ثالثاً: مجالات الفتوى وأثرها في دعم ظاهرة الإسلاموفوبيا[2]
ارتفعت حدة الإسلاموفوبيا في أوروبا خلال عامي 2020 و2021 بنسبة (70%)، نظراً لاستخدام اليمين المتطرف والتنظيمات الإرهابية جائحة كورونا لتنفيذ أجندتهم المتطرفة، وقد قام المؤشر العالمي للفتوى بتحليل ظاهرة الإسلاموفوبيا في أوروبا، من خلال رصد وتحليل خطاب اليمين المتطرف في الغرب، والخطاب الإفتائي للتنظيمات الإرهابية وكيفيه تأثيره في ارتفاع حدة الظاهرة، حيث أشار إلى أن الأحزاب اليمينية المتطرفة تستغل الفتاوى الصادرة من الجماعات المتشددة، كمبرر لها، تحمل أحكاما شرعية تحثّ على الكراهية والعنف ونبذ الآخر، فضلاً عن تطويع الفتاوى المنضبطة بزعم أنها تتعارض مع طبيعة وقوانين المجتمعات الغربية.
يلقي المؤشر الضوء على الإسلاموفوبيا في الغرب من خلال تصاعد حدتها، وتأثير تطور الوسائل التكنولوجية ومجالات الفتوى التي ساهمت في ارتفاع هذه الظاهرة.
- مؤشر تصاعد حدة ظاهرة الإسلاموفوبيا
من خلال المتابعة جرى التوصل إلى أبرز حوادث وخطابات الإسلاموفوبيا التي شهدت عنفاً وكراهية ضد المسلمين في أوروبا على مدار السنوات الأربع الماضية، وتبين تنامي حدة الظاهرة بشكل ملحوظ في المجتمعات الأوروبية، وهو ما تثبته الإحصائيات الصادرة عن المنظمات المهتمة برصد الظاهرة، ومنها اتحاد الجمعيات الإسلامية، والمنظمات الحقوقية المناهضة للإسلاموفوبيا في أوروبا، وهذه الأرقام في الأساس لا تعكس الأرقام الحقيقية، ولم تنقل الواقع بشكل صريح؛ نظرا لأن العديد من المسؤولين عن دور العبادة لا يرغبون في تقديم شكوى، لأن التحقيقات الأمنية في الحوادث نادراً ما يتم استكمالها.
بحث المؤشر الأسباب المباشرة وغير المباشرة التي تقف وراء ظاهرة تنامي الإسلاموفوبيا في أوروبا بشكل عام، ووجد أبرزها في تصوير الأحزاب اليمينية المتطرفة لبعض الشعائر الإسلامية على أنها تخالف القوانين الوضعية للدول الأوروبية، أو تعارض الدساتير الأوروبية، فضلاً عن أن بعض فتاوى الحركات الإسلاموية تؤسس لما يسمى (أسلمة أوروبا) ما يهدد هويات الدول وتاريخها، وتصوير بعض الفتاوى على أنها هادمة للاقتصاد، مثل فتاوى أكل لحوم الخنزير وشرب الخمور، لا سيما وأن نسبة كبيرة من دعائم اقتصاد الدول الأوروبية تقوم على ذلك.
أكد المؤشر أن وسائل الإعلام الغربية ساهمت في ارتفاع حدة الإسلاموفوبيا بالتركيز على الفتاوى المتطرفة وغير المنضبطة، وتطورت الظاهرة حتى انتشرت في شرق بريطانيا رسائل إلكترونية تحمل عنوان: (يوم عقاب المسلمين) تطالب مستلميها بالاعتداء على المسلمين، وتنامت الحوادث العنصرية تباعاً، وفي عام 2019 استخدم حزب (البديل من أجل ألمانيا) عبارة: (الإسلام لا يناسبنا)، مستدلاً عن سبب اختياره هذا الشعار بالفتاوى التي أصدرتها جماعات التطرف الإسلاموية.
