تقديم
يتناول كتاب مركز المسبار للدراسات والبحوث «أبناء آيات الله في إيران: النفوذ، التوريث، المستقبل» (الكتاب الحادي والسبعون بعد المئة، مارس (آذار) 2021) نفوذ مجتمع رجال الدين السياسيين في إيران، باحثاً في التوريث الديني السياسي للمناصب العليا، والنفوذ الاقتصادي المكتسب لأبنائهم، ومحاولاً فهم التركيبة الوراثية الدينية والسياسية في إيران الخمينية.
ركزت الدراسات على توريث المناصب في إيران ضمن نظام ولاية الفقيه، وعلى الأسس الأيديولوجية لصعود أبناء (آيات الله)، ونفوذهم الاقتصادي، والدور الذي لعبه اللوبي الإيراني في الخارج، لتوطيد دعائم الاتجاه المتشدد. تضمن الكتاب حواراً مع حسن شريعتمداري المعارض السياسي الذي تحدث عن مستقبل ولاية الفقيه في إيران بعد خامنئي.
يحاول الكتاب دراسة روابط وعصبويات التشدد والمحافظة المقنّعة وجذورها داخل إيران، للتعرف على البنى التي أسس عليها «المتشددون» قوتهم عبر التوريث الديني والسياسي، والاستيلاء على مقاليد الحكم ومقدرات الدولة وعلى مجتمع المحافظين.
راهن كثيرون على أن فوز مرشح الحزب الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأميركية سوف يكسر شوكة التشدد الإيراني، لا سيما عبر الملف النووي وملف حقوق الإنسان، غير أن الواقع لا يشي بتحولات إيجابية في مسارات تبديل الصورة على مستوى المؤثرين في صناعة القرار في إيران، إذ يبدو أن المحافظين مستمرون في تشددهم على الرغم من الليونة الأميركية.
شكّل التوريث السياسي والديني أحد الدعائم التي يقوم عليها نظام ولاية الفقيه منذ تأسيسه، مستنداً إلى نظرية دينية سياسية أسس لها الخميني، تهدف إلى الجمع بين كل فئات المجتمع الإيراني. خلصت إحدى الدراسات إلى أن «رسم السياسات العامة في إيران اعتمد على الحوزة الدينية، باعتبارها المؤسسة الدينية التي تنتج الكوادر التنفيذية الحكومية، وقد لعبت حوزة قم دوراً مؤثراً في تخريج جيل قادر على الصعود لمواقع المسؤولية السياسية في حقبة الخميني، خصوصاً من أبناء رجال الدين الذين تولوا السلطة في البلاد». تطرح هذه الخلاصة -بدورها- سؤالاً مهماً: هل وثق الخميني بزملائه وتلاميذهم، ولم يستطع الوثوق بالمتعلمين خارج الحوزات، أم إنّه وقع في الفخ الذي تعتمد عليه الحركات الإسلاموية القائمة: «الولاء» قبل الكفاءة، والطريق لمن سبق؟
في موازاة التأثير السياسي لرجال الدين في إيران وورثتهم منذ عام 1979، تناول الكتاب محوراً أساسياً يرتبط بدور «رجال الخميني» في بعض الحوزات، في تمرير الأفكار الداعمة لأبناء «الآيات» ومدى نجاح السلطة الحاكمة في ذلك.
قدّمت دراسةٌ فرضية أخرى، مفادها أنّ ظاهرة دعم أبناء الآيات اقتصادياً، ووجودهم في الخارج؛ حتى في حالات المعارضة أو الخروج على النظام، ليست سوى أداة لتأسيس جماعات ضغط تبدو كأنها معارضة للنظام أو جوهره، بينما تقوم في الحقيقة على الأساس نفسه الذي يغذي الجمهورية، هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى تلعب هذه الفئة «الموثوق في آبائها»، دوراً مؤثراً في التحايل على العقوبات المالية فتدعم الاقتصاد الرسمي، عبر اقتصادٍ موازٍ.
حاول الكتاب الإجابة عن الإشكاليات المثارة حول مستقبل ولاية الفقيه في إيران بعد الولي الفقيه الثاني، مقدماً سيناريوهات عدة، تشير إلى تحالف الحرس الثوري، مع رجال خامنئي، وتأثير ذلك في المسارات المستقبلية، وإجهاض فرصة أيّ تغيير جدّي يؤدي إلى سلوك مختلف!
تضمّن الكتاب دراستين حول العلاقات الأميركية– الإيرانية في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب وبداية عهد جو بايدن، راصداً إياها انطلاقاً من فرضية أن صلابة الأول وليونة الثاني أعطيتا للمتشددين في طهران «وهم» الانتصار السياسي الديني على العدو البعيد، كما يروّج له رجال الدين المتشددون.
نشر الكتاب دراسة عن سجون إيران والمتغيرات التي أثرت فيها بسبب فيروس (كوفيد -19)، إذ شهدت حركات تمرد وهروب، احتجاجاً على الأسلوب الذي أدارت به السلطات، السجون خلال الجائحة.
في إطار الحوار الثقافي الداخلي، عرضت دراسة السجالات الدائرة بين المفكرَين الإيرانيين محسن كديور وعبدالكريم سروش، حول الجهاد والعنف والإكراه من منظور إسلامي، كاشفاً عن بعض زوايا الاختلافات المؤثرة في النقاشات الفكرية الجارية في إيران.
واستناداً إلى المخاطر التي تحيق ببنى الدولة بسبب تغول الإسلام السياسي وجماعاته، وتأثرها بالتطورات الأميركية دعماً وتأييداً ومغازلة، أجريت قراءة في كتاب «أيديولوجية الاستبداد، استخدام الأسطورة الغنوصية الجديدة في السياسة الأميركية»، ينتقد فيه مؤلفه؛ الأستاذ المشارك في جامعة واشنطن غيدو جيوكومو بريبيراتا، مسار ولادة اليسار الأميركي، المتأثر بأفكار ميشيل فوكو، ويرى أنّ تخادم اليسار الأميركي مع الجماعات الإسلاموية ليس جديدًا، وأنّ جذره الفكري لا يلغي أثره الزبائني، إذ تتأسس الفرضيتان الإخوانية واليسارية على تشظي الحداثة.
في الختام، يتوجه مركز المسبار بالشكر لكل الباحثين المشاركين في الكتاب، ويخص بالذكر الزميل محمد محسن أبو النور الذي نسق العدد، ونأمل أن ترضيكم ثمرة جهوده وفريق العمل.
هيئة التحرير
مارس (آذار) 2021