تشكل الصابئة المندائية جزءاً من الأقليات الدينية ضمن إطار كردستان العراق، إذ إن وجود أصحاب هذه الديانة لا يتعلق فقط بأحداث ما بعد في مدن كردستان فحسب، بل إن الأمر يتجاوز ذلك، فهم من السكان الأصليين في مدن خانقين، كركوك وجلولاء لما يقارب القرن، بالرغم من أعدادهم القليلة في تلك المدن
وتعتبر الصابئة المندائية إحدى الأقليات الدينية المتأصلة في بلاد الرافدين، ظهرت في عصر الديانات القديمة الثلاث (المندائية، اليهودية والمسيحية)، لما بعد الوثنية حتى إن هناك بعض المصادر التي تؤكد وجود الصابئة المندائية أقدم من وجود الزرادشتية في المنطقة.
لن نركز في دراستنا على وجودهم في العمق التاريخي، بل على وجودهم في كردستان العراق قبل الغزو الأمريكي للعراق 2003، على مدى الـ(100) عام السابقة، والآثار المترتبة على التغييرات التي طرأت خلال هذه الفترة، وقسمت دراستي على شكل أجزاء تضمنت البعد التاريخي والجغرافي للصابئة المندائية في كردستان، وانتقالهم في مرحلتين إلى المدن الكردية، وحدوث العديد من أعمال العنف التي استهدف أغلبها الأقليات الدينية والعرقية في مدن العراق، مما اضطر أبناء ديانة الصابئة المندائية للهجرة إلى مدن كردستان العراق، كما أننا سنذكر هجرة الصابئة الخارجية وأسبابها، وأخيراً العلاقات الاجتماعية مع الكرد ولماذا اختاروا كردستان ملاذاً لهم.
ثم اختتمت الدراسة باستنتاجات وتوصيات لا بد من ذكرها، بعد الدراسة النظرية والميدانية التي قمنا بها على أساس البحث ونتائجه.
أصول الصابئة المندائية
يعتقد الصابئة المندائية بأنهم أولى الديانات الموحدة، وهم شعب آرامي من سكان وادي الرافدين الأصليين، وجذورهم تمتد إلى السومريين والبابليين، واللغة التي ينطق بها الصابئة المندائيون هي الآرامية بلهجتها الشرقية (اللغة المندائية) المتأثرة كثيراً بالآكدية، وفي العهد البابلي الأخير تبنت شعوب المنطقة اللغة الآرامية لغة رسمية لأسباب كثيرة، واستخدمت كثيراً في بابل وفي وسط وجنوب العراق القديم[2].
وإن آثار وجود الصابئة المندائية منذ ألفي عام في ميسان، وبسبب اهتمام الذين درسوا هذه الطائفة ومعتقداتهم الدينية، يربط بينهم وبين البابليين حتى إن بعض المؤلفين والمهتمين بالديانة الصابئية أشار إلى أن بعض ملوك بابل كانوا يعتنقون الصابئية[3]. كالملك بيوراسب ظهر أثناء حكم طمهورث أول ملوك بابل، ودعا إلى ملة الصابئة، ونمرود أحد ملوك آشور كان على الديانة الصابئية[4].
كتبهم المقدسة وأنبياؤهم وأماكن عباداتهم
أولاً كتبهم المقدسة
1- الكنز ربا: ومعناه الكنز العظيم، وهو كتاب روحي ومقدس للمندائية، يحتوي على مفاهيم كلام الرب العظيم وتعاليمه إلى الإنسان، وهذا الكتاب لم يكتب في عصر معين، بل كتب وجمع في عصور مختلفة، واحتوى على تعاليم وحكم وقصص الأنبياء والمعلمين الأوائل للمندائية وعلى مختلف عصورهم، كما تمت ترجمته إلى العربية والألمانية، وجزء منه ترجم إلى الإنجليزية، والصابئة لا يمانعون من ترجمته مطلقاً.
كما يمتلك الصابئة المندائية كتباً أخرى، ولكن ليست جميعها مقدسة ودينية وإلهية، فمنها تاريخية أو علمية أو تراتيل وأناشيد دينية وغيرها كتبها علماء دين أجلاء، ومن هذه الكتب:
2- سيدرا اد نشماثا: ويضم قصص هبوط النفس في جسد آدم المبارك، ويحتوي على مجموعة من التراتيل والأناشيد التي تتلى في طقوس المصبتا (التعميد) المسختا (الارتقاء).
3- حران كويثا: يتحدث عن نقاط مهمة في تاريخ المندائي.
4- ترسر الف شياله: عبارة عن ديوان درج يتألف من (7) أجزاء، يتناول أخطاء الكهنة أثناء الطقوس وكيفية معالجتها، إضافة إلى بعض القوانين المندائية والأسئلة والأجوبة حول الفلسفة واللاهوت.
5- القلستا: تراتيل وترانيم لطقوس الزواج.
6- نياني اد مصبتا: للتعميد.
ومجموعة دواوين تهتم بمختلف المواضيع المندائية وأهمها الفلسفة والمثيولوجيا المندائية.
ثانياً أنبياء الصابئة المندائية
1- النبي آدم: يعتبر آدم أبا الأنبياء في الديانات السماوية، وبما أن الصابئة ديانتهم التوحيد، فإنهم يعتقدون أول نبي مندائي لهم هو آدم (عليه السلام) وهو أول الأنبياء أو المعلمين وناشري المعرفة؛ لأنه أول إنسان عاقل على وجه البسيطة.
2- النبي سام بن نوح: (المتعبد الخاشع) والذي تذخر الكتب المندائية بصحفه وقصصه وتراتيله.
