هل هناك نية لدى الحائري لتقديم اعتذار عمّا ارتكبه في فتاواه، أو يُحاسب عليها من قبل منظمة دولية؟! ففيها تشريع إبادات جماعية، قُتل بسببها مِن الشُّرطة والحُراس وأبرياء كثيرون؟! هل لحزب الدَّعوة التَّخلي علانية عن هذا الرَّجل، أم يبقى الإصرار على اعتبار تلك الفظائع قيمًا “جهاديَّة”؟ ويُسوق له وتُرعى مكاتبه، ويُسهل لوكلائه داخل العراق؟
بعد انهيار النِّظام السَّابق (9 أبريل/ نيسان 2003)، أصدر آية الله محمد كاظم الحائريّ، أحد أقطاب الإسلام السِّياسيّ، فتوى تُجيز قتل البعثيين، ضمن بيانه (19) المؤرخ (10/4/1424هـ) “إهدار دم وجوه البعثيين في العراق”. لا جدال في محاسبة مَن ابتلي بدم عبر قضاء نزيه، تؤخذ كقضايا جنائية، لكن أنْ تصدر فتوى بالقتل، ويتصدر آية الله القضاء، تلك جريمة قتل جماعي.
تتحمل هذه الفتوى، وما سنعرضه مِن فتاوى “دليل المجاهد”، كلَّ ما حصل مِن تصفيات للكفاءات العراقيَّة، ولمَن قاتل في صفوف الجيش العراقي، مِن كبار الضُّباط، خلال الحرب مع إيران (1980-1988)، فالمجاهد، المعني بهذه الفتاوى، لا يقتل بدون الاطمئنان لوجود رخصة دينيَّة تبيح له القتل. فلا تبقى فتوى القتل محصورة في شخص أو جماعة، إنما تصبح عامة تنفذ فيمن دعاهم الحائري بـ”الكفار”.
نأتي على كشف هذا القضية الخطيرة مساهمةً في تأرخة هذه الحِقبة العصيبة مِن تاريخ العراق، وبيان أفظع فتاوى قتل واستباحة أموال، تلك التي أصدرها الحائري في “دليل المجاهد”، باستغلال الدِّين والمذهب، وتحويلهما إلى أغراض السّياسة بأعنف أشكالها، وباعتبار نفسه مرجعاً، واعتبار مقلديه إياه نائباً للإمام، ففي التّقليد مَن يعص المرجع عصى الإمام، ومَن عصى الإمام عصى الله (الكُليني، كتاب الكافي)، ولو لم يعتبر الحائريّ نفسه بهذه المنزلة ما صدر فتاواه في “دليل المجاهد” بعبارة: “نسمح لكم بالقتل”!
اشتهرَ “دليل المجاهد” للحائريّ بين المعارضة الإسلاميَّة العراقيَّة؛ التي كانت تتخذ مِن إيران قواعدَ لانطلاقها عبرَ الأهوار، فهي غابات مِن البردي والقصب، وممرات مائيَّة، لا يجوع ولا يعطش مَن يتحصن بها. كذلك قيام الإسلاميين بتفجيرات داخل المدن؛ أدت إلى قتل أبرياء، لحظة وجودهم في مؤسسة أو وسيلة النّقل، أو أيّ مصلحة عامة، يسقطهم قتلى، لهذا ورد عدد مِن فتاوى “دليل المجاهد” إجازة “التَّترس”.
صدر “دليل المجاهد” أول مرة سنة 1414هـ/1993م، لم يكن خلال الحرب العِراقيَّة- الإيرانيَّة، التي قُتل فيها جواد نجل الحائريّ دفاعاً عن “الجمهوريَّة الإسلاميَّة”، وفق ما ورد في الموقع الرَّسمّي للحائريّ، وهذا خلاف ما أشيع بأنْ الدَّليل صدر خلال الحرب، مما يشي بأنَّ قتل ولده زخ في صدره كل هذا العنف، كي يُحَمَّل دمه العراق كافة، ما عدا مَن سماهم “المؤمنين” أتباعه مِن المجاهدين. ظل الكتاب يُطبع حتَّى الطَّبعة الرَّابعة 1420هـ/1999، التي بين أيدينا، والطَّبعات صدرت بداخل إيران كافة، مِن دون إشارة، فحين صدر كانت العلاقات بين النّظامين قد تحسنت، وتبودلت الوفود واشتبكت المصالح.
