائد وترسيخ التنظيم وترتيب الأدوار، فإنّ جماعات جنينية تتحرك داخل تيارات الجماعات الكبرى فتحدث المزيد من الإرباك لمن يهتم بتدوين تأريخ للجماعة.
لذلك يلاحظ أنّ آراء متعددة حاولت تعيين تاريخ تأسيس بوكو حرام ولم تنجح؛ والسبب أولاً: أنها إما ارتبطت بمحمد يوسف ودراسة شخصيته، فحينها ركزت على أحداث انشقاقه عن «جعفر محمد آدم» – شيخه التابع لـ«إزالة» قبيل الانتخابات الثانية لوالي بورنو شريف. وثانيًا: أنها ارتبطت برصد الاتجاهات السلفية العنفية، فوجدت مظانها في دراسة حركة محمد مروة في منتصف التسعينيات. وثالثًا: أنها قدّرت أن بداية الحركات الجهادية بتشكل الطليعة المقاتلة المنعزلة. وهنا بدأ من تبنى هذا النهج بالتأريخ لبوكو حرام ببداية انعزال المتطرفين في الكانب في 2002.
التعريف بمحمد يوسف زعيم ومؤسس بوكو حرام
ولد محمد يوسف عام 1970 في جاكوسكو (Jakusko)، في ولاية يوبي في الشمال الشرقي لنيجيريا، والواقعة غرب مايدوغري وشرق زاريا «مدينة إبراهيم الزكزاكي». كان والداه فقيرين، وهنالك شكوك حول أصول أسرته، ولكن الأغلب أنهما من الكانوري. تعلم القرآن على يد والده وعدد من الأساتذة من نيجيريا والنيجر وتشاد، ولكنه فشل في مواصلة الدراسة النظامية[39].
هنا تنقطع السيرة، فالمصادر تشير إلى تشيُّع محمد يوسف، أو انضمامه لحركة إبراهيم الزكزاكي في صباه، ومشاركته في بعض نشاطها، وأنه هجرها في أواخر التسعينيات، ولكنه لا يذكر ذلك بصراحة، ويخفيها أتباعه في نبذ التعريف به. ويتناول أحد الكُتّاب[40] شخصية محمد يوسف مؤسس بوكو حرام بشكل مختلف؛ إذ يُورد أنه في الثمانينيات انضم إلى مجموعة الإخوان المسلمين، أو الحركة الإسلامية التي تعمل تحت جناح إبراهيم الزكزاكي، حيث كانت هذه المجموعة معروفة بمعارضتها للحكومة النيجيرية، وبشعاراتها الغاضبة التي تعلي راية الحاكمية القطبية[41] لا سواها.
ولكن في 1994، حدث انقسام بسبب ميول الزكزاكي للتشيُّع، فتخلت المجموعة الرافضة للتشيُّع عن إبراهيم، ويبدو أنها انتهت لقيادة محمد يوسف. وهنا يورد كاتب آخر[42] أن محمد يوسف تأثر بأفكار سيد قطب وكتابه «معالم في الطريق»، واعتقاده بمبدأ الحاكمية، ويرجِّح أن جذور أفكار «تكفير المجتمع» استمدها يوسف من الاتجاه القطبي، ومن هنا كان تكفيره للدستور ووصفه لنظام الحكم الديمقراطي بأنه جاهلي. ما يهمنا من هذه الرواية هو التاريخ، والنفَس الرافض للدستور العلماني، والسُّنية المتولّدة من خلاف مع الآخر الشيعي. ولكن أي حديث عن هذه المرحلة لا نجده في مصادر محايدة، إلى أن تبدأ مرحلة مايدوغري، والتي هاجر إليها يوسف، وحيدًا دون تعليل.
وفي مايدوغري، تلقَّفه التاجر الكبير «بابا محمد فاغو» (Baba Fugu Mohammed)، الذي عُرف عنه استضافة المهاجرين من أبناء قبيلته في مايدوغري، وأنه كان منشغلاً بالزراعة، ودخل في صراعات مع «الحكومة» حول الأراضي. فلمّا برز يوسف كرجل صالح وصديق طيب للرجل، زوّجه ابنته المفضلة.
في بدايته لازم محمد يوسف مسجد إنديمي بمايدوغري، وكان أحد المساجد التي يزورها شيخ سلفي من حركة «إزالة البدعة» اسمه «جعفر محمود آدم»، حيث يأتي من محل إقامته «كانو» لإلقاء الدروس والتحذير من التصوف[43]، وهو الشيخ الذي أشاد بمحمد يوسف كثيرًا، وقيل إنه رفع يده يومًا وسماه قائد الشباب المسلم[44]. واقترب محمد يوسف من «جماعة إزالة البدعة وإقامة السنّة» جداً، وبعد انضمامه إليها أصبح صدراً في ولايتي «يُوبي» و«بورنو»، حيث كان هناك ثلاثة مساجد يتشاركون في إدارتها، وقد أوكل إليه شيخه جعفر أحدها.
