الراهب بنيامين المحرقي[1]*
ترجع عظمة القديس أثناسيوس الرسولي إلى حفاظه على “الإِيمَانِ الْمُسَلَّمِ مَرَّةً لِلْقِدِّيسِينَ” (يه3). فعلى الرغم من تحمله الكثير في سبيل الحفاظ على هذه الأمانة، نراهُ وسط ذلك، يهتم بالنواحي الرعوية كافة كبابا لكنيسة الإسكندرية. وواحدة من هذه الاهتمامات رعاية الأديرة. فكتب عن البتولية، كما كتب رسالتين إلى العذارى.
وقد تضمنت الرسالة:
1 – مفهوم البتولية.
2 – البتولية بين الفكر اليوناني، واليهوديّ والمسيحيّ.
3 – العذراء القديسة مريم كنبراس لحياة البتولية.
4 – ما بين البتولية والزواج.
5 – أهمية الإيمان السليم في طبيعة المسيح لحياة البتولية.
أصل الرسالة
يرجع أصل هذه الرسالة، إلى ترجمة قبطيّة فقط، موجودة في مخطوط وارد من الدير الأبيض بسوهاج، وقد حققها ونشرها العالم لوفور ) L. Th. Lefort (عام 1929 في باريس، وقد ترجمت هذه الرسالة إلى اللغة الفرنسيَّة في مجلة “لوميزيون” (Le Muséon) ، تحت عنوان “في البتولية للقديس أثناسيوس”
L. Th. Lefort, “s. Athanase, sur la Virginite“, in Le Muséon 42 (1929), p. 197- 264.
وأعاد لوفور نشرها في فرنسا عام 1955، في مجموعة كتابات مسيحية شرقية، تحت عنوان “القديس أثناسيوس، رسائل فصحية ورعوية بالقبطية”.
L. Th. Lefort, “s. Athanase, lettres Festales et Postorales en Copte”, CSCO 150 (1955) p. 73 -99 (Textus); CSCO 151 (1955) p. 55 -80 (Translatio), Louvain, 1955.
وقد تمت ترجمة النص إلى الإنجليزية في:
OXFORD EARLY CHRISTIAN STUDIES, General Editors, Henry Chadwick& Andrew Louth, Published in the United States. by Oxford University Press Inc., New York , Oxford, 1995. 274-291.
والمخطوط القبطي الذي استعان به لوفور مقدمته مشوهة، وبالتالي لا يشير إلى اسم المؤلف ولا عنوان المقالة. إلاَّ أن الدراسات المدققة أثبتت أن القديس أثناسيوس هو مؤلفها الحقيقيّ.
ومما يؤكد صحة نسب الرسالة للقديس أثناسيوس:
1– اقتبس القديس أمبروسيوس (339-397م) منها في كتابه “عن العذارى”، لكن دون أن يذكر المصدر الذي أخذ عنه.
2– القديس شنودة الأتريبي اقتبس منها فقرة مطولة، وقد أشار إلى أنه أخذها من رسالة لرئيس الأساقفة أثناسيوس.
3– إفرايم الأنطاكيّ (544م) أشار إلى “رسالة إلى العذارى” للقديس أثناسيوس[2].
4- تتوافق مع رسالة القديس أثناسيوس “عن البتولية”.
5– ذكر ( ΣΤΥΛΙΑΝΟΥ Γ. ΠΑΠΑΔΟΠΟΥΛΟΥ ) في مؤلفات وكتابات القديس أثناسيوس، أن له “نصوصاً قبطية عن البتوليّة ومتنوعات”[3] (Κοπτικά κείμενα περί παρθενίας καί ποικλία).
6– هناك علاقة شديدة بين كتاب حياة القديس أنطونيوس، وهذه الرسالة، فالصفات التي ذكرت للقديس أنطونيوس هي التي يقدمها في حياة البتولية في هذه الرسالة.
محتويات الرسالة
أولاً: مفهوم البتولية:
(1) البتولية هي اتحاد بالله:
فإذا كان الزواج هو اتحاد: ’وتعبر عنه الكلمة المكتوبة: “فَالَّذِي جَمَعَهُ اللَّهُ لاَ يُفَرِّقُهُ إِنْسَانٌ” (مت19: 6)[4]، فكم بالأكثر يكون اتحاد العذارى بالكلمة، فهذا الاتحاد ينبغي أن يكون بغير انفصال وغير خاضع للفساد[5] (1 :1).
(2) البتولية فوق مستوى الطبيعة:
إذا كان الزواج يحكمه قانون، وهو الأمر الطبيعي للإنسان، لكن البتولية لا تقع تحت القانون، بل قد سمت وارتفعت أكثر منه في الواقع، ’الفضيلة من هذا النوع (الزواج) تنتمي إلى الطبيعة الإنسانيّة، فكل الأفعال التي يقوم بها الناس تتم وفقًا للقانون، والقانون يشهد عنها ما إذا كانت تتم بإخلاص ووفاء. بل والأكثر من ذلك، فمن يهملوا القانون، يدنهم القانون على هذا. لكن البتولية ارتفعت أعلى كثيرًا ولا تقع تحت القانون، بل قد سمت وارتفعت أكثر منه، إذ لها شهادتها في ذاتها. وكرامتها تأتي من الكلمة (الابن)‘ (1 :2)، فالبتولية ’تجاوزت حدود الطبيعة البشريّة[6]، وتشبهت بالملائكة[7]، ففيها تُسرع النفس البشريّة وتسعى للالتصاق بالرب، كقول القديس بولس الرسول: “وَأَمَّا مَنِ الْتَصَقَ بِالرَّبِّ فَهُوَ رُوحٌ وَاحِدٌ” (1كو6: 17)‘ (1 :3، 18، 19).
(3) البتولية صورة من النقاء الملائكي:
تشبهت حياة البتولية في نقاوتها، بحياة الملائكة (1 :3)، لذلك تعين الملائكة المتبتلين في جهادهم. وبالتالي كيف يسود العدو الآن على هؤلاء الذين لهم هذا الجمهور الحارس من الملائكة، وخصوصاً مسكن العذارى (1 :32).
وفي الأبدية كم سيكون مقدار الفرح هناك بين الملائكة عندما يرون صورة نقاوتهم في أجساد العذارى! لذلك ستشفع الملائكة في آباء أولئك العذارى، لأن بناتهن سرن في صورة نقائهم! (1 :21).
وفي النهاية يعطي القديس أثناسيوس مجد رؤساء الملائكة للمتبتلين، فيقول: “البتولية، مجد[8] الله وكرامة رؤساء الملائكة”.
ثانيًا: تاريخ البتولية:
(1) البتولية في الديانات الوثنية:
لا يوجد في الشعوب الوثنية عمومًا حياة البتولية[9]، فليس ممكنًا لمثل هذه الفضيلة أن توجد فيما بينهم، ويُرجِع القديس أثناسيوس ذلك لكونهم يجهلون تمامًا معرفة الله، الذي بدون نعمته لا يقوى الإنسان على هذه الحياة (1 :4). حتى وإن وُجِدَت عذراوية فهي كاذبة، ويذكر أن من بين أتباع فيثاغورس[10]، كثيرًا من النساء اللواتي كن يتنبأن ككاهنات، كن يمارسن ضبط النفس والصمت، ولكن أيًا منهن لم يمارسن حقاً البتولية (1 :4). والوحيدة بين الرومان التي أُطلِق عليها عذراء هي بالاس (ابنة تريتون) ومن تبعها من العذارى -لم تكن عذراويتهن حقيقية (1 :5).
كما يستنكر القديس أثناسيوس:
1 – البتولية التي توجد لفترة وبعد ذلك يتم الزواج، حيث يعتبر هذا نوعاً من النفاق.
2 – البتولية التي يحياها البعض مجبرين بغير إرادتهم. بل وتحت مراقبة الآخَرين، حيث يجبرهن معلموهن بالقوة ليخترن لأنفسهن شيئًا ضد إرادتهن. حيث يعتبر ذلك بتولية زائفة. (1 :6)
(2) البتولية في العهد القديم[11]:
يذكر القديس أثناسيوس وجود حياة البتولية في العهد القديم، ولكن ليست بصورة قوية. فيقول عنها: [كانت البتوليّة صالحة وشهادة نادرة لأنها كانت موجودة في عدد قليل جدًا من البشر. فإيليا العظيم كان بتولاً، وكان مثل الملاك، لأننا لم نجد شيئًا عنه ولم يكتب أحد أنه تزوج، أو أنجب أطفالاً إطلاقاً، كذلك أليشع المحب لله. وأيضًا إرميا، الذي عرفه (الله) وقدسه قبل أن يُصور في الرحم (إر1: 5). وأيضا من هو أعظم مواليد النساء، يوحنا المعمدان (مت11: 11)] (1 :7).
(3) البتولية في العهد الجديد:
البتولية بعد التجسد[12]:
يؤكد القديس أثناسيوس أن البتولية ثمرة من ثمرات التجسد الإلهيّ، فيقول: [عندما جاء الرب إلى العالم، بعد أن اتخذ جسدًا من العذراء، وصار إنسانًا، في ذلك الوقت ما كان صعباً على البشر، أصبح من السهل على الناس. وما كان من المستحيل أصبح ممكنًا. ما كان نادرًا سابقًا الآن ينظر إليه على أنه وفير، وانتشر]. (1 :8).
ثالثًا: العذراء القديسة مريم كنبراس لحياة البتولية:
السيد المسيح الذي له الحياة في ذاته، ينادي لعازر الذي كان يرقد بين العديد من أجساد الموتى، فلم يقل له “أيها الميت لك أقول قم” وإلاَّ لكُنا وجدنا أجساد الأموات في كل مكان تسمع صوت القيامة المحيية، ويقومون قبل الآوان، وقبل أن يهزم المخلص لعنة الموت والهلاك (راجع 2تي1 :10)[13]. لذلك دعاه باسمه: “لِعَازَرُ هَلُمَّ خَارِجاً” (يو11 :43). وبهذا يؤكد أن المولود من العذراء هو الإله المتجسد (1 :9).
(1) العذراء مريم دائمة البتولية:
يذكر القديس أثناسيوس أن هناك من يقول بأن والدة الإله تزوجت!
ويرد عليهم بالآتي:
1 – هؤلاء لهم هدف في ذلك؛ لكي يبرروا رغباتهم وأفعالهم، زيادة في توغلهم في متعة الزواج مثل الفريسيين.
2 – ليس لهم دليل على صحة ما يدّعونه. (1 :11).
