نشرت وزارة الخارجية المصرية على صفحتها الرسمية على الفيسبوك، “التقرير الوطني لجمهورية مصر العربية حول مكافحة الإرهاب لعام 2022” في نسخته الثالثة، تحت عنوان: “جهود الدولة المصرية ومقاربتها الشاملة لمكافحة الإرهاب والفكر المؤدي إلى الإرهاب”، بغرض الإفصاح عن الجهود الحكومية ومقاربتها الشاملة لمكافحة الإرهاب والفكر المتطرف، وتم إعداده بالتنسيق مع الوزارات وأجهزة الدولة المختلفة، على نحو يُبرز جهود تلك الجهات في مكافحة التنظيمات الإرهابية. ويلقي التقرير الضَوء على السياسات الوطنية والممارسات المتبعة ذات الصلة بهذه القضايا، وقد صدر باللغتين: العربية والإنجليزية.
قال الوزير المفوض محمد فؤاد، مدير وحدة مكافحة الإرهاب الدوليفي وزارة الخارجية: إن التقرير يقدم عرضًا مفصلًا لمحاور المقاربة الشاملة التي تتبعها مصر للتعامل مع الأبعاد المختلفة لظاهرتي الإرهاب والتطرف، خصوصًا فيما يتعلق بمعالجة جذور هاتين المشكلتين بهدف الوقاية منهما، وتحصين المجتمع، وفي القلب منه «فئة الشباب»، من الانسياق وراء دعاوى التطرف.
أولاً: ملاحظات منهجية عامة
يسجل الباحث مجموعة من الملاحظات على التقرير:
- اعتمد التقرير في مقاربته لجهود مكافحة الإرهاب على استراتيجية الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، والتي تتضمن:
- التدابير الرامية إلى معالجة أسباب الإرهاب.
- تدابير مكافحة الإرهاب وسبل الوقاية منه.
- تدابير بناء القدرات الوطنية وتعزيز دور منظومة الأمم المتحدة في هذا الصدد.
- تدابير ضمان احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون كضرورة لمكافحة الإرهاب.
- قدم التقرير بياناته من خلال وجهة نظر المؤسسات الدينية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية المصرية كما جاءت من المراكز الإعلامية لهذه المؤسسات، دون أن يختبر مدى نجاحها وتحقيق أهدافها.
- لم يعتمد التقرير على مؤشر الإرهاب العالمي، وركز على مستوى الرصد أكثر من التركيز على مستوى التقدير، ولم يستند في بياناته على ما قام به فريق عمل مصري تابع للحكومة، أعد أول تقييم وطني لمخاطر الإرهاب في مصر، وأنشأ قاعدة بيانات خاصة بتمويل الإرهاب وتحليل البيانات والمعلومات، للوصول إلى مخرجات عن أكثر المصادر والقطاعات استغلالاً. ومن هنا فإن التقرير يعبر عن وجهة نظر الحكومة المصرية وما تقوم به مؤسساتها المختلفة في مجال مكافحة الإرهاب.
- ركز التقرير على المواجهة الشاملة للتنظيمات الإرهابية، ولم يقصرْها على الجانب الفكري والأيديولوجي والأمني، بل جعل مكافحة الإرهاب تتخذ مسارات مختلفة، متعلقة بالتنمية، والاقتصاد، والعدالة، والحريات، وحقوق الإنسان وتمكين الشباب، والاهتمام بالمرأة، في مقابل أنه لم يهتم بالبعد النفسي وما يمثله في تفسير هذه الظاهرة وسبل معالجتها، لا سيما أن اعتماد التنظيمات الإرهابية تلعب على التأثير النفسي في التجنيد الذي أصبح من الأولويات إلى جانب البعد الأيديولوجي المتطرف.
ثانيًا: مكافحة شاملة ومشروطة
أشار التقرير إلى أن مكافحة الإرهاب والتطرف في صدارة أولويات الدبلوماسية المصرية، وأكد أهمية اجتثات الإرهاب والتطرف وتنظيماته الساعية إلى إشاعة الخوف والفوضى، وسلب مقدرات الشعوب وتقويض مؤسسات الدولة الوطنية، مطالبا المجتمع الدولي بتعزيز الجهود الرامية إلى مكافحة الإرهاب من خلال تبني مقاربة شاملة.
