انتشرت في العقد الأخير ظاهرة الدولة الفاشلة في عدد من الدول العربية، وأهم مؤشرات ودلالة ذلك الفشل هو عدم استطاعة تلك الدول القيام بوظائفها من الناحية الأمنية، وفرض سيطرتها وسيادتها على كامل أراضيها، وكذلك القدرة على تلبية احتياجات المواطنين الاقتصاديةـ
من بين أبرز التداعيات الناجمة عن ظاهرة الدولة الفاشلة، ظهور كيانات من غير الدول، حاولت سد الفراغ ومنافسة الدولة الوطنية على سيادتها. تضمَّن ذلك في العديد من الأحيان تقديم تلك الكيانات الخدمات ذاتها التي تقدمها الدولة الرسمية، نتيجة الفوضى والحروب، فبرزت التنظيمات الإسلاموية المقاتلة، كفاعل من غير الدول، واكتسبت القوة والخبرة ومرونة التكيف خلال سنوات الحروب الطويلة، التي خاضتها في دول عدة. وعلى الرغم من تشابه الأهداف والأفكار بين هذه التنظيمات، التي تدعي تطبيق الشريعة، وإقامة “الدولة الإسلامية” بوسائل العنف والإرهاب، لكن ثمة اختلاف بينها، فتنظيم القاعدة جعلت الخطوة الأولى لاستراتيجيته الإرهابية محاربة من أسماهم “الصليبيين الأميركان”، بينما تنظيم “داعش” اتجه لإعلان تأسيس ما أسماه “الدولة الإسلامية في العراق والشام” عام 2014، وألهمت هذه التجربة التنظيمات الأخرى[2].
يتطور الاهتمام بدراسة التنظيمات المسلحة بشكل مستمر منذ منتصف القرن الماضي حتى يومنا هذا، بالتوازي مع تطور الحروب وأشكالها، وكذلك تكيف وتطور تلك التنظيمات مع الظروف المحيطة والأحداث المستجدة، فالتعقيدات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ترتب عليها في عصرنا الحالي ظهور قضايا ومصالح وغايات جديدة، بل إن الأيديولوجية لم تعد بذلك الشكل البسيط الذي عهدناه، حيث انبثق تحت كلمة الأيديولوجية الكثير من التيارات والمذاهب الفكرية الجديدة، ومع ذلك أصبحت التنظيمات المسلحة تتوالد، وبكثرة جعلت من الصعب -في بعض الأحيان- الوقوف على عدد دقيق لها، أو تصنيفات صحيحة مطلقة، فالتعقيدات والظروف التي ذكرناها، وفرت المناخ الخصب لعمل هذه التنظيمات، سواء ضد الدول أو ضد بعضها أو حتى بالتعاون مع دول أخرى، وعلى الرغم من ذلك هنالك الكثير من المحاولات والدراسات التي تساعدنا على فهم وتحديد طبيعتها، كظاهرة يجب دراستها بشكل مستمر للوقوف على الأسباب والدوافع.
توفر دراسة التنظيمات المسلحة من نواحٍ عدة الفهم الصحيح لطبيعتها، ومعرفة الكيان الذي نتعامل معه فكريًا ومادياً، وعلى الرغم من صعوبة التعريف أو التفسير الموحد لها، فإن الإسهامات في هذا المجال كثيرة ومتنوعة، خاصة في مجال القانون الدولي الإنساني وما تمخض عن “اتفاقيات جنيف” التي تحاول تحديد التعامل مع القانوني مع هذه التنظيمات في الحروب والصراعات، وتحديد وضعها من غير الدول[3].
فيرى مُنظرو النظرية السياسية أن التنظيمات المسلحة لها عدة أنواع أساسية، الأولى: هي التنظيمات التي تستخدم العنف لتحقيق النظام والاستقرار، وهي غالبًا تكون القوات النظامية للدول، بينما النوع الثاني هو الذي يستخدم العنف للتنافس على السلطة وشرعية الحكم، والاعتراض على حكم مجموعة ما والتناقض الفكري والثقافي وسواها، والمجموعة الثالثة التي يكون فيها العنف موضوعاً للسيطرة على حكم إقليم معين، مثل التنافس بين التنظيمات العرقية[4]، حيث تتلخص هذه التصنيفات حول توظيف العنف لتحقيق أغراض سياسية مثل: تغيير نظام الحكم، أو الاعتراض على سياسات الدولة، بغض النظر عن مفهوم العنف المستخدم ونوعه، حيث تظل الغاية الأساسية منه تغيير الوضع القائم سياسيًا.
