يشهد إقليم الساحل والصحراء تنافسًا حادًا على النفوذ بين تنظيمي داعش والقاعدة، حيث ساهمت مشكلات الإقليم المتعلقة بالأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية في تأجيج هذا التنافس، الأمر الذي أدى لارتفاع معدلات الهجمات الإرهابية بالإقليم، فوفقًا لتقرير مؤشر الإرهاب العالمي الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام الدولي في نسخته العاشرة، شهد إقليم الساحل والصحراء أكبر معدلات وفيات ناتجة عن العمليات الإرهابية، حيث ارتفعت معدلات الوفيات من (472) حالة إلى (1159) خلال الفترة من 2012 حتى 2022، كما جاءت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة للقاعدة، والمتمركزة في الساحل الغربي بالمرتبة الرابعة عالميًا، فيما يتعلق بحجم نشاطها الإرهابي بإجمالي (77) هجومًا، بينما تصدر تنظيم الدولة الإسلامية غرب إفريقيا المرتبة السادسة بإجمالي (65) هجومًا، وخلال سنة 2022 شهد (84) إقليمًا من بين (135) في كل من مالي وبوركينا فاسو والنيجر أنشطة إرهابية[1].
تعكس تلك الإحصائيات تناميًا لنشاط التنظيمات الإرهابية في الإقليم الغربي، كنتاج لشراسة التنافس بين تنظيمي داعش والقاعدة، مستغلين حالة الانفلات الأمني الذي تعاني منه دول الإقليم، ناهيك عن هشاشة الأوضاع السياسية والاقتصادية وضعف الأنظمة الحاكمة.
أولاً: تحولات العلاقة بين داعش والقاعدة
ظل الساحل الغربي للقارة الإفريقية بمثابة بيئة حاضنة لغالبية الجماعات المسلحة، فمنذ ظهور تنظيم الدولة الإسلامية في القارة الإفريقية، وبداية انتشاره سنة 2014، كان هناك حالة من التعايش المشترك بين التنظيمات الجهادية بتلك المنطقة حتى 2017، حيث شهدت العلاقة بين تنظيمي القاعدة وداعش في الساحل الغربي منحى تنافسيًّا، وذلك مع تولي “إياد أغالي” قيادة جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، حيث شرعت الجماعة التابعة لتنظيم القاعدة في السيطرة على مناطق هامة على طول الحدود المالية البوركينابية، مما أدى لإشعال حدة التنافس مع تنظيم داعش، ليسفر ذلك عن مقتل (1100) من مسلحي الجانبين على خلفية اشتباكات بلغت (200) اشتباك، خلال الفترة من 2019 وحتى بداية العام الجاري.
وبلغت الحرب الكلامية بين التنظيمين أوجها، حيث أشار “أبو عبيدة العنابي” قائد تنظيم القاعدة شمال المغرب الإسلامي، إلى العلاقة مع داعش بكونها حربًا ضارية، واصفًا إياهم بالخوارج، ومؤكدًا: “ليس بيننا وبينهم سوى الحرب”[2].
وقد شكل مطلع 2020 ذروة التنافس بين التنظيمين، حيث تزايدت تطلعات كل منهما نحو توسيع مناطق نفوذه، وكانت أبرز المواجهات في إقليم دلتا النيجر بمالي، وإقليم جورما على امتداد الحدود المالية البوركينابية في أبريل (نيسان) 2020، بعد أن تمكن داعش من فرض سيطرته على مناطق كانت خاضعة لنفوذ “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين”، الأمر الذي دفع الأخيرة للرد بقوة من خلال هجمات مضادة مكنتها من استعادة نفوذها مرة أخرى، وطرد عناصر تنظيم داعش في الأقاليم الحدودية لمالي مع بوركينا فاسو.
وقد اعتمد تنظيم داعش في صراعه مع القاعدة على الحرب الكلامية، حيث شن التنظيم هجمات إعلامية ضد القاعدة عبر صحيفة “النبأ” الداعشية الخاصة به، ففي العدد (390) الصادر في مايو (أيار) 2022 أشار داعش إلى تراجع نفوذ القاعدة في مالي، واقتناصهم قرية تيدرمين الواقعة شمال غرب مالي من قبضة القاعدة بعد تراجع نفوذهم عليها، كما تحرص داعش في الأعداد الصادرة عن صحيفتها الرسمية “النبأ” بوصف عناصر القاعدة بالمرتدين، وهي بذلك تسعى لوضع تبرير شرعي وراء استهدافهم لعناصر القاعدة، ومواجهتهم لهم في معارك متعددة[3].