كان الحائريّ، فقيه حزب الدَّعوة، ولادة كربلاء مِن أصل إيرانيّ، وحامل الجنسية الإيرانيَّة، انتهت علاقته الرَّسميَّة بالحزب، بعد الانتقال إلى إيران، أثناء ما عُبر عنه بـ”أزمة القيادة” (عام 1988)، وكان الخلاف مع جماعة الحزب بلندن عن دوره كولي فقيه له الكلمة الفاصلة، فاعتزل الموقع (الشَّاميّ، المرجعية مِن الذَّات إلى المؤسسة).
ظل الحائريّ، ومحمود الهاشميّ الشَّاهرودي (تـ: 2018) -الأخير تسلم مناصب كبرى بإيران- يعدان مِن وجوه “الدَّعوة” البارزين، ويحظيان باهتمام الحزب كمراجع دين في إعلامه. كان الاثنان مِن تلاميذ محمد باقر الصَّدر (أعدم 1980)، غير أنَّ الشَّاهروديّ لم يكن عنيفاً متطرفاً، إنما شغله درسه الفقهي ومناصبه، عمَّا تورط به زميله الحائريّ مِن عنف واستباحة دماء، مع أنَّ الحائريّ، وكلّ الدَّعويين ممِن تصدوا للمرجعيَّة، لم يذكروا في سيرهم الانتماء للحزب في يوم ما (انظر: الموقع الرَّسميّ للحائريّ، سيرته الذَّاتية). كأنَّ مَن يتصدى للمرجعية يمسي انتماؤه الحزبي عائقاً أمام توسيع مساحة مقلديه.
أخيراً، اعتزل الحائري العمل المرجعيّ، على أنه كان مرجعاً للتيار الصَّدري، بوصية من محمد الصَّدر (اغتيل: 1999)، والد مقتدى الصَّدر، وسلم مقلديه لطاعة آية عليّ خامنئي. قال: “على جميع المؤمنين إطاعة الوليّ قائد الثَّورة الإسلاميّة سماحة آية الله العظمى السيّد عليّ الخامنئي (دام ظلّه)، فإنّ سماحته هو الأجدر والأكفأ على قيادة الاُمّة، وإدارة الصَّراع مع قوى الظَّلم والاستكبار في هذه الظُّروف التي تكالبت فيها قوى الكفر والشرّ ضدّ الإسلام المحمّدي الأصيل” (1/ صفر/ 1444هـ، موقع الحائريّ على الرَّابط: https://www.alhaeri.org/pages/statments-detail.php?id=149). قصد مَن يقلده مِن العراقيين. أمَّا عبارته “الإسلام المحمديّ الأصيل” فيقصد به الإمامية ومَن يؤمن بولاية الفقيه منهم فقط.
بيد أنَّ علاقة الحائريّ بمحمد الصَّدر لم تكن على ما يُرام، كي يوصي بأنه خليفته على أتباعه، بدلالة رفضه فتح مكتبٍ للصدر بإيران، رافضاً استلام رسالته في هذا الشَّأن، بعد تحسن العلاقات بين العراق وإيران، وفق شهادة مبعوث الصَّدر إلى إيران حينها: “رفض السَّيد الحائريّ قبول الدَّعوة وقال: ماذا يفعل محمَّد الصَّدر بالمكتب هنا، ألا تكفيه النَّجف؟ وذكر أموراً أخرى نحن في غنى عنها الآن” (الزَّيدي، السَّفير الخامس، بيروت 2001).