لكن ثمة إشكالية واجهت التقرير مرتبطة بعدم وضع تعريف محدد للإرهاب، وهذه الإشكالية ترتب عليها عدم وجود مؤشر عربي للإرهاب، علاوة على عدم وجود مؤشر خاص لكل دولة على غرار مؤشر الإرهاب العالمي، مما يجعل جهود مكافحة الإرهاب مبعثرة وكثيرة وأحيانًا متعثرة.
لكن التقرير طالب بضرورة “اتفاق حول تعريف الإرهاب وعدم استبداله بأي توصيف آخر، أو ترسيخ مصطلحاتٍ مغلوطة من شأنها التمييز بين التننظيمات الإرهابية والتنظيمات التي يصفها البعض بأنها: “متطرفة وأقل عنفًا” أو “غير العنيفة”، على حد تعبير التقرير. لذلك رفض التقرير مصطلح “الجهاديين” كوصف للجماعات الإرهابية، وهو رفض يمثل اجتهاداً خاصاً، طالما لا يوجد تعريف للإرهاب، ومؤشر عربي يعكس نتائج هذا التعريف.
كشف التقرير عن المنظومة التوعوية والمواجهة الفكرية للتطرف، وجعلها أول الركائز في التدابير الرامية لمعالجة الظروف المؤدية للإرهاب، معتمدًا على جهود الأزهر الشريف كأكبر مرجعية للإسلام السني في العالم، فاستعرض دوره، ودور وزارة الأوقاف ودار الإفتاء المصريتين، فيما سماه “إصلاح الخطاب الديني الذي دعا إليه الرئيس المصري”، وما يقوم به مرصد الأزهر وإصداراته باللغات المختلفة التي بلغت (12) لغة، مع حملات التوعية، ونشرِ دراساتٍ ذات طابع أكاديمي، والتعريف بوسطية الإسلام، وتعزيز قيمة الأخوة، واحترام الإنسان، ونشر تقرير شهري لمجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر، ثم جهود ومؤتمرات وزارة الأوقاف، وجهود دار الإفتاء المصرية.
هنا يمكن تسجيل ثلاث ملاحظات:
الأولى: تتعلق بمرجعية استمداد التقرير في هذه الزاوية، حيث إنه رصد ما قامت به المؤسسات الدينية من خلال المؤسسات نفسِها، لكنه لم يقارب مدى نجاحها على أرض الواقع في تحقيق المقاربة المصرية في شأن مكافحة الإرهاب، بل اعتمد وجهة نظر المؤسسات الدينية والثقافية والهيئات الحكومية المصرية كما جاءت من المراكز الإعلامية لهذه المؤسسات.
الثانية: تحظى جهود المؤسسات الدينية في مصر بالتأييد على مستوى النشر والدراسات والخطب، لكنها في حاجة لتكون ضمن المناهج والمقررات الدراسية حتى تظهر فائدتُها، كما أن القفزة التي قفزتها التنظيمات الإرهابية إلى العالم الافتراضي (فيسبوك – تويتر – غوغل- وغيرها)، تعد أبرز سمات موجة الإرهاب المعاصرة، فالخبراء يتفقون على أن التنظيمات الإرهابية والمتطرفة تهتم كثيراً بالجانب التقني والميديا الجديدة، حتى إنه في عام 2015 أغلقت إدارة تويتر (10) آلاف حساب تابعة لـ”داعش”، وبلغ التنظيم حد إصدار نسخة من مجلته بالإنجليزية، وإصدارها كذلك بلهجة جنوب وشمال تونس مثلاً، مع استخدامه للألعاب الإلكترونية الخاصة بالأطفال، وهذا يتطلب جهدا مضاعفا في مكافحة الإرهاب يفوق الجهد المبذول من المؤسسات المعنية في مصر، ولا ينتقص من جهودها.
الثالثة: وجوب التفرقة بين تجديد الخطاب الديني ومكافحة الإرهاب، والخلط بينهما يضعف الجهود الرامية لاستئصاله، بعد ذلك تبدأ مرحلة تجديد الخطاب الديني، وأول مهامه بناء استراتيجية محددة يمكن من خلالها تقديم نموذج معرفي للإسلام منفتح على العالم.