ويحرص داعش على توجيه انتقادات حادة لقادة الفصائل التابعة للقاعدة بأعداد صحيفته، ففي عددها رقم (233) الصادر في مايو (أيار) 2020، شنت الصحيفة حربًا إعلامية ضد “أمادو كوفا” زعيم جبهة تحرير مآسينا، و”إياد أغالي” زعيم جبهة نصرة الإسلام والمسلمين” متهمة إياهم بالتعاون مع العناصر الأجنبية، وفي العدد (238) الصادر في يونيو (حزيران) 2020، أشارت الصحيفة إلى تصفية داعش (170) مقاتلاً من جماعة “أنصار الإسلام” التابعة “لنصرة الإسلام والمسلمين” خلال اشتباكات وقعت على الحدود المالية البوركينابية[4].
في المقابل صعدت “نصرة الإسلام والمسلمين” من هجماتها المضادة لداعش، فنجدهم يقومون بدحض مزاعم داعش عبر قنواتهم على التلجرام، مؤكدين تمكنهم من تصفية العديد من عناصر داعش في مواجهات مختلفة، كان أبرزها “غزوة الاستنزاف4“، وهو ما أشارت إليه وكالة “ثبات” التابعة للقاعدة، حيث أكدت تمكن “نصرة الإسلام والمسلمين” من طرد عناصر داعش من مناطق مختلفة بمالي، ناهيك عن قتلهم وأسرهم للمئات منهم.
وفي خضم الحديث عن التنافس بين التنظيمين، وحرص كليهما على توسيع مناطق نفوذه، فقد شهدت الأشهر الماضية تناميًا في هجماتهما، فعلى صعيد “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين”، نجد قيامها بشن هجوم على بوابة للجمارك في بافارالا بولاية كاي بمالي خلال 23 مايو (أيار) 2023، وتمكنت من السيطرة على الأسلحة والمعدات بالنقطة العسكرية، وفي الشهر ذاته تمكنت كتيبة “مآسيينا” التابعة للتنظيم ذاته من فرض حصار على جورينجو بولاية موبتي المالية، عقابًا لمواطني البلدة بسبب تعاونهم مع القوات الأمنية، وفي بوركينا فسو تمكنت جماعة النصرة من شن عدة هجمات ضد قوات للجيش في 16 و17 مايو (ايار) الماضي ببلدة بانغورا نونقافيري، مما أسفر عن مقتل (10) جنود[5].
أما داعش فقد تمكن خلال أبريل (نيسان) 2023 من السيطرة على بلدة تيدرمين، وعزل ميناكا التي كانت تخضع لسيطرة جماعة النصرة، الأمر الذي يعكس تنافسًا محمومًا بين الطرفين على النفوذ، كما تمكن من توسيع نشاطه في بنين ونيجيريا، وعمل على إحداث تنسيق مع عناصره في ليبيا والجزائر، فأصبح لدى داعش أكثر من عشرين فرعًا داعمًا له، وفي يوليو (تموز) الماضي أعلن عن فرع جديد له بمنطقة الساحل، حيث تبنى الهجوم على سجن كوجي النيجيري بالقرب من السفارة الأميركية[6].
وبناءً على ما سبق تحولت منطقة الساحل والصحراء إلى ساحة من المواجهات المسلحة، التي لم تعد قاصرة على معارك بين القوات الوطنية والتنظيمات الجهادية، لكن تصاعدت لتضم مواجهات فيما بين التنظيمات الجهادية، لا سيما القاعدة وداعش، طمعًا في تحقيق أي منهما القيادة المركزية للتنظيمات المسلحة بالمنطقة.