كان «جعفر» يُكثر من انتقاد الصوفية، وكان وهابيًا درس في جامعة المدينة. وتأثر في تاريخه بأبي بكر جومي، وحضر نقاش الشريعة الذي كان في السبعينيات، وظل فاعلاً لما تكرر بعد عودة الحكم المدني في 1999، وتطبيق الشريعة جزئيًا في ولايات الشمال. ولكن جعفر يختلف مع محمد يوسف في نقاط رئيسة؛ مثل التعليم الغربي الذي لا يُحرِّمه جعفر، وكذلك هو لا يكفِّر الحكومة، وهي نقطة انطلق منها محمد يوسف في رحلته نحو التطرّف. ويلخّص أحد الباحثين[45] الخلاف بين يوسف و«إزالة» قائلاً: «حصل تنازع في الإدارة بينه وبين جماعة الإزالة، وانتهى التنازع أخيراً بانحياز طلابه إلى أحد المساجد، وتركوا المسجدين الآخرين لجماعة الإزالة»، ومن هنا استمر يوسف مع جماعته حتى استقل بتأسيس حركة «جماعة أهل السنّة للدعوة والجهاد» نحو عام 2002. ويضيف الباحث أن ثمة سببًا آخر للجفوة، فيقول: «زادت الفجوة بين محمد يوسف وجماعة إزالة البدعة عموماً والشيخ جعفر محمود آدم، عندما دعت جماعة إزالة البدعة المسلمين في نيجيريا إلى انتخاب المرشح الرئاسي «محمد بوهاري» (Muhammadu Buhari)، في الانتخابات الرئاسية عام 2005، لكونه رئيسًا مسلمًا. في حين اعتبر محمد يوسف أن الانتخابات برمتها ممارسة غير إسلامية، وهاجم «إزالة» مرات عدة من خلال كتبه ودروسه. ولما جرى اغتيال جعفر محمود آدم في كانو عام 2007، تمّ اتهام بوكو حرام بذلك[46].
ثمة قائد آخر يجب ذكره، وهو «محمد علي البورناوي»؛ أحد أتباع محمد يوسف الذين درسوا في الخليج، وهو الذي بدأ فكرة الهجرة إلى «كاناما» (أو «كَنَمَّ») (Kanamma) في ولاية يوبي، وكذلك إلى بلدة «غَيْدَم» (Gaidam) بالقرب من جمهورية النيجر؛ حيث اشتُبه في تصرفاتهم، وأُبلغت عنهم الشرطة التي تحقّقَت منهم بلا جدوى، ولكن حين أُبلغ عنهم للمرة الثانية بسبب ما يقومون به من أعمال مشبوهة، هجم عليهم رجال الشرطة والجند، وتركوا منهم قتلى وجرحى، حتى إن رجال الشرطة شوهدوا يأتون بأعضاء الحركة –بمن فيهم من الجرحى- فيطالبونهم بالاضطجاع على بطونهم، ثم يطلقون على كلّ فرد منهم رصاصتين أو ثلاث. وفي حملةٍ مقابلة، خرجت جماعة برئاسة الشيخ «بابا» (Baba) بغضبة عارمة للأخذ بالثأر، استأصلوا فيها رجال الشرطة الذين قابلوهم في الطريق، وقطعوا مسافة طويلة مشيًا على الأقدام، حتى وصلوا «دماتُرُو» عاصمة ولاية «يوبي»، حيث بدؤوا الحياة بانعزال. وبسبب خلاف حول الصيد بينهم والسكان، والذي تطور ليستدعي تدخّل الشرطة بعنف في 20 ديسمبر(كانون الأول) 2003، قبل أن يتجدد مرة أخرى بعد عشرة أيام، أصبح المتطرفون يبحثون عن تدريب لهم يجعلهم أقوى على الدفاع عن أنفسهم لاحقًا.
نفى محمد يوسف أن يكون متورطًا في هذا العنف، وقال بأنه كان في الخارج، حيث سافر إلى الحج -حسب زعمه- في 2003، ثم 2004، ولاذ بالمكوث هناك لمّا نما إلى علمه أنه متهم في أحداث العنف، لأنّ تفسيراته وتحريضه وُجِد لهما الأثر في تشجيع المقاتلين على التمرد أو العزلة، فبقي في الحجاز، وهناك أدار حوارًا مع شيخه جعفر، الذي ناصحه في جلسات، طالبًا أن يتراجع عن أفكاره المتطرفة، فوعد يوسف شيخه أن يفعل. ويزيد على ذلك أحد الباحثين[47]، أن يوسف لم يحاور جعفر وحده، بل تواصل أيضًا مع نائب ولاية بورنو لترتيب العودة، فلما عاد، كان يوسف معزولاً عن التيار العام لعلماء المسلمين.
سبق عزل يوسف عودته، بل سبق سفره، وقد بدأ مع موقفه من إعلان الشريعة وتطبيقه؛ فمع إعلان اتجاه تطبيق الشريعة في 2000، كان تيار محمد يوسف المتشكّل أحد الحاسمين في تصعيد «إرادة تطبيق الشريعة»، ودخلت حركة إزالة وتيار محمد يوسف وشيخه جعفر في اتفاق مع الدولة النيجيرية (الإقليمية)، على شكل شراكة سياسية بين عامي 2002-2003، بل إن قواعد الحركة لعبت دورًا حاسمًا في انتخاب «علي مودو شريف» حاكمًا لولاية بورنو عام 2003، بينما وعد «شريف» بنشر الشريعة الإسلامية. إلا أن الشراكة القائمة تصدّعَت فجأة –حسب قول أحد الباحثين- حيث تحوّلت «بوكو حرام» إلى تنظيم إرهابي، بعد حوادث الانعزال التي كانت ردة فعلٍ صامتة على سوء تطبيق الشريعة[48].