3- النبي يهيا يوهنا (يحيى بن زكريا): يوحنا المعمداني (الحبيب المرتفع) ويحتفظ المندائيون بكتابه الذي خُطَّ قسم منه بأنامله المقدسة، وزاد عليه تلامذته من بعده، وهو النبي الأخير الذي يؤمن به الصابئة المندائية[5].
ثالثاً المندي
معبد الصابئة، وفيه كتبهم المقدسة، ويجري فيه تعميد رجال الدين، يقام على الضفاف اليمنى من الأنهر الجارية، له باب واحد يقابل الجنوب بحيث يستقبل الداخل إليه نجم القطب الشمالي، لا بدَّ من وجود قناة فيه متصلة بماء النهر، ولا يجوز دخوله من قبل النساء، ولا بدّ من وجود علم يحيى فوقه في ساعات العمل[6]. والمندي وهو عبارة عن كوخ من قصب على شاطئ نهر أو نبع، ويكون خالياً من أي تمثال، يمارسون صلواتهم فيه، ويعقدون قرانهم ويتقرّبون في الأعياد[7].
البعد التاريخي للصابئة المندائية
ينقسم وجود الصابئة المندائية في مدن كردستان العراق إلى قسمين:
الصابئة المندائية في خانقين
يعد قضاء خانقين أحد المدن الكردستانية التابعة إدارياً لمحافظة ديالى، والتي أدرجت ضمن المناطق المشمولة بالمادة (140) من الدستور العراقي[8]، يوجد في مدينة خانقين مجموعة من المعالم التاريخية، ومنها جامع خانقين الكبير في منطقة آسكي خان، وحوش قوري (بيت الطين) في ناحية الميدان، والحسينيتين الكبيرة والصغيرة، وكذلك كنيسة البشارة في باشا كوبري، والتي بنيت في أربعينيات القرن الماضي لوجود المسيحيين الذين جاؤوا مع الإنجليز للتنقيب عن حقول النفط، وهناك نسبة من معتنقي الديانة الكاكائية، كما أن هناك أقلية من التركمان، لذلك فإن وجود الصابئة في خانقين شيء طبيعي بالنظر لطبيعة التكوين المجتمعي للمدينة؛ إذ تضم العديد من الديانات والقوميات.
يعود وجود المندائيين في خانقين إلى بدايات القرن العشرين. ومع استكشاف النفط وصل الصابئة المندائية إلى هذه المدينة التي تعتبر أولى المدن التي اكتشف النفط فيها في العالم، ثم تليها كركوك[9]. حيث استقرت ثلاث عائلات من الصابئة في المدينة من عشرينيات القرن الماضي وحتى الآن، وهم (عائلة جارالله، صالح الصبي وبيت العيبي) أصولهم من محافظة العمارة، جنوب العراق، امتهنوا صياغة الذهب والفضة في سوق المدينة، وأغلب الصياغ في خانقين تعلموا الحرفة على أيديهم[10].
الصابئة المندائية في جلولاء
يعتبر وجودهم في ناحية جلولاء المتاخمة لمدينة خانقين، والتي تعتبر أيضاً من المدن المشمولة بالمادة (140) من الدستور العراقي، قبل قرن من الآن حيث سكنت ما يقارب الـ(10) عوائل من أصحاب هذه الديانة في جلولاء، كانوا يعملون في مجال صياغة الذهب والفضة، وكان أحدهم يدعى يعقوب الصبي، انتقل إلى جلولاء كموظف في السكك الحديد سنة 1922 إلا أن أغلب هذه العائلات انتقلت إلى بغداد وأربيل، بعد أن قام الإرهابيون بتهديدهم سنة 2009 [11].
الصابئة المندائية في كركوك
سكن المندائيون قبل أكثر من قرن في كركوك ومع مرور الوقت بلغ عددهم ما يقارب (150) عائلة، ولكن منذ سنة 2010 تراجعت أعدادهم إلى (50) عائلة نتيجة أعمال العنف والتهديد الذي تعرضوا له على أيدي المتشددين والإرهابيين وغيرهم[12].
الصابئة في مندلي
يذكر أن صابئة حران عاشوا في المكان القائم في أعالي الفرات، بالرغم من أن مناطق أخرى في المنطقة تسمى بالتسمية ذاتها، ومنها ما هو في مناطق شرق العراق، كما في المنطقة المسماة وادي حران في قضاء مندلي[13]. ومندلي أيضاً تعتبر إحدى المدن الكردستانية التابعة لمحافظة ديالى إدارياً بحسب المادة (140) من الدستور العراقي. إذ من الممكن أن يكون وادي حران -المقصود به مندلي حالياً- مكاناً للصابئة قبل آلاف السنين بالنظر إلى أنها واقعة على الخط، ووُجِد الصابئة المندائية من الكوت وميسان وامتدادا لمندلي اليوم (وادي حران) وخصوصا أنها مكان يوجد فيه نهر يجري من فارس إلى العراق، ولا ننسى الوجود الصابئي في بلاد فارس، وقد يكون وجود الصابئة في مندلي أثناء رحلتهم بين فارس وبلاد الرافدين والشام وفلسطين[14].
الصابئة المندائية المهاجرون إلى كردستان العراق
بعد أحداث 2003 تعرضت أغلب الأقليات الدينية والقومية في محافظات العراق الوسط والجنوب إلى الاضطهاد بالقتل والخطف والتهديد، من قبل الإرهابيين، ونالت الصابئة المندائية حصتها من ممارسة أعمال العنف بحق أبناء الديانة وخصوصاً في بغداد، وبسبب ذلك كان عليهم الانتقال إلى مكان أكثر أمناً واستقراراً، فاختاروا أن تكون مدن كردستان ملاذهم الآمن.