لكن أشكال وأنواع تلك التنظيمات كثيرة، وللقيام بعملية التصنيف وتحديدها هنالك العديد من المعايير التي يجب تطبيقها أهمها:
- العوامل السياسية والاقتصادية، فالتنظيمات التي تتبع منهج الربحية -في الأغلب- تصنف كمرتزقة، وهي قوات يتم استخدامها في الحروب والعمليات العسكرية بمقابل مادي، وبعضها قد يتخذ وضعاً قانونياً؛ إذا كان يعمل تحت لواء الدولة أو برعايتها، وبالتالي يعامل معاملة القوات النظامية –شريك للدولة- إذا صح التعبير، مثل دور التنظيمات المسلحة في حرب العراق تحت الرعاية الأميركية خاصة، ودور شركات الأسلحة الأميركية والمقاولين العسكريين، والقوات الخاصة من غير الدول، حيث إنها ما زلت تحت موضع الدراسة والتساؤل القانوني حولها[5].
- حينما يتخذ العنف مسارًا سياسيًا، غالبًا ما يطرح التساؤل والخلاف حول طبيعة هذا العمل ما بين المقاومة والإرهاب، وعلى الرغم من أن هذه التصنيفات تخضع لحقل السياسة ومجال التنافس السياسي المحلي والدولي، فإن هناك نقاطاً واضحة ومحددة تميز ما بين المفهومين على مستوى القانون الدولي، فالمقاومة حق مشروع في القانون الدولي بموجب حق الشعوب في تقرير مصيرها، وفي الدفاع عن أرضها وشعبها ضد المحتل داخليا وخارجيًا.
إشكالية مفهوم الإرهاب
يعد مفهوم الإرهاب من أكثر المفاهيم المختلف عليها، ولا يوجد تعريف أو تفسير موحد له. يعرف الباحث والسياسي الأميركي بروس هوفمان (Bruce Hoffman) الأعمال الإرهابية “باعتبارها الأفعال المستمرة التي تأتي من الكيان دون الدولة وتهدد شرعية الدولة، كتعبير عن وجهة نظر الواقعية التي تعلي من شأن الدولة، باعتبارها الفاعل الوحيد في الساحة الدولية[6]، بينما يعرفها الأستاذ في القانون الدولي نبيل حلمي، بشكل أوسع على “أنها الاستخدام غير المشروع للعنف أو التهديد به بواسطة فرد أو مجموعة أو دولة ضد فرد أو جماعة أو دولة، ينتج عنه رعب يعرض للخطر أرواحاً بشرية، أو يهدد حريات أساسية، ويكون الغرض منه الضغط على الجماعة أو الدولة، لكي تغير سلوكها تجاه موضوع ما[7]، حيث يمكن القول: إن المقصود بها القيام بأعمال إجرامية ضد الأفراد والجماعات والدول بقصد الترهيب، وإخضاع الآخرين لرغبات ومصالح الجماعة الإرهابية، فهي مجرمة دوليًا ولا يمكن احتواؤها أو الاعتراف بوضع قانوني لها بحكم القانون الدولي[8]، كما أن لها مستويات وأشكال عدة: بناءً على معيار الفاعلين:
- على مستوى الدولة: حينما تستخدم الدولة الإرهاب كوسيلة لخدمة مصالحها، ومن خلال تسخير تلك التنظيمات في خدمة مصالحها ونفوذها.
- الأفراد والتنظيمات.