وفي الحقيقة فإن التحالف لم يتصدع فجأة، فهو لم يكن مع جسم هرمي متماسك أصلاً، إنما كان تيارًا عامًا، قام جزء منه بإبداء ملاحظات على أداء الحكومة، وبدأ بالحشد للخروج منها لتأسيس دولة إسلامية فكريًا، ثم بدأت مجموعة تالية بالانعزال والهجرة.
هنا لا بد من الإشارة إلى الأسماء التي كانت توصف بها الجماعة، ومحاولة فهمها لا تقييمها. ويرمي أحد الباحثين[49] إلى أن بداية الحركة كانت سنة 1995، تحت قيادة أبوباكاه لاون، ثم غيّرت إلى حركة «طالبان نيجيريا»، ويمكننا أن نفهم أن «طالبان» أُخِذت كتسمية لمجتمعات كثيرة انعزلت وحاولت تطبيق صورتها المثالية للإسلام، واعتمدت مبدأ الهجرة. ويواصل الباحث: إن الجماعة تحولت من «طالبان الطائفية اليوسفية» -نسبة لمحمد يوسف- بعد أن عاد يوسف من الحج وبدأ تقديمه كقيادة كاريزمية، تحوّلَت أخيرًا إلى بوكو حرام، وهي قضية بلورها محمد يوسف، لا ضد التعليم الغربي، بل ضد النظام العالمي وقيمه التي يراها غربية[50].
إذن، بعد عودته بدأت المرحلة الثانية لبوكو حرام، مرحلة الدعوة، التي أعقبت انتهاء الاحتقان في كاناما، وقام الجيش النيجيري خلالها بقمع حركة بوكو حرام. خلال هذه المرحلة، اقتصرت أنشطة الحركة على الدعوة، وتمثّل هذا في الهجوم على الرموز الإسلامية المعتدلة، ونقد الديمقراطية والعلمانية على أنهما موروثات غربية وليس لها علاقة بالإسلام. في هذه المرحلة، تبنّت الحركة أجندة سياسية محلية، قامت على محاربة الفساد الأخلاقي والسياسي المتمثّل في محافظ ولاية بورنو «علي مودو شريف»، والذي تولّى منصبه منذ 2003 حتى 2011، وهو الوالي الذي كان قد نال دعم بوكو حرام في البداية، ثم تم اتهامه بأنه لم يطبق الشريعة بشكل كامل. وقد كان التجنيد في هذه المرحلة مقتصرًا على المجتمع النيجيري[51].
اتخذ «أبو يوسف» مدينة «بورنو» معقلًا لدعوته، استمر فيه ناشطًا في تحريض الشباب على الجهاد ضد ظلم الحكّام، وتحذير الناس من الدراسة على نمط «بوكو»، وضد كل ما يتّسم بـ«الحداثة»، ولم تفتر عزيمة محمد يوسف في هذه الفترة عن التجوال في كلّ مدن شمال نيجيريا، من بورنو إلى سوكوتو لإلقاء محاضراته في الدعوة والاستعداد للجهاد. وقد وُفّق لحشد مجموعة من الشباب المتحمّس لإقامة الدولة الإسلامية، جاؤوا إليه مبايعين من الأماكن التي انتشرت فيها دعوته، خصوصًا من ولايات الشمال الشرقية الخمس، وهي: «غومبي» و«أدماوا»، بالإضافة إلى «بورنو» و«يوبي» و«بوثي»[52].
وانتشرت دعوة الحركة أيضًا في ولايات الشمال الغربي، وهي: «كانو»، و«جيغاوا»، و«كتسينا»، و«سوكوتو»، و«كبي»، وتجاوب معه فيها عدد قليل، وإذا هاجر الناس إلى «بورنو» يتجمّعون في المركز، وفي حارة «قَوزَارِي» (Gwazari) على طريق الذهاب إلى حارة «رُوَنْزَافِي» (RuwanZafi) في «مايدوغري»[53].
يقول الخضر عبدالباقي محمد، مدير المركز النيجيري للبحوث العربية، بأن «زعيم الجماعة محمد يوسف بداية أمره كان معتدلاً، إلا أنه مال نحو التطرف، وأصبح الجناح المتشدّد التفجيري هو المسيطر على هذا التنظيم ككل منذ مقتل زعيمهم محمد يوسف عام 2009، وتحوّلت عناصر الجماعة إلى جماعات مسلحة مقاتلة بالكامل، وتخلّت عن العمل والنشاط الدعوي واللقاءات الاجتماعية بعد مقتل زعيمها على أيدي الجيش النيجيري، وأعلنوا مواجهة صريحة مع الدولة النيجيرية -رجال الأمن تحديدًا- وعزموا على الانتقام والثأر لمقتل زعيمهم والمئات من أعضاء الجماعة، وبايعوا قيادتهم على الاستمرار على نهج المقاومة والثأر لدماء إخوانهم، وحتى الآن لا تبدو مؤشرات قوية تفيد بحقيقة انضمام عناصر من الخارج إلى صفوف الجماعة، إلا أنها وجدت تعاطفًا من عناصر من خارج نيجيريا، خاصة من أفراد متحمسين للدين من الدول المجاورة، مثل تشاد والنيجر والكاميرون، يعلنون استعدادهم للقتال بجانب المسلمين في نيجيريا للانتقام مما يرونه من ضيم للجماعة[54].
