تعتبر التغيرات المناخية ضمن المهددات الرئيسة لاستقرار الدول وشرعية الأنظمة الحاكمة، فحين يصبح انعدام الأمن المائي والغذائي وأمن الطاقة، إلى جانب تقويض قدرة الدولة في توفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين ضمن تداعياتها، تتحول الدول إلى بيئات حاضنة للتنظيمات الإرهابية وجاذبة للنزاعات المسلحة.
وأفريقيًا يزداد الوضع قتامة لا سيما مع هشاشة الدول ومحدودية الإمكانيات الخاصة بها، مما أدى إلى تمكن تنظيمي داعش وبوكو حرام من التغلغل بضراوة داخل إقليم الساحل والصحراء، مستغلين المعدلات المرتفعة للفقر والبطالة وانعدام الأمن الغذائي، ونجحوا في استقطاب وتجنيد مواطني الإقليم، لذا ظهرت اتجاهات عديدة تركز على بحث ظاهرة الإرهاب انطلاقًا من التداعيات البيئية والاجتماعية الناتجة عن التغيرات المناخية.
أولا: ملامح التغيرات المناخية
تعتبر التغيرات المناخية من أخطر الظواهر المهددة للأمن غير التقليدي في القارة الأفريقية، نظرًا لتأثيرها المباشر على الأمن الغذائي والمائي، مما هيأ الأوضاع لظهور وتنامي التنظيمات الإرهابية انطلاقًا من الآثار الاجتماعية والاقتصادية الهشة الناجمة عن التغيرات المناخية، لذا ظهرت العديد من الأطروحات التي حذرت من مخاطر التغيرات المناخية باعتبارها ضمن الأسباب المحورية لانتشار الجماعات الإرهابية.
فوفقًا لمؤشر ND-GAIN فإنه بالرغم من كون القارة الأفريقية الأقل من حيث انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، فإنها تعتبر أولى ضحايا التغيرات المناخية نظرًا لضعف الإمكانيات المناسبة لاحتواء التطورات، مما هيأ المناخ لتغلغل التنظيمات الراديكالية[1]، كما أورد تقرير صادر عن محادثات “كوب 26” في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي عن تصدر ثماني دول أفريقية من أصل عشر قائمة الدول الأكثر تضررًا جراء التغيرات المناخية، لتتصدر بذلك السودان القائمة، حيث يتوقع أن ينخفض الناتج المحلي لها بمعدل (20%) بحلول عام 2050، و(65%) بحلول عام 2100[2].
مما سبق يمكن بحث ملامح التغيرات المناخية التي تؤثر بدورها على أبعاد الأمن غير التقليدي المختلفة على النحو التالي:
- ارتفاع درجات الحرارة: شهدت الدول الأفريقية موجات احترار متسارعة خلال السنوات الأخيرة، فوفقًا لتقرير صادر عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، وصلت القارة خلال العام الماضي لثالث أعلى معدل لدرجات الحرارة بمقدار (0.86) درجة مئوية، وهي النسبة الأعلى خلال الثلاثة عقود الماضية، مما يهدد بحدوث فيضانات مدمرة على خلفية ذوبان آخر الأنهار الجليدية الموجودة شرق أفريقيا، مما يعني أن الساحل الشرقي سيشهد موجات نزوح كبيرة ستسفر عن صدامات قبلية وصراعات داخلية ممتدة[3].