وشهد عام 2020 استغلال اليمين المتطرف لفتاوى الجماعات المتطرفة لترويج نزعة معادية للمسلمين، ومن أبرز تلك الفتاوى التي استغلتها هذه الأحزاب، فتوى تنظيم داعش التي نصت على أن “كورونا عقاب إلهي لغير المسلمين، وأن السبيل الوحيد للخلاص منه هو الجهاد بأبسط الوسائل المتاحة”، وربما هذا يفسر لنا الأسباب المؤدية إلى قيام حزب الاتحاد المسيحي، والحزب الديمقراطي الاجتماعي، وحزب البديل من أجل ألمانيا، والحزب الديمقراطي الحر برفض المشروع الذي تقدم به حزب اليسار للبرلمان الألماني لرفع االتمييز ضد الجماعات الدينية وتعزيز أمن المساجد.[3]
- تأثير تطور الوسائل التكنولوجية في ارتفاع ظاهرة الإسلاموفوبيا
يشير المؤشر العالمي للفتوى إلى أن التطور المستمر في الوسائل التكنولوجية المستخدمة، ساهم بشكل ملحوظ في تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا بنسة (40%) خلال فترة الدراسة، حيث فشلت شركات التكنولوجيا في تجفيف المحتوى المتطرف. ومن العوامل المساهمة في هذه الظاهرة:
– إعادة نشر الفتاوى المتطرفة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي: ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في تصاعد حدة ظاهرة الإسلاموفوبيا بشكل كبير، فمع كل عملية إرهابية تقوم بها جماعات تصف نفسها بأنها إسلامية تمارس إرهابها من خلال العمليات الانتحارية والتفجيرات، وتستهدف الأبرياء من المسلمين وغير المسلمين، يقوم العديد من الأجانب في أوروبا بنشر هذه الفتاوى التي تبيح الدماء، ومن أبرز الانعكاسات: استعراض عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي في بريطانيا فتاوى أسامة بن لادن القديمة، ومنها وجوب محاربة اليهود والمسيحيين على مستوى العالم، بل موافقة قنوات تلفزيونية بريطانية على ظهور دعاة التحريض والعنف على شاشتها، لإثبات أن جذور الأفكار المتطرفة في العالم هي عربية إسلامية خالصة، واتهام بعض الدول العربية بالتحريض على نشر أفكار متطرفة تساعد على الإرهاب بحجة أنها تطبق الشريعة الإسلامية.
لكن الملاحظ أن (9%) من الفتاوى المعتاد نشرها كانت لمفتي الإخوان يوسف القرضاوي، ومن أبرز هذه الفتاوى وجوب “الجهاد” في سوريا عام 2013، والمطالبة بقتل المدنيين الأميركيين في العراق عام 2004.
وجاءت ألفاظ “نحن تحت التهديد”، و”الجهاد الديموغرافي” و”الإبادة الجماعية للبيض” و”الإرهاب الإسلامي” بنسبة (60%)، من بين مفردات أنصار اليمين المتطرف المناهضة للمسلمين والتي تم الترويج لها. فيما جاءت الألفاظ التي تروج لـ”أسلمة أوروبا” و”مخاطر التعددية الثقافية والدينية: بنسبة (25%)، واعتبر المؤشر أن تلك الألفاظ تعد من أهم محاور الخطاب اليميني الذي يزعم أنه بمجرد أن يصبح المسلمون أغلبية في الدول الأوروبية، أو لهم السيطرة فسيفرضون أحكام الشريعة على المواطنين الأصليين ويضطهدونهم.[4]
– تدشين تطبيقات إفتائية متطرفة: تأسيس التيارات الإسلاموية تطبيقات إفتائية عبر الهواتف، والتي تسهل حصول المسلم على الفتاوى في أي زمان ومكان، كان من أسباب تعزيز ظاهرة الإسلاموفوبيا في أوروبا، وكان من أبرزها التطبيق الإفتائي المعروف باسم (الدليل الفقهي للمسلم الأوروبي)، أو ما يسمى (يورو فتوى) الذي أصدره المجلس الأوروبي للإفتاء في أبريل (نيسان) 2019، وتم حذفه لاحتوائه على محتوى إفتائي ينشر الكراهية، ويحثّ على العداء والعنف ضد غير المسلمين، ويعزز من ظاهرة الإسلاموفوبيا.