ثانيًا: دوافع الصراع
شهدت الفترة الأخيرة تصاعدًا في حدة المواجهات بين تنظيمي داعش والقاعدة، ويمكن تفسير هذا التنافس في ضوء اعتبارات عدة، يمكن إبرازها على النحو التالي:
- معرقلات الداخل: تمر الدول الإفريقية بظروف عصيبة، فخلال الفترة من 2020 حتى 2023 شهدت القارة أكثر من (20) محاولة انقلابية، الأمر الذي يعكس هشاشة الأوضاع السياسية، وضعف الأنظمة الحاكمة، ناهيك عن انعدام المعايير الديمقراطية، مما أدى إلى تفشي الصدامات القبلية، وتصاعد معدلات الجريمة، وتدهور الأوضاع الاقتصادية، وانتشار حالة من الغضب المجتمعي إزاء الأنظمة الحاكمة، مما يخلق بيئة مواتية للتنظيمات الإرهابية نحو استقطاب المهمشين، ناهيك عن دوره في تغذية مطامع الجماعات الجهادية نحو توسيع مناطق نفوذها من خلال مواجهات مسلحة فيما بينهم.
- الاختلافات المنهجية: ظهرت تلك الاختلافات بشكل واضح منذ 2020، حيث وجه داعش اتهامات للقاعدة بتباطؤها في تنفيذ الشريعة، الأمر الذي دفع الأخيرة لإصدار كتيب عبر مؤسسة الزلاقة للإنتاج الإعلامي التابعة لها، متضمنًا منهجيتهم القائمة على الشريعة، ومؤكدًا حرصهم على الحشد الشعبي بشكل مسالم[7]، فالقاعدة تتبنى نهجًا قائمًا على الرعوية الشعبوية، يعتمد تسليط الضوء على مظلوميات المواطنين من الضرائب والفساد، ونقص الموارد وغيرها، وبناءً على ذلك يتمكن التنظيم من استقطاب قاعدة شعبية عريضة، بخلاف داعش الذي يتبنى ما يعرف بنهج النظام الهرمي، معتمدًا على ضم العناصر بالتهديد واستخدام العنف والوحشية، كما يعمل على الاستهداف المباشر للمواطنين، أو ترهيبهم لضمهم لصفوفه، لذا حرص قادة الجماعات التابعة للقاعدة على نشر رسائل صوتية تضمن اتهامات لعناصر داعش بالخوارج، وتحث المواطنين على مواجهتهم والقضاء عليهم أينما كانوا لحماية مناطقهم من وحشيتهم.
- الرغبة في الهيمنة المركزية: تصاعدت وتيرة التنافس بين تنظيمي القاعدة وداعش مع وصول “أبي إبراهيم الهاشمي القرشي” لقيادة داعش أكتوبر (تشرين الأول) 2019، حيث ارتكز الهدف الرئيس “للقرشي” على تبني داعش زمام القيادة المركزية لكافة الجماعات الجهادية في إقليم الساحل والصحراء، ولن يحدث ذلك إلا بتوسيع نفوذهم في مناطق عدة؛ من ضمنها المعاقل الخاصة بتنظيم القاعدة، لذا اتجه داعش للحصول على مبايعة العديد من الجماعات المحلية له، ودمجهم ضمن الهيكل العام لداعش، كما سعى أيضًا لاستقطاب عناصر محلية جديدة، مما دفعه لإصدار صحيفة ناطقة بلغة الهوسا المحلية تسمى WAKILIAR LABARA [8]، وانصب مشروعه الأيديولوجي على الربط بين منطقتي الساحل والصحراء وغرب إفريقيا، وهو ما يفسر حرص التنظيم على شن هجمات متتالية بحوض بحيرة تشاد باعتبارها نقطة الربط بين التنظيمات التابعة له، وقد شكل هذا التحرك تهديدًا واضحًا لسيطرة وتمركز القاعدة، التي نجحت بالتمركز في العديد من المناطق، لذا أصبح وجود تنظيم آخر منافس كداعش مهددًا لكيان القاعدة، مما جعل المنافسة بينهما صفرية.
وقد انبثقت فكرة التحول في العلاقة بين التنظيمين من عدة منطلقات، لعل أبرزها محاولة استغلال الخلافات الداخلية بين جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، والجماعات المبايعة لها، كحركة تحرير “مآسينا”، وشن هجمات متوالية، للاستفادة من غنائم الأسلحة والمعدات، كما حدث في “غزوة الاستنزاف” التي تم شنها في أغسطس (آب) 2020، فشهد إقليم غرب إفريقيا قرابة (120) هجمة من ضمنها مواجهات مباشرة بين القاعدة وداعش، حيث يسعى الأخير للهيمنة على المناطق التي تضم موارد طبيعية، كمناجم الذهب لتعزيز مصادر تمويله.