- اضطراب هطول الأمطار: تعاني الدول الأفريقية خلال العقد الأخير من اضطرابات فيما يتعلق بمعدلات هطول الأمطار، حيث نجد بعض المناطق تعاني من الجفاف مقابل أخرى ذات معدلات أمطار مرتفعة، إذ تواجه الأخيرة خطر الفيضانات الجارفة، وبالتزامن مع هشاشة وضعف الإمكانيات والبنى التحتية تنهار المنازل وتهلك المواسم الزراعية. في المقابل تواجه المناطق ذات معدلات الأمطار المنخفضة مشكلات الجفاف ونقص المحاصيل الزراعية وزيادة الأسعار وارتفاع معدلات البطالة؛ نظرًا لاعتماد مواطني تلك الدول على مهنتي الزراعة والرعي، فوفقًا لتقارير أممية تعاني دول كالصومال وبوركينا فاسو وتشاد ومالي والنيجر ارتفاع عدد المحتاجين للمساعدات الغذائية والمائية من (7) ملايين إلى (27) مليوناً خلال الفترة من 2015-2022، وفي مالي يعتمد (80%) من السكان على مهنة الزراعة، وبالتوازي مع نمو سكاني سنوي بمعدل (3%) ستصبح النتيجة تصعيد التنافس على الموارد الشحيحة، مما يؤدي إلى تصاعد المواجهات المسلحة بين المواطنين[4].
- العواصف والأعاصير: تواجه الدول الأفريقية عواصف موسمية، فأدى تراجع الإمكانيات وضعف البنى التحتية إلى عجز الدول عن احتواء تلك التغيرات، ففي يناير (كانون الثاني) 2022 ضربت العاصفة الاستوائية “آنا” وإعصار “باتسيراي” عدداً من الدول الأفريقية منها مدغشقر وموزمبيق، مما أسفر عن موجة نزوح تقدر بنحو (112) ألف شخص، ناهيك عن تلوث الهواء الذي تسبب في وفاة مليون أفريقي عام 2019، كما فقد قرابة (97) مليون طفل أفريقي نقاطًا على مؤشر الذكاء خلال عام 2019 بفعل تلوث الهواء[5].
- الجفاف والتصحر: أدت ظاهرة الاحتباس الحراري إلى تقلبات في مواسم الأمطار، الأمر الذي أدى إلى جفاف الأراضي الزراعية وتصحرها، مما تسبب في نزوح ولجوء عدد كبير نحو مناطق المياه والرعي ناهيك عن المجاعات القاتلة، وأفادت تقارير أممية أنه بحلول عام 2025 ستفقد القارة الأفريقية ثلثي أرضها الصالحة للزراعة، فيما أسفرت موجات الجفاف والتصحر عن خسارة الدول الأفريقية قرابة (3%) من دخلها القومي، ففي إثيوبيا بلغت خسائر الدخل القومي (130) مليون دولار سنويًا، وفي أوغندا تراجعت إنتاجية الأراضي بنحو (20%) نتيجة زيادة معدلات الجفاف والتصحر[6].
ثانيا: الانعكاسات الأمنية للتغيرات المناخية
لا يمكن الفصل بين التغيرات المناخية وما يترتب عليها من ندرة الموارد والصراعات والتوترات الأمنية، التي تؤدي إلى زيادة هشاشة الدولة وتقليص قدرتها على احتواء الأزمات، لذا ينبني على التغيرات المناخية عدد من العواقب الأمنية التي يمكن إيضاحها على النحو التالي:
- زيادة معدلات العنف الداخلي: ظهر أخيرًا مصطلح يعرف بالعنف المرتبط بالمناخ، ويشير إلى الصراعات الداخلية والعنف المرتهن بالتداعيات السلبية للظواهر الطبيعية التي عجزت الحكومات عن احتوائها واستغلالها، ووفقًا لمجلة Science فإن ارتفاع درجة الحرارة أدى لزيادة معدلات الصراع بين المواطنين إلى (13.2%) من إجمالي الصراعات داخل الدول الأفريقية[7]، وفي دراسة أخرى تم إجراؤها عام 2009 حول العلاقة بين التغيرات المناخية والصراع في أفريقيا، كشفت عن وجود علاقة تاريخية بين ارتفاع معدلات الاحترار والصراعات الأهلية، ونوهت إلى أنه في حال استمرار الزيادة في معدلات الاحترار، فإنه بحلول عام 2030 ستصبح التغيرات المناخية السبب الرئيس وراء (54%) من حالات الصراع المسلح داخل القارة[8].