أدى ضعف مصادر الفتاوى المتاحة باللغات الأجنبية لا سيما الإلكترونية إلى اللجوء إلى مثل هذه التطبيقات التابعة لجماعة الإخوان، التي تبيح لمستخدمها من المسلمين في البلاد الأوروبية الحصول على الفتاوى المتنوعة، خصوصاً الفتاوى التي تخص الأقليات المسلمة.
هذه القضايا غير مطروحة في المواقع التقليدية، كونها لا تمس إلا شريحة الأقليات المسلمة في الدول غير الإسلامية. وقد تم حذف تطبيق (الدليل الفقهي للمسلم الأوروبي) بعد إصداره من على متجر غوغل، نظراً لرئاسة مفتي الإخوان يوسف القرضاوي للمجلس الأوروبي للإفتاء، ووفقا لموقع (apptweak) لتحليل البيانات أشار إلى أن عدد مرات تحميل التطبيق زادت على آلاف المرات خلال فترة الحجر الصحي في القارة الأوروبية، ما أثار الذعر في نفوس كثير من الغربيين، لكن جماعة الإخوان سعت جاهدة لعودة التطبيق مرة أخرى في متاجر التطبيقات الإلكترونية والإبقاء على المحتوى الإفتائي.[5]
– بث المحاضرات والفتاوى من خلال حلقات البث المباشر: استغلت جماعة الإخوان فترات العزل المنزلي وتوجّه الناس إلى مواقع الإنترنت لتلقي الفتاوى والمعلومات الدينية، لتحقيق أغراض سياسية وللتأثير على العقل الأوروبي، من خلال تقديم حلقات تفاعلية على صفحات الأئمة التابعين للجماعة على مواقع التواصل الاجتماعي: ومن أبرز نتائج ذلك قيام الإخواني خالد حنفي -رئيس لجنة الفتوى بألمانيا- من خلال صفحته الرسمية على موقع فيسبوك، بنشر العديد من المحاضرات الفقهية، كمحاضرة أحكام تمويل البيوت بالقرض الربوي، ومحاضرة أحكام الزكاة وفلسفتها لمسلمي أوروبا. كما أن تنظيم داعش تبنى استغلال منصات ألعاب الفيديو لتجنيد الشباب القصر، واستخدام قنوات خفية للاتصال، بما يضمن عدم الكشف عن هويته، فضلاً عن استخدام خاصية “ألعاب الفيديو الجماعية” (Multiplayer) للتواصل مع أعضاء التنظيمات الإرهابية واستغلال تطبيق “تيك توك” منذ عام 2019، وهو التطبيق الذي يلقى رواجاً بشكل ملحوظ لتجنيد المزيد من الشباب، وإقناعهم بأفكار التنظيم تحت شعار “الجهاد العالمي”، فيقدم من خلال التطبيق رسائل إفتائية ودعائية قصيرة وموجزة يتم اختيارها بدقة وعناية.[6]
- الفتاوى وتفاقم الإسلاموفوبيا
يشير المؤشر إلى أن لفتاوى العادات والمجتمع والعبادات النصيب الأكبر من إجمالي الفتاوى التي تسببت في ارتفاع ظاهرة الإسلاموفوبيا بنسبة (38%)، ونالت فتاوى الأطعمة والأشربة تحديداً النسبة الأكبر منها، وسيطر موضوع اللحم الحلال والحرام وطرق الذبح على الساحة الإفتائية، ويمكن أن نُرجع ذلك إلى ارتفاع عدد التقارير حول أماكن صنع اللحم الحلال في أوروبا والتي يديرها غير المسلمين، ومن أبرز الفتاوى المتطرفة التي جاءت في هذا الإطار فتوى لموقع إسلام ويب القطري تحرم تناول اللحوم في ألمانيا، بزعم أنها لا تذبح الدواجن والأبقار بطريقة شرعية، ومن ثَمَّ لا يحل أكلها.