تفسيرات للعنف.. العرقية والاغتراب
«لقد فشلت الديمقراطية، وفشلت التنمية العلمانية، ولم تنجح سوى في محاولة تغريبنا، وحرماننا من الدين الذي فتح الله به علينا، وإنّ سعادتنا في الدنيا مفتاحها استعادة هذا الفتح». هذه خلاصة الفكرة التي انطلقت بها جماعات تعمل تحت مظلة بوكو حرام، مدفوعة بعقيدة جهادية، ورغبة لاستعادة إمبراطورية ميتة.
يشير البعض إلى أن جماعة بوكو حرام تمثل «تمرّد القبليّة»، ويسلّط الضوء على مظالم وقعت على الكانوريين من قبل الدولة النيجيرية والمؤسسة الشمالية التي يسيطر عليها تحالف الهوسا-الفولاني، ولكن هذه الفرضية قد تبدو متجاهلة للأيديولوجية الطائفية لبوكو حرام.
عكست فترة التأسيس التركيبة الديموغرافية لمحيط بوكو حرام في مدينة ميدوغو، وتمكّنت من استخدام الشبكات الاجتماعية لتسهيل جهود التجنيد، فتعزّزت بذلك شخصية الكانوري في بوكو حرام. وحين وقع القمع –آنذاك- ضد حركة محمد يوسف في 2009 -وفيها ما فيها من التجاوزات- أُخذت بجريرة يوسف أسر كانورية لم تتورّط في العنف، فكان الثأر للقتلى من مسؤولية أقاربهم، وأرحامهم الكانوريين، كما أن الجماعة فشلت في تطوير الشبكات الاجتماعية لتجنيد أعداد كبيرة من عرقيّات غير الكانوري[55].
وهنا إشارة ننقلها عن أحد أساتذة الدراسات الأفريقية، إذ يقول في معرض حديثه عن الكانوري (الكانم): (وبدلاً من استعادة التراث بكل جوانبه السياسة والثقافية، بدأ شباب العنف في «كانو» ممتداً إلى «مايدوغري». وتحوّل تنافس الفولا والهوسا والكانوري الثقافي والفكري، من بناء الدولة الوطنية إلى مجموعات «بوكو حرام»، التي تساعدها اللغة نفسها في الامتداد على هذه الخريطة بالإرهاب لا المذاهب الفكرية والفقهية، أي بالبنية الثقافية عميقة الجذور. وندهش أن تمضي مرحلة «التعاون العربي الأفريقي» دون العناية بالعمل الثقافي الواسع في هذه المناطق، وكنا نصبح بذلك أقوى في مواجهة الإرهاب، لكن هكذا نحن نقوم فقط بنشر اللغة العربية، وبنصوصها التقليدية التي ينصرف عنها الآن شباب هذه المناطق، يستوعبهم صراع السلاح الذي تمتلئ به مخازن ليبيا من ناحية، أو أنشطة دول عربية محاصرة في التقليدي وعلاقات ومصالح العولمة من ناحية أخرى)[56].
في تقارير أخرى أشار دودا ماندي، وهو زعيم محلي من شمال شرق البلاد، إلى أن انتماء غالبية أعضاء بوكو حرام إلى إثنية الكانوري يلعب دورًا في إطالة أمد النزاع. فمعظم سكان المدن والقرى الواقعة على طول الحدود في نيجيريا والنيجر والكاميرون وإلى حد ما في تشاد ينتمون إلى إثنية الكانوري، مما يشكّل صلة وصل ثقافية ولغوية مع المتمردين. ويقول ماندي لوكالة فرانس برس: «إنهم يوفرون نوعًا من الحماية لبوكو حرام بسبب حس الانتماء الإثني، والسكان ليسوا على استعداد للوشاية بسهولة بمن يعبر الحدود». ووفقًا لباباكورا كولو، أحد أعضاء لجان المقاومة الشعبية، فإن «الانتحاريين يتسللون إلى مايدوغري من قرى مجاورة حيث يتم تقديم مأوى لهم».
يشير أستاذ جامعي سابق في جامعة مايدوغري، اكتفى بذكر اسمه الأول «خليفة»، إلى أن بوكو حرام «استخدمت التجنيد الإجباري للرجال والفتيان لتعزيز صفوفها، لكنها أنشأت أيضًا تحالفات مع جماعتي بودوما وكالومبا الإثنيتين في تشاد. ويوضح أن «لدى بوكو حرام جيشًا من المرتزقة من تشاد يعبرون الحدود للانضمام إلى صفوفها بسبب الغنائم التي يحصلون عليها خلال الهجمات على القرى. وهكذا، يمكن لبوكو حرام أن تجدد صفوفها بسهولة عندما تتلقى خسائر بسبب هجمات الجيش»[57].