3 – يقدم القديس أثناسيوس الدليل الآتي على دوام بتولية العذراء: [أكد المخلص دوام بتولية أمه مريم، حين صعد على الصليب، أعطى أمه ليوحنا، عندما قال لها، “يَا امْرَأَةُ هُوَذَا ابْنُكِ”. ثُمَّ قَالَ لِلتِّلْمِيذِ: «هُوَذَا أُمُّكَ». وَمِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ أَخَذَهَا التِّلْمِيذُ إِلَى خَاصَّتِهِ” (يو19: 26، 27)، بقوله هذا أعلمنا أن مريم لم تحمل طفلاً آخر إلاَّ المخلص وحده. لأنه لو كان لها أبناء آخرون، لما تجاهلهم المخلص وأعطاها لتكون أمًا لآخر. وهي كذلك لم تكن تتخلى عن زوجها وأبنائها. لكن نظرًا لبتوليتها، وخدمتها له كأم، فقد أعطاها لتلميذه كأمٍ له، على الرغم من أنها ليست والدته (بالجسد)، وذلك لعظمة نقاء عقلها وطبيعتها غير الدنسة وبتوليتها] (1 :10).
(2) القديسة مريم نموذج للبتولية:
لكن مريم، خادمة الله، لا تزال عذراء [لدرجة أنها نبراس] لكل من يأتي بعدها. فإذا فضلت أي بنت أن تظل عذراء وعروساً للمسيح، تستطيع أن تتأمل في حياة القديسة مريم وتتمثل بها، وتقتدي في حياتها بالعذراء، وهذا يكفي لكي تعيش في بتوليتها (1 :11).
فيذكر القديس أثناسيوس أن حياة العذراء مريم [صورة ومثال] لحياة البتولية. لذلك يجب على كل من يريد حياة البتولية أن يقيس حياته عليها. (1 :12)
(3) فضائل في حياة العذراء على من يريد حياة البتولية أن يقتنيها:
1 – فضيلة التوازن والاعتدال.
2- لأنها كانت ترجو الأعمال الصالحة، والسلوك بالاستقامة، مع الإيمان الحقيقيّ والقلب الطاهر[14]. كما كانت فرحة القلب غير مضطربة.
3- لم تكن ترغب في الظهور أمام الناس، بل كانت تصلي أمام الله الديان. لم تكن تتطلع للنظر من النافذة، بل تنظر في الكتب المقدسة. ودائمة الصلاة على انفراد[15] (1 :13). وفكرها الجيد الذي كانت تمتلكه كان يحرسها ويعلمها، وهذا قد اكتسبته من البداية نتيجة لصلواتها. (1 :15).
4- كان الصوم[16] بهجتها كما يبتهج الآخرون بالولائم. وبدلاً من الخبز المنظور كانت تتغذى بكلمات الحق. بدلاً من النبيذ، كان سرورها بتعاليم المخلص، فكانت أطيب لها من الخمر، حتى إنها تلقت أيضا تعاليم مربحة، إذ قيل: “لِيُقَبِّلْنِي بِقُبْلاَتِ فَمِهِ لأَنَّ حُبَّكَ أَطْيَبُ مِنَ الْخَمْرِ” (نش1: 2). (1 :14).
5- فلم تكن تترك منزلها وتسير في الشوارع على الإطلاق، بل على العكس كانت مقيمة في منزلها بهدوء. (1 :13). فلم تكن تدخل وتخرج، ولكن فقط للضرورة، حينما تذهب للهيكل لأنها لم تقصر في الذهاب إليه (1 :15).
6- لم تكن كثيرة الكلام، كانت كلماتها هادئة وصوتها معتدلاً، ولم تكن تصيح أبدًا (1 :13). وما سمعها أحد في أي وقت تصرخ وبدلاً من ذلك كانت تصلي، وكان والداها وغيرهما من النساء معها يتعجبون منها. لأنهم لم يسمعوا صوتها، ولكن من حركة شفتيها، كانوا يفهمون ويدركون أن تلك حركة أفكارها الداخلية المقدسة (1 :15).
7- ولكنها كالنحلة النشيطة. تقضي وقتها في ممارسة العمل اليدويّ بشكل لائق، لخدمة الفقراء (1 :13).
8- كما كانت تحرص على هذين الأمرين: أنها لا تدع الأفكار الشريرة تسكن في قلبها. وأيضاً لم تكن تعرف الفضول. ولم يعرف قلبها القساوة. ولا تسمح لنفسها أن تسمع اتهامات على أحد. ولا حسودة في روحها. ولم يعرف قلبها الشر، بل كانت في قمة الاتضاع[17]، (1 :13).
9- ولم تكن تسمح لأحد أن يكون بالقرب منها إلاَّ ويكون جسدها مستترًا[18]. (1 :13). كانت تخرج مع والديها، ماشية بصورة لائقة، بملابس محتشمة، وفي نظرات عينيها أيضًا، حتى يخيل لمن يراها أن أحدًا يراقبها، مما يجعلها تتذكر وتركز باهتمام فيما تريد أن تفعل (1 :15).
10- كانت لها إرادة قوية تستطيع أن تتحكم في غضبها، بل وتطفئ الغضب[19] في أعماق أفكارها (1 :13).
11- لا تجادل في أمور حياتها إلاَّ فيما يتعلق بأمورها المدنية. تجاهد في يومها، “أَيُّهَا الإِخْوَةُ، أَنَا لَسْتُ أَحْسِبُ نَفْسِي أَنِّي قَدْ أَدْرَكْتُ. وَلَكِنِّي أَفْعَلُ شَيْئاً وَاحِداً: إِذْ أَنَا أَنْسَى مَا هُوَ وَرَاءُ وَأَمْتَدُّ إِلَى مَا هُوَ قُدَّامُ” (في3 :13) (1 :13).
12- كانت تنسى أعمالها الحسنة وأفعال الرحمة التي كانت تفعلها سرًا[20]، ولكن كانت تتذكر الرب. تجاهد لكي تزيد من أفعالها من قبل (1 :13).
13- وأزالت من قلبها أفعال الصبا. لم تكن قلقة من الموت، بل على العكس كانت تتنهد يوميًا لأنها لم تنطلق بعد لأبواب السماء. (1 :13). ولم تهتم أبدًا بالأمور الشكلية (1 :15).
14– الاعتدال في النسك: قهرت شهوات الجسد[21]، كانت تعيش فقط على القوت الضروريّ لجسدها، فكانت تأكل وتشرب، ليس بترف ولذة، بل حتى لا تهمل جسدها فيموت في غير أوانه. وعلاوة على ذلك، لم تكن تنام دون حساب، ولكن فقط لراحة جسدها، وتقوم لتمارس عملها وقراءة الكتاب المقدس (1 :14).
15 – كانت خاضعة لوالديها: أولاً أن تصلي إلى الله، وبعد ذلك الخضوع لوالديها. ولكنها كانت تعرف أن خلافها مع والديها مكرهة لله. وكان لديها رغبة تضعها نصب عينيها، وهي: الخضوع لوالديها أكثر من خضوع العبيد (1 :16). كان أبواها يقدمان الشكر إلى الله، ليس فقط لأنه قد أعطى لهما ابنة، ولكن لأنه أعطاهما ابنة مثل هذه، مصدر نعمة وفرح لهما (1 :16).
16– لم يكن أحد من الرجال أو العبيد يعرفها، (باستثناء هيئتها). والإنجيل يشهد لهذا القول: إنه عندما أُرسل جبرائيل رئيس الملائكة لها، في صورة إنسان، جاء إليها وتحدث معها، قائلا: “سَلاَمٌ لَكِ أَيَّتُهَا الممتلئة نعَمُة اَلرَّبُّ مَعَكِ” (لو1: 28). الفتاة، لأنها لم تعتد من قبل صوت الرجال، اضطربت جدًا. وأخذت تدافع في نقاوة الفكر، للهروب أو الموت إلا أن الشخص الذي يتحدث معها، أزال خوفها بأنه عرفها باسمه، قائلاً: “لا تخافي يا مريم أنا جبرائيل” (لو1 :30). بعد ذلك استعادت قواها، وتشجعت من تحية الملاك لها، لأنها عرفت أن كلام رئيس الملائكة حقيقيّ موجه إلى عذارء بالحقيقة (1 :17).
هذه هي صورة البتولية التي كانت عليها القديسة مريم. ليت من يشتهي البتولية أن يتشبه بها. لأنه لمثل هذه الأمور اختارها الله الكلمة، ليأخذ منها جسدًا، ويصير إنسانًا لأجلنا. (1 :17). كما يذكر القديس أثناسيوس أن الرسول بولس عندما كتب في رسالة كورنثوس: “أَمَّا الْعَذَارَى فَلَيْسَ عِنْدِي أَمْرٌ مِنَ الرَّبِّ فِيهِنَّ وَلَكِنَّنِي أُعْطِي رَأْياً كَمَنْ رَحِمَهُ الرَّبُّ أَنْ يَكُونَ أَمِيناً” (1كو7 :25). كتب وشرّع من خلال معرفته بحياة القديسة مريم، فقد اتخذها نموذجًا عندما أدلى برأيه عن البتولية.
رابعًا: ما بين الزواج والبتولية:
البتولية ليست عكس الزواج، ولكنها طريق آخر. بينما الزنا هو عكس الزواج.
(1) البتولية أمر متروك للإرادة الحرة:
في القديسة مريم ظهرت صورة البتولية، فالناموس لم يأمر بها، فحتى لا نعتقد أنها تخالف الناموس. وبالحقيقة القديس بولس لم يعلم عن البتولية خلال الناموس، وإنما من خلال حياة مريم كأنموذج، وأوصى بالأمور السابقة كما ذكرت. أو أن الزواج الذي يتفق مع طبيعتنا البشرية، يقف عائقاً أمامها، معطلاً الناس عن البتولية. لذلك لن يدان الشخص لكونه لم ينفذ الوصية، ومن هنا، ترك الأمر إلى الإرادة الحرة، للذين يرغبون في ذلك. لكن حياة البتولية لا تخضع لناموس. وفي الحقيقة، الإنسان الذي لم يصر عذراويا يمكنه أن يكون ورعًا في الزواج (1 :18). ذلك أن أحدًا لن يتصرف عن اضطرار في القيام بشيء ما، ثم بعد ذلك يفشل ويصبح متعدياً وهذا يقوده إلى أن يكون غير مؤمن (1 :19).