ثالثًا: أنصار بيت المقدس والارتباط بالإخوان
فجر التقرير مفاجأة تختلف عما استقر عليه جُل الباحثين والمتخصصين في شأن الحركات الإسلامية، حين ذكر في صفحتين (31-32) أن: “قوات الأمن المصرية نجحت في إحكام السيطرة الأمنية بسيناء، ممّا أدى إلى محدودية تنفيذ عمليات إرهابية خلال الفترة الأخيرة مقارنة بالأعوام السابقة، وأنّ: “قوات إنفاذ القانون تمكنت من القضاء على البنية التحتية لتنظيم أنصار بيت المقدس، وأن عناصر أنصار بيت المقدس هي عناصر محلية لا ترتبط تنظيمياً أو عملياتيًا أو تمويليًا بأيّ شكل من الأشكال بما يُسمى تنظيم داعش الإرهابي، أو أي من التنظيمات الإرهابية الأخرى خارج البلاد، وإنّما ترتبط أيديولوجياً بتنظيم الإخوان الإرهابي الذي يُعتبر المصدر الرئيس لكافة التنظيمات الإرهابية[1].
أضاف التقرير: “ليس لداعش وجود في مصر، والادعاءات بارتباط تنظيم أنصار بيت المقدس بداعش ليس لها أي أساس، وتستند إلى معلومات مغلوطة تروج لها التنظيمات الإرهابية بما يُخالف حقيقة الواقع، وذلك للتعظيم من ذاتها على ضوء الخسائر التي تكبدتها، وقطع كافة سبل الإمداد”[2].
ساد الاعتقاد أن تنظيم أنصار بيت المقدس يتبع “داعش”، لا سيما بعد أن استبدل اسمه بـــ”ولاية سيناء” وبايع التنظيم، وتبنى عدداً من العمليات الإرهابية على غرار ما يفعله. وقد برز هذا التنظيم في مصر في أعقاب سقوط حكم الإخوان في 30 يوليو (تموز) 2013. ومما أكد عليه التقرير أن تنظيم “أنصار بيت المقدس” الموجود في منطقة محدودة للغاية في شمال سيناء، مع استمرارها [أي قوات إنفاذ القانون] في ملاحقة فلول العناصر الإرهابية المنتمية لها، وهي عناصر محلية لا ترتبط تنظيميًا أو عملياتيًا أو تمويلياً أو بأي شكل من الأشكال بما يُسمى تنظيم “داعش” الإرهابي، أو بأيٍ من التنظيمات الإرهابية الأخرى خارج البلد، وإنما ترتبط أيديولوجيا بتنظيم “الإخوان” الإرهابي الذي يعتبر المصدر الرئيس لكافة التنظيمات الإرهابية”[3].
يرى الباحث أن المعلومات متضاربة حول علاقة تنظيم بيت المقدس بتنظيمات أكبر، لكن ثمة روابط أيديولوجية تجمع بينه وبين تنظيم “داعش”، وهذا الرابط هو الذي أشار إليه التقرير حينما تحدث عن: “مواجهة كافة التنظيمات الإرهابية دون استثناء، بالنظر إلى انبثاقها عن ذات المصدر الأيديولوجي، وهو تنظيم الإخوان القائم على الفكر التكفيري المتطرف الذي أرساه سيد قطب وحسن البنا، مع عدم الفصل بين العمل الإرهابي المادي أو الخطاب المتطرف التحريضي المؤدي إلى الإرهاب”[4].
التقط التقرير الخيط الناظمَ للتنظيمات الإسلاموية الإرهابية حين أرجع مصدرها الأيديولوجي إلى تنظيم الإخوان، وبرصد التنظيمات الإرهابية منذ تنظيم “الفنية العسكرية” و”الجماعة الإسلامية” و”تنظيم الجهاد” و”القاعدة” و”داعش”، نجد أنها تنهل من أفكار قطب، التي جاءت في كتابه: “في ظلال القرآن”، وهي أفكار شديدة التطرف تتجه بشكل كبير نحو التكفير، ولها مرجعية أساسية لدى التنظيمات الإسلاموية.
وفي السياق لا يشكل كتاب “رسالة الإيمان” لشكري مصطفى مؤسس تنظيم الجهاد، سوى بضع صفحات أمام في “ظلال القرآن”، وينطبق هذا على كتاب “الفريضة الغائبة” لعبدالسلام فرج. ويعد أيمن الظواهري جسرًا بين هذه التنظيمات وتنظيم القاعدة، كما أن قائد جماعة “بوكو حرام” وأبو محمد العدناني المتحدث السابق باسم تنظيم “داعش” تأثرا بقطب، ولكنّ المنتج الجديد من التنظيمات هو منتج متقدم ومتطور من أفكار قطب.