تدّعي بوكوحرام أنها الوريث لخلافة عثمان دان فوديو في سوكوتو، بيد أنها تسعى لتحويل مركز القوى من سوكوتو إلى ولاية بورنو. وفقًا لما ذكره أحد العاملين في مؤسسة جيمس تاون، ويدعى «جاكوب زين»، فإن هذا التحّول سيؤدّي إلى تمكين سكان كانوري اقتصاديًا وأخلاقيًا، حيث إن هؤلاء السكان تم تهميشهم أساسًا منذ تأسيس بورنو في الحكومة الاتحادية النيجيرية عام 1967. ويشير محلل الشؤون الأفريقية، مايكل باكا، إلى أن هيمنة الكانوري في صفوف بوكو حرام هو في المقام الأول نتيجة لحركة لها أصولها الظاهرية، وخاصة مدينة مايدوغري.
ومع ذلك، سيكون من الخطأ الادعاء بأن أنشطة بوكو حرام تعتبر بالكامل «جهاداً كانوريًا» أو «تمردًا قبليًا» ضد الحكومة النيجيرية الشمالية التي يسيطر عليها السياسيون الهوسا والفولاني؛ حيث إن عددًا كبيرًا من ضحايا بوكو حرام شملوا أيضًا الكانوري، كما تم تعزيز العديد من أنصار الأقليات غير الكانورية من خلال صفوف الحركة[58].
الاغتراب
وضع الصحافي والمحلل، كولبرت كينغ (Colbert I. King)، تفسيرًا بدأه باقتباس مفاده أن «الأمر لا يتعلق حقيقة بالإسلام، بل بالأمور التي تفهمها جيدًا، وهي الفقر، والشعور بالاغتراب، والحرمان من الحقوق، والبحث عن معنى وهوية. يمنح التوحد مع الجماعات المتطرفة الإرهابيين مخزونًا من الدعم والنهج والشرعية يمكن الاعتماد عليه». من هنا ينطلق كينغ ليتحدث عن «الاغتراب الأسود في المدينة الداخلية»، لإدراك سلوك بوكو حرام، ويتحدث عن «عدم الثقة والغضب والشعور بعدم الاندماج الموجود في بعض المجتمعات التي يتم تهميشها اقتصاديًا واجتماعيًا وعرقيًا»، لكن الدافع السلوكي لدى جماعة بوكو حرام هل هو الحرمان الاقتصادي أم الشعور بكونه ضحية؟ أم إن هناك دافعا آخر له صلة بالتطرف الديني العنيف؟
ينقل الكاتب عن الأسقف «أوليف رداش دويم»، مطران أبرشية الكاثوليك في مايدوغري، قوله: «منذ عام 2009 هرب نحو (70) ألفًا من (125) ألف مسيحي كاثوليكي في نطاق الأبرشية وتركوا منازلهم، وكذا نصف رجال الدين في الأبرشية، حيث لجأ الكثيرون منهم إلى أبرشية مجاورة. ووصل الوضع إلى حالة ميئوس منها في شمال نيجيريا، مما دفع دويم إلى طلب مساعدة القوات الغربية لهزيمة بوكو حرام. وقال: إن جزءًا من الجيش النيجيري غير كفء، والآخر فاسد. وأضاف: «كان هناك بين الجنود من يتعاطفون مع بوكو حرام، بل وبعضهم كان في وقت ما منضمًا إلى صفوف الجماعة، بينما هرب الكثير منهم». يضيف الكاتب: «لقد مر وقت طويل منذ أن زرت نيجيريا التي تتسم بالتنوع العرقي والديني. وكانت التوترات العرقية واضحة خلال رحلاتي في ثمانينيات القرن الماضي، حيث خاضت الدولة حربًا أهلية في حقبة الستينيات، لكن خطر التطرّف الديني العنيف لم يكن موجودًا تقريبًا». ربما يكون «الاغتراب» و«البحث عن معنى» من العوامل التي أدّت إلى هذا الوضع، إضافة إلى الكراهية التي تؤدي إلى ارتكاب فظائع التمثيل بالجثث والمذابح باسم الله، حتى وإن كان بطريق الخطأ»[59].
إن الهدف الرئيس للحركات الإرهابية في مراحلها الأولى، هو جذب الاهتمام، ولكن الإرهاب المرتبط بقضية تأسيس دولة إسلامية، على أنقاض الدولة الحديثة ما بعد الاستعمارية، يحمل في داخله كل سمات الحركات الإرهابية السابقة في التاريخ. فهو أولاً: يتضمن الرغبة في جذب الانتباه، وثانيًا: التعبير عن الطموحات السياسية، وثالثًا: القناعة الأيديولوجية، ورابعًا: شرعنة استخدام العنف، وخامسًا: تشريع استهداف الضحايا. وبالرغم من ذلك فإن التبعات تجعل من الموجة الحالية موجة شديدة التعقيد. لما تتضمنه من انتقالات داخلية. ولكنّه قبل ذلك يريد إنشاء الدولة الإسلامية التي يقتنع أنها واجبة.