ووفقًا لدراسة صادرة عن جامعة ويلفريد لورير الكندية، فإنه من بين العشرين دولة الأعلى تصنيفًا على مؤشر الهشاشة، تحتل اثنتا عشرة دولة أفريقية وآسيوية قائمة الدول الأكثر هشاشة؛ نظرًا لازدياد معدلات العنف المرتبطة بالتغيرات المناخية، كما أفادت تقارير عن وجود نحو (2.86) مليون نازح بمنطقة الساحل نتيجة تصاعد الصراعات الداخلية الناتجة عن نقص الموارد الغذائية والمائية، فيما تتركز النسبة الأكبر للنازحين في بوركينا فاسو، حيث تجاوز العدد (1.8) مليون نازح[9]، وكنتيجة لفشل الحكومات في سد العجز وتلبية احتياجات المواطنين أصبحت الدول الأفريقية تواجه مشهدين؛ الأول: موجات نزوح كبيرة لمناطق توافر المياه، حيث تبدأ الصدامات بين النازحين والسكان الأصليين، كالمواجهات الدامية شمال الكاميرون بين مزارعين ورعاة المواشي، نتيجة الخلاف حول مصادر المياه العذبة، والمشهد الآخر صدامات مباشرة مع السلطات كما يحدث حاليًا في مالي وبوركينا فاسو ونيجيريا.
- تنامي التنظيمات الإرهابية: تساهم التغيرات المناخية في خلق بيئة مناسبة لظهور التنظيمات الإرهابية وتناميها، حيث تؤدي تلك التغيرات إلى التأثير على الموارد الطبيعية، ومن ثم تهديد الأمن المائي والغذائي واحتياجات الطاقة للمواطنين، لتقوض بذلك قدرة الحكومات على إدارة الأمور وضبطها، مما يؤدي إلى تصاعد حدة الصراعات الداخلية، كما تفقد الحكومة شرعيتها نتيجة تراجع ثقة المواطنين في قدرتها على إدارة الأوضاع، لتتحول الدولة تدريجيًا إلى بيئة خصبة حاضنة للجماعات الإرهابية، بل تصبح تلك الجماعات بديلاً للدولة، حيث تبدأ في توفير سبل العيش للمواطنين والاستجابة لمظلوميتهم، مستغلين حالة الفراغ الأمني للدولة، لتسهل بذلك على التنظيمات مهمة استقطاب وتجنيد المواطنين.
ففي الصومال تتعرض البلاد منذ فترة لموجة عنيفة من الجفاف هددت الأمن المائي والغذائي، مما دفع حركة شباب المجاهدين لفصل المناطق التي تسيطر عليها بمصادر المياه الخاصة بها عن المناطق غير الخاضعة لهم، لتمثل بذلك أداة ضغط على الأقاليم الأخرى غير التابعة لهم.
- انعدام الأمن المائي والغذائي: تؤثر التغيرات المناخية وارتفاع معدلات الاحترار على كميات الأمطار اللازمة لزراعة المحاصيل، مما يؤثر على الإنتاجية الزراعية، وبالتزامن مع الحرب الروسية الأوكرانية وانخفاض معدلات الواردات وارتفاع الأسعار العالمية، إلى جانب التداعيات السلبية التي خلفتها جائحة كورونا، أصبحت الدول الأفريقية في مأزق كبير تعاني خلاله من معضلة أمن غذائي ومائي، حيث أشارت تقارير صادرة عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إلى تعرض قرابة (250) مليون مواطن أفريقي لأزمة شح المياه الناتجة عن التغيرات المناخية، كما يتوقع أن يتأثر الإنتاج الأفريقي من المحاصيل الزراعية بنسبة (50%) خلال السنوات القادمة، على خلفية موجات الجفاف والتصحر. من جهة أخرى هناك تهديد واضح لمهنة الرعي نتيجة ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض معدلات الأمطار، ما من شأنه تهديد الثروة الحيوانية وارتفاع معدلات النزوح بحثًا عن مناطق مناسبة للرعي، كما انخفضت إنتاجية صيد الأسماك بالمناطق الاستوائية من (40-70%) خلال عامي 2020 و2021[10].