رابعًا: أبعاد حاضرة وأخرى غائبة
ألقى التقرير الضوء على الأبعاد المختلفة في مكافحة التنظيمات المتطرفة على المستويات الأمنية والتشريعية، والتنموية، وركز على البعد التنموي من خلال إبرازه للإنجازات التي تحققت فيما يتعلق بالدفع قُدمًا بمعدلات التنمية ورفع مستوى معيشة المواطن المصري، آخذًا بعين الاعتبار أهمية البعد التنموي في الوقاية من الإرهاب والتطرف، فبدأ بالبعد الاقتصادي والاجتماعي، إيمانًا منه بأن المقاربة الشاملة للتصدي للإرهاب والفكر المتطرف مدخلها التنمية المستدامة والرخاء الاقتصادي والاجتماعي، واعتماد مبادرات لتحسين الأوضاع الاجتماعية للمواطن، خصوصًا في مجالات الصحة وتمكين المرأة والشباب، مما يسهم في خلق بيئة طاردة للإرهاب والتطرف.
ذكر التقرير بعض الأرقام والبيانات المتعلقة بتحقيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية بين المحافظات المصرية، في ظل التذمر من ارتفاع الأسعار وارتفاع معدلات البطالة، وهو ما ينفيه التقرير بأن: “معدل البطالة انخفض إلى (5,5%) بنهاية العالم المالي (2020-2021) مقارنة مع (6. 9%) في العام المالي (2019-2020)، وهكذا في الأعوام السابقة، وأن حجم التمويل المقدم للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر بلغ (19) مليار جنيه، واستفاد منه (936) ألف شخص”[5].
لفت التقرير إلى برامج الحماية والرعاية الاجتماعية، ومبادرات تطوير الريف المصري، ومشروعات تطوير البنية التحتية، وتوسيع شبكة الحماية الاجتماعية، ومشروعات التنمية في سيناء. إلا أنه لم يتطرق إلى الخسائر التي حدثت بقطاع السياحة، وانخفاض عوائده عقب حدوث أي عملية إرهابية، ونقل دراسةً توصل إليها أحد المراكز البحثية المصرية، أُطلقت في أبريل (نيسان) 2022 بتكليف من وزارة التضامن الاجتماعي، غطت الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، معتمدة على منهجية مؤشر الإرهاب العالمي في محاولة لقياس التكلفة الاقتصادية للعمليات الإرهابية، وتأثر السياحة بالإرهاب في مصر، وذكرت “أن حوادث الإرهاب أثرت على معدلات الإنفاق العام على قطاعات كالصحة والتعليم، وأن موجات الإرهاب غير المسبوقة التي وصلت ذروتها في عامي 2014 و2015 في أعقاب سقوط حكم الإخوان في ثورة 30 يونيو (حزيران قد تلازمت دومًا مع نوع آخر من الإرهاب الفكري الناعم الذي تغلغل في مؤسسات المجتمع عبر شبكاته الاقتصادية والتمددية والتعبوية منطلقا من التفسيرات الدينية المغلوطة والمتشددة”[6].
خامسًا: بناء قدرات الدولة في مكافحة الإرهاب وتعزيز دور الأمم المتحدة
ألقى التقرير الضوء على النشاطات والهيئات المدعومة من الأمم المتحدة، وعلى رأسها “مركز القاهرة الدولي لتسوية النزاعات وحفظ وبناء السلام” (Cairo International Center for Conflict Resolution, Peacekeeping and Peacebuilding)، الذي أطلق برنامج “الوقاية من التشدد والتطرف المؤدي إلى الإرهاب” (Preventing Radicalization and Extremism Leading to Terrorism)، بهدف بناء الكوادر والقيادات القادرة على دحض الأيديولوجيات المتطرفة، وفي هذا الإطار كان التركيز على المؤتمرات وورش العمل والدورات التدريبية الافتراضية، لكن من غير وجود تقديرات تبين مدى استجابة المجتمع وتأثره بهذه الأعمال، بخلاف التنظيمات المتطرفة التي تركز دائمًا على التغلغل في المجتمع وحواضنه التعليمية والتربوية والثقافية والدينية والاقتصادية كأهمية قصوى.