لم تعد السلفية المحوّرة إخوانياً هي المذهب الفكري الديني الذي يريد العودة بالعبادات والحياة العامة إلى صورة المثال المركوزة في السلف الصالح، ولكنها صارت حركة سياسية، تدخل في تفاصيلها محفزات التنافس وتعتمل في قراراتها موجهات البراغماتية، وكغيرها من الحركات يتباين أفرادها. والأهم في ظاهرتها الجهادية اليوم، أنّها أضحت «حركة تمرّد» ملائمة لأصوات المسلمين، يرون فيها خلاصًا.
الخاتمة
تقوم بوكو حرام، وعموم الجماعات الإرهابية، على تبني مظالم أساسية: اقتصادية وسياسية تقع على فئة بعينها، تعاني من التهميش والإقصاء داخل نظام الدولة الوطنية، لأسباب تاريخية أو اجتماعية أو جغرافية، كما في حالة سكان ميدغوري أو الكانوريين في نيجيريا وشمال الكاميرون وغرب تشاد. ويتغذى هؤلاء بأيديولوجيا دينية عابرة للعرق أو القومية، ولكنها تكتسب قوتها من حسها المصادم للدولة، وترتبط بمجد تاريخي يصلها مع مستضعفين آخرين من خارج نطاق الدولة القومية. ويتم تغذية المظالم السياسية بخطاب ديني سياسي يشكل أيديولوجية قادرة على حفز وتشجيع أنصار يقدمون العون، وخدمة القضية في هدفها السياسي.
لا تكفي المظالم السياسية والاقتصادية والفردية وحدها لتحويل الفرد المحتقن لإرهابي، هذا لا ينفي دور نسب البطالة المرتفعة، واليأس وانعدام الأمل، والدعوة إلى العنف، وطالما توفر للدعوة المنابر المناسبة، لتقديم نماذج بديلة، وحلول للمشاكل المحدقة، وتوجيه الشباب للعنف. وليس أفضل من وسطٍ طائفي منشق على ذاته، متحفز للانتقام من الآخر لتبني العنف.
تحتاج الدولة الشرق أوسطية، والتي تغلب على مواطنيها هويات دينية إلى العمل على تمتين الهوية الوطنية وشرح فكرة الدولة من الأسفل وعبر المجتمع وتعزيز الحرية، حتى يكون رد الفعل «حتى الذي يرفض الدولة» جزءًا منها لا خارجًا بسلاحه عليها، وربما يتم ذلك عبر الاهتمام بصناعة الهوية الوطنية الجمعية، واعتبار الخلافات داخلها لا عليها، عبر تكثيف المواد التعليمية والمواد الإعلامية التي تجمع المشتركات، من تراث أو تحديات مستقبلية، ومراجعة الأدبيات الدينية بحرية، والسماح للمصلحين والمثقفين التقليديين أن يتقدموا لمراجعة الأفكار وطرحها دون قمع.
[1] محمد عبدالكريم أحمد، بوكو حرام من الجماعة إلى الولاية: أزمة التطرف والفساد في أفريقيا، العربي للنشر والتوزيع، القاهرة، نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، ص52.
[2] Thurston, Alexander. Boko Haram: The History of an African Jihadist Movement. Princeton University Press, 2017.
[3] Smith, Mike. Boko Haram: inside Nigeria’s unholy war. IB Tauris, 2015.
[4] Adesoji, Abimbola O. «Between Maitatsine and Boko Haram: Islamic fundamentalism and the response of the Nigerian state.» Africa Today 57, no. 4 (2011): 98-119.
[5] Falola, Toyin. Violence in Nigeria: The crisis of religious politics and secular ideologies. University Rochester Press, 1998.
انظر: دراسة نايلز كاستفيلت «Niles Kastfelt» عن الأقليات في أداماوا «Adamawa» التي تحولت لاعتناق المسيحية بين عامي 1940-1960 من أجل توحيد وإنشاء حزبين سياسيين رئيسين، وهما: مؤتمر الحزام الأوسط المتحد «United Middle Belt Congress» ورابطة المنطقة الوسطى «Middle Zone League»، لتمثيلهم في نظام فيدرالي، والتفاوض مع الحزب الحاكم حينذاك، وهو المؤتمر الشعبي الشمالي. قد حوّل المسيحيون كنائسهم إلى مقرات للأحزاب السياسية، وكوّنوا، انطلاقاً من الدين، ثقافة مقاومة المؤتمر الشعبى الشمالي.
[6] محمود شاكر، نيجيريا، عن مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية 1971، ص55.
[7] آدم عبدالله الإلوري، موجز تاريخ نيجيريا، عن منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت، 1965، ص77. الإلوري هو عميد المركز العربي الإسلامي في باغيغي، وقد كان من الإسلاميين الذين التقوا حسن البنا، ويعكس هذا الاهتمام المبكر للنيجيريين بحركات الإسلام السياسي وتواصلهم مع الشرق الإسلامي.
[8] Searcy, Kim. «All Politics is Local: Understanding Boko Haram.» Origins: Current Events in Historical Perspective 9, no. 9 (2016).
[9] عبير شوقي ذكي جرجس، العلاقة بين الدين والسياسة في أفريقيا، عن المكتب العربي للمعارف، القاهرة، 2015، ص77.