حيث يبلغ عدد الصابئة في كردستان حالياً (500-600) شخص منتشرين في أربيل، والسليمانية ودهوك، ويمتلكون مندي ومركزاً ثقافياً كانت قد منحتهما إياهم حكومة إقليم كردستان العراق كهدية ومقرهم في عينكاوة حالياً[15].
وجاء نزوح الصابئة باتجاه كردستان بعد لقاء بين ستار جبار حلو (رئيس الطائفة المندائية في العراق والعالم) مع رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني، ووعد بارزاني بتقديم التسهيلات لأعمال الطائفة المشهورة بصناعة الذهب والعمل في تجارته.
=جدول (1 – 1) الصابئة المندائية في كردستان العراق
الجدول من عمل الباحثة، أمل باجلان
ت |
اسم المدينة |
عدد كأشخاص |
عدد كعائلات |
تاريخ الانتقال |
تاريخ الهجرة |
الملاحظات |
1 |
كركوك |
(150) سابقاً (50) عائلة حالياً |
عشرينيات القرن الماضي |
2009 |
هاجروا إلى أربيل بسبب العنف |
|
2 |
خانقين |
(3) |
1922-1947 |
|||
3 |
جلولاء |
(10) |
1922 |
|||
4 |
أربيل |
500-600 |
2003 |
|||
5 |
دهوك |
(2) |
2003 |
|||
6 |
السليمانية |
(10) |
2003 |
وقامت حكومة إقليم كردستان إلى جانب توفير الأوضاع المناسبة لانتعاش تجارة الصابئة بتوفير أماكن لتأدية طقوسهم الدينية بجانب المياه الجارية، حيث يمارسون طقس «التعميد» المركزي في العقيدة المندائية على ضفاف النهر في منطقة أسكي كلك التابعة لمحافظة أربيل[16].
الصابئة المندائية والعلاقة مع الديانات الأخرى
ثمة علاقات مشتركة بين الديانات كأقليات في كردستان العراق، أو بالأحرى نقاطاً مشتركة تتقاسمها مع الصابئة المندائية، فالديانات الإيزيدية والكاكائية واليهودية جميعها ديانات منغلقة على نفسها، أي إنها ديانات غير تبشيرية ولا تقبل من يؤمن بها من ديانات أخرى، والصابئة تشترك معهم في هذه النقطة، بالإضافة إلى ذلك جميع الديانات التي ذكرناها تعرض معتنقوها إلى الاضطهاد والقتل والخطف ابتداء من الفرمانات التي أصدرت بحق الإيزيدية منذ ظهور الإسلام وانتهاء باعتداءات داعش على مزارات الكاكائية، وسبي وخطف نساء وبنات الإيزيدية وقتل شبابهم وإرغامهم على اعتناق الإسلام[17]. كما تم إرغام البعض من الصابئة في تسعينيات القرن الماضي على ترك دينهم والدخول في الإسلام بعد الحملة الإيمانية التي قادها الرئيس العراقي صدام حسين في البلد آنذاك، عبر دروس حفظ القرآن التي دخلت ضمن المنهاج التعليمي والتربوي للمدارس على سبيل المثال، إذ كانت إحدى الوسائل للتبشير بالإسلام[18]، عام 1993 مع تخلي صدام حسين عن آخر بقايا العلمانية البعثية عندما بدأ الحملة الإيمانية، وحول العراق إلى دولة إسلامية، وفرض تغييرات دائمة على المجتمع العراقي، فرضت الحكومة نسخة من قانون الشريعة: فقد تم قطع أيدي اللصوص، وتم إلقاء المثليين من فوق أسطح المنازل، وقطع رؤوس البغايا في الساحات العامة. تم بناء العديد من المساجد، وأصبحت دراسة القرآن مركزًا وطنيًا، كما حصل رجال الدين متوسطو المستوى على أدوار جديدة كقادة مجتمع[19].
هناك نقطة مشتركة أخرى بين الكاكائية والإيزيدية والصابئة وهو اختيارهم العيش ضمن الشريط الحدودي الفاصل بين الأراضي الكردستانية والعربية، والتي تسمى دستوريا «المناطق المتنازع عليها» بالرغم من أن وجود الصابئة في هذه الأماكن لا يتجاوز القرن من الزمن، ولكن هذا يعني أنها وجدت المكان الملائم للعيش جنباً إلى جنب مع الكرد بمختلف دياناتهم وانتماءاتهم المذهبية، ناهيك عن أن هذه المناطق تتميز بالنشاط الاقتصادي والتجاري والصابئة خبراء في مجال الاقتصاد، سواء كانت كركوك تعتبر جغرافياً وتاريخياً قلب كردستان أو خانقين التي هي معبر حدودي وكانت على طريق التجارة القديم، وهذا ما جذب الصابئة كما جذب اليهود إليها[20].
البعد الجغرافي لديانة الصابئة المندائية
أماكن وجودهم في كردستان قبل السقوط
تقع المدن الكردية التي يسكنها الصابئة المندائية منذ أكثر من قرن على الشريط الحدودي الفاصل بين محافظات الوسط وشمال العراق ومدن كردستان العراق (كردستان الجنوبية) كالتالي:
1- خانقين: تبعد خانقين عن أربيل (450) كم جنوبي الشرق، وتعتبر من المدن الكردستانية الاستراتيجية التي تقع على مقربة من الحدود العراقية – الإيرانية فهذه المنطقة هي بوابة تجارية مهمة وسبيل للانتعاش الاقتصادي، حيث تقع على طريق خراسان المفتوحة على دول عديدة، وأطلق عليها تسمية أرتميتا (تسمية يونانية الأصل والتي تعني الموقع الصحي المفيد)[21]. ويشق المدينة نهر الوند الذي ينبع من الأراضي الإيرانية إلى داخل خانقين لتقسم المدينة إلى صوبين، وممكن أن يكون وجود النهر في هذه المدينة أحد الأسباب التي شجعت تلك العائلات الصابئية على الاستقرار في المدينة.