(2) الزواج وصية إلهية:
الزواج له وصية ويخضع للناموس، طالما أنه عكس الزنا الذي يجلب الموت “وَإِذَا زَنَى رَجُلٌ مَعَ امْرَأَةٍ فَإِذَا زَنَى مَعَ امْرَأَةِ قَرِيبِهِ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ الزَّانِي وَالزَّانِيَةُ” (لا20 :10)، “إِذَا وُجِدَ رَجُلٌ مُضْطَجِعاً مَعَ امْرَأَةٍ زَوْجَةِ بَعْلٍ يُقْتَلُ الاِثْنَانِ: الرَّجُلُ المُضْطَجِعُ مَعَ المَرْأَةِ وَالمَرْأَةُ. فَتَنْزِعُ الشَّرَّ مِنْ إِسْرَائِيل” (تث22 :22).
(3) ما بين البتوليّة والزواج:
حسنٌ هو الزواج، ولكن البتولية أفضل[22]: “إِذاً مَنْ زَوَّجَ فَحَسَناً يَفْعَلُ وَمَنْ لاَ يُزَوِّجُ يَفْعَلُ أَحْسَنَ” (1كو7: 38). مبارك الشاب الذي يدبر بيته ويحافظ على قدسيته، ويلد الأطفال، كما يقول الرسول “مُدَبِّرِينَ أوْلاَدَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ حَسَناً” (1تي3: 12). ولكن مباركة بالأكثر لمن تحيا البتولية، وتظل عروسًا للمسيح تمامًا، كما كُتب أيضًا “أَكْثَرُ غِبْطَةً إِنْ لَبِثَتْ هَكَذَا بِحَسَبِ رَأْيِي. وَأَظُنُّ أَنِّي أَنَا أَيْضاً عِنْدِي رُوحُ اللهِ” (1كو7: 40). (1 :19).
† فالزواج يتفق مع الطبيعة.
ولكن البتولية تسمو عن الطبيعة الإنسانيّة. وترجع أفضلية البتولية لأنها صورة حياة النقاوة الملائكية.
† الزواج يدبره قانون: فتتحكم فيه أوقات معينة، وتدابير خاصة متعلقة به، يجب ألاَّ يتعداها أحد ويخطئ.
ولكن البتولية يقتنيها الناس بأنفسهم، وتقودهم بالإرشاد والنصح مثلما ينصحنا القديس بولس الرسول: “وَأَمَّا الْعَذَارَى فَلَيْسَ عِنْدِي أَمْرٌ مِنَ الرَّبِّ فِيهِنَّ وَلَكِنَّنِي أُعْطِي رَأْياً كَمَنْ رَحِمَهُ الرَّبُّ أَنْ يَكُونَ أَمِيناً(…) هَذَا أَقُولُهُ لِخَيْرِكُمْ لَيْسَ لِكَيْ أُلْقِيَ عَلَيْكُمْ وَهَقاً بَلْ لأَجْلِ اللِّيَاقَةِ والْمُثَابَرَةِ لِلرَّبِّ مِنْ دُونِ ارْتِبَاكٍ” (1كو7 :25، 35).
† إن وصايا الله تتفق مع بعضها البعض. حتى إن كانت البتولية تعد أمرًا استثنائيًا، وإن كانت الأفضل، حيث يأتي الزواج بعدها، ولها كرامة خاصة.
† العذراء يكون نذرها واضحًا، وتجعل هدفها أن تكون بكاملها ذبيحة لله. ولكن الزواج يظهر بتدبيره من خلال القانون وفي أوقات الفراغ[23] يستطيع أن يصلي مرات عدة، كما أوصى القديس بولس المتزوجين “لاَ يَسْلِبْ أَحَدُكُمُ الآخَرَ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى مُوافَقَةٍ إِلَى حِينٍ لِكَيْ تَتَفَرَّغُوا لِلصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ[24] ثُمَّ تَجْتَمِعُوا أَيْضاً مَعاً لِكَيْ لاَ يُجَرِّبَكُمُ الشَّيْطَانُ لِسَبَبِ عَدَمِ نَزَاهَتِكُمْ” (1كو7: 5) وبذلك، لا يكون الزواج مرفوضًا، وفي المقابل تكون البتولية تمتعاً بالحياة مع الله بصورة أكثر (1 :19).
(4) دور الإرادة الإنسانيّة الحرة في الحياة
يناقش القديس أثناسيوس دور الإرادة الإنسانيّة الحرة، من خلال مثل الزارع. فإذا كان الزارع واحداً وهو اللوغوس، والبذور المزروعة واحدة، فلماذا تنتج مئةً وستين وثلاثين؟ أليس الزارع؟ (مت13: 3-8)؟!
ويُرجع القديس أثناسيوس السبب في ذلك إلى أن البذور نفسها تختلف في ثمارها من شخص لآخَر، فتأتي بمئة وستين وثلاثين، هو أن البشر لهم إرادة حرة في اختيارهم، ونحن جميعًا نؤتي بثمارنا للرب الذي زرع. وعلاوة على ذلك، فإنه الرب نفسه الذي يقول للعذارى، “لْيَكُنْ لَكَ سُلْطَانٌ عَلَى (أكثر من) عَشْرِ مُدُنٍ”، وللمرأة المتزوجة، “كُنْ أَنْتَ عَلَى خَمْسِ مُدُنٍ” (لو19 :17- 19). “فِي بَيْتِ أَبِي مَنَازِلُ كَثِيرَةٌ” (يو14 :2). ولكنه زمن ثابت للجميع.
كل من يجاهد قانونيًا، ويكون نقيًا في الإيمان سيكون في ملكوت السموات. ولكن كل أحد سيكلل وفقًا بما صنعه في الحياة، حتى إذا اختلف نجم عن آخر في المجد، فجميع النجوم هم في نفس السماء[25] (1كو15: 4( (1 :20).
(5) منظر من اللقاء السمائي (1 :21):
يصور لنا القديس أثناسيوس في إطار مفاضلته بين البتولية والزواج، لقاءات متعددة:
1- بين العذراى مع العذراء والدة الإله، فيقول:
“كم من العذارى سيلتقون بالعذراء مريم؟! وكيف ستحتضنهن وتقدمهن إلى الرب!”.
2- لقاء الملائكة بالعذارى:
كم سيكون مقدار الفرح هناك بين الملائكة عندما يرون صورة نقاوتهم في أجساد العذارى[26]!.. كيف ستشفع الملائكة في آباء أولئك العذارى، لأن بناتهن سرن في صورة نقائهم!.
3 – لقاء رب المجد بالعذارى:
كيف سيثني الرب عليهن لأبيه عندما يراهن، قائلاً: “كل هؤلاء قد أصبحن مثل العذراء مريم، التي لي (أمي)! هذا هو ثمر الصلاح الذي حل من خلالها في الأرض.
4 – لقاء إبراهيم وإسحق ويعقوب، بالنساء المتزوجات:
يا لهذا الكم من النساء على مثال: سارة، ورفقة، وراحيل، وليئة، وسوسنة، وإليصابات سوف يأتين في إثر بعضهن! ناهيك عن النساء اللائي حفظن التقوى في الزواج: يا للسعادة التي سيستقبلهن بها الآباء: إبراهيم وإسحق ويعقوب، ويشهدون لهن أمام الرب: هؤلاء هن اللواتي حفظن ناموسهن و”الْمَضْجَعُ غَيْرَ نَجِسٍ” (عب13 :4). إلى جانب ذلك، تمامًا، كما أمرت، قد أكملن حياتهن في التقوى.
5- لقاء العذراء مريم بوالدتها:
كيف ستقابل العذراء مريم والدتها وتشيد بها؟!
منظر عبور النصرة في ملكوت السموات:
وبعد ذلك، كما حدث في (عبور) البحر، عندما ترنمت مريم (أخت هارون) بالدف والنساء معها (خر15: 20)، هكذا سيكون في ملكوت السموات، سيكون البتوليون في المقدمة بقوة عظيمة، حسبما اعتادوا، وسوف يكونون جميعا جوقة واحدة، وسيمفونية واحدة في الإيمان، مسبحين الله وقائلين، “فَآتِي إِلَى مَذْبَحِ اللهِ، إِلَى اللهِ بَهْجَةِ فَرَحِي وَأَحْمَدُكَ بِالْعُودِ يَا اللهُ إِلَهِي” (مز42 (43): 4)، “لَكَ أَذْبَحُ ذَبِيحَةَ حَمْدٍ وَبِاسْمِ الرَّبِّ أَدْعُو. أُوفِي نُذُورِي لِلرَّبِّ مُقَابِلَ شَعْبِهِ” (مز115: 8-9 (116): 17، 18). وسيسمعن هذا: “ادْخُلْ إِلَى فَرَحِ سَيِّدِكَ” (مت25 :21،23). (1 :21)
(6) الهرطقات:
22- يتحدث القديس أثناسيوس عن الهراطقة، أصحاب القلوب الصلبة، فهم بإرادتهم الحرة سقطوا وصاروا كالأماكن الصخرية (مت13: 3-8). فسمعوا الكلمة بشغف، وقبلوها، ولكن بعد ذلك وقعوا في يأس، ليس من قبل طبيعتهم، ولكن بسبب الاضطهاد ومتاعب الحياة. أو بسبب الإهمال والشهوات الزمنية، الأمور التي من أجلها صاروا مهملين كما فعل يهوذا الخائن، لأنه لو كانت طبيعتهم كالصخور، لما قبلوا الكلمة من البداية. ولكن بسبب التواني والإهمال، نمت شهواته الجسدية، والجشع، وقيل: إنه “سَقَطَ عَلَى وَجْهِهِ انْشَقَّ مِنَ الْوَسَطِ فَانْسَكَبَتْ أَحْشَاؤُهُ كُلُّهَا” (أع1: 18). وأيضًا فِيجَلُّسُ وَهَرْمُوجَانِسُ أظهرا إرادة حرة حسنة في البداية، بينما ارتدا في النهاية من وراء بولس بعد أن أحبا العالم (2تي1 :15).
أولاً: الذين يقولون: إن الزواج شر والبتولية حسنة[27]:
† يقدم القديس أثناسيوس دليلاً نظريّاً على ذلك، قائلاً: [بهذا الأسلوب، ينبغي أن نقول بأن: الشمس شر، لأن الملاك أكثر امتيازًا عنها. وإن الإنسان شر لأن الشمس أكثر امتيازًا عنه(…) العدد (ستون) ليس الشر لأنه يوجد عدد أكبر منه. على العكس، إنه جيد، ولكن الطرف الآخَر هو أفضل. فهما من نفس البذور (الطبيعة). والآخر هو أكبر. وتمامًا كما أن الشمس جيدة، الملاك هو منير] (1 :24).
ويؤكد القديس أثناسيوس أن كلام الهراطقة ليس له أصل في الكتاب المقدس، وأمثال هؤلاء الأفضل لهم أن يتبعوا المدارس الوثنية (1 :25).