[10] Smith, Mike, Boko Haram: inside Nigeria’s unholy war. IB Tauris, 2015.
[11] (أحمد بِلُّو سَرْدَوْنَا) أحد سُلالة سَلاطين سكوتو، اغتيل عام 1966. «كان يَرى ضرورةَ جعل نيجيريا دولةً إسلاميَّةً بنصّ الدّستور، حتى لو أدّى ذلك إلى انفصال شمال نيجيريا من الكتلة الفيدراليَّة،. يسرد الشماليون ذكراه بتبجيل. لو كان يريد أن يستعمل الدين كإطار موحد، واستغل طاقة الدول العربية في ذلك، سمح لأبي بكر جومي أن يشرع دعوتهم، ولكن دون إثارة للتيجانية والقادرية، ولكن ما إن مات بيللو حتى تحول جومي، ليكون القدم الأولى للسلفية الوهابية، بشكلها السعودي المصادم للتصوف. والمغاير للهوى السياسي المصري.
[12] محمد عبدالكريم أحمد، بوكو حرام من الجماعة إلى الولاية: أزمة التطرف والفساد في أفريقيا، مرجع سابق، ص40.
[13] المرجع نفسه، ص44.
[14] المرجع نفسه.
[15] المرجع نفسه، ص56.
[16] صلاح الدين رأفت، صراع بوكو حرام والحكومة النيجيرية.. بين الحقيقة والوهم، موقع قراءات أفريقية، 18 نوفمبر (تشرين الثاني) 2013، على الرابط التالي:
http://www.qiraatafrican.com/view/?q=364
انظر أيضاً: محمد بوبوش، بوكو حرام من الدعوة إلى التطرف والعمل المسلح، في: مكافحة الإرهاب: المفاهيم، الاستراتيجيات، النماذج، مركز المسبار للدراسات والبحوث، دبي، العدد (102)، يونيو (حزيران) 2015.
[17] كان تولّي السلطان دسوقي نفسِه تدخلاً من الحكومة؛ فهو لم يكن الوريث المباشر، ولما تمّ إعلانه حدثت مظاهرات لأيام، قُتل خلالها بعض المتظاهرين جرّاء نزاعات، وكان تدخل بابانجيدا سببًا رئيسًا في عملية الاختيار، وبالرغم من أن عزله كان لأسباب سياسية، فإنه عُدّ حالة من حالات التدخل. انظر:
Lewis, Peter, Pearl T. Robinson, and Barnett R. Rubin. Stabilizing Nigeria: Sanctions, incentives, and support for civil society. Vol. 3. Council on Foreign Relations, 1998.
[18] Adapted from: http://www.qiraatafrican.com
[19] Weimann, G. J. (2010). Islamic criminal law in northern Nigeria: politics, religion, judicial practice, Amsterdam: Vossiuspers UvA – Amsterdam University Press, P148-150.
انظر أيضاً: جماعة نيجيرية تعارض استضافة مسابقة ملكة جمال العالم، البيان الإماراتية، 25 أغسطس (آب) 2002، على الرابط التالي:
http://www.albayan.ae/five-senses/2002-08-25-1.1340968
[20] أسست هذه الجماعة على يد أحد أتباع الشيخ أبي بكر جومي، وهو الشيخ إسماعيل إدريس سنة 1978، الذي انتقد الطرق الصوفية بشدة. للمزيد راجع: محمد عبدالكريم أحمد، بوكو حرام من الجماعة إلى الولاية، مرجع سابق، ص57.
[21] عبير شوقي ذكي جرجس، العلاقة بين الدين والسياسة في أفريقيا، عن المكتب العربي للمعارف، القاهرة 2015، ص73-95.
[22] المرجع نفسه، ص73-95.
[23] المرجع نفسه.
[24] عبير شوقي ذكي جرجس، العلاقة بين الدين والسياسة في أفريقيا، المكتب العربي للمعارف، القاهرة 2015، ص73-95.
[25] محمد بوبوش، بوكو حرام من الدعوة إلى التطرف والعمل المسلح، الكتاب الشهري لمركز المسبار للدراسات والبحوث، يونيو (حزيران) 2015.
[26] أبوبكر يهوذا، أهمية اللغة العربية لرجال الأمن في نيجيريا.
SLASS, Multi-Disciplinary Journal of Educational Studies. FCT COE, vol1 No 3 june.p11.
[27] أبي يوسف محمد بن يوسف، هذه عقيدتنا ومنهج دعوتنا، عن مكتبة الغرباء للطباعة والنشر والتوريع، مايدوغري – نيجيريا، 2008، ص123.
[28] يهوذا إسحاق محمد الجمعاري، دور جماعة إزالة البدعة وإقامة السنة في تطوير حياة مجتمع مسلمي شمال نيجيريا.
[29] Thurston, Alexander. Salafism in Nigeria: Islam, Preaching, and Politics. Vol. 52. Cambridge University Press, 2016. P:92.
[30] محمد عبدالكريم أحمد، بوكو حرام من الجماعة إلى الولاية: أزمة التطرف والفساد في أفريقيا، مرجع سابق، ص61.
[31] المرجع نفسه، ص58.