- ارتفاع معدلات البطالة: تعتمد الدول الأفريقية على مهنتي الزراعة والرعي بشكل رئيس، ونتيجة التغيرات المناخية التي تتعرض لها القارة شهدت الزراعة الأفريقية والرعي تراجعًا كبيرًا، الأمر الذي أدى لتسريح العمالة وزيادة معدلات البطالة بشكل كبير، حيث تصل نسبتها في جنوب أفريقيا إلى (34%)، تليها ناميبيا بنسبة (33.4%)، ثم نيجيريا بنسبة (33%)، فيما يواجه أكثر من (400) مليون أفريقي خطر الفقر المدقع[11].
ثالثا: نماذج توظيف الجماعات الإرهابية للتغيرات المناخية
تسعى الجماعات الإرهابية لاستغلال كافة ديناميكيات الصراع لتحقيق مزيد من التوغل والانتشار داخل الأراضي الأفريقية، وقد هيأت هشاشة المؤسسات وانعدام الأمن الأجواء لتنامي تلك التنظيمات، فأصبح كل من داعش والقاعدة متمركزين في دول الساحل والصحراء، فيما تحتدم المنافسة بينهما حاليًا على الساحل الغربي، وجاءت التغيرات المناخية لتضفي مزيداً من السهولة للتنظيمات فيما يتعلق بمهمة الانتشار والتمدد، حيث تعمل التنظيمات الإرهابية على استغلال التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية عبر ثلاث مراحل:
- التنظيمات كبديل للدول عبر توفير الاحتياجات والمتطلبات الخاصة بالمواطنين.
- استغلال الموارد الطبيعية وترغيب المواطنين في التمتع بها.
- استقطابهم وتجنيدهم مستغلين الفراغ الأمني وهشاشة مؤسسات الدولة.
وهناك نماذج عدة تكشف استغلال الجماعات الإرهابية للتغيرات المناخية في فرض سيطرتهم كالتالي:
- الإرهاب بمنطقة بحيرة تشاد
تمثل منطقة بحيرة تشاد التي تضم دولًا محورية كنيجيريا والكاميرون والنيجر وتشاد نموذجًا لمدى تأثر الأوضاع الأمنية والاستقرار بالتغيرات المناخية، فبحيرة تشاد تشكل المصدر الرئيس للمياه العذبة بالمنطقة، ونتيجة لارتفاع معدلات الاحترار واستمرار موجات الجفاف انخفضت مستويات المياه بها، وعزز من تأزم الوضع الزيادة السكانية المتضاعفة، مما يعني ازدياد الحاجة للمياه حيث يعتمد قرابة (80%) من مواطني تلك الدول على البحيرة[12].
وكشفت تقارير بيئية عن تقلص سطح البحيرة بنحو (90%) مما يعني انخفاض كافة الأنشطة المتعلقة بها كالزراعة والرعي وصيد الأسماك، فأصبحت الدول الواقعة على بحيرة تشاد تواجه أزمة غذاء وماء، مما أدى لنزوح المواطنين لمناطق أخرى، حيث تتوافر المياه والأراضي الخصبة، مما أسفر عن صدامات ومواجهات دامية بين النازحين والسكان الأصليين عجزت الأجهزة الأمنية والحكومة عن احتوائها نتيجة الهشاشة الأمنية، الأمر الذي أدى لتآكل ثقة المواطنين في حكوماتهم، لتتجه التنظيمات الراديكالية نحو استغلال تلك الفجوة.