2- جلولاء: وتقع في الطرف الجنوبي الغربي من قضاء خانقين وعلى بعد (32) كم من مركز هذا القضاء، يحاذيها شرقاً نهر سيروان (ديالى) وتبعد عن العاصمة بغداد مسافة حوالى (160) كم، ومعظم سكانها مسلمون وفيها القومية الكردية والعربية بشكل أساسي وأيضاً التركمان، وتمثل ناحية جلولاء إحدى النواحي الأربع التي تؤلف قضاء خانقين الواقعة على الجهة الغربية منها، ومن الشمال ناحية كوله جو ومن الغرب (ناحية قره تبه)، ومن الجنوب ناحية قزربات (السعدية) وسلسلة مرتفعات. أما الحدود الداخلية للناحية فتبدأ حدود جلولاء شمالا: من نقطة اتصال وادى ئاوزةج (العوسج) وتسير حتى يقطع الطريق العام في مفرق جلولاء. أما جنوبا: فيعتبر (نهر سيروان) الحدود التى تسير بموازاة خط (السكة الحديد) ثم مخفر مرجانة وصولاً إلى جبل (دراوشكة). وتبدأ الحدود شرقا: من نقطة اتصال وادي ئاوزةج (العوسج) بسلسلة جبال دراوشكة وحتى مخفر مرجانة القديم.
أما غرباً فتبدأ الحدود مع اتصال الطريق العام بشارع جلولاء حتى نهر سيروان قرب مدرسة جلولاء الابتدائية.
3- كركوك: تبعد كركوك (240) كم شمال العاصمة بغداد، ويحدها من الغرب سلسلة جبال حمرين، وتبعد عن أربيل (85) كم شمالا، وتعتبر محافظة حيوية، ومن أهم العوامل التي لعبت دوراً في ذلك، الثروات الباطنية كالبترول والغاز الطبيعي إضافة إلى خصوبة أراضيها الزراعية، بالإضافة إلى موقعها الجغرافي والتجاري المتميز، والذي يجعل منها حلقة وصل بين وسط العراق ومدن كردستان، وهذه هي الأسباب الأهم التي دفعت بأبناء الديانة بالانتقال إلى كركوك في عشرينيات القرن الماضي مع اكتشاف النفط واستخراجه من قبل الشركات الإنجليزية[22].
الصابئة المندائية بعد سقوط نظام صدام حسين
بعد سقوط نظام صادم حسين سنة 2003 وقعت العديد من أعمال العنف استهدفت أغلبها الأقليات الدينية والعراقية في مدن العراق، مما اضطر أبناء ديانة الصابئة المندائية إلى الهجرة إلى مدن كردستان العراق. وفيما يلي البعد الجغرافي لتلك المدن التي سكنوها وأسباب وجودهم فيها:
أربيل: وتبعد عن مدينة بغداد حوالى (360) كيلومتراً، وتقع مدينة الموصل إلى الغرب من أربيل وتبعد عنها (89) كيلومتراً، وتبعد عن مدينة السليمانية حوالى (112) كيلومتراً. ومعظم سكان المدينة حالياً من الكرد بالإضافة إلى أقليات أخرى كالتركمان والعرب والآشوريين.
يوجد في أربيل حالياً ما يقارب الـ(500–600) شخص من الصابئة المندائية هاجروا إليها بعد أحداث العنف التي تعرضت لها مدن العراق في الوسط والجنوب، وهكذا بالنسبة لمدن دهوك والسليمانية، فقد استقر فيها الصابئة منذ أكثر من عقد من الزمن[23].
بدأت هجرة الصابئة المندائية من العراق منذ سبعينيات القرن الماضي، ثم خفت وتيرتها خلال الحرب العراقية الإيرانية بسبب منع السفر والحرب، وازدادت في التسعينيات بشكل كبير، لكن عمليات الهجرة الواسعة بدأت من عام 2003 [24].
انتقلت جماعات مختلفة من الصابئة من ميسان والعمارة إلى بغداد، الكوت الديوانية وكركوك، وقد حملتهم مهاراتهم الحرفية للانتقال إلى بلدان أخرى: بيروت ودمشق والإسكندرية، ويوجد البعض منهم حالياً في فرنسا وإيطاليا وأمريكا كصاغة ومهاجرين[25].
من الأسباب التي أدت إلى هجرة المندائيين قبل 2003، الحملة الإيمانية التي أطلقها صدام حسين بعد حرب تحرير الكويت عام 1991. وكان من نتائجها إفساح المجال أمام أئمة الجوامع وخطباء الجمعة، وبتشجيع من الدولة، لترويج الأفكار الدينية المتطرّفة ودعوة المجتمع إلى تبني الأفكار الإسلامية الحصرية، والتشجيع على الغلو في تطبيقها، حتى وصلت الأمور إلى تكفير غير المسلمين والطعن بدياناتهم. وتمادى بعض أئمة خطب الجمعة في تكفير المندائيين والمسيحيين والإيزيديين، بل كانوا يجاهرون في خطبهم الأسبوعية بذلك، ويحرّضون على استباحة أموالهم ونسائهم وتكفيرهم. وأثّرت هذه الخطب في سلوك بعض الناس في الشارع، فبدؤوا بمضايقة المندائيين. كما حصلت حالات خروج من الدين المندائي إلى الديانات الأخرى في بعض مناطق أطراف بغداد، وكانت الحكومة تغضّ الطرف عن تلك الحوادث، مستندة إلى أن الإسلام هو دين الدولة الرسمي حسب الدستور[26]. في مدرسة ثانوية الفلوجة للبنات سنة 1998 شاهدت الباحثة وهي في التعليم الإعدادي قيام الكادر التدريسي والتعليمي بممارسة الضغوطات على الطالبات من الديانة الصابئية بعد أن أصبحت الحملة الإيمانية ضمن منهاج المدارس، حتى إن اثنتين من الفتيات الصابئيات أعلنتا إسلامهما، كما أنهم فرضوا الحجاب على الطالبات بشكل عام كجزء من تلك الحملة، بحيث إن من لم تكن ترتدي الحجاب تمنع من دخول الدرس، أو حتى المدرسة في بعض الأحيان[27].