سلط التقرير الضوء على الجهود المبذولة على المستويين الإقليمي والدولي في محاربة الإرهاب، فأشار إلى “تضاعف الجهد من خلال رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي عام 2019، وترؤسها مجلس السلم والأمن الأفريقي خلال نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، ورفعت شعار: (الحلول الأفريقية للمشاكل الأفريقية)، وافتتاح مركز الساحل والصحراء لمكافحة الإرهاب في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، وانعقاد منتدى السلام للتنمية في أسوان في نسخته الثالثة يونيو (حزيران) 2022”[7].
في هذا الإطار يمكن فهم ما تصبو إليه الدبلوماسية المصرية من تحقيق نجاحات دولية في مجال مكافحة الإرهاب، وهو ما يمكن ربطه بما قررته اللجنة التنسيقية للمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب في أبريل (نيسان) 2022 للترشيح المشترك لمصر والاتحاد الأوروبي لرئاسة المنتدى لمدة عامين، خلفًا للمغرب وكندا[8].
ذكر التقرير أن مكافحة الإرهاب في مصر تمثل: “التزاماً دستورياً نصت عليه المادة (237) من الدستور المصري [بحيث] تلتزم الدولة بمواجهة الإرهاب بكافة صوره وأشكاله، وتعقب مصادر تمويلِه، وينظم القانون أحكام إجراءات مكافحة الإرهاب والأضرار الجسيمة الناتجة عنه، والتزامًا بنص هذه المادة صدر القانون رقم (94) لسنة 2015 لمكافحة الإرهاب، ثم القانون الخاص بتنظيم قوائم الكيانات الإرهابية بهدف حصار الإرهاب وتجفيف منابعه”[9].
ومن الملاحظ أن التقرير حين شدد على أن: “التشريعات الخاصة بالإرهاب تدعم مبدأ المواطنة، والعدالة وحرية التعبير ومناهضة التمييز”، كأنه يرد على ما نشر بخصوص مدى نجاعة التدابير الرامية إلى ضمان احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون كضرورة لمكافحة الإرهاب، وضرورة تعديل بعض التشريعات الوطنية بما يتسق مع التزامات مصر الدولية والإقليمية بمكافحة الإرهاب من جهة، وضمان الحريات من جهة أخرى، وعدم استغلال الحريات المتاحة من جهة ثالثة، ومدى وجود قواعد إجرائية تُبقِي على الإطار العام للشرعية الإجرائية، وتكفل احترام حقوق الإنسان.
وأحد الاعتبارات الرئيسة التي تقف خلف المقاربة المصرية في هذا الخصوص يمكن فهمها في ضوء ما تقدمت به مصر منذ عام 2015 في مجلس حقوق الإنسان والجمعية العامة بقرار حول أثر الإرهاب في التمتع بحق الإنسان في الحياة والحرية والأمان ووقايته من تبعات الإرهاب الاقتصادية والاجتماعية.
لكن في المقابل لم تكن الإجراءات التي أشار إليها التقرير كافية لإقناع الإدارة الأميركية، التي أعلنت أخيرًا حجب جانب من مساعدات عسكرية تقدمها أميركا لمصر بقيمة (130) مليون دولار أميركي، وأن إدارة بايدن وافقت على منح القاهرة الجزء الأكبر من المعونة العسكرية، وسط ربط للإجراء بـ”انتقادات حقوقية” للقاهرة، وأن هذه المقاربة تعكس مخاوف الإدارة الأميركية بشأن حقوق الإنسان في مصر”، وهو ما ترفضه مصر معتبرة أن الإجراءت تتم وفق “مسار قانوني”[10].
وفي المقابل أعلنت القاهرة –منذ شهور- عن بدء حوار وطني شامل، وأفرجت عن عدد من النشطاء السياسيين وبعض الصحفيين المنتمين لقناة الجزيرة القطرية، ووعدت عن الإفراج عن الباقين تباعا.
سادسًا: اتفاقيات التعاون الدولي والإقليمي
أشار التقرير إلى أن مصر شاركت في عدد من الاتفاقيات الدولية التي منها:
1- اتفاقية طوكيو بشأن الجرائم المرتكبة على متن الطائرات.
2- الاتفاقية الدولية لقمع الهجمات الإرهابية بالقنابل التي أقرتها الأمم المتحدة في 15 ديسمبر (كانون الأول) 1997.