وكان لفتاوى الاحتفالات نصيب من الفتاوى، لا سيما المتعلقة بتهنئة غير المسلمين في أعيادهم، فقد حرمت نسبة (70%) من هذه الفتاوى الاحتفال وتهنئة المسيحيين بأعيادهم، وهو ما يظهر العزلة وكراهية الآخر، ومن أبرزها فتوى لموقع “إسلام ويب” القطري التي تقول: “لا يجوز الاحتفال أو تهنئة الكفار في أعيادهم”.
من أبرز فتاوى المجتمع والأسرة التي نالت نسبة (32%) فتوى تحريم إقامة المسلم في بلد غير إسلامي اعتمادا على الآية الكريمة: “إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا”[7].
استدلت الفتوى بالآية السابقة، واستدل بها القائلون بعدم جواز الإقامة في بلاد غير المسلمين، مستدلين إلى تفسير ابن كثير “عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادر على الهجرة، وليس متمكنا من إقامة الدين، فهو ظالم لنفسه مرتكب حراما بالإجماع”، وفي المقابل جاءت بعض الفتاوى المنضبطة مثل فتوى المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث بمنع زواج المسلمة من غير المسلم.[8]
- الدول الأوروبية وتنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا
كشف المؤشر العالمي للفتوى أن الصورة العامة لظاهرة “الإسلاموفوبيا” برزت خلال عام 2020 عبر مسارين: الأول: التوظيف السياسي من الأحزاب اليمينية لبعض الفتاوى الإسلامية بنوعيها المنضبطة والمتطرفة، والثاني: استغلال بعض الدول أو التنظيمات المتطرفة ضعف أو توقف تمويل الجمعيات والمراكز الإسلامية الموجودة في الغرب للقيام بمهمة التمويل لتبني أجندتها، ولذلك ينصح المؤشر باستقدام مجموعة مدربة من الأئمة والمفتين لهذه الأماكن مع تدشين منصة عالمية إليكترونية بأكثر من لغة لتوفير الدعم العلمي والدعوي للأقليات.[9]
وحسب ما رصده المؤشر العالمي للفتوى، فقد جاءت فرنسا في المرتبة الأولى من بين الدول التي شهدت تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا، وتحديدا خلال عام 2020 بعد حادث الرسوم المسيئة للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) التي نشرتها مجلة “شارلي إيبدو” في سبتمبر (أيلول) وأعاد مدرس فرنسي عرضها على تلاميذه، وكشفت نتائج استطلاع رأي أجراه معهد أبحاث الرأي العام الفرنسي (IFOP) أن نسبة (60%) من النساء المحجبات في فرنسا تعرضن للتمييز مرة واحدة في حياتهن، وشهد عام 2021 كتابة عبارات مناهضة للإسلام على جدران مسجد غرب فرنسا.
ومن أبرز الفتاوى المتطرفة الفتوى الإخوانية التي صدرت من “خالد حنفي” (رئيس لجنة الفتوى بألمانيا، والأمين العام المساعد للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث)، والتي نادت بوجوب المسارعة في تعجيل إخراج الزكاة لعامين أو أكثر لصالح المراكز الإسلامية الإخوانية، وليس إخراجها للمتضررين من الوباء، وأعاد المركز الأوروبي للإفتاء والبحوث نشر هذه الفتوى التي تؤكد استغلال أموال الزكاة لأغراض سياسية.[10]
رصد المؤشر استغلال تنظيم داعش لبعض المساجد في ألمانيا لنشر الفكر الداعشي، ومن أبرز الأمثلة على ذلك انتشار فتاوى وخطب رجل داعش الأول في ألمانيا “أبو ولاء العراقي”، والتي تحض على التطرف والإرهاب، ومن أبرزها فتوى وجوب المشاركة في الحرب ضد غير المسلمين، وفتوى وجوب المشاركة في حروب داعش في ليبيا وسوريا والعراق، وتأتي ظاهرة الإسلاموفوبيا في بريطانيا في المركز الثالث بنسبة (22%) حيث لعبت التنظيمات الإسلاموية دوراً مباشراً في ظاهرة تنامي مشاعر الكراهية ضد المسلمين، وأسهمت في تصعيد المخاوف من الإسلام، ومنحت اليمين المتطرف مبررا إضافيا للتضييق على المسلمين بحجة مسؤوليتهم عن الإرهاب. [11]
رابعاً: استشراف المستقبل الإفتائي والحركي للتنظيمات المتطرفة
وضع المؤشر دراسة استشرافية للمستقبل الحركي والإفتائي للتنظيمات الثلاثة: القاعدة- داعش– الإخوان، باعتبار هذه التنظيمات الثلاثة أهم التنظيمات، والأساس الذي يتفرع عنه التنظيمات الأخرى[12].