- الاستهداف الداعشي لمناطق نفوذ القاعدة: يعتمد تنظيم داعش نهجًا استفزازيًّا بغية الإطاحة بنفوذ القاعدة في إقليم غرب الساحل، لا سيما وأن الأخير يمتلك علاقات متشعبة بالجماعات المسلحة المحلية، نظرًا لأقدميته، الأمر الذي أثار غضب داعش، ودفعه لشن هجمات على مناطق خاضعة لنفوذ القاعدة، كاستهدافهم لمنطقة جاو وميناكا شمال مالي، وكذلك استهداف عناصر للقاعدة ديسمبر (كانون الأول) 2022 بالمنطقة الحدودية بين مالي وبوركينا فاسو، أسفرت عن مقتل (80) من القاعدة، كما تبنى داعش نهج استهداف الجماعات الداعمة للقاعدة، كحركة تحرير أزواد التي شاركت في عدد من المعارك ضد داعش، مما دفع الأخير لتنفيذ هجومين على الحركة ي مارس (آذار) وأبريل (نيسان) 2022، وتمكنوا من الحصول على بيعة من بعض عناصر الحركة[9].
- استراتيجية التصيد: اعتمد داعش استراتيجية تقوم على تصيد التحركات الخاصة بجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وبلورتها في شكل مسيء، وتصديره عبر قنواته المختلفة باعتباره تحركًا مخالفًا لمصالح عناصره وعقيدة التنظيم، فعلى سبيل المثال أعلنت نصرة الإسلام والمسلمين استعدادها للتفاوض مع الحكومة المالية استجابة لرغبة الشعب، ونزولًا عند مظلوميته شريطة انسحاب القوات الفرنسية، وبطبيعة الحال استغل داعش هذا التحرك، واتهم القاعدة بالتعاون مع الأنظمة المستبدة، مقدمًا نفسه بحامي الشعوب، والمتصدي للمشاريع الاستعمارية.
- انسحاب القوات الفرنسية: نجحت روسيا في نزع الوجود الغربي من القارة الإفريقية خلال السنوات الماضية، مما أدى لانسحاب القوات الفرنسية المنضوية تحت مسمى (عملية برخان وتاكوبا) بعد إلغاء كافة الاتفاقيات المتعلقة بالتعاون الأمني العسكري، وبالرغم من محدودية ما أحرزته تلك العمليات، فإنها نجحت في بعض الأحيان في تصفية عناصر هامة من الجهاديين، لذا جاء انسحاب القوات الفرنسية ليمثل فرصة سانحة أمام التنظيمات الإرهابية، للتنافس فيما بينهم لبسط النفوذ على مناطق شاسعة، مستغلين حالة الفراغ الأمني التي تواجهها معظم دول القارة.
- البحث عن مصادر للتمويل: تعتبر منابع تمويل التنظيمات الإرهابية الشريطة الوحيدة لضمان ديمومتها، وفي ظل احتدام الصراع بين القاعدة وداعش، أصبحت السيطرة على مصادر للتمويل من أسباب الصراع بينهما، مما أدى لاتساع نطاق المواجهة للهيمنة على أكبر كم من مصادر التمويل.