[32] «إبراهيم الزكزاكي.. النسخة الإيرانية لـ(حسن نصر الله) في نيجيريا»، موقع بوابة الحركات الإسلامية، الأربعاء 29 أبريل (نيسان) 2015، على الرابط التالي:
http://www.islamist-movements.com//28144
[33] Philip Obaji Jr.,«Nigeria’s Khomeini, Spreading Iran’s Revolution to Africa», The Daily Beast, 23rd December 2015.Link:
https://www.thedailybeast.com/nigerias-khomeini-spreading-irans-revolution-to-africa
[34] Hassan, I. H. «An Introduction to Islamic Movements and Modes of Thought in Nigeria.» Pan African Studies/ISITA working papers No: 1 (2015).
[35] البروفيسور «إبراهيم هارونا حسن» من جامعة جوس في المنطقة الشمالية الوسطى لنيجيريا.
[36] انظر:
Shi’a in Nigeria, global security, link:
https://www.globalsecurity.org/military/world/nigeria/religion-islam-shia.htm
[37] محمد عبدالكريم أحمد، بوكو حرام من الجماعة إلى الولاية: أزمة التطرف والفساد في أفريقيا، مرجع سابق، ص61.
[38] نسبة إلى مايدوغري (Maiduguri) هي عاصمة ولاية برنو بنيجيريا.
[39] Fr. Atta Barkindo, An Introduction to Boko Haram’s Ideologues: From Yusuf to Shekau, Africa Research Institute. Link:
https://www.africaresearchinstitute.org/newsite/blog/introduction-boko-harams-ideologues-yusuf-shekau/
[40] أحمد مرتضى، جماعة (بوكو حرام).. نشأتها ومبادئها وأعمالها في نيجيريا، مجلة قراءات أفريقية، العدد الثاني عشر، ربيع الآخر – جمادى الآخرة 1433هـ، أبريل (نيسان) – يونيو (حزيران) 2012، ص20.
[41] نسبة لسيد قطب، الذي غالبًا ما يُنسب إليه التأسيس الفكري لجماعة الإخوان المسلمين.
[42] نبيل شكري، بوكو حرام السلفية الجهادية في أفريقيا، المكتب العربي للمعارف، القاهرة، الطبعة الأولى، 2015، ص17.
[43] Smith, Mike. Boko Haram: inside Nigeria’s unholy war. IB Tauris, 2015.P 74.
[44] المرجع نفسه، ص76.
[45] أحمد مرتضى، جماعة (بوكو حرام).. نشأتها ومبادئها وأعمالها في نيجيريا، مرجع سابق، ص20.
[46] نبيل شكري، بوكو حرام السلفية الجهادية في أفريقيا، المكتب العربي للمعارف، القاهرة، الطبعة الأولى، 2015، ص18.
[47] Smith, Mike. Boko Haram: inside Nigeria’s unholy war. IB Tauris, 2015.
[48] Allen, Nathaniel DF. «Unusual Lessons from an Unusual War: Boko Haram and Modern Insurgency.» The Washington Quarterly 40, no. 4 (2017): 115-133.
[49] Onuoha, Freedom C., and Boko Haram. «Nigeria›s extremist Islamic sect.» Al Jazeera Centre for Studies 29 (2012).
[50] نبيل شكري، بوكو حرام السلفية الجهادية في أفريقيا، المكتب العربي للمعارف، القاهرة، الطبعة الأولى، 2015، ص1.
[51] المرجع نفسه، ص19.
[52] محمد بوبوش، بوكو حرام من الدعوة إلى التطرف والعمل المسلح، مرجع سابق.
[53] أحمد مرتضى، جماعة (بوكو حرام).. نشأتها ومبادئها وأعمالها في نيجيريا، مرجع سابق.
[54] محمد، الخضر عبدالباقي، الخبرة النيجيرية في مواجهة الانحراف الفكري والثقافي، ورقة علمية مقدمة للملتقى العلمي «نحو استراتيجية للأمن الفكري والثقافي في العالم الإسلامي»، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية في الفترة من 28-30 أكتوبر (تشرين الأول) 2013، الرياض، ص15.
https://repository.nauss.edu.sa/bitstream/handle/123456789/63771
[55] Baca, Michael. «Boko Haram and the Kanuri factor» African Arguments (2015). Link:
http://africanarguments.org/2015/02/16/boko-haram-and-the-kanuri-factor-by-michael-baca/
[56] حلمي شعراوي، الكانوري من تراث وطني إلى لغة للإرهاب، جريدة الاتحاد، 16 أغسطس (آب) 2017، على الرابط التالي:
http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=95299
[57] الروابط الإثنية والفساد يمنحان بوكو حرام تفوقاً على الجيش في نيجيريا؛ رأي اليوم، 27 نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، على المختصر التالي:
https://2u.pw/N06rz
[58] Kim Searcy All Politics is Local: Understanding Boko Haram, Origins, Current Events in Historical Perspective, Published by the History Departments at The Ohio State University and Miami University, vol. 9, issue 9 – June 2016. Link:
http://origins.osu.edu/print/4065
[59] كولبرت كينغ، «بوكو حرام».. قتل وتدمير، الشرق الأوسط 27 يناير ((كانون الثاني) 2015ـ رقم العدد (13209)، مترجمة عن واشنطن بوست.