اعتمد المؤشر في ذلك على أسلوب التحليل، وأسلوب السيناريوهات، وحدد نوعين من الفترة الزمنية لعملية الاستشراف: المستقبل المباشر: الذي يمتد لمدة عامين (2022 و2023)، والمستقبل البعيد:[13] الذي يتراوح ما بين (5- 20) سنة قادمة.
والملاحظ أن المؤشر حرص على أن تكون سيناريوهاته الاستشرافية في ثلاثة اتجاهات:
1- السيناريو الاتجاهي أو الخطي: الذي يقر بالمحافظة على الوضع القائم للظاهرة في المستقبل.
2- السيناريو الإصلاحي الذي يقر بإحداث بعض الإصلاحات على الظاهرة المدروسة كمَّا ونوعًا.
3- السيناريو التحولي أو الراديكالي: الذي يركز على التغيير الجذري العميق للظاهرة. ويتم ذلك من خلال استشراف جانبين: الأول يتعلق بالمستوى الحركي، والثاني يتعلق بالمستوى الإفتائي.
- تنظيم القاعدة
السيناريو الخطي: خلال هذا السيناريو سيكون شكل موضوعات الفتوى المستقبلية هي الموضوعات التقليدية التي يسير التنظيم عليها منذ فترة، ويتمثل أهمها في:
– الفتاوى القتالية ووجوب العمل لنصرة الإسلام والمسلمين.
– الفتاوى التي تحث على الصبر والاحتساب، وتأتي هذه الفتاوى نتيجة تراجع أوضاع التنظيم.
– فتاوى نبذ الشقاق بين أتباع التنظيم، وهو الأمر المرتبط بالانشقاقات الداخلية للتنظيم وفروعه.
– فتاوى جائحة كورونا التي تؤكد أن سبب كورونا راجع لأسباب عقائدية، وعلاجها التوبة.
– فتاوى مرتبطة بالمرأة من ناحية وجوب دعم المرأة لجهاد الرجل، وخدمة المجاهدين، وإعدد الأبناء لهذه المهمة، وبهذا الشكل يرى المؤشر أن هذا الشكل الخطي سيكون الشكل المعتاد للفتوى.
السيناريو الإصلاحي: يهدف إلى استخدام الفتوى لمواجهة مشكلات التنظيم، فتأتي الفتوى لتحرك التنظيم، وتعطي له الحيوية، وفي هذه الحالة ستكون الفتوى القتالية بشكلها نفسه دون تغيير، ولكنها ستكون محددة لخطط كاملة قابلة للتحقيق، مثل استهداف دول معينة وأهداف استراتيجية معينة، على غرار ما حدث من استهداف مركز التجارة العالمي 2001، وستكون فتاوى المرأة أكثر حيوية وتنظيما وليس مجرد فتاوى عامة ودعوات.[14]
- تنظيم داعش
يختلف تنظيم داعش عن تنظيم القاعدة بأن اهتمامه بالجانب الفكري أقل من القاعدة، فاهتمام داعش بإعداد المنظِّرين الحركيين ليس حيوياً، وتركيزه إنما يكون على الجانب الحركي والعسكري، والفتوى لديه تأكيد على صبغة التنظيم الإسلاموية والإرهابية، وتحريك لأتباعه، واستقطاب لهم.