تتنوع ماهية العمل الإرهابي ما بين إرهاب سياسي وديني وفردي وعرقي وكذلك الإرهاب الأيديولوجي. وقد تنحصر محلياً ضمن حدود الدولة، أو قد يمتد عمل الجماعة الإرهابية خارج حدود الإقليم نحو دول أخرى، لتنفيذ أعمال عدائية تحقق مصالحها بما يعرف بالإرهاب الدولي العابر للحدود[9]. وغالبًا ما يتم تصنيف التنظيمات المسلحة ذات التوجه الأيديولوجي عامة والديني خاصةً تحت مسمى التنظيمات الإرهابية خاصةً، حينما تنتقل هذه التنظيمات من نطاق المقاومة أو الصراع الداخلي على السلطة، أو التحول في الشكل التنظيمي حتى، نحو القيام بأعمال إرهابية داخلياً وخارجيًا لتحقيق مصالح خاصة بها، أو في الأساس قد تتشكل هذه الجماعة من جنسيات دول مختلفة، أو في دول مستقرة -مثلًا- وتتجه نحو القيام بالأعمال الإرهابية، والحديث هنا قد ينطبق على معظم التنظيمات الإسلاموية المقاتلة، التي قد تختلف مصالحها وربما تتناقض، إلا أن الأساس الفكري والعقائدي واحد، بحيث تسعى لقيام ما تطلق عليه “الدولة الإسلامية” التي تحكمها الشريعة [10].
الإرهاب ومعايير تصنيفه والاعتبارات السياسية
ولكن التصنيف والتعامل على أساس هذه المعايير، يختلف وفقًا لمصالح وقوانين الدول التي تطلق هذه التصنيفات غالبًا وفق اعتبارات سياسية، وتغيرات في موازين القوى على المستوى الدولي ومستوى الصراع، فبالنسبة للولايات المتحدة الأميركية -مثلًا- ينطبق التصنيف على الأنشطة التي تكون أجنبية وضد مصالح الأمن القومي الأميركي ومواطنيها بحسب المادة (219) من قانون الهجرة والجنسية الأميركية. بالتالي يمكن تصنيف الدول على أنها راعية للإرهاب كما هو الحال بالنسبة لسوريا وإيران بموجب القوانين الأميركية، وتجدر الإشارة إلى أن هذه القرارات تخضع لموافقة وتصديق الكونجرس الأميركي[11]، وبالتالي تكون العملية سياسية بحتة حينما يتعلق الأمر بدول أو جماعات مناوئة للولايات المتحدة، برغم عدم اتخاذها أي تحركات عدائية ضدها بشكل مباشر، وبالمثل قد تدفع مراعاة المصالح الأميركية عدم تصنيف بعض التنظيمات على أنها إرهابية، على الرغم من التشابه الكبير مع التنظيمات الأخرى المصنفة ضمن قوائم الإرهاب، ومثال ذلك علاقة الولايات المتحدة الأميركية مع حركة طالبان، التي كانت تعتبرها حركة تمرد ثوري لأسباب سياسية[12] وأخرى تتعلق بالمصالح الأميركية الاقتصادية في المقام الأول والصراع مع الصين وروسيا وإيران الدول المجاورة والقريبة من أفغانستان والتي لا تتفق مع طالبان، وفي الطرف الآخر تصنف موسكو بعض التنظيمات الشيشانية والقوقازية بوصفها جماعات إرهابية مثل إمارة القوقاز الإسلامية وسواها لأسباب سياسية وعرقية.
إن التنظيمات الإسلاموية المقاتلة هي تلك التنظيمات المسلحة التي لديها قدر معين من التنظيم، وتتمتع بوجود قيادة وأهداف تسعى لتحقيقها، ذات خلفية دينية متطرفة، تحمل فكرة القتال كسلوك لتحقيق أهدافها المعلنة.