ويقدم أدلة كتابية على أن الزواج شريعة إلهيّة:
1- هناك تشريع متعلق بالزواج، إذ يرى أن الله خلق امرأة مع آدم (تك2: 22-24).
2- وقد بارك الله الشعب لئلا يكون بينهم عاقر لا تنجب أولادًا “لاَ تَكُونُ مُسْقِطَةٌ وَلاَ عَاقِرٌ فِي أَرْضِكَ. وَأُكَمِّلُ عَدَدَ أَيَّامِكَ” (خر23 :26).
3- ماذا يفعل الهراطقة الذين يحرمون الزواج عندما يرون زواج البطاركة (إبراهيم وإسحق ويعقوب) أو غيرهم من القديسين؟
4- ماذا سيقول هذا الإنسان غير الفاهم عن هذه الأمور؟ مع ما سوف تنظر عيناه في أماكن النياح (الفردوس) الذي هو حضن آبائه، الذين هم هؤلاء الناس (رؤساء الآباء والقديسين)؟ وبالأخص إبراهيم الذي هو متزوج، ويدينه هذا المحتال] (1 :25).
5- لقد ذكر الإنجيل أن الملاك أبلغ زكريا لأول مرة عن ذاك الذي سوف يولد منه، يوحنا (لو1: 8-23) (1 :26).
6- وهو الذي أعطى الناموس عن طريق موسى، أي الرب الذي أوصى بالزواج (1 :26).
7– بحضور السيد المسيح أقيم عرس قانا الجليل (يو2 :1 -11) (1 :26).
8- والأكثر من ذلك أن السيد المسيح قاوم الفريسيين الذي كانوا يرغبون في التعدي على الناموس، بالسماح بالطلاق. بل بالأحرى أوصى أن كل واحد يتعامل مع زوجته بتقوى (مت19 :3- 9) (1 :26).
9- البتولية على نحو فردي (ليس كموضوع عام)، لأنه لا يمكن للجميع أن يتحملوا ذلك، وقال: “لأَنَّهُ يُوجَدُ خِصْيَانٌ وُلِدُوا هَكَذَا مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ وَيُوجَدُ خِصْيَانٌ خَصَاهُمُ النَّاسُ وَيُوجَدُ خِصْيَانٌ خَصَوْا أَنْفُسَهُمْ لأَجْلِ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَقْبَلَ فَلْيَقْبَلْ” (مت19: 10 -12). وهنا الرب لم يأمر الجميع أن يعيشوا البتولية كقانون، بل بالإرادة الحرة للذين يقبلون ذلك فالزواج لم يُمنع[28] (1 :26).
10- عندما يدين الزواج. فلابد له إذن أن يدين ثماره التي بالمئات وهو ما أتى به إلى الحياة، ويكون إذن سقط في خطيئة إنكار وجود الله (الإلحاد) (1 :29)
يقدم الهراطقة الاعتراض التالي: إن هذه الأسس أُعطيت للبشرية من البداية ولكن الآن قد انتزعت وحرمت.
ولكن يتساءل القديس أثناسيوس: متى تم هذا؟ من أين للرجل الذي يرفض الناموس أن يأتي بمثل هذه الفكرة؟ أين ومتى عرف ما هي البتولية؟ (1 :26).
وإذا كان الهراطقة يوثقون كلامهم، بكلام الفلاسفة والشعراء. فهم في ذلك كاذبون، لأن مثل هؤلاء لم تكن البتولية معروفة بينهم، بل على العكس من ذلك، هم يدَّعون بأنهم يتزوجون من آلهتهم الكاذبة.
ثم يسيء الهراطقة فهم قول القديس بولس: “الْوَقْتُ مُنْذُ الآنَ مُقَصَّرٌ” ثم “لِكَيْ يَكُونَ الَّذِينَ لَهُمْ نِسَاءٌ كَأَنْ لَيْسَ لَهُمْ” (1كو7 :29).
يرد القديس أثناسيوس: الرسول بولس لم يقل: “إن من لديه زوجة يتخلى عنها”، لو قال بهذا لكان فعلاً يقصد منع الزواج. لكنه قال: “لِكَيْ يَكُونَ الَّذِينَ لَهُمْ نِسَاءٌ كَأَنْ لَيْسَ لَهُمْ” فالمقصود، أن لا تكون هناك علاقة مستمرة بين الرجل والمرأة، بل يكون هناك فترات امتناع للصلاة، خشية أن ينتهي الزواج “لاَ يَسْلِبْ أَحَدُكُمُ الآخَرَ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى مُوافَقَةٍ إِلَى حِينٍ لِكَيْ تَتَفَرَّغُوا لِلصَّوْمِ والصَّلاَةِ ثُمَّ تَجْتَمِعُوا أَيْضاً مَعاً لِكَيْ لاَ يُجَرِّبَكُمُ الشَّيْطَانُ لِسَبَبِ عَدَمِ نَزَاهَتِكُمْ” (1كو7: 5)، هذا ما يعنيه. وقال أيضًا: “أَنْتَ مُرْتَبِطٌ بِامْرَأَةٍ فَلاَ تَطْلُبْ الانْفِصَالَ. أَنْتَ مُنْفَصِلٌ عَنِ امْرَأَةٍ فَلاَ تَطْلُبِ امْرَأَةً” (1كو7: 27). وأيضًا قال: “فَأُرِيدُ أنَّ الْحَدَثَاتِ يَتَزَوَّجْنَ وَيَلِدْنَ الأولاَدَ وَيُدَبِّرْنَ الْبُيُوتَ، وَلاَ يُعْطِينَ عِلَّةً لِلْمُقَاوِمِ مِنْ أجْلِ الشَّتْمِ” (1تي5 :14).
(7) وصايا للتحصن ضد الأفكار الهرطوقية:
يحذر القديس أثناسيوس العذارى من الأفكار الهرطوقية، يدعوهم لحياة الصلاة الدائمة: “وتحدث يوميًا في كل وقت مع عريسك، كلمة الله ولا تقطع حديثك معه. وتتكلم معه عن طريق الصلاة بلجاجة وبنذرك، وتكلمه بكل ما يجول بخاطرك. والذي كان يشغلك هو زيادة محبتك له” (1 :30). وإن ما يطلبه العريس ليس الجمال الخارجي لعروسه، بل يرجو أن يكون لها لطف اليمام، وهدوء الحمامة، هذا ما يليق بها، وأن يكون فكرهم الداخلي متزنًا كقلادة، وأن يتحدوا به هكذا مثل العذارى الحكيمات، حتى يكونوا قادرين على الدخول معه إلى العرس، حينما يأتي العريس، كما هو مكتوب في الإنجيل (مت25 :1 -13). اختموا أنفسكم له هكذا، حتى يشرق عليكم (1 :31).
– وبذلك، لن يكون هناك حسد بينكن، حتى إذا حاول الشيطان أن يزرعه بينكن. لأن عدو الخير يمتلئ بالحسد، عندما يراكن تسرن في الطريق إلى السماء وتدخلن إلى المكان الذي طُرد منه.
– الكلمة” الذي تتكلن عليه، سوف يطرده، وتخزيه بصلاتكن، الذي فيه يتأكد نذركن.
وأكثر من ذلك، الملائكة، الذين لهم صورة هذا النقاء الذي فيكن، سوف يقدمون لكن المعونة في جهادكن ضد الشيطان (1 :32).
– لا تجعلن قانونكن مختلفًا عن الآخَرين.
– يحذرهن من التمثل والتشبة بمن يسعى نحو الماديات، وأن يقتدن بمن يسعى نحو السمائيات. وأن يكن يقظات، كما أن الناس الذين يبحرون في عرض البحر لا ينظرون إلى القوارب التي تغرق ولا يتركون الدفة، ولكن يوجهون قواربهم بحزم، فكذلك كل من يسعى ليدرك السماء (1: 33).
– يحذر القديس أثناسيوس العذارى من التراخي والكسل، بل يهتممن يقمعن أجسادهن (راجع 1كو9: 27)، لكي يقدمنه مزينًا للعريس القدوس “لأُقَدِّمَ عَذْرَاءَ عَفِيفَةً لِلْمَسِيحِ” (2كو11 :2). (1 :34).
– يكفينا الكتاب المقدس كي يرشدنا إلى تحقيق الكمال[29]، وسبل الحياة السماوية (1 :35). ويعطي مثالاً حيًا على ذلك، فحينما يتكلم عن تعاليم البابا ألكسندروس، يعطي تعليماً معيشاً عنه، إنه كان الإنجيل في يده، لأنه كان يحب أن يقضي وقتًا كبيرًا في قراءته (1 :36).
– يذكرهن القديس أثناسيوس، على أهمية حياة التلمذة، ولا سيما من حياة القديسة مريم أم الله. وكذلك من بينهن قد نمون منذ القدم في البتولية (1 :35).
خامسًا: أهمية الإيمان السليم في طبيعة المسيح لحياة البتولية[30]
عظة لأسقف الإسكندرية عن الكريستولوجي[31]:
37- “إذا كان عريسكن إنسانًا، بالنسبة لكن تسألن والديكن أو أقاربكن عنه، بخصوص نوع شخصيته، وأنكن على الرغم من ذلك، ستكونن غير متأكدات عنه. حياة البشر متغيرة.
فإذا كنتن قد سعيتن لمجد فوق طاقة البشر والرغبة في الاتحاد بالمسيح، فمن الضروريّ لكن أن تصبحن على معرفة منه، وليس ببساطة من خلال أي شخص، ولكن من خلال الناس الذين يتحدثون عن الله تمامًا كما يفعل الكتاب المقدس.
38- “فالآن عريسكن هو الله الآب وابن الله الوحيد. هو الكلمة والحكمة وقوة الآب (1كو1: 24). لأنه والآب واحد، وهو صورة الآب، الذي يشبهه في كل شيء. وهو الكائن في ذات جوهر الآب،
وليس وجودًا زمنيًا، ولكنه أزلي مع الآب، مثل شعاع النور. بالكلمة أنشئت السماوات، وبالحكمة تأسست الأرض. لأن “كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ” (يو1 :3).