في مدينة الفلوجة وعقب سقوط نظام صدام حسين مباشرة، تمت مداهمة بيوت (35) عائلة من الصابئة واقتيد الرجال إلى إحدى الساحات العامة، وتم إجبارهم على اعتناق الإسلام وتم ختان الرجال، وهو أحد المحرمات لدى الصابئة، ومن رفض فقد تم نحره وتزويج نساء الصابئة إلى مسلمين عنوة، حسبما ذكرت إحدى المنظمات المندائية المعنية بحقوق الإنسان[28]. إن إحدى أهم أسباب الحملة الإيمانية أن الإيمان بالله لا يقتصر على المسلمين من أبناء الأمة العربية فقط، وإنما يشمل كل أبناء الأمة العربية مهما كانت اعتقاداتهم بالرسالات السماوية (يهود وصابئة ومسيحيون ومسلمون) وبذلك فإن مفهوم الإيمان في فكر البعث يتجاوز الحالة الطائفية في الأمة التي حاولت الدوائر الصهيونية والإمبريالية والرجعية الدينية أن توظفها لضرب الوحدة الوطنية في العراق كمقدمة لضرب الوحدة القومية للأمة العربية إلى حالة الانتماء القومي التي تنتفي فيها الصراعات الطائفية، ناهيك عن سوء الأحوال المعيشية وفقدان الأمان وحالات الخطف والقتل التي استهدفت أبناء الطائفة؛ كونهم يعملون في صياغة الذهب والفضة من جهة، وكونهم من ديانة تختلف عن الإسلام بمذهبيه من جهة أخرى، وانعدام الخدمات وسبل العيش أدى بأبناء الطائفة إلى الهجرة من أماكن سكناهم نحو كردستان العراق والبلدان العربية والأجنبية في العالم[29].
نظرة المتشددين إليهم
هناك نداء موجه من صابئيين مندائيين، يشكون فيه ما يحل بأهلهم وبدينهم وبملتهم، في بعض مناطق العراق اليوم، من ضغوط يمارسها ضدهم رجال دين مسلمون مسيّسون، يجهلون تاريخ هذا الدين، وفقهه، وتعاليمه. ففي أسباب نزول الآية }إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ{ (سورة البقرة، الآية 62) عن ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: «إن الذين آمنوا والذين هادوا…) قال أنزل الله بعد هذا }وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ{ (آل عمران، الآية 85). أخرج وكيع وعبدالرزاق بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: الصابئون قوم بين اليهود والمجوس والنصارى ليس لهم دين، وأخرج، ليسوا بيهود ولا نصارى هم قوم من المشركين لا كتاب لهم. وأخرج عبدالرزاق عن مجاهد قال: سئل ابن عباس عن الصابئين، قال: هم قوم بين اليهود والنصارى لا تحل ذبائحهم ولا مناكحهم[30]. إن أكثر المتشددين ضدهم هم فقهاء الشافعية، بينما كان للفقهاء الحنفيين والشيعية فتاوى وآراء إيجابية منهم، اعتماداً على ما ورد في القرآن الكريم بخصوص الصابئة، وما ورد في الكتب الصابئية، حسب قراءة بعض أئمتهم[31]. كما قاربت طائفة الصابئة على الاختفاء بسبب تعرضها للعنة الاضطهاد من قبل السياسيين ورجال الدين، والأوبئة والحروب، ففي عصر العثمانيين تعرض الصابئة لاضطهاد قاس مثلهم مثل غالبية الأقليات في المنطقة، وقُتِل منهم المئات، وكذلك فرضت الدولة عليهم التحول إلى الإسلام، وبالتزامن مع الاضطهاد السياسي جاء وباء التيفوئيد عام 1663 ليقضي على مئات الآلاف من أبناء الطائفة الصابئة في جنوب العراق، هكذا عاش الصابئة في نهاية العصر العثماني بين كماشتي العنف السياسي والأوبئة، وتعرض الصابئة إلى جانب وباء التيفوئيد لمذابح عدة أهمها في 1782 بجنوب فارس و1780 في إيران أيضاً، حيث قتل ناصر شاه نحو (20) ألفا من أبناء الصابئة، وتاريخيا هناك مذبحة 273 ميلادية في إيران ومذبحة القرن الرابع عشر في العمارة[32].
عددهم في العراق
كان عدد الصابئة عام 1652 (125000) نسمة نقصوا في العام 1877 إلى (5000) نسمة، بينما ورد عددهم في النشرة الرسمية العثمانية لعامي (1889-1899) بالبصرة والعمارة والناصرية إلى (3000) نسمة فقط. وعددهم في العراق عام 1937 كان (10000) نسمة، وذكر الدليل العراقي الرسمي العام 1936 أن عددهم حوالى (40000) نسمة، بينما ذكر عبدالرزاق الحسيني في كتابه «العراق قديماً وحديثاً» اعتماداً على إحصاء 1947 أنهم حوالى (6368) نسمة.