التنظيمات الإسلاموية المقاتلة وحروب المنطقة
في الوقت الحالي من الصعب حصر عدد التنظيمات المسلحة حول العالم خصوصاً الإسلاموية المقاتلة منها، وذلك بسبب استمرار نمو تلك التنظيمات من تأسيس وتفكك وإعادة تشكيل بحكم الصراعات البينية وظروف الأزمات المحيطة بها، حيث تتباين التقديرات والإحصاءات، ولكن -على سبيل المثال- تتحدث تقارير عن وجود قرابة الألف جماعة مسلحة في سوريا فقط، عدا المناطق الساخنة الأخرى حول العالم[13]، ويمكن تلخيص مراحل ومحطات تطور هذه التنظيمات على النحو الآتي:
- أهم هذه التنظيمات وأكثرها خطورةً، هي تلك التي خرجت من رحم تنظيم القاعدة فكريًا وتنظيمياً، والتي تعود الإرهاصات الفكرية لنشأتها، إلى جماعة “الإخوان المسلمون” في مصر التي تأسست على يد “حسن البنا” عام 1928، وكان لها الأثر الكبير في الحركات الإسلاموية حول العالم، ودور كبير في حرب المقاتلين في أفغانستان ضد الاتحاد السوفيتي، التي تأسس فيها تنظيم القاعدة الذي تبنى تحت قيادة أسامة بن لادن في أواخر التسعينيات فكرة الجهاد العالمي، مع تأسيس ما يسمى “الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين” وقامت بالعديد من عمليات التفجير والاغتيال، أبرزها كان تفجير مبنى مركز التجارة العالمي سبتمبر (أيلول) 2001، فجاء عقبها قرار إعلان الحرب على الإرهاب وغزو الولايات المتحدة لأفغانستان، وأبرز تلك التنظيمات التي انبثقت من تنظيم القاعدة، هي القاعدة في شبه جزيرة العرب التي استغلت الفراغ الأمني في اليمن، وتنظيم داعش “الدولة الإسلامية في العراق والشام” الذي تأسس على يد “أبي مصعب الزرقاوي” عام 2004 أثناء حرب العراق، ثم شارك في الحرب السورية على نطاق واسع، وفرع ولاية سيناء التي كانت تعرف مسبقًا باسم “أنصار بيت المقدس” قبل مبايعة تنظيم داعش 2014، وولاية خراسان في أفغانستان، وفي القرن الأفريقي تتسيد جماعة “حركة الشباب المجاهدين” في الصومال الموقف، وبوكو حرام في نيجيريا، وجماعة أبو سياف في الفلبين، والحزب الإسلامي التركستاني في إقليم “شينجيانغ” الصيني، وأنصار الشريعة في ليبيا، وجبهة النصرة، “هيئة تحرير الشام” حاليًا في سوريا[14]، وغيرها الكثير والعديد من التنظيمات التي شاركت في حروب منطقة الشرق الأوسط وغيرها.
- ولم يتوقف الأمر عند حدود الحرب الأفغانية، مع استمرار العديد من الحروب في المنطقة وتطور الفكر والتنظيم الجهادي، والملاحقة المستمرة للحكومات لهذه التنظيمات، وقد تنقلت هذه التنظيمات عبر عدة مناطق وحروب، استطاعت من خلالها اكستاب الخبرة والمرونة والتنوع التنظيمي، فوصل العديد من المقاتلين العرب ذوي الخبرة السابقة في حروب سابقة، مثل أفغانسان وطاجيكستان والبوسنة إلى القوقاز للمشاركة في حرب الشيشان[15]، أبرزهم كان خطّاب القائد العسكري للقوات في شرق الشيشان في فترة من الفترات، وأبو الوليد الغامدي وغيرهما من الذين قاموا بتأسيس كتيبة أغلبها من العرب ضمت جنسيات أخرى، وقاموا بإنشاء مركز تدريب للمقاتلين في الحرب ضد الحكومة الروسية أثناء الحروب، وقد لعبت هذه التنظيمات ذات التوجه السلفي دوراً كبيراً في حرب التنظيمات الإسلاموية المقاتلة ضد الحكومة الروسية، لفترة استمرت أزيد من عشر سنين، شكلت خلالها معضلة صعبة أمام القوات الروسية الفيدرالية[16].
- إبان الاحتلال الأميركي للعراق أبريل (نيسان) 2003، برز دور التنظيمات الإسلاموية المقاتلة في تلك الحرب، خصوصاً تنظيم القاعدة بقيادة أبي مصعب الزرقاوي الذي مهد فيما بعد لقيام تنظيم داعش، ولكنه قُتل عام 2006 إثر عملية للكومندوز الأميركي[17]، ليتسلم القيادة من بعده “أبو أيوب المصري” ثم بايع الأخير أبا عمر البغدادي إثر إعلان قيام “داعش” لتشمل تحت لوائها مقاتلي تنظيم القاعدة في العراق[18]. بموازاة ذلك تشكلت جماعات مسلحة وميلشيات شيعية حركية مثل حزب الله وبدر وعصائب أهل الحق والحشد الشعبي وغيرها. وقد تكونت هذه التنظيمات على أساس “الجهاد الإسلامي” ضد الاحتلال الأميركي، وتميزت عمليات بعض هذه التنظيمات بالنوعية والعنف الشديد، مثل العمليات الانتحارية التفجيرية ضد الأهداف المناوئة لها. وقد شهدت السنوات الأخيرة بعد الانسحاب الأميركي من العراق صعود تنظيم داعش، من خلال سيطرته على رقعة واسعة من الأراضي في العراق وسوريا، وإعلانه قيام الدولة الإسلامية في تلك المنطقة، وساهمت تلك العوامل والظروف في تطور تلك التنظيمات، من النواحي المالية والدعائية، فأصبحت الدعاية الإعلامية الخاصة بها واسعة الانتشار، بسبب استخدام الإنترنت واستقطاب المزيد من المقاتلين، وقد مكنت الوفرة المالية والعتاد والسلاح من وصول التنظيم إلى أوج الازدهار والقوة في تلك الفترة، قبل الانحسار شبه الكامل بعد العملية العسكرية التي قادها التحالف الدولي بالتعاون مع شركائه على الأرض.