ثالثًا: مآلات التنافس
أسفرت المنافسة المحتدمة بين تنظيمي القاعدة وداعش من أجل ضمان السيطرة على مناطق نفوذ واسعة، وتحقيق السيطرة المركزية على النشاط الإرهابي بالساحل الغربي للقارة الإفريقية، عن جُملة من المآلات، يمكن تناولها كالتالي:
- تصاعد التوترات الأمنية: تُلقي المنافسة بين التنظيمين بظلالها على الأوضاع الأمنية لمنطقة الساحل الإفريقي، لا سيما بعد تمكنهما من السيطرة على غالبية المناطق الواقعة في المثلث الحدودي لمالي والنيجر وبوركينا فاسو، فوفقًا لتقرير مؤشر الإرهاب العالمي لسنة 2022، أدت هجمات القاعدة إلى (279) حالة وفاة، وقع (48%) في بوركينا فاسو و(43%) في مالي، في حين بدأت الجماعة توسيع أنشطتها، وقامت بتنفيذ أول هجوم لها في دولتي بنين وتوجو، بينما أشار التقرير إلى أن داعش كان له الغلبة في هجماته هذا العام عن القاعدة، حيث كانت الوفيات الناجمة عن هجمات داعش أعلى مرتين مقارنة بجماعة النصرة بواقع (19) هجومًا و(243) حالة وفاة، فيما اعتمد داعش في هجماته على استخدام الأسلحة النارية، بخلاف القاعدة التي اعتمدت النهج التفخيخي، مما يعكس هشاشة الأوضاع الأمنية، وضعف السيطرة الحكومية على المناطق الحدودية، الأمر الذي يُنبئ بمزيد من التوسع والانتشار الراديكالي[10].
- ضبابية المشهد وإرباك السياسات الحكومية: تؤدى حالة التنافس إلى اتساع وتيرة المواجهات بين داعش والقاعدة، الأمر الذي من شأنه إرباك السياسات الحكومية فيما يتعلق بمواجهة الإرهاب، حيث جاء التنافس بين التنظيمين بالتزامن مع عدة متغيرات؛ تتعلق بمواقف السلطات الانتقالية في بعض دول الإقليم إزاء البعثات الأممية وقوات حفظ السلام، ناهيك عن انسحاب القوات الفرنسية، مما حرم القوات الأمنية من استخدام الضربات الجوية، كذا انسحاب عدد من البعثات المعنية بحماية المدنيين، مما ينذر بمزيد من الضحايا، فيما تركز قوات فاغنر على فرض هيمنتها على المناطق الوفيرة بالموارد الطبيعية، وقيامها بفرض مجموعة اشتراطات على الأنظمة الحاكمة لتقديم المساعدة، فكل ما سبق يعزز من فرضية ارتباك المشهد الأمني لصالح تصاعد نفوذ التنظيمات الراديكالية، وبرغم ترجيح بعض السياسيين ترك الساحة للمواجهة بين داعش والقاعدة حتى يضعف كل منهما الآخر، فإن نتائج هذا الطرح غير مضمونة، وربما تسفر عواقبه عن نتائج غير مرغوب فيها، وهو السيناريو الأرجح.
- تصاعد معدلات النزوح: أدى تصاعد مستويات العنف المسلح بالساحل الإفريقي إلى أزمة إنسانية بالغة الخطورة، تمثلت في نزوح أكثر من مليوني شخص، خاصة في دول الساحل الأوسط (مالي، والنيجر، وبوركينا فاسو)، فخلال 2022 وصل أعداد النازحين في غرب النيجر إلى أكثر من (15000) نازح على خلفية تصاعد الهجمات الإرهابية، فيما ارتفع عدد النازحين في بوركينا فاسو إلى (1.9) مليون خلال 2022، وذلك على خلفية تصعيد المواجهات بين التنظيمات الجهادية المختلفة[11]، واتجاه كل منهم لاستقطاب أكبر عدد ممكن من العناصر المدنية، لا سيما داعش الذي اعتمد نهجًا وحشيًّا قائمًا على استقطاب المدنيين عنوة أو قتلهم، مما دفع المواطنين للنزوح في مناطق بعيدة عن الصراع.
رابعًا: دلالات عدة
بناءً على ما سبق هناك جُملة ملاحظات، لا بد من استعراضها، في صدد الحديث عن تصاعد حدة التنافس بين القاعدة وداعش في دول القارة، وذلك على النحو التالي:
1ـ لا يمكن الجزم بأن حالة التنافس والصراع الأيديولوجي بلغت أوجها بين التنظيمين، فما زالت هناك أماكن تشهد حالة من التعايش المشترك، كمنطقة تيلابيري شمال غرب النيجر، حيث تشهد تركزًا واضحًا لمجموعة مختلفة من التنظيمات الجهادية، التي تتشارك في أحيان عدة عدوًا واحدًا كالقوات الدولية والجيوش النظامية، الأمر الذي يدفعهم لتقاسم النفوذ دون اقتتال، كما حدث في يناير (كانون الثاني) 2018 حينما تحالف كل من تنظيم الدولة في الصحراء، وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، ضد القوات الفرنسية التي وجهت ضرباتها لهم حينذاك.