فتأسيس جماعة بوكو حرام ارتبط بالأساس باستغلال ضحايا النزوح جراء نقص المياه والغذاء، حيث استفادت الجماعة في بادئ الأمر من هجرة (200) ألف تشادي إلى نيجيريا بعد موجة الجفاف التي تعرضت لها البلاد، فبدأت الجماعة في استثمار الفراغ الأمني ومظلومية المواطنين عبر توفير الاحتياجات اليومية البسيطة لهم، وقدموا أنفسهم باعتبارهم المدافع عن الدين الإسلامي والمواطنين المقهورين، وظل الوضع هكذا حتى قويت شوكة التنظيم ونجح في تجنيد واستقطاب المواطنين، ثم حدث التحول عام 2009 وبدأ بفرض إتاوات، وشرع في عمليات الخطف للحصول على فدية بغية تعزيز مصادر تمويل التنظيم، ناهيك عن تجارة البغاء والأعضاء والسلاح والمخدرات التي تبناها للحفاظ على قنوات تمويل مختلفة تضمن استمرار التنظيم.
من جهة أخرى سعت الجماعات الإرهابية لتعظيم مكاسبها جراء التغيرات المناخية، ففي ديسمبر (كانون الأول) 2020 قامت جماعة بوكو حرام بقتل (100) مزارع نيجيري على خلفية احتجاجاتهم إزاء هيمنة الجماعة على مصادر المياه العذبة.
لذا فإن التداعيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الناجمة عن التغيرات المناخية كانت المرتكز الرئيس الذي انطلقت منه جماعة بوكو حرام وبدأت في التمدد والتغلغل بحوض بحيرة تشاد، ويمكن إجمال تلك العوامل على النحو التالي:
- إغراءات كاذبة: عبر ترهيب المواطنين بأن التغيرات المناخية سببها غضب من الله، وترغيبهم بضرورة العودة إلى الدولة الإسلامية التي يسودها العدل والرخاء والرفاهية، حتى يتم انتشالهم من الأوضاع المعيشية المتردية، وذلك لجذب مزيد من المواطنين المحبطين اجتماعيًا واقتصاديًا.
- هشاشة الوضع الاقتصادي: نتيجة تراجع الأنشطة الاقتصادية التي تعتمد عليها المنطقة كالزراعة والرعي وصيد الأسماك، حيث تراجع المخزون السمكي من (140) ألف طن عام 1970 إلى (80) ألف طن عام 2006، ناهيك عن ارتفاع معدلات الفقر بالمنطقة إلى (71%)، وارتفاع معدلات البطالة لأكثر من (60%)، كذلك ارتفاع معدلات سوء التغذية لأكثر من (50%)، تم خلق مناخ أكثر مواءمة لانتشار وتمدد التنظيم.
- موجات النزوح: أدت الأوضاع الاقتصادية المتدنية إلى تزايد معدلات النزوح، لا سيما المزارعين الذين تركوا أراضيهم نتيجة نضوب المياه، فاستغلت الجماعة الأحراش كملاذ آمن لتدريب عناصرها.
- إشكالية استجابة الدولة: اتسمت استجابة الحكومات للتغيرات المناخية والتداعيات الناجمة عنها بالطبقية، مما عزز من مشاعر الغضب الاجتماعي إزاء الحكومات، فتحولت مناطق النازحين لبيئة خصبة وحاضنة للجماعات الإرهابية التي اعتبرها المواطنون بديلًا للدولة.
- نموذج حركة الشباب بالصومال
تعاني الصومال على مدار الأربعة عقود الماضية موجة جفاف شديدة، فأصبح يواجه نحو (20) مليون صومالي الجوع الشديد، فيما أفادت تقارير أممية بارتفاع معدلات الأطفال الذين يتلقون العلاج بسبب سوء التغذية إلى (300%) وهي النسبة الأعلى لسوء التغذية في العالم. في المقابل بدأت حركة الشباب في استغلال تلك الأوضاع المتأزمة عبر مد نفوذها للمناطق الأكثر تضررًا، كما عزلت الحركة المناطق المسيطرة عليها ذات مصادر المياه العذبة عن باقي الأقاليم؛ لفرض مزيد من الضغط على الأقاليم غير الخاضعة لسيطرتها. بالتوازي مع ذلك شرعت الحركة نحو إفقار النازحين الذين يقطنون المخيمات، وقاموا بالسيطرة على أراضيهم وممتلكاتهم، والعمل على ابتزازهم والضغط عليهم لتجنيدهم واستغلالهم في الأنشطة غير المشروعة، ناهيك عن النزاعات المسلحة المتنامية، حيث تحولت مدينة جوريل الصومالية لبؤرة نزاع في أكتوبر (تشرين الأول) 2021 بعد مواجهات دامية بين الجيش الصومالي الوطني وجماعة مسلحة؛ نتيجة فشل الدولة في توفير متطلبات المواطنين، الأمر الذي أسفر عن أكثر من (100) قتيل[13].