دليل المجاهد
نصب الحائريّ نفسه قاضياً وحاكماً، يستهل ويختم فتاواه بـعبارات: “جوَّزت لكم”، و”نسمح لكم بالقتل”، و”نسمح لكم بقتله”… إلخ، منح لنفسه مطلق الصّلاحيات، يتصرف في الدِّماء والأموال، تحت مبرر “محاربة المؤمنين”. كذلك في “دليل المجاهد” نصب نفسه محصلاً للخمس مِن الغنائم، التي يغتنمها مجاهدوه مِن العراقيين، كغنيمة، مثل أموال توجد في ثياب القتلى، أو المنهوبة مِن البنوك، فكلُّ هذا له خمسه، لأنه الفقيه “الجامع الشَّرائط”!
نُشرت مؤلفات الحائريّ كافة على موقعه؛ وبينها “الكفاح المسلح في الإسلام”، إلا “دليل المجاهد”، نراه اختفى! فهل صار الكتاب عبئًا على مرجعيته، وعلى “الدَّعوة” حزبه، بعد أنْ صار في السُّلطة، وللحائريّ بالعراق في ظله اثنا عشر مكتباً؟! فما ورد في الدَّليل مِن المبالغة بالعنف والتَّطرف، بما لا ينقص عما ورد في أدبيات القاعدة وداعش.
احتوى الدَّليل على (165) صفحة، بثمانية فصول، و(213) فتوى، جاءت وفق طريقة الفقهاء، يصدرون الفتوى وكأنها جوابٌ عن سؤال، وهذا ليس حقيقياً دائماً، فما يخص فتاوى الدَّليل كان المستفتي والمفتي واحداً، لذا تجد بعضهم يجعل الاستفتاء، أي السُّؤال باسم “ثلة مِن المؤمنين”، وفي حال فتاوى الحائري جُعلت الفتاوى جوابات عن استفتاءات المجاهدين.
اُستهل الكتاب بآية الجهاد: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ…“(سورة الصَّف: 10-11)، قصدها الحائري جهاداً بدائياً، لنشر الإسلام! وقد وصل أتباعه إلى السُّلطة فماذا حصل؟! أمَّا الطَّبعة الأولى فاستُهلت بالآية: “فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ“(سورة التَّوبة: 12). بهذا وضع الحائريّ إسلام أهل العراق وراء ظهره، لتُنجز فتوح جديدة على يده، طالما الخصم كان كافراً وفق دليله.
استهل الحائري بجواب عن سؤال: “صدر لسماحتكم كُتيب يُسمَّى دليل المجاهد، فهل العمل به مبرئ للذمة”؟ أجاب: “مبرئ للذمة إنْ شاء الله”. ثم عطف عليه سؤالًا آخر: “وهل يجوز لمقلدي السَّيد الخوئي أو السَّيد الإمام (يقصد الخمينيّ) أو مقلدي مرجع آخر”؟ الجواب: نعم يجوز ما داموا محرومين مِن فتوى مرجعيتهم في تلك المسألة”، ويقصد على شاكلة الفتاوى الواردة في دليله.
طالما جرى الحديث عن فتوى “التَّترس”، وتطبيقها مِن قِبل القاعدة وداعش وغيرهما مِن الجماعات الإرهابيَّة، كذلك وردت كثيراً ضمن فتاوى “دليل المجاهد”، وفحواها أنْ يبرر قتل الأبرياء في عمليات قتل المطلوبين.
توجد إباحة التَّترس في وصايا الجهاد، واشتهرت عن الشَّيخ أحمد بن تيمية (تـ: 728هـ)، ونصها: “فإن الأئمة متفقون على أنَّ الكفار لو تترسوا بمسلمين، وخيف على المسلمين، إذا لم يقاتلوا: فإنه أنْ نرميهم، ونقصد الكفار..” (النَّجدي، فتاوى الشَّيخ ابن تيمية)، أطلقت في ظرف اجتياح المغول في ذلك الزَّمن، لكن السُّؤال: هل توافق الحائريّ مع ابن تيمية، كي يستلهم منه أو يحدو حدوه في القول بـ”التترس”؟! وقد زاد عليه اعتبار العراقيين كفاراً، ما عدا “المؤمنين”، مع أن الحملة الإيمانيّة كانت قائمة رسمياً بالعراق على قدمٍ وساق، ومظاهر التَّدين شائعة إلى حدٍ كبير.