السيناريو الخطي: يتوقع المؤشر أن يستمر التنظيم في التركيز على قضايا إفتائية عدة تتمثل في:
– الفتاوى القتالية التي تحرض على العمليات الإرهابية، وتنشر فكر التكفير لمن كان مخالفا أو خارج إطار التنظيم، وتستمر الفتاوى للتأكيد على فكر “الذئاب المنفردة”، والعمليات الإرهابية في أوروبا وعدد من دول العالم باستخدام كافة وسائل العنف.
– الاستمرار في نشر خطاب إفتائي يحمل المظلومية، ويبين أن التنظيم وحده هو المدافع عن الإسلام بعد أن خانته التنظيمات الأخرى التي ابتعدت عن مفهوم الولاء والبراء، وتكثيف الإصدارات المرئية الدموية، والتحذير من الاختراقات والجاسوسية.
السيناريو الإصلاحي: يتمثل هذا السيناريو في إمكانية اتجاه التنظيم لتخفيف حدة الفتاوى التي يطلقها، ويقلل من حدة دمويتها، والتقليل من وتيرة فتاوى العنف، كما سيتجه لإطلاق مزيد من الفتاوى ذات الطابع الاجتماعي، بغرض جلب الأتباع للتنظيم، وإن كان المؤشر يرى أن التنظيم خلال الفترة القادمة سيستمر في الخطاب العنيف الدموي، ومن ثم إذا استقرت أوضاع التنظيم كما هي، فمن الممكن أن يقلل من وتيرة الخطاب الإفتائي العنيف، ويتجه للدعوة الحسنة، ولكن كل ذلك سيكون بنسبة محدودة، وسيظل الخطاب العنيف هو الغالب المسيطر.[15]
- جماعة الإخوان
يُعد الجانب الإفتائي من أكثر الجوانب ثراء لدى جماعة الإخوان على مستوى فروعها في العالم، وتعتبر الفتوى إحدى أهم آلياتها التي تعتمد عليها اعتمادا كبيراً، سواء فتاوى التحريض أو فتاوى اللين والدعوة.
السيناريو الخطي: يُتوقع فيه استمرار الكثافة الإفتائية على المنظور والبعيد، وإصدار فتاوى تواكب الأحداث الاجتماعية والسياسية والطبية والاقتصادية، ويمكن أن نرجع ذلك إلى كثرة عدد من يقومون بالفتوى في الجماعة، ونتيجة لوجود الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، إلى جانب عدد من المواقع المتخصصة مثل “إسلام ويب” و”إسلام أون لاين”.
وعليه يؤكد المؤشر استمرار الخطاب الإفتائي للجماعة في حالة نشاط خلال السنوات القادمة، أملا في كسب الأتباع وضمان التغلغل التدريجي في المجتمعات، وستتمثل موضوعاتهم الإفتائية في: القضايا الاجتماعية مثل: الختان والانتحار والزواج المبكر، مع الاستمرار في عرض التحليلات الخاصة بفتاوى كورونا بهدف التأكيد على الاجتهاد الفقهي الذي يمتع به شيوخها، وتكثيف الوجود الإفتائي في الغرب اعتمادا على التكنولوجيا الحديثة، واستخدام الأسلوب اللين في عرضها، وتكثيف الفتاوى السياسية التي تحمل أفكار المظلومية، ووجوب الثورة وإسقاط الأنظمة العربية القائمة، وتكثيف الفتاوى التي تحث على نصرة الإسلام، ودعم القضية الفلسطينية.
السيناريو الإصلاحي: يتوقع المؤشر أن هذا السيناريو لن يختلف عن سابقه، حيث سيظل ثابتا لسنوات طويلة.