بلغوا سنة 1957 حسب التعداد الرسمي (11825) نسمة فيما بلغوا عام 1965 -بحسب الإحصاءات الرسمية- (14572) وأشار نعيم بدوشي إلى أن عددهم حوالى (15000) ولفتت ناجية ميراني في كتابها (مفاهيم الصابئة المندائية) (18000) وفي مجلة (المجلة) في عددها نوفمبر (تشرين الثاني) 1986، أعلنوا أن عددهم بلغ (20000)[33]. فيما أحصى المستشرق الألماني بيترمان المندائيين في جنوب العراق فوجدهم بحدود (560) عائلة، وذلك سنة 1841 [34].
ويقدّر عددهم اليوم في العالم بـ(50) ألفاً كان (35) ألفاً منهم في العراق قبل الاجتياح الأميركي عام 2003، ويجري تهجيرهم عنفياً بالرغم من ديانتهم غير التبشيرية والمسالمة. بات أغلبهم في أستراليا والسويد وأميركا، وبقي في العراق -بحسب البعض- (8) آلاف، فيما يشير آخرون إلى (4) آلاف، ويرى غيرهم أنه لم يتبقّ أكثر من (2000) مندائي في بلاد الرافدين[35].
الهجرة إلى كردستان بعد عام 2003
اختار المندائية هجرتهم نحو كردستان بعد أن وجدوا فيها الملاذ الآمن لهم لممارسة حياتهم الطبيعية وطقوسهم الدينية دون خوف، وتجارتهم في صياغة الذهب والفضة. ويعد المجتمع الكردي الأكثر تسامحاً مع الديانات الأخرى بالرغم من أن الغالبية يعتنقون الإسلام شأنهم شأن باقي المدن والبلاد في الشرق الأوسط[36].
يتميز الإنسان الكردي بالاحتفاظ بالكثير من القيم النبيلة مثل المروءة والشجاعة والكرم الاعتداد بالنفس وعشق الحرية، وطيبة القلب، هذه القيم تؤهل الكرد أن يكونوا شعباً مساهماً في بناء عالم مشرق ينتمي إلى المبادئ الإنسانية النبيلة[37].
أصبحت كردستان الجنوبية الملاذ الآمن لأغلب الأقليات الدينية والقومية، فبعد سقوط النظام العراقي السابق لجأ مسيحيو بغداد للاستقرار في أربيل وباقي محافظات كردستان الجنوبية، كما نزح الآلاف من المسيحيين من الموصل وبرطلة والنواحي والأقضية التابعة لها، بعد أن سيطر عليها تنظيم داعش الإرهابي في يونيو (حزيران) 2014، ناهيك عن وجود الإيزيدية والكاكائية في مختلف المدن الكردستانية خصوصاً خانقين، وكركوك، وسهل نينوى. إن جميع هذه الظروف والفسيفساء الملونة للتكوينة الاجتماعية في كردستان، جذبت الصابئة المندائية المتبقين منهم في مناطق الجنوب للعيش في مدن كردستان على حد سواء مع باقي الأقليات في المجتمع الكردي.
يوجد في كركوك أكبر مندي في العراق مساحةً (دار للعبادة- معبد) بُني في تسعينيات القرن الماضي، كما توجد جمعية الثقافة المندائية ومندي آخر في أربيل تم إهداؤه للصابئة المهاجرين إلى كردستان بعد أحداث 2003 وهما في ناحية عينكاوة.
أما في خانقين وجلولاء فلقلة أعدادهم لا توجد أماكن عبادة مخصصة لهم، بالرغم من أن الحكومة العراقية قامت بتخصيص الأرض في أواخر تسعينيات القرن الماضي في ناحية جلولاء التابعة لقضاء خانقين، ولكن بعد سقوط النظام استولى بعض المواطنين على الأرض وقاموا ببناء المنازل غير المرخصة عليها.
فيما يخص الشعائر والمناسبات الدينية والأعياد المندائية يقوم بها الصابئة على ضفاف نهر أسكي كلك التي تبعد أقل من الساعة عن أربيل عاصمة الأقليم[38].
الصابئة المندائية في كردستان التأثير الاجتماعي والاقتصادي
يتحدث المندائيون في كركوك وخانقين اللغة الكردية إلى جانب العربية بطلاقة، بحكم وجودهم في هذه المدن منذ عشرينيات القرن الماضي، تكاد لا تفرق بينهم وبين الآخرين من أبناء المدينة، وتتسم علاقاتهم بالتعاون والطيبة والزيارات المتبادلة بين الطرفين، إلا أن عدد الصابئة في كركوك أخذ بالتراجع نتيجة أعمال العنف التي حدثت في سنوات ما بعد 2010 و2014، أما في جلولاء فالعائلتان الصابئيتان تركتا الناحية وهاجرتا إلى أربيل نتيجة تلقيهما التهديدات بعد 2009 من قبل المتشددين السلفيين. الجدير بالذكر أنهم عهدوا ببيوتهم ومحلاتهم إلى جيرانهم من الكرد، وهم يقومون بإدارة مصالحهم هناك حتى يومنا هذا[39].
فيما يخص المندائيين في أربيل ودهوك والسليمانية، بالنظر إلى أن أغلب العائلات التي هاجرت إلى هذه المدن إما متقاعدون أو يعملون في صياغة الذهب، فإن أغلب أوقاتهم إما في العمل أو في المنزل، لذلك فإن علاقاتهم الاجتماعية مع الكرد قليلة بحكم ظروفهم، منذ انتقالهم إلى كردستان بعد 2003-2004 لم تتعرض أي عائلة أو أي مواطن صابئي إلى التهديد أو المضايقة، بل على العكس يتلقون المعاملة الحسنة بعد أن يوضحوا من هم ومن أين جاؤوا بالنظر إلى أن العامة من الكرد يجهلون وجود هذه الديانة في جنوب العراق.