شملت فتاوى الدَّليل سائق السّيارة والشّرطي، وناقل الأغراض، اعتبرهم كفاراً كافة، بجريرة عملهم مع الدَّوائر الرَّسميَّة العِراقيّة. جعل الحائري العِراقَ فُسطاطين: المؤمنين وهم المجاهدون، والكفار العاملين في الدَّولة العراقيَّة، أيّ “دار الهجرة ودار الحرب”، والمنطق نفسه عند القاعدة وداعش، وفسطاط الكفر كان، وفق منطقه، مشمولاً فيه مَن يتبوأ اليوم مناصبَ، وزراء وقضاة، وقادة في الجيش، وحتَّى رئيس الوزراء الحالي، فكان مديراً للزراعة داخل العراق، في وقت صدور الدَّليل، وبالمحصلة الجميع كانوا يعملون في دوائر الدَّولة (الكافرة). ففي منطق الحائري! ليست المسألة معارضة وسُلطة، إنما مؤمنون وكفار.
فتاوى التَّترس
- هل يجوز ضرب قطار عندما يكون محملاً بالجنود، ومعهم عدد مِن المدنيين الأبرياء؟!
- الفتوى: “اضربوا هذا القطار بشكل يشل حركته، دون الإضرار بالأبرياء”! أقول: كيف ينجو مَن في القطار وقد ضرب بالهاونات، أو وضعت في سكته المتفجرات!
- ما حُكم العمليات التي تُنفذ ضد رموز النِّظام، ويتضرر بها الآخرون؟
- الفتوى: “تجوز في كل هذه الحالات، بشرط أنْ تكون مصالح العمليات هامة وعظيمة، بحيث تغلب على الأضرار الجانبية التي تُصيب الأبرياء”!
- المجرم إذا كان معه بريء، وتقتضي المصلحة العامة قتله، بحيث يؤدي إلى قتل البريء أيضاً فما هو الحُكم؟
- الفتوى: “إن كانت المصلحة الإسلاميَّة هامة جاز ذلك”.
- هل يجوز وضع السُّم في الغذاء والماء للجيش (العراقيّ)؟!
- الفتوى: “إنْ لم يؤد إلى قتل الأبرياء جائز”.
- عن مهاجمة المنظمات والفرق والشُّعب الحزبيَّة، وكلّ أماكن النِّظام البعثي، ماذا عن طُلاب المدارس والمدنيين، والحراسة والسّيارات لا تعرف لمَن؟
- الفتوى: “أمَّا ما توقفت عليه مواصلة الجهاد، ولم يمكن تجنبه فهو جائز لكم”.
- هل يمكن ضرب مديرية الأمن العام مع وجود أبرياء موقوفين فيها”؟
- الفتوى: إذا كانت في ذلك فوائد جهاديَّة، تهون دونها خسارة نفوس بريئة موقوفة جاز ذلك”.
قتل الأسرى
- فتوى: “العناصر المعادية للإسلام في صفوف الدَّولة؛ إذا وقع أحدهم أسيرًا بيدكم، نسمح لكم بقتله…”.
- “ما حكم الجنود والضُّباط المقبوض عليهم في الشَّارع؛ إذا كان بعضهم ملتحقاً بوحدته العسكريَّة، والآخر مجاز منها”؟
- الفتوى: “مَن كان معاوناً لنظام صدام في محاربة المؤمنين يجوز لكم قتله؛ ولو كان في الوقت الحاضر مجازاً، أو مشغولاً بعمل غير عدائي”.
- ما حُكم الأسير في المعركة مع العِلم ليس لدينا متسع لإيوائه؟
- الفتوى: “المعاون لنظام صدام ضد المؤمنين نسمح لكم بقتله”.