- أتت الحركات الاحتجاجية في عدد من الدول العربية، احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، تخللها أعمال فوضوية تطورت لنزاعات في دول عدة مثل سوريا واليمن وليبيا، فالحرب السورية عرفت وجوداً مكثفاً للجماعات الإسلاموية المقاتلة من جنسيات متعددة، منها من انتهى واختفى في ظل الحرب، ومنها من بقي صامدًا حتى هذه اللحظة، ولكن المعروف أن الحرب السورية شكلت بيئة خصبة لنمو العمل والفكر الإسلاموي المتطرف بشكل غير مسبوق لم تشهده الحروب السابقة، وبغض النظر عن تنافس تنظيمي داعش وجبهة النصرة “هيئة تحرير الشام” حاليًا، توجد هنالك تنظيمات ومجموعات ذات أغلبية أجنبية ما زلت تقاتل في سوريا، أبرزها “الحزب التركستاني الإسلامي” عبارة عن مجموعة من المحاربين القدماء الموالين لتنظيم القاعدة، نشأت في مقاطعة شينجيانغ الصينية ولها حضور قوي في ساحة القتال السورية[19]، وكتيبة “جنود الشام” التي يقودها “مسلم شيشاني”، وهي كتيبة ذات أغلبية شيشانية مناوئة لروسيا، وقد عاصر قائدها الحروب الشيشانية بجانب خطَّاب وغيره من قادة الجهاد السلفي في الشيشان، بالإضافة إلى كتائب أخرى مثل أجناد القوقاز وإمارة القوقاز وكتيبة سيف الله الشيشاني وجند الملاحم[20]، وغيرها من التنظيمات التي لها سابقة حروب في أفغانستان والشيشان، وفي ليبيا على الرغم من قدم نشاط التنظيمات المتطرفة وتنظيم القاعدة في منطقة المغرب العربي وشمال أفريقيا يعود إلى حقبة التسعينيات[21]، إلا أن الأحداث الأخيرة خاصة بعد سقوط القذافي، والخلل الأمني الحاصل بسبب تنافس ورثة القذافي على السلطة والنفوذ، مكن هذه التنظيمات من النمو والازدهار أثناء هذه الحرب والمنافسة على الموارد والمناطق الرئيسة، مثل تنظيم داعش، وجماعة أنصار الشريعة، والمرابطون[22].
- يفيدنا تتبع تحركات هذه التنظيمات والتجارب التي خاضتها، بالوقوف على مدى التطور الحاصل في بنيتها من نواحٍ تنظيمية وتكتيكية، وقدرتها على التنقل وخوض حروب عدة أينما اقتضت مصلحتها أو رؤيتها وميولها، التي تضمنت مثلًا، إنشاء خلايا عنقودية أفقية تسيطر على عدة أقاليم متفرقة، لاكتساب مصادر القوة حالة “داعش” وتنظيم القاعدة، وتطوير أساليب استخدام القوة الناعمة لاستقطاب المؤيدين والخروج عن عباءة الماضي المنغلقة، فوجود هذه التنظيمات في معظم أرجاء هذه المنطقة، والقدرة على التنقل والقتال ضد عدة أعداء في عدة مواقع وبعنف وشراسة غير مسبوقة، وتهديدها لسيادة الدول وأمنها أصبح حقيقة لا يمكن تخطيها.