وهو الذي يعتني بكل شيء، وكل شيء جاء إلى حيز الوجود من خلاله، وفيه كل شيء، هو الديان للأحياء والأموات. إنه هو الذي ظهر لموسى وأعطاه الناموس من الآب. إنه هو الذي يسكن نفوس القديسين في كل جيل، ويجعلهم أصدقاء وأنبياء الله. وعندما جاء في الأنبياء، وقد أشار مسبقًا بخصوص عمله الخاص من خلالهم. إنه صالح ومحب للبشر. وفي ملء الزمان، لكيما يمحو الخطيئة، جاء من خلال مريم العذراء. متخذا جسدًا منها، صار إنسانًا. لهذا السبب يقال عنه إنه مخلوق على الرغم من أنه هو الخالق. لكنه اتخذ جسدًا وكرمه لكيما يعطي الجسد نصرة على الموت، فينقذ كل من كانوا يحيون في خوف من الموت منذ زمن سقوطهم، وكانوا خاضعين للعبودية[32].
39 – الناسوت لم يحد اللاهوت، ولم يقلل من الألوهية على الإطلاق:
هو الله وفي الجسد كان يعلمنا عن الأمور الجسدية، وهذا هو، فقيل: إنه جاع، وعطش، ونام، وجاهد، وتعب، وعانى، وبكى، ومات. كان يفعل هذه الأشياء (بالجسد) ويعلمنا أنه يحمل طبيعة إنسانيّة[33].
وأظهر ألوهيته، من خلال إقامة لعازر من بين الأموات، بعد أربعة أيام وكان قد أنتن، وتحويل الماء إلى خمر. وفتح عيني المولود أعمى. هو الذي طهر البرص. وكان يعلم أفكار الناس. وانتهر البحر ومشى على المياه. الآن مثل هذه الأمور لا تعلن عنه أنه هو إنسان (فقط)، لكنها تعلمنا أنه هو الله. كانت دلائل هذه المعجزات تكشف أنه هو الله وابن الله[34].
انكن لا تدعون بأسماء والديكن، لكن سوف يتم استدعاؤكن من قبل الجميع “بنات أورشليم” (لو23: 28).
بركات التجسد:
وإذا كان من المستحيل بالنسبة للإنسان الاتحاد بالله، فهو قد جعل هذا ممكنًا بعد أن أصبح إنسانًا.
في مديح البتولية
البتولية ثمرة ناتجة عن شجرة حلوة غير ندم.
البتولية، فردوس، ومسكن للقدير.
أيتها البتولية، الأساس الراسخ الذي يثبت الملك!
أيتها البتولية، يا من يسرعون إليكِ، ومن يتزينون بكِ يستحقون المجد!
أيتها البتولية، أنت الجميلة بأفعالك، العطية التي وهبها الله للبشرية.
[1]* راهب بدير السيدة العذراء بالمحرق، ومدرس بالكلية الإكليريكية للأقباط الأرثوذكس بالأنبا رويس.
[2]– أثناسيوس (راهب من الكنيسة القبطية)، فهرس كتابات آباء كنيسة الإسكندرية، الكتابات القبطية، )ط1، يوليو/ تموز 2007(، ص102.
[3]– ΣΤΥΛΙΑΝΟΥ Γ. ΠΑΠΑΔΟΠΟΥΛΟΥ͵ΜΕΓΑΣ ΑΘΑΝΑΣΙΟΣ͵σσ. 106 -185. ΑΘΗΝΑ 1986.
Π. Κ. ΧΡΗΣΤΟΥ͵ ΕΛΛΗΝΙΚΗ ΠΑΤΡΟΛΟΓΙΑ͵ ΤΟΜΟΣ Γʹ͵σσ. 491- 517.
عن: رشدي واصف بهمان دوس، القديس أثناسيوس الرسوليّ، (الكلية الإكليريكية اللاهوتية للقبط الأرثوذكس، القاهرة، 2003)، ص13-15.
[4]– يقول القديس أثناسيوس الرسوليّ: ’لتفتحوا آذانكم للكلمات الموحى بها من الله: “هَذَا السِّرُّ عَظِيمٌ” (أف5 :32) كما قال المغبوط بولس. فإن كل من اتحد بإمرأة، فإنهما يصيران الاثنان جسدًا واحدًا‘؛ بولين تدري (ترجمة عن الأصل اليونانيّ)، ’تعليم عن البتولية أو النسك، للقديس أثناسيوس الكبير‘، في مجلة: الكرمة الجديدة، السنة السابعة (القاهرة: رابطة خريجي الكلية الإكليريكية للأقباط الأرثوذكس، 2010)، 220.
يقول نيافة الأنبا غريغوريوس (1967-2001): ’إذا توافر للزواج المسيحيّ جميع أشراطه التي يقوم عليها، فلا طلاق. إن الزيجة المسيحية سر مقدس، واتحاد بين الزوجين بفاعلية الروح القدس الذي يربط بينهما (…) الله طرف ثالث جمع بروحه القدوس بين الزوجين‘ الأنبا غريغوريوس، موسوعة الأنبا غريغوريوس، ج9: اللاهوت العقيدي، الجزء الرابع: في أسرار الكنيسة السبعة (2)، (مكتبة الأنبا غريغوريوس، 2005)، ص164.
[5] يقول القديس أثناسيوس الرسوليّ: ’البتول كم ينبغي أن يكون عفيفًا ويترك كل شيء أرضي تمامًا، ويكون مُلتصقًا بالرب وحده. ويشهد الرسول على كلامي بقوله: “غَيْرُ الْمُتَزَوِّجَةِ تَهْتَمُّ فِي مَا لِلرَّبِّ لِتَكُونَ مُقَدَّسَةً جَسَداً وَرُوحاً. وَأَمَّا الْمُتَزَوِّجَةُ فَتَهْتَمُّ فِي مَا لِلْعَالَمِ كَيْفَ تُرْضِي رَجُلَهَا” (1كو7 :34)‘ بولين تدري، ’تعليم عن البتولية أو النسك، للقديس أثناسيوس الكبير‘، في: الكرمة الجديدة، (2010)، 220.
يقول نيافة الأنبا غريغوريوس: ’اعلم أن الرهبنة هي في حقيقتها زواج أيضًا. نعم إن الرهبنة زواج روحاني بين المسيح والنفس البتول الطاهرة (…) الزواج الروحاني هو أسمى مرتبة في الزواج، وهو حال المتبتلين والرهبان ممن ينحلون عن الكل للارتباط بالواحد، وهو الله. هذه الرابطة الروحانية هي زواج؛ لأن الزواج جمع بين اثنين، والبتوليون والرهبان حققوا رابطة الزواج بين نفوسهم وبين الله. هؤلاء الذين يحيون على الأرض كأنهم خصيان، خصوا أنفسهم لأجل ملكوت الله (مت19 :12). هذا النوع من الزواج يمكن أن نسميه بزواج المستوى الأول، وزواج المستوى الملائكي، أي مستوى الذين ارتادوا الطريق الأفضل، طريق الذين ارتفعوا بأرواحهم وأفكارهم فوق مستوى الطبيعة البشرية. لذلك قالوا عن الرهبان: إنهم ملائكة أرضيون أو بشر سمائيون‘ الأنبا غريغوريوس، موسوعة الأنبا غريغوريوس، ج9 : اللاهوت العقيدي، الجزء الرابع: في أسرار الكنيسة السبعة (2)، 134.
[6]– يقول القديس باسيليوس الكبير: ’ذلك الذي يرغب جدًا في أن يكون حرًا من قيود العالم، يتجنب الزواج، كما لو أنه يعطل مسيرته، ويكرس حياته لله، ويتعهد على الحرص على النقاوة والطهارة، وأن لا يرجع عن تكريسه. وأيضًا يجاهد ضد غرائزه الطبيعية‘. جورج عوض إبراهيم، تعاليم آبائية للقديس باسيليوس الكبير، (مؤسسة القديس أنطونيوس للدراسات الآبائية، القاهرة، الطبعة الأولى، 2016) ص73. عن , 369 -398= PG31. 1324 – 13259 ΕΠΕ
يقول القديس أمبروسيوس: ’الطبيعة نفسها لم تضع البتولية في قوانينها. مَن يمكنه أن يشرح بلغة عادية ما هو فوق مسار الطبيعة؟ البتولية أحضرت من السماء ما يمكن أن تقتدي به على الأرض‘ القديس أمبروسيوس، عن العذارى (الكتاب الأول)، (ترجمة د. نصحي عبدالشهيد، بيت التكريس لخدمة الكرازة، القاهرة، الطبعة الأولى، 2016) ، 12.
[7]– يقول القديس أمبروسيوس: ’إن الذين لا يتزوجون هم مثل الملائكة في السماء (مت22 :30). لذلك، لا ينبغي أن نستغرب أن الذين ارتبطوا برب الملائكة، يقارنون بالملائكة‘ القديس أمبروسيوس، عن العذارى (الكتاب الأول): 12.
كذلك يتحدث مار يعقوب السروجيّ عن سمو البتولية وعظمتها، فيتطلع إلى السماء والأرض. فيراها رفيقة الملائكة، وأختاً ملازمة للطغمات السمائية، فليس بينهم من هو متزوج، فمع شركتهم معًا يجدون سعادتهم في الله الكلي المجد. القمص تادرس يعقوب ملطيّ، البتولية عند القديس مار يعقوب السروجيّ، (كنيسة مار جرجس – سبورتنج، الإسكندرية، الطبعة الأولى، 2011)، 9.
[8]– كرامة ونعمة وعطية من الله.
[9]– كانت الحياة الرهبانية معروفة في إطار الديانات الشرقية. كذلك بطليما جريوس الذي من أخميم، كان قد غادر المدينة ليمارس الفلسفة، وليكون الضيف المحليّ للإله بان (Pan). كما كانت المنطقة التي بالقرب من تماثل ممنون بالأقصر، التي صارت فيما بعد باخوميّة، كانت مركزًا نسكيُّا لمعابد ممفيس. وبالقرب من هذه التماثيل زار أبوللونيوس فلاسفة عُراة عاشوا في مناسكهم في وحدة تامة، وقد امتنعوا عن تناول لحم الحيوان، والشهوات الجسدية، والحسد، وكان نومهم على الأرض الجرداء بلا أغطية. سعيد حكيم يعقوب، آباء البرِّية والحياة النسكيّة، (جذور للنشر، ط1، 2012م)، 6. عن:
The Roots of Egyptian Christianity, Philadelphia, 1986, p. 387.
[10]– ذكر أن فيثاغورث قد زار الكهنة المصريين ليتعرف على طريقة حياتهم. وقد ذكر هيبوليتس أن فيثاغورث حاكى الكهنة المصريين في تداريب الصمت عن الكلام، وجعل تلاميذه يحيون حياة الوحدة والعزلة في غرف تحت الأرض. سعيد حكيم يعقوب، آباء البرِّية والحياة النسكيّة: 6.
