تقديم
يتناول كتاب مركز المسبار للدراسات والبحوث «تحولات العراق (2003-2021): الديمقراطية، داعش، المرجعية، التظاهرات» (الكتاب الثاني والسبعون بعد المئة، أبريل (نيسان) 2021) أبرز التحولات السياسية والاجتماعية في العراق منذ سقوط نظام صدام حسين في أبريل (نيسان) 2003، مروراً بتشكّل الحكومات المؤقتة وصولاً إلى الحكومة المنتخبة، وما لازمها من تحديات مرتبطة بملف الإرهاب الداعشي، والنفوذ الإيراني، واستلام أحزاب الإسلام السياسي لمقاليد السلطة، وتحكمها بالدولة ومؤسساتها، وتلاعبها بمصير المجتمع، عبر توظيف ورقة الميليشيات المسلحة، واستغلال الظروف الاقتصادية والسياسية المؤثّرة.
استُهِلت الدراسات بشهادة داخلية عن تجربة مجلس الحكم العراقي، حكى فيها أحد أبرز أعضائه المؤثرين، عن خلفية تشكّل عناصره، ورجاله، وظروف عمله، وعلاقته بالإدارة الأميركية آنذاك، ثم وثّق القرارات المتخذة في تلك المرحلة الدقيقة من تاريخ البلاد. قدّمت الشهادة في خلاصتها رؤية تاريخية، واستشرافاً مستقبلياً.
دخلت إلى العراق موجاتُ تغيير متعددة المستويات، على إثر تشكل المجلس والحكومات المتعاقبة، فواجه التغييرُ الاجتماعي تحديات مرحلة الانتقال السياسي، إذ تمخضت عن الانتخابات البرلمانية تمايزات واصطفافات وتكتلات مجتمعية؛ أفقدت العراق وحدته، فتفاقمت الأزمات. وفي موازاة ذلك انفجرت ظاهرة الإرهاب بأطوارها الخطرة؛ بما فيها من مهددات لأمن المجتمع الذي تعاني بعض فئاته من الفقر، مما مهد الطريق للاحتجاجات التي استغلها الإسلامويون، لتقديم أنفسهم من جديد. وتزعم دراسة أنّ هذا السلوك الملتوي للإسلامويين العراقيين، أدى مع عوامل أخرى، إلى ظهور داعش وتعاظم اليأس الاجتماعي من السياسيين!
تطرق الكتاب إلى الأداء السياسي للمرجعية الشيعية في النجف الأشرف، فطرح الدور الذي اضطلعت به بعد عام 2003، في المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية؛ متسائلاً عن العوامل المؤدية إلى تضخم نفوذها، وتأثيرها بفاعلية واضحة في صوغ معالم شكل النظام السياسي الجديد في العراق. فتزعم دراسة أن مواقف المرجعية -في بداية رحلة البحث عن تشكيل الحكومة البديلة لنظام صدام حسين- أدت، ربما بدون قصدٍ، إلى تمكين الإسلامويين ورموزهم، ولكنّ الباحث يشير إلى أن موقفها ربما تبدل، عندما أدارت عدداً من الأحداث في العامين الأخيرين، ولئن حاولت دراسة تقديم قراءة تبريرية ملطّفة للسلوك السياسي لرجال الدين التقليديين، احتراماً لمكانتهم؛ فإنها لم تقلل من مسؤوليتهم التاريخية؛ في سبيل الحفاظ على جمهور المرجعية بعيداً عن النفوذ الإسلاموي الداخلي، والولائي الخارجي، في موازنة معقّدة.
طرح الكتاب مسرداً لتاريخ ونشأة وتحولات الأحزاب العراقية المشكلة في العهد الديمقراطي، ملمحاً إلى أنّ أغلبها ارتبط بدول إقليمية، لا سيما الإسلاموية منها، التي استغلت هشاشة الدولة وغياب الاستقرار الأمني لبناء نفوذها وقضم المؤسسات، موظفةً الديمقراطية الشكلية، ومنشطةً الفواعل الطائفية؛ لتحفيز الفئات الاجتماعية نحو الاصطفافات الدينية.
تناولت دراسة التجمعات الانتخابية في العراق، مقيِّمةً تأثيرها وحظوظها. وبينما تشير في تحليلها إلى مواطن الخلل، يؤكد تحليل آخر أن فشل الديمقراطية في البلاد، والانسداد السياسي، أديا إلى تفجر «تظاهرات تشرين» عام 2019. حكمت الدراسة بأنها دليل على رفض الشعب للعملية السياسية القديمة، ذلك أنّ الأحزاب الإسلاموية استغلّت هذه الديمقراطية لتمكين سطوتها وفرض رأيها، وتكيّفت معها بشكلٍ يفيدها سياسيًا، ويفرّغ الديمقراطية من روحها!
رصد الكتاب الأحداث التي عرفها العراق مع انفجار الظاهرة الإرهابية، ثم توجّه لتقييم مسارات التعافي من الصدمة في مرحلة «ما بعد داعش»، إذ خلّف تمدد التنظيم في عدد من المناطق العراقية، انعكاسات أليمة، لذا دَرَسَ مجتمع ما بعد الصدمة، وسُبل ترسيخ مناهج نزع التطرف، وبناء ثقافة الاعتدال، بالموازاة مع برامج جبر الضرر وتعويض الضحايا، ودعم معافاتهم النفسية؛ بعد تحرير المدن، آخذاً في الاعتبار التجارب السابقة التي خاضتها الدول الخارجة من الصدمات الجماعية.
اختتم الكتاب بشهادة أدبية، سطرها الأديب والكاتب العراقي زهير الجزائري، عن محطات ورمزيات «تظاهرات تشرين»، وثّقت تاريخ أبرز المحطات ورمزية الزمان والمكان والمطالب التي رفعها «المحتجون»، مشرعًا الباب للأمل في عراق يسع الجميع.
في الختام، نتوجه بالشكر لكل الباحثين المشاركين في الكتاب، ونخص بالذكر الزميلة سميرة إبراهيم منسقة العدد، والزميل إبراهيم أمين نمر الذي عمل على إخراجه ويسر عمل تنسيقه، والزميل رشيد الخيُّون المشرف على المشروع وصاحب فكرته، ونأمل أن ترضيكم ثمرة جهودهم وفريق العمل.
هيئة التحرير
أبريل (نيسان) 2021