- ربما تنساق الدول خلف هذه التنظيمات وتستخدمها لخدمة مصالحها في حالات معينة، مثل تركيا التي استخدمت كتائب مقاتلة في سوريا للقتال في مناطق أخرى مثل أرمينيا وليبيا[23]، وأبرز هؤلاء هم الجيش الوطني السوري وكتيبة الحمزات وكتيبة السلطان مراد، وهي تشكيلات عسكرية أغلبها ذات مرجعية سلفية إخوانية تعمل مع تركيا في الشمال السوري[24]، وقد تنقلب هذه التنظيمات ضد حلفائها مثلما فعلت حركة طالبان مع الولايات المتحدة الأميركية التي زودتها بالسلاح أثناء الحرب مع الاتحاد السوفيتي، بل إن تجربة طالبان أصبحت تنظر إليها التنظيمات الإسلاموية المقاتلة كنموذج ملهم لها، بعد سيطرة الأولى على أفغانستان أثناء الانسحاب الأميركي الأخير وإقامة الإمارة الإسلامية فيها، ومع كثرة التجارب الفاشلة خصوصاً تجربة داعش.
لذا، يجادل مراقبون ومحلّلون احتمالية توجه تلك التنظيمات إلى حرب أوكرانيا، بالإشارة إلى التنظيمات الشيشانية والقوقازية، التي أصبحت تقاتل ضد روسيا في معظم المناطق تقريباً، خصوصاً إمارة القوقاز الإسلامية (ذراع تنظيم القاعدة في الشيشان)، وتوجه العديد من المقاتلين الشيشان إلى هناك[25]، ووجود جالية مسلمة تقدر بمليون نسمة في أوكرانيا، كلها توفر احتمالات تعني أن إمكانية جلب المقاتلين الإسلامويين للقتال في أوكرانيا أمر وارد، على الرغم من نفي تنظيم داعش أي علاقة له بالحرب، ولكن الاتصال والترابط بين التنظيمات الإسلاموية المقاتلة في سوريا وليبيا والشيشان قد يمهد الطريق لأمر كهذا في ظل العداوة التاريخية وتنازع المصالح، ومشاركة الدول في تحفيز أو استخدام مقاتليين أجانب في هذه الحرب قد بدأ فعلاً، وبالتالي من الممكن أن تصبح أوكرانيا بؤرة تستقطب هذه التنظيمات، وذلك رهن التقدم الروسي في تلك الحرب.
[1]* كاتب ومستشار سياسي مصري.
[2]– داليا رشيدي، يكلية الخطر: قراءة في احتمالات انتشار الدويلات الجهادية وانهيارها. مجلة السياسة الدولية، 14 فبراير (شباط) 2016، على الرابط الآتي:
[3]– “القاموس العملي للقانون الإنساني”، أطباء بلا حدود، على الرلبط الآتي:
[4]– Miroiu, Andrei, “Political Theory of Armed Groups Social Order and Armed Groups”, (SpringerBriefs in Political science, Cham, Switzerland), 2020, pages 29-49, available on: https://link.springer.com/book/10.1007/978-3-030-51012-1
[5] -Fallah, Katherine. (2006). Corporate actors: The legal status of mercenaries in armed conflict. International Review of the Red Cross. 88. 599-611. Available on:
[6]– Ogunrotifa, Ayodeji. (2012). RESEARCH ON TERRORISM: AN OVERVIEW OF THEORITICAL PERSPECTIVES. Asian Journal of Research in Social Science and Humanities. Vol. 2. 2249-7315.pages 12-19, available on:
[7]– شريف عبدالحميد حسن رمضان، (2016). الإرهاب الدولي وطرق مكافحته في القانون الدولي والفقه الإسلامي- دراسة مقارنة، مجلة كلية الشريعة والقانون بطنطا، 31، 3، ص1106-1193، وص1113-1130، على الرابط الآتي:
https://mksq.journals.ekb.eg/article_7787_86a6fd514ae61103c3abfbac45418aa8.pdf
[8] – هداج رضا، “المقاومة والإرهاب في القانون الدولي”، رسالة ماجستير، كلية الحقوق، جامعة الجزائر، 2010، ص69، على الرابط الآتي:
http://biblio.univ-alger.dz/jspui/bitstream/1635/11063/1/HADDADJ_REDA.PDF.pdf
[9]– سلطان عناد إبراهيم العدينات، “الآلية الدولية لمكافحة الإرهاب”، رسالة ماجستير، كلية الحقوق، جامعة الشرق الأوسط، الأردن، على الرابط الآتي:
[10]– Kusserow, Sebastian and Patryk Pawlak, “Understanding Jihad and Jihadiesm”, European Parliamentary Research Service, 2015, available on: https://www.europarl.europa.eu/RegData/etudes/ATAG/2015/557007/EPRS_ATA(2015)557007_EN.pdf
[11]– “ما هي المنظمات الإرهابية في الشرق الأوسط حسب التصنيف الأمريكي؟”، بي بي سي عربي، 2020، على الرابط الآتي:
[12]– “Explained: Why Taliban are not on the US terror list”, CNBCTV18, 2021, Available on: https://www.cnbctv18.com/world/explained-why-taliban-are-not-on-the-us-terror-list-10371451.htm
[13]– سفيان توفيق، “تعرف على قائمة الجماعات المتطرفة في سوريا وخلفياتها”، المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، 2019، على الرابط الآتي:
https://www.europarabct.com/تعرف-على-قائمة-الجماعات-المتطرفة-في-سو/
[14]– “سبتمبر: ما هي أبرز التنظيمات الجهادية التي خرجت من رحم القاعدة؟”، BBC New، 2021، متاح على:
https://www.bbc.com/arabic/world-58473391#:~:text=”تنظيم الدولة الإسلامية”&text=وتنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية,في المراحل الأولى للأزمة السورية
[15]– Shishani, Murad Batal. “The Rise and Fall of Arab Fighters in Chechnya.”, The JAMESTOWN FOUNDATION, 2006, Pages 2-14, available on: https://www.academia.edu/560817/The_Rise_and_Fall_of_Arab_Fighters_in_Chechnya
[16]– Vidino Lorenzo, “The Arab Foreign Fighters and the Sacralization of the Chechen Conflict”, Al Nakhlah Journal Tufts University, 2006, available on: https://ciaotest.cc.columbia.edu/olj/aln/aln_spring06/aln_spring06e.pdf
[17]– Hiltermann Joost , “Al-Qaeda’s Virulent Strain in Iraq”, Crisis Group Program Director, Middle East & North Africa, 2021, available on:
[18]– “المالكي يعلن مقتل زعيمي تنظيم (القاعدة) في عملية استخباراتية شمالي البلاد”، فرانس 24، 2010، على الرابط الآتي:
https://www.france24.com/ar/20100419-baghdad-two-leading-qaeda-chiefs-killed-abu-ayyub-masri-maliki.
[19]– “ما هي الجماعات الجهادية والمعارضة التي تقاتل في إدلب؟”، بي بي سي عربي، 2018، على الرابط الآتي:
[20]– “طيـف القاعدة الحركات السلفية الجهادية الصغرى في سورية”، عين المدينة، 2016، على الرابط الآتي:
https://ayn-almadina.com/content_images/users/1/contents/2935/1571.pdf.
[21]– “خريطة الحضور “الجهادي” في ليبيا”، المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، 2020، على الرابط الآتي:
https://www.europarabct.com/خريطة-الحضور-الجهادي-في-ليبيا-2
[22]– Glenn Cameron, “Libya’s Islamists: Who They Are – And What They Want”, Wilson Center, 2017, available on:
https://www.wilsoncenter.org/article/libyas-islamists-who-they-are-and-what-they-want
[23]– “المسماري يكشف أسماء قادة المرتزقة السوريين في ليبيا”، روسيا اليوم، 2020، على الرابط الآتي:
https://arabic.rt.com/middle_east/1082527-المسماري-أسماء-قادة-المرتزقة-السوريين-ليبيا
[24]– “أرمينيا: مرتزقة تركيا من سوريا دخلوا معركة ناغورنو كاراباخ”، سكاي نيوز عربية، 2020، على الرابط الآتي:
https://www.skynewsarabia.com/world/1379534-أرمينيا-مرتزقة-تركيا-سوريا-دخلوا-معركة-ناغورنو-كاراباخ
[25]– أحمد ليثي، “ما علاقة التنظيمات الجهادية بالحرب الروسية- الأوكرانية؟”، رؤية الإخبارية، 2022، على الرابط الآتي:
https://roayahnews.com/رؤى-دولية/2022/03/05/1077037/ما-علاقة-التنظيمات-الجهادية-بالحرب-ال