- هل يجوز ضرب أو قتل الأسير الذي يُعاند، ويمتنع عن الإدلاء بالمعلومات…؟
- الفتوى: “نعم يجوز ضربه إنْ توقف أخذ المعلومات الهامة على الضَّرب، ويجوز قتله إنْ صعب إبقاؤه في الأسر، فدار أمره بين القتل والفرار إلى جهة العدو”.
غسيل الأموال
- ما حُكم الأموال المزورة، وهل يجوز استبدالها بأموال صحيحة؟!
- الفتوى: “ما دفعتموه إلى البنوك الحكوميَّة لتحصيل عملة غير مزورة أنتم مجازون في ذلك”.
- هل يجوز صرف الأموال المزوَّرة لعوائل الشُّهداء والمعتقلين، وكذلك صرفها رواتب للمجاهدين؟
- الفتوى: “إن كان إبدالها في البنوك الحكوميَّة فقد جوَّزنا لكم ذلك…”.
نهب المال العام
- شركات ومخازن أغذية باستطاعة المجاهدين أخذها، ولكن قد يتضرر الحُراس، فما هو الحُكم؟
- الفتوى: “يجوز أخذها، وتخصيصها لأعمال الجهاد…”.
- ما حُكم الشَّخص الذي يستولي على المجوهرات، بحجة أنَّ صاحب الصِّياغة مِن أفراد الأمن…؟
- لو عُلم يقيناً أنَّ هذه الأموال للسُلطة يجب تسليمها إلى الفقيه العادل الجامع للشرائط مع إعلامه بالأمر؛ ولو احتمل أن تكون ملكاً شخصياً للمسروق منه، إذن يجب عليه إرجاعها إلى المسروق منه”.
- الفتوى: “نسمح لكم بذلك في العراق، لخصوص الأغراض الجهاديَّة”.
- هل يجوز أخذ الطَّابعات مِن المدارس أو الأدوية مِن المستشفيات أو البطانيات مِن الأقسام الدّاخلية؟
- الفتوى: “يجوز أخذ جميع الأموال الحكومية واستعمالها في الأغراض الجهاديَّة؛ وتأمين حاجات المجاهدين على أن لا تضر بسمعة المجاهدين”!
الغنائم
- “عن احتلال مقر سرية مِن سرايا الجيش العراقي، والعثور على قميص لجندي فيه (500) دينار عراقي، ما حُكم ذلك”؟
- الفتوى: “أسمح لكم بتقسيم ذلك المال، على أصحاب تلك العملية بعد تخميسه (استخراج الخُمس)، وآذن لكم في إيصال الخُمس إلى المستحقين منهم”.
- ما حُكم الغنائم حالياً سواء المغتنمة في المعركة أو مِن المنافقين أو المؤسسات؟
- الفتوى: “المعركة إذا كانت بإشراف فقيه جامع للشرائط، دفع الخُمس مِن الغنيمة إلى الفقيه الجامع للشرائط، يُقسم الباقي على المقاتلين. أما في غير فرض المعركة فإننا نسمح لكم بمصادرة الأموال لصالح العمل الجهاديّ، أما الأموال الشَّخصية فلا”.
ما ذكرناه كان نماذجَ فقط، وإلا فالفتاوى التي احتواها الكتاب أباحت: قتل النِّساء، وتأجيل الحامل إلى بعد الولادة، مع عبارة “إذا انحصر دفع شرها بقتلها فاقتلوها”، وقتل الشُّرطي الذي يعثر على أوراق مزورة، وقتل السَّكران إذا عُرف بمحاربته للمؤمنين، جاز قتله وهو سكران، وإعدام الهاربين مِن الجانب الإيرانيّ أو معسكرات المجاهدين، والفتوى تقول: “طبقوا بشأنهم حكم الإعدام”! وقتل سائقي السيارات الحكومية، وقتل حُراس الأسواق والطُّرقات، حُراس المؤسسات الحكوميَّة، وقتل الأطفال إذا شُك استخدامهم لصالح النِّظام.