السيناريو الرديكالي ([16]): يمكن القول: إنه يحمل جانبين من غير المستبعد تحققهما، فبالنسبة للجانب الأول تحول الجماعة بصورة تامة نحو العنف والدموية في الخطاب الإفتائي حال تزايد محاصرتها، وشعورها بنهايتها، ومِن ثَمَّ ينتقل الخطاب إلى عنف بحت وتحريض على التدمير الكامل والعمل الإرهابي، والجانب الآخر انتقال الجماعة للين والتقرب في خطابها الإفتائي من الحكومات القائمة والتودد لها؛ رغبة في تأكيد رغبتها في المصالحة، والتأييد الكامل للسياسات في الدول التي نشطت فيها الجماعة، والسيناريو الثاني هو الذي يرجحه مؤشر الفتوى، والسيناريو الأول هو ما ترجحه هذه الدراسة.[17]
خامساً: سلبيات واستدراكات على المؤشر
يمكن تحديد السلبيات أو الاستدراكات التي وقع فيها المؤشر -من وجهة نظرنا- في النقاط الآتية:
1- الإكثار -دون دواعٍ لازمة- من ذكر بعض الأرقام والبيانات.
2- عدم وجود أمثلة للفتاوى في بعض المواضع التي تحتاج إلى ذكر مثال، ففي صفحة (70) من مؤشر الفتوى المقارن ذكر الفتاوى التي خرجت من جماعات متطرفة في ليبيا بوجوب القتال، والحصول على الغنائم، وتفخيم تركيا لدرجة اعتبارها حامي الإسلام، وغير ذلك دون أن يُعقب المؤشر على ذلك بنصوص من الفتاوى.
3- بعض الفتاوى والبيانات كانت تحتاج إلى ذكر مصادرها، فهذا أدعى للتوثيق، مثل: بعض الفتاوى المتعلقة بتهنئة غير المسلمين في أعيادهم، فقد حرمت نسبة (70%) من هذه الفتاوى الاحتفال وتهنئة المسيحيين بأعيادهم، ومن أبرزها فتوى لموقع “إسلام ويب” القطري التي تقول: “لا يجوز الاحتفال أو تهنئة الكفار في أعيادهم”، فمثل هذه الفتوى لا بد من ذكر مصدرها متبعا بالرابط والتاريخ والنص كاملا، وهو ما لم يفعله المؤشر.
4- هناك مبالغة -إلى حد ما- فيما يتعلق بالبحث العلمي على مستوى الأفراد والمراكز البحثية في العالم، فيما لا يتعلق بالدراسات الخاصة باستشراف المستقبل، هذه المبالغة وجدنا لها ظلالاً في مؤشر الفتوى عند الحديث عن المستقبل الحركي والإفتائي للجماعات الإسلاموية، واستشراف الرؤى المستقبلية في (15) عاماً قادمة، ونحن هنا لا نعترض على المبدأ نفسه، بل نثني على المؤشر في قيامه بخطوة غير مسبوقة بأول دراسة استشرافية للمستقبل الإفتائي ومن ثم الحركي لتنظيمات القاعدة وداعش والإخوان، إنما الملاحظة في المبالغة أو ادعاء اليقينية في قراءة المستقبل، مع أنه قد تحدث تغيرات سياسية واقتصادية وتكنولوجية تنسف كثيراً من هذه القراءات.
ويضاف للنقطة السابقة التغييرات التي أعلن عنها موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) من تحويله إلى ميتافيرس (Metaverse) أي عالم ما وراء الكون، من خلال التلاقي الرقمي وسد الفجوة بين (الواقعي والرقمي)، ليظهر عالم ثالث افتراضي، هذا العالم لا ندري ما إذا كانت مؤسسات الإفتاء الرسمية أخذت أهبة الاستعداد له أم لا. صحيح أن الإعلان عن التحول إلى (ميتافيرس) جاء بعد إصدارات المؤشر، وصحيح أن المؤشر تحدث عن (المجتمع الخامس)، أو (مجتمع ما بعد المعلومات)، وعن حاجة إلحاق الفتوى بالعصر الرقمي، لكن السؤال المهم هنا: هل المؤسسات الدينية الإفتائية والتعليمية الرسمية، وعلى رأسها الأزهر الشريف -مرجعية الإسلام السني- استعدت للاحتمالات القادمة (الدراسات المستقبلية)، وتكوين مناعة ضد الأفكار التي ستنفذ منها تيارات التطرف الديني؟
5- الأخطاء اللغوية كان يجب تداركها، لا سيما وأن المؤشر ليس عملاً فردياً، بل عمل مؤسسي.