يقع هذا التقصير على عاتق الحكومة العراقية، وبالأخص منهاج التربية والتعليم الذي كان لا بد من إدخال بعض التعديلات على تاريخ العراق، وإضافة شيء مختصر عن دور الأقليات وعددهم ومواقعهم الجغرافية وحتى دورهم في المجتمع اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، كي يستطيع عامة الناس التعرف إلى الديانات ومن ضمنها الصابئة المندائية[40].
استطاع جيل الشباب من الصابئة المندائية تكوين علاقات طيبة مع الشباب الكرد، عبر الجامعات والكليات والمعاهد خلال فترة قصيرة لا تتجاوز العشر سنوات، وأصبح أغلبية شباب المندائية يتحدث الكردية في أربيل، وهذا يدل على أن المجتمع الكردي تقبل هذه الطائفة كما تقبل المندائيون الكرد واندمجوا معهم، ولديهم أصدقاء من الكرد والمسيحيين والإيزيدية وحتى الكاكائية حياتهم مستقرة في كردستان العراق[41].
اشتهر الصابئة بحرفة أبدعوا فيها حتى ذاع صيتهم في وسط سكناهم، وحتى البيئات المجاورة، وهذه الحرفة هي صياغة الذهب والفضة والمصوغات الفلزية والنقش بالمينا[42].
ومنذ أمد بعيد اتخذ الصابئة المندائيون فن الصياغة وصناعة المجوهرات مهنة لهم، فأحبوها وتوارثوها بين أجيالهم، وأصبحت مهنة الغالبية العظمى منهم، فانتشرت محالهم ومتاجرهم وورش عملهم بشكل واسع في جميع المدن التي سكنوها، هذا الأمر جعل هذه المهنة مقترنة بهم دون غيرهم من شعوب المنطقة، خصوصا في موطنهم الأصلي: العراق، فخبراتهم في هذا المجال فاقت خبرات الآخرين، وحبهم لهذه المهنة وتعلقهم بها فاق تعلق الآخرين، إذ يندر أن نجد بينهم فردا لا يعرف أسرار هذه المهنة حتى وإن لم يمتهنها[43].
ويعود الفضل في انتشار مهنة الصياغة في سوق خانقين منذ عشرينيات القرن الماضي إلى العائلات الصابئية التي وصلت إلى خانقين فامتهنت صياغة الذهب والفضة، ومنهم تعلم أغلب أصحاب محلات صياغة الذهب في خانقين المهنة، وكذلك في جلولاء وكركوك.
أما في أربيل والسليمانية، فبعد أحداث 2003 استطاع الصابئة إنعاش سوق الذهب والفضة في كردستان، حتى إن لديهم سوقاً خاصاً بهم في سوق القلعة الشهير في أربيل، فإذا سألت عن سوق صاغة الذهب للصبة فسوف تجد الناس يشيرون إلى بناية وسط السوق، فيها محلات عديدة داخل مجمع واحد للصاغة الصابئة المندائية في أربيل[44].
بدأت محال ذهب كبيرة تفتح أبوابها في أربيل والسليمانية، فعندما يحل الصابئة المندائيون في بقعة بالعراق تزدهر صياغة الذهب، هذه الطائفة الدينية الصغيرة نزحت من بغداد والجنوب إلى الشمال بعد أن ضاق بها العيش، ونهبت محالها وهددت بالقتل من زعماء الإرهاب، إن الصابئة منذ مئات السنين بدؤوا في العمل بصياغة الفضة ثم انتقلوا عبر السنوات إلى صياغة الذهب، وأصبحوا بعد رحيل جزء كبير منهم من الجنوب إلى بغداد في الخمسينيات، صاغة القصر الملكي ثم صاغة القصر الجمهوري للرؤساء المتعاقبين.
وإن حكومة كردستان استفادت من قدوم الصابئة، حيث إن الإقليم يستهلك ويستورد الذهب، وقدومهم جعل من كردستان منطقة مصنعة للذهب وليست فقط مستهلكة له[45].
الخاتمة
إن طبيعة وبيئة وشخصية الفرد الكردي فرضت نفسها للتعايش مع المكونات الأخرى بمختلف انتماءاتهم ومعتقداتهم الدينية، باستثناء بعض الحالات قد تكون وجهات نظر تابعة إلى أصحابها ذوي الفكر المتشدد، وهذا يكاد يكون طبيعيا إذ لا تخلو أي بيئة أو بلد من المتطرفين بمختلف توجهاتهم، ويعود هذا الاندماج إلى اختلاف البيئة والتكوينة المجتمعية ونظرة الإنسان الكردي للآخر المختلف عنه بشكل عام، فهو لا يعتبر الاختلاف الديني أو الطائفي وحتى العرقي مشكلة للتعامل مع الآخر، بل يضع الإنسان في المقدمة ومن ثم الاعتبارات الأخرى.
إن أصحاب هذه الديانة بحاجة إلى دعم واهتمام أكثر من قبل الحكومة العراقية؛ إذ لطالما استقروا في كردستان فلا بد من ضمان معيشتهم وإنشاء معابد أخرى لممارسة شعائرهم الدينية، بالإضافة إلى توفير فرص من قبل حكومة إقليم كردستان لهم لممارسة مهنتهم الأصلية في الذهب والفضة بشكل أوسع، وهذا لن يعود بالفائدة على أصحاب هذه الديانة فقط، وإنما على تنشيط اقتصاد الإقليم وتقويته، فالإفادة من خبرة التجار والخبراء الاقتصاديين من الصابئة المندائية سيكون فيها فائدة اقتصادية كبيرة للبلاد.