وبخلاف الاستغلال السياسي والاقتصادي للتغيرات المناخية من قبل التنظيمات الإرهابية، هناك استغلال آخر وهو الاستغلال الإعلامي وبكائية الخطابات، ففي عام 2018 حظرت حركة الشباب استخدام الأكياس البلاستيكية في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، بعد أن تسببت في نفوق أعداد من الماشية التي تعتمد عليها التنظيمات كقناة ضمن قنوات تمويله، وفي عام 2010 أصدر زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن تسجيلًا صوتيًا اتهم خلاله الولايات المتحدة والدول الأوروبية بالتسبب في ظاهرة الاحتباس الحراري، نتيجة الطفرة الصناعية التي حققها كلاهما.
وأخيرًا؛ يمكن القول: إن التغيرات المناخية المتسارعة ستؤدي إلى تغير الخريطة العالمية للموارد الطبيعية، الأمر الذي سينبني عليه مزيد من تصعيد التوترات الأمنية وتزايد معدلات الصراعات الداخلية والإقليمية، لذا بدأت التنظيمات الإرهابية مهمتها مبكرًا كي تصبح فاعلًا رئيسا في الصراعات القادمة حول الموارد الطبيعية.
[1]– Africa is particularly vulnerable to the expected impacts of global warming ,UNFCC , available at: https://unfccc.int/files/press/backgrounders/application/pdf/factsheet_africa.pdf
[2]– أفريقيا أول ضحايا تغير المناخ.. هل ستنقذها قمة “كوب 26″؟، موقع سكاي نيوز، 1 نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، متاح على: https://cutt.us/WInba
[3]– July 2022 Global Climate Report, available at: https://www.ncei.noaa.gov/access/monitoring/monthly-report/global/202207
[4]– Nothing to eat: Food crisis is soaring across Africa, Relief Web,30/5/2022, available at: https://cutt.us/HTDu6
[5]– زينب مصطفى، التغير المناخي والإرهاب في أفريقيا.. ما العلاقة؟، 14 يونيو (حزيران) 2022، مركز فاروس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية، متاح على: https://pharostudies.com/?p=10786
[6]– رشا رمزي، التغير المناخي وأثره على أفريقيا، المرصد المصري، 10 أبريل (نيسان) 2022، متاح على: https://marsad.ecss.com.eg/68960/
[7]– SOLOMON M. HSIANG MARSHALL BURKEAND EDWARD MIGUEL ,Quantifying the Influence of Climate on Human Conflict,1/8/2013, available at: https://www.science.org/doi/10.1126/science.1235367
[8]– د. عزة هاشم، بيئات حاضنة: كيف تؤثر التغيرات المناخية على قضايا الصراع في العالم؟، مركز المستقبل للبحوث والدراسات المتقدمة، 8 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، متاح على: https://cutt.us/mAgqY
[9]– المرجع السابق.
[10]– Climate change: a threat to human wellbeing and health of the planet. Taking action now can secure our future, IPCC, available at: https://www.ipcc.ch/2022/02/28/pr-wgii-ar6/
[11]– زينب مصطفى، مرجع سبق ذكره.
[12]– تقى النجار، التغيرات المناخية والإرهاب: هل من علاقة؟، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، 1 نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، متاح على: https://ecss.com.eg/17284/
[13]– محمد القزاز، المناخ.. وجيل جديد من الإرهابيين، موقع بوابة الأهرام، 10 سبتمبر (أيلول) 2022، متاح على: https://cutt.us/tbiQS