[1]* باحث أكاديمي مصري.
[2] – دراسات متعددة تناولت ظاهرة الإسلاموفوبيا، منها دراسة حسناء عبد الله صالح التي ذهبت فيها إلى أن نشأة الإسلاموفوبيا كمصطلح وانتشاره كان في الغرب، إلا أن هذا لا يعني أنه لم يكن له وجود داخل البلدان الإسلامية، وعرضت الدراسة الجهات التي ساهمت في إذكاء وتضخيم الظاهرة، وقسمتها إلى: جهات غربية تحط من قدر الإسلام والمسلمين، وجهات إسلامية متطرفة ساهمت ممارساتها في تأجيج الظاهرة، وهذا التقسيم هو ما انتهى إليه مؤشر الفتوى، حسناء عبد الله صالح: ظاهرة الإسلاموفوبيا: المفهوم، النشأة، أبرز الجهات المُساهمة في إذكاء الظاهرة، مجلة الذخيرة للبحوث والدراسات الإسلامية.
[3] – تقرير مؤشر الفتوى المقارن، ص108 -112.
[4] – تقرير مؤشر الفتوى المقارن، ص114.
[5] – تقرير مؤشر الفتوى المقارن، ص114 – 115.
[6] – تقرير مؤشر الفتوى المقارن، ص115، 116.
[7]– سورة النساء، الآية 97.
[8] – تقرير مؤشر الفتوى المقارن، ص118، 119.
[9] -تقرير حصاد 2020، ص176.
[10] – تقرير حصاد 2020، ص180.
[11] – تقرير مؤشر الفتوى المقارن، ص121، 122، 123.
[12]– عند البحث عن الخيط الناظم، والمنجم الفكري، الذي تولدت منه كل تلك الأفكار، يتبين أن تعود إلى منهج حسن البنا، وكتاب (في ظلال القرآن) لسيد قطب، الذي يُعد المدونة الأساسية التي ترتكز عليها وتنبثق منها كل تلك التيارات، ويؤكد ذلك أن صالح سرية وكتابه: (رسالة الإيمان)، التي تنادي بتكفير الحكام وجاهلية المجتمع قد نبعت من (في ظلال القرآن)، وكذا شكري مصطفى وتنظيم التكفير والهجرة، ومحمد عبدالسلام فرج وتنظيم الجهاد، وتنظيم القاعدة وداعش في الحقيقة موجة جديدة من أمواج الفكر المنبعث من فكر حسن البنا وسيد قطب، فهم أصحاب القاسم المشترك، والخيط الناظم، والروح السارية، لكل تلك التيارات الإسلاموية، وقد أعيد اليوم بعث فكر التكفير الذي كان كامنا في كتب التيارات المتطرفة، فتم تحويله إلى تنظيمات وجماعات وتطبيقات، وتولدت منه الأجيال الثواني والثوالث من الأفكار والتطويرات والاستدلالات، وقد فصل ذلك الدكتور أسامة الأزهري في كتابه الحق المبين فيمن تلاعب بالدين، دار الفقيه، ط3، 2015.
[13]– المؤشر سماها المستقبل المتوسط، ونحن نرى أن التسمية الأقرب هي المستقبل البعيد.
[14] – تقرير مؤشر الفتوى المقارن، من 126 – 132.
[15] – تقرير مؤشر الفتوى المقارن، من 126 – 132.
[16]– السيناريو الراديكالي غير مطبق على تنظيمي القاعدة وداعش، وإنما مطبق على تنظيم الإخوان فقط، باعتبار أنه من غير المتوقع أن تتغير فتاوى القاعدة أو داعش بصورة جذرية.
[17] – تقرير مؤشر الفتوى المقارن، من 133، 134، 135.