[1] باحثة كردية عراقية.
[2] الصابئة المندائيون حقائق روحية وتاريخية، صادر من تحالف الأقليات العراقية، 2018.
[3] عزيز، السباهي، (1996) ، أصول الصابئة المندائية معتقداتهم الدينية، دار المدى، 1996، سوريا، الطبعة الأولى، ص57.
[4] الشهرستاني، الملل والنحل، ج2، ص56-75.
[5] محمد نمر المدني (2009)، الصابئة المندائيون العقيدة والتاريخ منذ ظهور آدم إلى اليوم، الطبعة الأولى، دار مؤسسة رسلان للطباعة.
[6] الصابئة المندائيون، موقع صيد الفوائد، على الرابط التالي:
https://saaid.net/feraq/mthahb/78.htm
[7] خالد الرومي، رئيس مجلس شؤون صابئة المندائية في أربيل، مقابلة في 23/2/2018، أربيل، الساعة السابعة مساء.
[8] الدستور العراقي الدائم الذي صوت عليه في 15 أكتوبر (تشرين الأول) 2005.
[9] عزيز ياور كاتب وصحفي، مقابلة، 15/2/201، في خانقين، العاشرة صباحا.
[10] عمار ساطع، صحفي وإعلامي، مقابلة، 20/2/2018، أربيل الواحدة والنص ظهرا.
[11] المرجع نفسه.
[12] نفسه .
[13] نعيم عبد مهلهل، صابئة حران وصابئة المعدان، الحوار المتمدن، العدد (2597)، 2009/3/26 ، على الرابط التالي:
http://www.ahewar.org/debat/nr.asp
[14] مقابلة خالد الرومي.
[15] نفسه.
[16] أكرم الألفي، أحمد المنصوري، 11 نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، جريدة الاتحاد الإماراتية، ذهب العراق النادر بين مطرقة الإرهاب وسندان الطائفية الصابئة، رحلة البحث عن ضفة نهر هادئ، على الرابط التالي:
http://www.alittihad.ae/details.php?id=152030&y=2007&article=full
[17] جمال كبر، (19/3/2018) مقابلة رئيس تحرير مجلة وريزا، 2018، الساعة العاشرة صباحا في خانقين.
[18] رنا حسن مجيد الحيالي (اتصال هاتفي بتاريخ 21/3/2018)، شاهدة عيان، مدرّسة في ثانوية الفلوجة.
[19] Kyle W. Orton, How Saddam Hussein Gave Us ISIS, Dec. 23, 2015, https://www.nytimes.com/2015/12/23/opinion/how-saddam-hussein-gave-us-isis.html
[20] ذهب العراق النادر بين مطرقة الإرهاب وسندان الطائفية الصابئة، مصدر سابق.
[21] الموقع الرسمي لدائرة السياحة التابعة لوزارة البلديات في إقليم كردستان العراق، على الرابط التالي:
http://bot.gov.krd/arabic/garmian-administration/khaniqin
[22] المصدر نفسه.
[23] مقابلة خالد الرومي.
[24] فائزة ذياب سرحان، مديرة إدارة المركز الثقافي للصابئة المندائية، مقابلة بتاريخ 23/2/2018، عينكاوة، أربيل.
[25] الليدي دراوور (2006)، الصابئة المندائيون، ترجمة: نعيم بدري وغضبان الرومي، المدى للثقافة والنشر، ط2، ص32.1
[26] مصطفى السعدون (7/5/2016)، صابئة العراق موحدون ولا يعبدون النجوم، موقع رصيف 22، على الرابط التالي:
https://raseef22.com/
[27] شاهد عيان القائم على البحث أمل باجلان.
[28] أحمد علي، (2004)، الحملة الإيمانية.. أسبابها وأهميتها وأهدافها، على الرابط التالي:
http://articles.abolkhaseb.net/maqalat
[29] مصطفى حمو، (2007)، الصابئة المندائيون مهددون بالزوال من العراق، موقع بي بي سي، على الرابط التالي:
http://www.bbc.com/Arabic
[30] جلال الدين السيوطي، الدر المنثور في التفسير بالمأثور، دار الكتب العلمية، بيروت، ج1، ص145.
[31] رشيد الخيون ، المندائيون آراء فقهاء المسلمين فيهم وموقفهم التقي من الله، ص65,
[32] صباح مال الله، (2016)، الصابئة المندائيون في العراق القديم، موسوعة العيون المعرفية، على الرابط التالي:
http://www.mandaeannetwork.com
[33] شاهد عيان القائم على البحث أمل باجلان .
[34] صباح مال الله، مصدر سابق.
[35] شاهد عيان القائم على البحث أمل باجلان.
[36] فائزة ذياب سرحان، مصدر سابق.
[37] أحمد، محمود خليل، دراسة، سوسيولوجيا الشخصية الكردية، الحلقة (22)، التاريخ والشخصية والنخب، ص3.
[38] خالد الرومي، مصدر سابق.
[39] الدستور العراقي الدائم الذي صوت عليه في 15 أكتوبر (تشرين الأول) 2005.
[40] خالد الرومي.
[41] رنا حسن مجيد الحيالي ، مصدر سابق.
[42] رؤوف السبهاني، (2006)، الصابئة المندائية في إيران، مطبعة دار الحجة البيضاء، ص269.
[43] تحسين مكلف، (2015)، مقالة الصابئة المندائية ومهنة الصياغة، أسباب الاختيار والتعلق، على الرابط التالي:
http://www.mandaeanunion.org/ar/
[44] الدستور العراقي الدائم.
[45] ذهب العراق النادر بين مطرقة الإرهاب وسندان الطائفية الصابئة، مصدر سابق.