[11]– الرهبنة في اليهودية:
يقول الله في سفر إشعياء: “وَلاَ يَقُلِ الْخَصِيُّ: هَا أَنَا شَجَرَةٌ يَابِسَةٌ. لأَنَّهُ هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ لِلْخِصْيَانِ الَّذِينَ يَحْفَظُونَ سُبُوتِي وَيَخْتَارُونَ مَا يَسُرُّنِي وَيَتَمَسَّكُونَ بِعَهْدِي: إِنِّي أُعْطِيهِمْ فِي بَيْتِي وَفِي أَسْوَارِي نُصُباً وَاسْماً أَفْضَلَ مِنَ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ. أُعْطِيهِمُ اسْماً أَبَدِيّاً لاَ يَنْقَطِعُ” (إش56 :3- 5)
– عاش فيلو اليهوديّ في الصحراء التي تقع بالقرب من الإسكندرية. (سعيد حكيم يعقوب، آباء البرِّية والحياة النسكيّة: 6).
– من النذور التي يقدمها اليهودي لله في العهد القديم، تكريس الذات، كما جاء في (عدد6)، لما يُلزم به من نذر نفسه لله العليّ، سواء كان رجلاً أو امرأة. وتسمى تلك الفئة النذيرون (عا2 :11). وفي الهيكل خُصصت لهم حجرات صغيرة في باحة النساء. ويكرس لهم كتاب المشنا مقالاً كاملاً. على النذير أن يلزم حياة التقوى مدة شهر على الأقل يتعهد في أثنائه بثلاثة نذور: أن يمتنع عن العنب بجميع أشكاله، أي من الطازج إلى الزبيب، وكل منتجاته، أي من العصير إلى الخمر والخلّ. وأن يحلق شعره قبل بدء النذر إن أراد، لأنه يُمنع عن قص شعرة من جسمه في أثنائه،. وألاَّ يقترب من جثة، حتى وإن كانت لأبيه.
– ما الذي يدفع الناس إلى النذر؟ ربما الرغبة في نيل أمر ما من الرب، وربما لتطهير الجسد والنفس. ويذكر التلمود قصة لراعٍ شاب وسيم داهمته التجربة حين رأى صورته على صفحة المياه، فهرع إلى الهيكل وحلق شعر رأسه ونذر، لكي لا يفخر بجسد مصيره طعام للدود والحشرات…
– بالإضافة إلى الناذرين، جرت العادة أن يختلي بعض الرجال أو النساء في الصحراء. فالصحراء هي المكان الذي عاش فيه الأجداد أربعين سنة، وفيه اختبروا رعاية الله لشعبه، وفي الصحراء أيضًا تسلم موسى الشريعة . فالصحراء أفضل مكان يتخلى فيه الإنسان عن جميع مغريات العالم ويكتفي باليسير للعيش في سبيل التقرب من إلهه. وتدوم العزلة في الصحراء أربعين يومًا، وهي مدة إقامة موسى في جبل سيناء ومسيرة إيليا حتى جبل حوريب (1مل19 :8). الأب سامي حلاق، مجتمع يسوع تقاليده وعاداته، (دار المشرق، بيروت، الطبعة الأولى، 1999)، 77، 78.
[12]– يقول القديس أمبروسيوس: ’مَن يستطيع أن ينكر أن هذه الطريقة في الحياة، مصدرها السماء، والتي لا نجدها بسهولة على الأرض إلاَّ بعد أن نزل الله وصار في جسد أرضي‘. القديس أمبروسيوس، عن العذارى (الكتاب الأول: 11): 12.
[13]– وَإِنَّمَا أظْهِرَتِ الآنَ بِظُهُورِ مُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي أبْطَلَ الْمَوْتَ وَأَنَارَ الْحَيَاةَ وَالْخُلُودَ بِوَاسِطَةِ الإِنْجِيلِ.
[14]– يقول القديس أغسطينوس: ’لئلا يُظن أن العفة التي نرجوها من الله تقف عند تلك التي تخص شهوة أعضاء الجسد.. يتغنى المزمور قائلاً: “ضع يَا رَبُّ حَارِساً لِفَمِي. وبَابًا حصينًا لشَفَتَيَّ (مز141 :3)، فإن أدركنا مفهوم كلمة “فمي” كما يلزم، لعرفنا ما هي عطية الله من جهة العفة التي يهبها لنا؛ فإنها لا تعني “الفم الجسديّ”، فيُحفظ لكي لا يخرج منه صوت شرير، إنما يوجد في الداخل “فم القلب” الذي يريد –ناطق هذه الكلمات وكاتبها لكي ننطق نحن بها– أن يحرسه الله ويُقيم عليه بابًا حصينًا عفيفًا‘ القديس أغسطينوس، العفة:2، (تعريب القمص تادرس يعقوب ملطيّ، كنيسة الشهيد مار جرجس بإسبورتنج، الطبعة الأولى، 2010)، 20.
[15]– يقول الأنبا شنودة رئيس المتوحدين: ’6- لقد قلتُ ذلك الأمر أننا كلنا نتحَّرق في قلوبنا، ونهرول خلف العظائم والألقاب السامية، حتى تلك التي تخص الأسقفيّة والكهنوت، أما الأعمال فنهملها جدًا، ولا يهمنا أن الله سوف يسألنا عن كل الأعمال التي تغافلنا عنها أو لم تخطر على بالنا. 7– كلنا نصب اهتمامنا على اللقب وليس على الأعمال، ولم نفكر أبدًا أنه إن كان مكتوبًا أن الإيمان الراسخ في التقوى، والذي بدونه لن يقدر أحدٌ أن يعرف الله، بدون أعمال ميت (يع2 :17). فكم بالحري يكون اللقب أكثر بطلانًا وموتًا إن لم يكن له أعمال بارة وطاهرة وحقيقية‘. الأنبا شنودة رئيس المتوحدين، سيرته، عظاته، قوانينه، الجزء الأول، “عظة: طوبى للذين يراعون العدل:6، 7″، (ترجمة: صموئيل القس قزمان معوض، الناشر مكتب باناريون، القاهرة، الطبعة الأولى2009)، 250، 251.
[16] يقول القديس أثناسيوس الرسوليّ: ’إننا سوف نحب الصوم كثيرًا، لأننا نحتمي جدًا بالصوم والصلاة والصدقة، فإنهم ينقذون الإنسان من الموت. لأنه بواسطة التمرد على الطعام طُرد آدم من الفردوس، ولذلك فمن يرغب في الدخول إلى الفردوس فعليه الخضوع والتذلل بالصوم. زيِّن جسدك بهذه الفضيلة، وبتوليتك تحملك عريسًا إلى السماء. لأن الذين يتشبثون بالعالم وأطيابه وعطوره، ويزينون أجسادهم بالذهب وبالملابس الفاخرة فإنهم يتجردون من إنسانيتهم، ويكونون غير حاملين لقوة الله(…) هل اكتشفتم فعل الصوم، فهو يشفي الأمراض، ويطفئ الحركات الجسدية، ويطرد إبليس وكل أفكاره الشريرة، ويجعل العقل أكثر إشراقًا، ويطهر القلب، ويقدس الجسد، ويجعل الإنسان كله عرشًا مكرسًا لله‘ بولين تدري، ’تعليم عن البتولية أو النسك، للقديس أثناسيوس الكبير‘، في: الكرمة الجديدة، (2010):222.
[17]– يقول القديس أثناسيوس الرسوليّ: ’الاتضاع هو أعظم دواء للخلاص من الأفكار السيئة، لأن رئيس الشياطين يسرق منا السمائيات بالكسل أو بأفكار الزنا أو النجاسة، وأيضًا بالكبرياء الذي طرحه بالأكثر من السماء إلى أسفل الهاوية، لأنه هكذا قال عنه: “وَأَنْتَ قُلْتَ فِي قَلْبِكَ: أَصْعَدُ إِلَى السَّمَاوَاتِ. أَرْفَعُ كُرْسِيِّي فَوْقَ كَوَاكِبِ اللَّهِ وَأَجْلِسُ عَلَى جَبَلِ الاِجْتِمَاعِ فِي أَقَاصِي الشِّمَالِ أَصْعَدُ فَوْقَ مُرْتَفَعَاتِ السَّحَابِ. أَصِيرُ مِثْلَ الْعَلِيِّ” (إش14 :13، 14) وبهذا الكلام طُرح في الهاوية وصار ميراثه في النار الأبدية(…) لأن الله يكون في المتواضعين‘ بولين تدري، ’تعليم عن البتولية أو النسك، للقديس أثناسيوس الكبير‘، في: الكرمة الجديدة، (2010م)، 222.
[18]– يقول القديس أثناسيوس الرسوليّ: ’ثيابك الأساسية لا تكن ثمينة للغاية، ورداؤك الخارجيّ ليكن أسود اللون، ولا تضف له صبغة الألوان، واجعله يغطي الجسم والأظافر، والأكمام تغطي الأذرع إلى أصابع اليدين، وتغطي شعر الرأس المنسدل بغطاء من وبر، وتربط الشعر المنسدل برباط يغطيك إلى الأكتاف، حتى إذا تقابلت مع أي شخص يكون الوجه مغطى‘. بولين تدري، ’تعليم عن البتولية أو النسك، للقديس أثناسيوس الكبير‘، في: الكرمة الجديدة، (2010)، 225، 226.
[19]– جاء في كتاب المراقي: ’لا يبلغ إلى الكمال من يلعن، أو يغضب، أو يوجد فيه خطأ ولم يقتلعه‘ الخوري فرنسيس البيسريّ (معرب عن السريانية)، كتاب المراقي، (منشورات المكتبة البولسية، الطبعة الأولى، 1989)، ص25، 26.
[20]– لا تخبر عن نسكك.
[21]– يقول القديس باسيليوس الكبير على الذي يرغب في التحرر من قيود العالم،.. ’إنه استطاع أن يصنع شركة مع الله بذهن نقي ومتحرر من قيود الأفكار المادية ومن ممارسة الشهوات الجسدية، ولا ينبغي أن يَشتَّم الأبخرة التي تصعد من هذه الشهوات؛ حتى لا تتسبب في إظلام أعين النفس كما من دُخان كثيف وحتى لا يسقط من الرؤية (المشاهدة) الإلهية والروحية‘. جورج عوض إبراهيم، تعاليم آبائية للقديس باسيليوس الكبير، 73. عن , 369 -398= PG31. 1324 – 13259 ΕΠΕ
[22]– يقول القديس أثناسيوس في رسالته إلى آمون: ’هناك طريقان للحياة في هذه الأمور: الأول هو الزواج، وهو طريق العالم المعتاد والأكثر اعتدالاً، والآخر هو البتولية، وهو طريقٌ ملائكيّ وأكثر كمالاً. فإن اختار إنسان طريق العالم المعتاد، أي الزواج، فإنه يكون حقًا بلا لوم، ولكنه لن ينال مثل تلك النعم التي للطريق الآخَر؛ وكما أنه أيضًا يعطي ثمرًا فسيأخذ ثلاثين ضعفًا (مر4 :20)، أما من يعتنق الطريق المقدس غير الأرضي فتبقى له النعم الأكثر سموًا على الرغم من أن تحقيقه صعبٌ ومضن بالمقارنة بالطريق الآخر، لأنه يعطي الثمر الأكثر كمالاً، أي مائة ضعف. وهكذا فإن هذه…‘
The monastic letters of Saint Athanasius the Great, translated with an introduction by Leslie W. Barnard. Athanasius, Saint, Patriarch of Alexandria, -373.