نعم، طبقت القاعدة وداعش كل ما ورد، ولهما مفتوهما الخاصون، وإنَّ من الحركات الثَّوريّة ما قد تُمارس بعض ما ورد، بخصوص الأموال، لكنَّ القاعدة وداعش مدانة ومطاردة دولياً بقوانين مكافحة الإرهاب، والحركات الثوريَّة التي مارست ذلك عند معارضتها، لم تسند ذلك إلى الله ولا إلى الدِّين، فليس لها مفتٍ يفتيها بالتوقيع عن الله، وبالتالي لا تُحسب أفعالها وممارساتها مِن المقدسات.
غير أنْ فتاوى “دليل المجاهد” صادرة ممِن اعتبر نفسه واعتبره مقلدوه؛ ومنهم فاعلون في حزب الدَّعوة الإسلاميَّة، أنّه آية الله العظمى، وله داخل العراق اثنا عشر مكتباً، وتُعطى المحاضرات باسمه، وفتح مدارس داخل العراق، ويتدخل في السَّياسة بشكل مباشر، وما حصل في تشكيل آخر وزارة شاهد على ذلك.
لا نجد انفصالاً بين تلك الفتاوى، وما جرى للمتظاهرين الشَّباب (2011 وما بعدها)، وسوادهم كان مِن الشِّيعة، مِن اختطاف واغتيال، فالحائريّ، صاحب تلك الفتوى قد أفتى بعدم انتخاب “العلماني” نصرة لأمين حزب الدَّعوة نوري المالكيّ، والشَّباب المغتالون ببنادق القناصين المجاهدين كان جلهم من العلمانيين، يُطالبون بفصل الدين عن الدَّولة والسِّياسة، وينادون: نريد “وطناً”!
كذلك لا تنفصل تلك الفتاوى بما خص المال العام، وما حصل مِن فساد فظيع، فخطورة الفتوى أنها لا تُلزم الجيل ولا الظَّرف الذي أعطيت له فحسب، إنما تبقى حيّة فاعلة في أدمغة المقلدين، فيجوز نهب المال وسلبه وتحل سرقته وتبديله بالمزور، طالما أنّ الحُكم ليس بيد المفتي “الجامع للشرائط”، بما أشارت إليه بوضوح فتاوى “دليل المجاهد”، وقد حصل قتل حُراس البنوك، مثل بنك “الزَّوية” (فرع بنك الرافدين) ببغداد (2009)، مِن قِبل حراس نائب رئيس الجمهوريَّة حينها عادل عبدالمهدي، وهم مِن المجاهدين، بتأثير تلك الثَّقافة، فالفساد بالمال العام لم يعد حراماً، ولا غسيل الأموال ممنوعاً، في دولة لا يقودها الحائريّ نفسه.
لقد تحولت تلك الفتاوى إلى ثقافة عششت في أدمغة المقلدين، ويتأثر بها غيرهم، وهم الآن ميليشيات تهيمن بقوة سلاحها. وبسبب فتاواه، بعد (2003) منها “بيانه في إهدار دم رموز البعثيّين في العراق”، صفيت كفاءات وقُتل ضباط جيش، وأكاديميون، وأطباء، فالقاتلون كانوا مطمئنين، من الجانب الدَّيني الشَّرعيّ، بإباحة تلك الدَّماء.
أقول: هل هناك نية لدى الحائري لتقديم اعتذار عمّا ارتكبه في فتاواه، أو يُحاسب عليها من قبل منظمة دولية؟! ففيها تشريع إبادات جماعية، قُتل بسببها مِن الشرطة والحُراس وأبرياء كثيرون؟! هل لحزب الدَّعوة التَّخلي علانية عن هذا الرَّجل، أم يبقى الإصرار على اعتبار تلك الفظائع قيماً “جهاديَّة”؟ ويُسوق له وتُرعى مكاتبه، ويُسهل لوكلائه داخل العراق؟