تنهل أيديولوجية داعش من المبادئ الإسلامية في الظاهر، لكنها تشوّهها لتُنتج نظرة منفصلة إلى العالم لا تُستخلص بدراسة التديّن. وتبدو التشوهّات التي تميّز هذه الأيديولوجية عن الإسلام جليّة للمتخصّصين في الجماعات الإرهابية أو في أصول الدين الإسلامي، ولكنها قد لا تكون واضحة للممارس أو المسؤول في برنامج منع التطرّف العنيف ومكافحته. ويجب أن يساعد استيعاب المفاهيم الثلاثة أدناه في تقييم مقدار التزام المرء بأيديولوجية داعش بمزيد من الدقّة.
يتطلّب هذا الدليل إخلاء للمسؤولية. أنا لست مرجعًا دينيًا مسلمًا، والمفاهيم الموضّحة هنا يراد بها أن تكون تمهيدية لمن هم أقل دراية بالنزعة الإرهابية، وهي قائمة على بحثي عن المنظمات الإرهابية. ويجب التعامل مع أي استخدام لهذه المادة لأغراض الممارسة بحذر وعناية كبيرة، ولا يُقصد بها أن تحلّ محلّ أحكام السلطات الدينية المؤهّلة.
إن الاعتقاد بقرب نهاية العالم. الإيمان بيوم القيامة عقيدة أساسية في الإسلام[2]، غير أن داعش يتجاوز ذلك ليعلن أن نهاية العالم قريبة ويتخيّل نفسه جيش المؤمنين الذي يُتنبّأ بأنه سيقاتل الكافرين عند مجيء “الساعة”[3]. ويقدّم داعش في دعايته العديد من الإشارات إلى نهاية العالم. وتسمّى مجلّتاه الرئيستان الصادرتان باللغة الإنجليزية “دابق” و”رومية”، المدينة السورية التي يُتنبّأ بأنها موقع المعركة النهائية بين الخير والشر وتشير إلى جيش “روما” الذي سيظهر هناك. وينصّ شعار “دابق” على أن الجماعة ستحرق “الجيوش الصليبية [المسيحية] في دابق”[4]. وفي نشرة “النبأ” الإخبارية الصادرة عن داعش بالعربية في يناير (كانون الثاني) 2022، أشارت الجماعة إلى هجومها المستمر في ذلك الوقت على سجن غويران في سوريا باسم “ملحمة غويران” -وكلمة “ملحمة” تشير إلى معركة كبيرة يُتنبأ بحدوثها يوم القيامة[5]. ويشكّل هوس داعش بنهاية العالم سمة مميّزة لأيديولوجيته.
قد يتفحّص ممارسو منع التطرّف العنيف ومكافحته الذين يقيّمون ميل الفرد إلى معتقدات داعش، مقدار انسجام آراء المرء مع رؤية نهاية العالم. ومن العناصر التي يمكن إدراكها: هل يرى الفرد نفسه جنديًّا محتملًا في جيش المؤمنين المتنبأ به؛ أو ما مقدار قرب نهاية العالم بحسب اعتقاد المرء، وهل في وسع المرء إصدار حكم بشأن قرب يوم القيامة؛ أو هل في وسع المرء تحديد أشخاص معيّنين بوصفهم عملاء مستقبليين للدجّال؟ هذه التدابير ليست مثالية في حدِّ ذاتها، لكنها توفر قدرًا من الدقّة أكبر من دقّة مؤشّر التديّن الواسع، وتتجنب وصم المسلمين الملتزمين.
الجهاد بوصفه تكليفًا فرديًا بالعنف: مصطلح “جهادي” مشتق من الكلمة العربية “جهاد”؛ قد يكون للكلمة معانٍ متنوعة، بما في ذلك النضال الداخلي لتحسين النفس أو الحرب التي أجازها الله[6]. الجماعات العنيفة التي تطلق على نفسها اسم الجهاديين (أو المجاهدين) تصرّ على التفسير الأخير، مدعية أنها تخوض حربًا دفاعية ضد المحتلّين الأجانب أو المرتدّين الفاسدين في بلاد المسلمين. كما تؤكّد هذه المنظمات أن الجهاد العنيف فرض على كل فرد مسلم[7]، تبعا لتعاليم المنظّر عبدالله عزام[8]. وتستخدم الجماعات الإرهابية هذه الفريضة الفردية لتسويغ تعبئة المقاتلين الأجانب والهجمات الإرهابية.