– يقول القديس أغسطينوس: [العفة العظمى والممجدة بالأكثر، تلك التي بها تُضبط النفس عن رباط الزيجة، يقول الرب:
«لَيْسَ الْجَمِيعُ يَقْبَلُونَ هَذَا الْكَلاَمَ بَلِ الَّذِينَ أُعْطِيَ لَهُم» (مت19 :11). القديس أغسطينوس، العفة:1: 19.
في الرسالة الأولى إلى كورنثوس يحاول القديس بولس أن يغير اتجاه الأعمال النسكية التي ترفض الزواج، وذلك من منظور أنها تعوق الحياة الروحية. فالزواج عند القديس بولس ليس شيئًا شريرًا وخاطئًا، حتى من وجهة نظر أننا في الأيام الأخيرة (تحت ضغط التشديد على البعد الإسخاتولوجي والاعتقاد بسرعة مجيء الرب) فهو يعطي نصيحة سهلة “لَكِنَّكَ وَإِنْ تَزَوَّجْتَ لَمْ تُخْطِئْ. وَإِنْ تَزَوَّجَتِ الْعَذْرَاءُ لَمْ تُخْطِئْ(…) وَلَكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَظُنُّ أَنَّهُ يَعْمَلُ بِدُونِ لِيَاقَةٍ نَحْوَ عَذْرَائِهِ إِذَا تَجَاوَزَتِ الْوَقْتَ وَهَكَذَا لَزِمَ أَنْ يَصِيرَ فَلْيَفْعَلْ مَا يُرِيدُ. إِنَّهُ لاَ يُخْطِئُ. فَلْيَتَزَوَّجَا” (1كو7 :28، 36). فكثير من الدارسين يرون في “فَحَسَنٌ لِلرَّجُلِ أَنْ لاَ يَمَسَّ امْرَأَةً” (1كو7 :1)، أنه لا يعبر عن رأي بولس الرسول، ولكنه تعبير نسكي لأهل كورنثوس قد أرسلوه في رسالة إلى القديس بولس”وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الأُمُورِ الَّتِي كَتَبْتُمْ لِي عَنْهَا”، والقديس بولس أراد أن يواجه هذه الحالة بفهم عظيم وحكمة رعوية. جيؤرجيوس باترونوس، “الزواج والبتولية عرض لتفسير الآية 1كو7 :1″، دراسات آبائية ولاهوتية، )المركز الأرثوذكسيّ لدراسات الآباء، السنة الثالثة، العدد السادس، يوليو/ تموز 2000(، 60.
[23]– يقول القديس الأنبا شنودة رئيس المتوحدين: ’ما أجمل الصيام، وما أجمل وقت تنسكك عن زوجتك، وحسنة هي كل أمور التغصب الذي من هذا النوع. كذلك ما أحسن فلاحة الحقل، وما أحسن الأكل، وما أجمل الزواج أيضًا، وحسنة هي كل الأشياء التي توجد لاحتياجنا. أما الزنا وعدم ضبط النفس وخداع الماديات وكل ما شابه ذلك، فهو رديء. أنا أتحدث عن العلمانيين الذين في زيجة طاهرة، ولا أتكلم عن الرهبان الذين حملوا صليبهم وتبعوا المخلص حسب وصية الإنجيل (مت10 :38، 16 :24، مر8 :34، لو9 :23، 14 :27). وأحبوا طهارة ملائكة النور، لكي يصيروا هم أيضًا بهذا مع الملائكة في ملكوت أبيهم‘ الأنبا شنودة رئيس المتوحدين، سيرته، عظاته، قوانينه، الجزء الأول، “عظة: ما أحسن وقت انطلاق السفينة للإبحار: 2”: 354، 355.
[24]– يقول نيافة الأنبا غريغوريوس: ’منذ القديم منعت الكتب المقدسة ذلك، والأوامر الكنسيّة أمرت بعدم الزفاف في الأصوام. يقول الرب: “قَدِّسُوا صَوْماً. نَادُوا بِاعْتِكَافٍ (…) لِيَخْرُجِ الْعَرِيسُ مِنْ مِخْدَعِهِ وَالْعَرُوسُ مِنْ حَجَلَتِهَا (يؤ2 :15، 16). وكذلك قال الإنجيل: “كَانَ تَلاَمِيذُ يُوحَنَّا وَالْفَرِّيسِيِّينَ يَصُومُونَ فَجَاؤوا وَقَالُوا لَهُ: «لِمَاذَا يَصُومُ تَلاَمِيذُ يُوحَنَّا وَالْفَرِّيسِيِّينَ وَأَمَّا تَلاَمِيذُكَ فَلاَ يَصُومُونَ؟» فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «هَلْ يَسْتَطِيعُ بَنُو الْعُرْسِ أَنْ يَصُومُوا وَالْعَرِيسُ مَعَهُمْ؟ مَا دَامَ الْعَرِيسُ مَعَهُمْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَصُومُوا. وَلَكِنْ سَتَأْتِي أَيَّامٌ حِينَ يُرْفَعُ الْعَرِيسُ عَنْهُمْ فَحِينَئِذٍ يَصُومُونَ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ” (مر2: 18 -20). والمعنى واضح أن هناك تعارضاً بين الصوم وبين الزفاف والعرس، انظر (دا 6 :18، 1كو7 :5). جاء في قانون مجمع اللاذقية الذي انعقد سنة 364: ’لا يجب في (صوم) الأربعين أن يصنعوا عرسًا‘ وفي قوانين البابا خرستوذولوس (1046- 1077): ’والأربعون يومًا الصوم، تصام بالزهد والتواضع وتجنب الشهوات، ولا يكون فيها تزويج‘ الأنبا غريغوريوس، موسوعة الأنبا غريغوريوس،ج9 : اللاهوت العقيدي، الجزء الرابع: في أسرار الكنيسة السبعة (2)، 158.
[25]– يقول الأنبا شنودة رئيس المتوحدين: ’مَن من الملوك غير المؤمنين والخطاة يقدر أن يملك أيضًا في السموات بالقهر والطغيان، كما اعتادوا أن يقوموا على بعضهم البعض على الأرض، فيقتل أحدهم الآخَر ويغتصب مُلكه؟ مَنْ مِنْ الناس، حاكمًا كان أم موظفًا كبيرًا من الذين يخلفون بعضهم بعضًا، سيقدر أن يدفع ذهبًا وفضة حتى يجد راحة في ملكوت السموات، كما اعتاد أن يفعل على الأرض؟ مَن مِن المتكبرين والمرائين والمفتخرين سوف يقدر أيضًا أن يدفع ذهبًا وفضة حتى يُمنح راحة في السموات، كما اعتاد أن يفعل على الأرض ليصير كاهنًا في بيت الله؟ طوباويون هم الذين يُغصَبون رغمًا عنهم على مثل هذه الوظائف الكهنوتية، إذا تمموا الواجب (المفروض عليهم) حسنًا. وبؤساء جدًا هم الذين يغتصبون تلك الوظائف الكهنوتية هكذا مقابل فضة وذهب. وويل لهم بزيادة إن لم يتمموا ما يليق بالزي واللقب الذي حصلوا عليه بالرشوة، بقر وعربات وهدايا أخرى من هذا النوع للإكرام، ولكي يطمسوا عيون من يتلقاها، مثل شخص قد انطمست عيناه من كثرة الغبار، بأن يملأ الإنسان يده من التراب ويذريه في عينه. فكما هو مكتوب، فإن الهدايا تطمس عيني المبصرين (خر23 :8)‘. الأنبا شنودة رئيس المتوحدين، سيرته، عظاته، قوانينه، الجزء الأول، “عظة: بدون عنوان A26: 53”: 287، 288.
[26] يقول الأنبا شنودة رئيس المتوحدين ’الرهبان .. أحبوا طهارة ملائكة النور، لكي يصيروا هم أيضًا بهذا مع الملائكة في ملكوت أبيهم‘. الأنبا شنودة رئيس المتوحدين، سيرته، عظاته، قوانينه، الجزء الأول، “عظة: ما أحسن وقت انطلاق السفينة للإبحار: 2”: 355.
[27]– المانويون: أتباع ماني بن فاتك (215 -276) نادى بتحريم الزواج، واعتبره نجاسة ودنساً. وعنده من يتزوج ويأكل لحوماً فهو من أتباع إله الشر.
الأبيونيون: باليونانية: (Ἐβιωναῖοι) مشتقة من الكلمة العبرية: אביונים؛ إبيونيم، والتي تعني «فقيراً» أو «فقراء»، هو مصطلح آباء الكنيسة للإشارة إلى حركة مسيحية يهودية تواجدت في العصور الأولى للمسيحية، كانت تنظر إلى يسوع على أنه الماشيح وتنكر ألوهيته، وتصر على اتباع الشريعة اليهودية، ولا يؤمنون إلا بأحد الأناجيل المسيحية اليهودية، ويبجّلون يعقوب البار، ولا يعترفون ببولس الذي يعتبرونه مرتدّاً عن الديانة. وهم الذين قصدهم الرسول بولس في قوله: “مَانِعِينَ عَنِ الزِّوَاجِ، وَآمِرِينَ أنْ يُمْتَنَعَ عَنْ أطْعِمَةٍ قَدْ خَلَقَهَا اللهُ لِتُتَنَاوَلَ بِالشُّكْرِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَعَارِفِي الْحَقِّ”. يكشف الرسول بولس عن صفات الأخصام، فهم من “أهل الختان” (تى1: 10)، يدعون أنهم “معلمو الشريعة” (1تى1: 7). يخوضون في مباحثات خرقاء وأنساب، وفي خصومات ومماحكات على الشريعة (تى3: 9)، ومنهم أناس يظهرون “صُورَةُ التَّقْوَى (المسيحية) وَلَكِنَّهُمْ مُنْكِرُونَ قُوَّتَهَا” (2تي3 :5). انظر أيضًا: (2تى3: 6-9، 1تى1: 3، 1تى1: 7، 6: 3-4). النصرانية اليهودية تفسر المسيح، على ضوء التوراة، والسنة المسيحية تفسر الكتاب، على ضوء إنجيل مجد الله الذي اؤتمن عليه الرسول (1تى1: 11).