2ـ برغم وجهات النظر التي تدعم حالة الصراع بين الطرفين، بزعم أن المنافسة بينهما صفرية، حيث سيضعف كل منهما الآخر، فإن نتائج هذا السيناريو غير مضمونة، حيث يمكن أن يؤدي تصاعد المنافسة لما يسمى بالمزايدة، وسيسعى كل طرف لإبراز قوة واستعداد أكبر في محاربة الآخر، مما يعني تصاعد الهجمات الإرهابية، وتزايد أعداد القتلى ضمن صفوف المدنيين، الأمر الذي سيؤثر بشكل مباشر على الوضع الأمني، واستقرار الدول.
3ـ يواجه داعش ضغطً عسكريًّا متعدد المستويات؛ فمن ناحية يواجه هجمات من قبل نصرة الإسلام والمسلمين، ومن جهة أخرى يواجه ضغطًا عسكريًّا من قوات فاغنر الروسية، ويستند الضغط الروسي على داعش لعدة أسباب؛ أولاً: بسبب ضعف الديناميكيات المحلية الخاصة بالتنظيم، مقارنة بالقاعدة، الأمر الذي يسهل من مهمة تقويض نفوذه، من جهة أخرى أبدت القاعدة استعدادها للتفاوض مع الحكومة المالية في العديد من الأمور، مما يسهل من مسألة التقارب، بخلاف داعش الذي لا يستجيب لأي ضغوط، ولا يبدي أي تساهل.
وأخيرًا، فإن إقليم الساحل والصحراء يمر بحالة من التوتر الشديد، فخلال العامين الماضيين شهد الإقليم موجة من الانقلابات العسكرية، حيث شهدت دولتان خلال عام (4) انقلابات، الأمر الذي ينذر بمزيد من التأزم، مما يعزز الأوضاع لتغلغل الجماعات الجهادية، وسرعة انتشارها نتيجة ضعف القبضة الأمنية، وتصاعد حالة الاقتتال الداخلي، وتشتت جهود مكافحة الإرهاب، الأمر الذي ينعكس أيضًا على فكرة التنافس بين داعش والقاعدة، حيث تصبح الظروف مواتية لتصعيد حدة التنافس بينهما، على حساب أمن واستقرار دول القارة.
[1]– Global Terrorism Index 2023,available at: https://cutt.us/uBVFa
[2]– 10 Conflicts to Worry About in 2022, The Armed Conflict Location & Event Data Project (ACLED), 13/1/2023, available at: https://cutt.us/uwnQM
[3]– زينت مصطفى رويحة، القاعدة وداعش يتنازعان الهيمنة في الساحل الإفريقي.. طبيعة التنافس والتهديدات، مركز فاروس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية، 24 يوليو (تموز) 2023، متاح على: https://cutt.us/wMZuQ
[4]– تقى النجار، من المواءمة إلى الصراع: تحولات العلاقة بين “القاعدة” و”داعش” في غرب إفريقيا، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، 12 سبتمبر (أيلول) 2020، متاح على: https://cutt.us/cHiYF
[5]– تنافس محموم بين القاعدة وداعش على “الخلافة” في إفريقيا، موقع سكاي نيوز، 24 مايو (أيار) 2023، متاح على: https://cutt.us/8bCUo
[6]– Islamic State terrorists extend control over northeastern Mali, Africa news,14/4/2023, available at: https://cutt.us/4x16P
[7]– تقى النجار، مرجع سبق ذكره.
[8]– Facing the Challenge of the Islamic State in West Africa Province, international crisis group,19/5/2019, available at: https://cutt.us/58U2w
[9] -Violence in africa, The Armed Conflict Location & Event Data Project (ACLED).
[10]– Global terrorism index2023.
[11]– المفوضية تدعو لتقديم دعم عاجل لمساعدة حوالي (16,000) نازح حديثًا في بوركينا فاسو، المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، 17 يونيو (حزيران) 2022، متاح على: https://cutt.us/MDAW4