إن فهم هذا التمييز مهمّ لتقييم مستوى التزام الفرد بالأيديولوجية الإرهابية. وعلى ممارس نزع التطرّف أو إعادة التأهيل أن يراعي ذلك عند تقييم العائدين. هل يتفقون مع رؤية الجهاد بوصفه عنيفًا بالدرجة الأولى، وهل هو دفاعي بطبيعته؟ هل هو فرض عين أم فرض كفاية يُعهد به إلى المجتمع؟ وما الطريقة الصحيحة للجهاد؟
الخلافة بوصفها الشكل الوحيد للحكم: في يونيو (حزيران) 2014، أعلن داعش أنه “الخلافة” المستعادة[9]. ثم أعلن في “دابق” أن “العالم ينقسم إلى معسكرين”: “معسكر الإسلام والإيمان” من جهة، و”معسكر الكفر والنفاق” من جهة أخرى[10]. وعلى كل من يُفترض بهم أن يكونوا إلى جانب الصالحين أن يبايعوا خليفة داعش أبا بكر البغدادي، ويقبلوا حكمه على كل أشكال الحكم الأخرى. ويجب رفض أشكال الحكم الملكية والجمهورية، وخصّ البغدادي “وثن الديمقراطية” بإدانة خاصة[11].
إنها نقطة مهمّة لتقييم مستوى تطرّف الفرد. قد يكون تفضيل حكم الشريعة وتقدير الخلافة التاريخية مقبولًا تمامًا. لذا على ممارسي منع التطرّف العنيف ومكافحته تجاوز الأفكار السطحية عن هذه المفاهيم والسؤال عما إذا كان الفرد يؤمن بوجوب استعادة الخلافة بالقوة. ومن المهمّ أيضًا أن ندرك هل يعتقد المرء أن الخلافة هي الشكل الشرعي الوحيد للحكم، وأن الملكيات والجمهوريات في العالم تفتقر إلى الشرعية. ففهم هذه الفروق الدقيقة يسهّل التقييم والتقدير، وتلك أنشطة تشتدّ الحاجة إليها لبناء برامج إعادة إدماج أكثر فعالية.
[1]* خبير أميركي في مكافحة الإرهاب، باحث مشارك في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.
[2]– F. V. Greifenhagen, “The Apocalyptic End of the World: The View from Islam,” Consensus 26, no. 2 (2000): 48.
[3]– Graeme Wood, “What ISIS Really Wants,” The Atlantic, March 2015, https://www.theatlantic.com/magazine/archive/2015/03/what-isis-really-wants/384980/.
[4]– Dabiq, Issue 1, July 5, 2014, https://jihadology.net/2014/07/05/al-%e1%b8%a5ayat-media-center-presents-a-new-issue-of-the-islamic-states-magazine-dabiq-1/.
[5]– Al-Naba, Issue 323, January 27, 2022, https://jihadology.net/2022/01/27/new-issue-of-the-islamic-states-newsletter-al-naba-323/.
[6]– Michael Bonner, Jihad in Islamic History: Doctrines and Practice (Princeton: Princeton University Press, 2008), https://press.princeton.edu/books/paperback/9780691138381/jihad-in-islamic-history.
[7]– فرض عين على كل فرد مقابل فرض الكفاية على الجماعة/المجتمع. انظر:
Yousef Wahb, “Fard Kifayah: The Principle of Communal Responsibility in Islam” (Yaqeen Institute, June 10, 2021), https://yaqeeninstitute.org/read/paper/fard-kifayah-the-principle-of-communal-responsibility-in-islam
[8]– Malet, Foreign Fighters, 167.
[9]– “Isis Rebels Declare ‘Islamic State’ in Iraq and Syria,” BBC News, June 30, 2014, sec. Middle East, https://www.bbc.com/news/world-middle-east-28082962.
[10]– Dabiq, Issue 1, July 5, 2014, https://jihadology.net/2014/07/05/al-%e1%b8%a5ayat-media-center-presents-a-new-issue-of-the-islamic-states-magazine-dabiq-1/.
[11]– المرجع نفسه.