العلامة ترتليان في البداية دخل في الهرطقة المونتانية، يعتبر أن المؤمن جندي في صراعه ضد الشر. وتستند مبادئه التفسيرية -بناءً على ذلك- على فهم المسيحية على أنها تجنيد روحي مستمر في الزمن الحاضر، ومثل المجند لا “يرتبك بأعمال الحياة” (2تي2 :4)، وهكذا كل مسيحي له التزام أساسيّ أن “لا يمس امرأة” (1كو7 :1). فالإيمان يُختبر والمؤمنون يُضطهدون، والاضطهادات الزمنية والشهادة تعني عنده تسليحًا مستمرًا ودعوة إلى جهاد روحيّ، إلى صوم، ومحبة، وبتولية. لذلك ينادي ترتليان بأنه [شر عظيم أن ينشئ الرجل علاقة مع امرأة] (ترتليان، ضد مرقيان 5 :7). جيؤرجيوس باترونوس، “الزواج والبتولية عرض لتفسير الآية 1كو7 :1″، دراسات آبائية ولاهوتية: 62.
جيروم: له نظرة نسكية تحتقر الزواج، ولحياته الشخصية انعكاس في ذلك، فقد عاش جيروم حياة شبابية خاطئة وفوضوية، وبعدما زار الشرق تعرف على جماعة ماني. وبعدما عاد إلى الغرب نقل المانوية إلى هناك، وعبر عن معارضته للزواج بطريقة قاطعة، واعتقد أنه لكي يعيش أحد الإيمان المسيحي في هذا الزمان الحاضر عليه أن يسلك بهذا المنهج نفسه (جيروم رسالة 108 :31). ومن ضمن الأشياء التي دعا المؤمن أن يجحدها في العالم هي المرأة. فبحسب رأي جيروم: أن البتولية لا تُقارن بالنسبة للزواج، والشيء الحسن الوحيد الذي يمكن أن يعترف به في الزواج هو ولادة البتوليين والبتوليات. ويذكر جيروم: [إن كان من الأفضل للإنسان أن لا يمس امرأة عندئذٍ يكون من الشر أن يلمس أي امرأة، لأن الشر مضاد للصلاح .. لاحظتم إذًاً حكمة الرسول، لا يقول فقط إنه حسن للرجل أن يكون لديه زوجة، بل يقول أيضًا لكن حسن للرجل أن لا يمس امرأة، لدرجة أنه يوجد خطر من مجرد لمس المرأة، فإن من يلمس النار بدون شك يحترق] (جيروم، ضد يوفيانوس1 :7). عن جيؤرجيوس باترونوس، “الزواج والبتولية عرض لتفسير الآية1كو7 :1″، دراسات آبائية ولاهوتية: ص63.
ويقول القديس أغسطينوس (354 – 430م) : ’ثمة رباط سري للزواج يربط بين المؤمن والمؤمنة في الزيجة، إذ يقول الرسول: أيها الرجال أحبوا نساءكم كما أحب المسيح الكنيسة (كو 3 : 19 ). ولا شك أن جوهر السر هو هذه الرابطة‘ القديس أوغسطينوس، الزواج والرغبة الجنسية:
W.A JURGENS, De nuptiis et concupisceniae 1 : 10, 11, , vol 3, 135
يقول القديس أغسطينوس أيضًا: ’عندما دُعِيَ الرب يسوع إلى حُضور العُرس، حتى يؤكد طهارة الزواج، وليُبين أن الزواج سر مقدس‘ القديس أغسطينوس، عظاته على إنجيل يوحنا (9 : 2).
القديس أمبروسيوس أسقف ميلان (القرن الرابع) يعتبر مؤسس الرهبنة في الغرب، يشدد على أنه “حسن للرجل أن لا يمس امرأة” ويعطي تشديدًا خاصًا على علاقة هذا المقطع بالكهنوت، مساهمًا بذلك في تشجيع بتولية الإكليروس في الغرب. جيؤرجيوس باترونوس، “الزواج والبتولية عرض لتفسير الآية 1كو7 :1″، دراسات آبائية ولاهوتية: 62، 63.
[28]– يقول نيافة الأنبا غريغوريوس: [إن الرب لم يحرم الزواج، بل أحلّ الزواج وأباحه، وقال للأبوين الأولين: “أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ” (تك1 :28، 9 :1، 7، مز126 :3-5)، وقال: “لَيْسَ جَيِّداً أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِيناً نَظِيرَهُ” (تك2 :18). بل إن المسيح له المجد رفع من مكانة الزواج وجعله سرًا مقدسًا على نظير الرابطة بين المسيح والكنيسة، يقول الرسول بولس: “هَذَا السِّرّ عَظِيمٌ، وَلَكِنَّنِي أَنَا أَقُولُ مِنْ نَحْوِ الْمَسِيحِ وَالْكَنِيسَةِ” (أف5 :32)]. الأنبا غريغوريوس، موسوعة الأنبا غريغوريوس، 9 – اللاهوت العقيدي الجزء الرابع، في أسرار الكنيسة السعة 2 : 134.
[29]– يقول القديس أثناسيوس الرسوليّ: ’أيتها النفس المباركة، بأي طريقة تستمعين إلى الكلمات المكتوبة في هذا الإنجيل! وإلى أي حد تشهدين لكل إنسان بهذه الكلمات، وبأن اسمه سوف يكتب في سفر الحياة)‘ بولين تدري، ’تعليم عن البتولية أو النسك، للقديس أثناسيوس الكبير‘، في: الكرمة الجديدة، (2010م)، 222.
جاء في كتاب المراقي: ’يليق بنا أن نطلب كلمات ربنا واحدة فواحدة، كما قال الرسول: “اطلبوها برضاكم كل الأيام، ما دام الوقت يدعى اليوم” (عب3: 13) أي حتى الموت، فَتُبنون بها وتبنون إخوتكم. وقال أيضًا: “كونوا مميزين ورائين أيَّة هي إرادة الله المقبولة والكاملة” (رو12: 2) (…) إذًا علينا أن نطلب الحق، “فالحق يحررنا” (يو8 :32)‘ الخوري فرنسيس البيسريّ (معرب عن السريانية)، كتاب المراقي، منشورات المكتبة البولسية، الطبعة الأولى، 1989م، 25، 26.
[30]– اهتم القديس أثناسيوس بالدفاع عن ألوهة الابن، حيث دافع ضد بدعة أريوس، ونجد ذلك في بداية تعاليمه “عن البتولية” حيث يبدأ رسالته بالحديث عن الله الواحد مثلث الأقانيم، خالق الكل‘ بولين تدري، ’تعليم عن البتولية أو النسك، للقديس أثناسيوس الكبير‘، في: الكرمة الجديدة، (2010م)، 219 -233.
[31]– قد يستغرب البعض: ما أهمية العقيدة بالنسبة للعذارى؟ يجيب مار فيلكسينوس أسقف منبج، في الرسالة العقيدية للرهبان، قائلاً: ’أهيب بكم أن تدافعوا عن الحق وتكرزوا به بالفم الملآن ولا تخجلوا من أحد، ولا تكفوا عن الغيرة والكفاح من أجله، ولا تقولوا “نحن نهتم بهدوء سيرتنا” فالسيرة حسنة، وأعمال البر حميدة، ولكنها أعضاءٌ ورأسها هو الحق. فإن قُطع الرأس، فسدت الأعضاء. ولا يقل أحدٌ: “أحتفظ بإيماني لنفسي”. فإنه لن يُحفظ فيك، متى رأيت أنه يضيع في الآخرين وتغافلت! أي عذراء تحتمل البقاء في خدرها عندما تسمع أن بيت أبيها يحترق. فلو تغافلت، سيحدث أن تلتهم النيران البيت الذي تسكن هي فيه أيضًا. إذًا دافعوا عن الحق وجاهروا به، دون أن تفقدوا عفة اعتزالكم‘ الراهب روجيه يوسف أخرس، مجموعة مارفيلكسينوس المنبجي، الرسالة العقيدية للرهبان (الجزء الأول) :30 -32، (دير مار أفرام السريانيّ، معصرة صيدانا، الطبعة الأولى، 2007)، 53، 55.
[32]– يقول القديس أثناسيوس الرسولي: ’هدف الكتاب المقدس وميزته الخاصة هو أنه يحوي إعلانًا مزدوجًا عن المخلص، أي إنه كان دائمًا إلهًا وإنه الابن. إذ هو كلمة الآب وشعاعه وحكمته، ثم بعد ذلك اتخذ من أجلنا جسدًا من العذراء مريم والدة الإله، وصار إنسانًا‘ القديس البابا أثناسيوس الرسوليّ، ضد الآريوسيين، المقالة الثالثة :29، (ترجمة د. نصحي عبدالشهيد، صموئيل كامل، ومجدي صموئيل، مؤسسة القديس أنطونيوس للدراسات الآبائية، الطبعة الأولى 2015)، 331.
[33]– يقول القديس أثناسيوس الرسولي: ’لو لم يكن الجسد الذي لبسه (اتحد به) الكلمة جسدًا بشريَّا لما كنا قد تحررنا من الخطيئة واللعنة (حيث إنه في هذه الحالة لا يكون هناك شيء مشترك بيننا وبين ما هو غريب)‘ القديس البابا أثناسيوس الرسوليّ، ضد الآريوسيين :المقالة الثانية :70، 262.
[34]– يقول القديس أثناسيوس الرسولي: ’قيل عن خواص الجسد إنها خاصة به، حيث إنه كان في الجسد، وذلك مثل أن يجوع وأن يعطش، وأن يتألم، وأن يتعب، وما شابهها من الأمور… إلخ الأعمال الخاصة بالكلمة ذاته مثل إقامة الموتى، إعادة البصر إلى العميان، وشفاء المرأة نازفة الدم، قد فعلها بواسطة جسده، والكلمة حمل ضعفات الجسد كما لو كانت له. لأن الجسد كان جسده، والجسد خدم أعمال اللاهوت، لأن اللاهوت كان في الجسد، ولأن الجسد كان جسد الله‘ القديس البابا أثناسيوس الرسوليّ، ضد الآريوسيين :المقالة الثالثة :31، 333.