3- الاتفاقية الدولية لمنع تمويل الإرهاب المبرمة في نيويورك 9 سبتمبر (أيلول) 1999.
4- الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب في القاهرة أبريل (نيسان) 1998.
5- الاتفاقية العربية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية في القاهرة 2014.
بما يعني أن مصر شاركت المجتمع الدولي في جهود مكافحة الإرهاب من خلال الانضمام إلى أغلبية الصكوك الدولية والإقليمية المعنية بمكافحة الإرهاب منذ انضمامها إلى اتفاقية جنيف عام 1937 حتى اليوم.
الخاتمة
يُثبت التقرير الوطني المصري لمكافحة الإرهاب أن مصر استشعرت خطورة العمليات الإرهابية على المستويات كافة، وأن الإجماع الدولي يفرض عددًا من المتطلبات لا بد من توافرها لمواجهة جادة للإرهاب لا تعيق التنمية، ولا تقيد الحريات وحقوق الإنسان، وتبتعد عن الشعارات والمزايدات لتجفيف منابع الإرهاب، وهذا يتم بعدم اقتصار مجابهة الإرهاب والتطرف على الجانب الأمني فقط، فالمواجهات الأمنية والعسكرية ضرورية، لكنها ليست كافية؛ ومن هنا تأتي أهمية منع خلق بيئات توفر تمدداً للحاضنات الإرهابية، مع تكييف التشريعات وتطويرها كل حين، وتحديث أجهزة العدالة والقضاء، ودراسة ما يستجد من قضايا، وإيلاء اهتمام بالجانب النفسي الذي يمثل أهم الجوانب عند المعالجة، وعدم اللجوء إلى الاستخدام المفرط في القمع واستخدام القوة العشوائية، لقطع العلائق بين محاضن التنظيمات الإرهابية وبين القاعدة الشعبية العامة من الجماهير، لأن فقد القاعدة الشعبية يقوض بشدة جهود مكافحة التطرف.
وضع التقرير في الحسبان البند رقم (112) من تقرير الأمانة العامة للأمم المتحدة الذي ينص على أنه: “يجب عند مكافحة الإرهاب ألا نضحي بقيمنا، ونحط من معاييرنا إزاء قيم ومعايير الإرهابيين، فالتعاون الدولي يجب أن يكون مطابقا للقانون الدولي والبروتوكولات الدولية ذات الصلة”[11].
علاوة على أن مصر –وهي دولة مستهدفة- عليها تقديم توصيات عامة ومشورة للدول والهيئات، وتقديم خطط عمل ثاقبة لضمان الحريات وحقوق الإنسان في ضوء مسؤلياتها في هذا الاتجاه، وتجاوز بعض الانتقادات الدولية الموجهة لها بخصوص هذا الشأن، وعليها -كما على غيرها من الدول- تطوير آليات للتعاون بينها وبين الشركات العملاقة في مجال المعلومات والاتصالات مثل: (جوجل وتويتر) لملاحقة هذه التنظيمات، وبلورة استراتيجيات يتم تنفيذها على المستويات الثلاثة: المحلية- الإقليمية- الدولية، ووجود آلية يرتفع بها التقرير عن المؤسسات، لكنه يدعمها ويُصوِّب أداءها بكل حيادية.
[1]– التقرير الوطني لجمهورية مصر العربية حول مكافحة الإرهاب، جمهورية مصر العربية، وزارة الخارجية، 2022، ص32.
[2]– المرجع نفسه، ص32.
[3]– المرجع نفسه، ص31-32.
[4]– المرجع نفسه، ص3.
[5]– المرجع نفسه، ص15.
[6]– المرجع نفسه، ص24.
[7]– المرجع نفسه، ص42.
[8]– اعتماد الترشيح المشترك لمصر والاتحاد الأوروبى لرئاسة المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، اليوم السابع، 8 أيريل (نيسان) 2022، على الرابط الاتي:
https://www.youm7.com/story/2022/4/7/اعتماد-الترشيح-المشترك-لمصر-والاتحاد-الأوروبى-لرئاسة-المنتدى-العالمى-لمكافحة/5720423
[9]– التقرير الوطني لجمهورية مصر العربية حول مكافحة الإرهاب، جمهورية مصر العربية، مرجع سابق، ص27.
[10]– جريدة الشرق الأوسط، الجمعة 16 سبتمبر (أيلول) 2022، العدد 15998، ص7.