تقديم
يتناول مركز المسبار للدراسات والبحوث في كتابه «حماس من انقلاب 2007 إلى عملية 7 أكتوبر» (الكتاب السابع بعد المئتين، مارس (آذار) 2024)، حكم حركة حماس لقطاع غزة، منذ الانقلاب سنة 2007 إلى عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، فيدرس البيئة الداخلية التي تولدت عن الانقلاب على السلطة الفلسطينية، وأثره على تعثر الإجماع الفلسطيني، بعد تنكرها للسلطة والممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وصاحبة القرار الوطني المستقل فيه.
يدرس الكتاب الهيكل التنظيمي للحركة، وقطاعها العسكري، وامتداداته الخارجية، في مصر والأردن ولبنان وليبيا والعراق، كما يقيِّم علاقاتها الخارجية ودور الاختيارات الأيديولوجية فيها، وموقع المصالح الوطنية من الوثائق الناظمة للحركة منذ الميثاق وحتى وثيقة 2017 المرحلية.
جاءت «عملية 7 أكتوبر» الدمويّة والإرهابية ورد الفعل العنيف عليها، تتويجًا لسنوات ملتبسة من سوء التقدير السياسي والعبث الأيديولوجي، وضيق الأفق وانسداد الرؤية الوطنية، والارتهان للإرادات الخارجية، مختلطةً بالاحتقانات المشروعة للشعب الفلسطيني، وطموحاته في استبقاء حل الدولتين وإنعاشه، وساهمت في جرّ المنطقة إلى أتون حرب أفاد الإسلامويون أوارها، ومهّدت لردّ فعل عنيف تأذّى منه المدنيون بشكلٍ مباشر.
يدرس هذا المشروع بجزئيه، الطريق إلى «7 أكتوبر»، بدراسة منظمة حماس، وحكمها لغزة، منفردةً طوال (15) عامًا، تمهيدًا لدراسة العملية والسجالات التصنيفية حولها، وأبعادها الإقليمية والدوليّة، وانعكاساتها على حل الدولتين، وتماسك السلطة الفلسطينية، ومستقبل السلام في الإقليم.
فاتحة الكتاب قدمها الباحث الفلسطيني والقيادي المنشق عن حماس أحمد يوسف، عبر شهادة من الداخل عن حركة حماس والواقع السياسي بعد سنة 2006، قرأ فيها تداعيات الانتخابات التشريعية الفلسطينية لسنة 2006 على مسيرة الحركة، وعلى قطاع غزة والضفة الغربية والعلاقة مع السلطة الفلسطينية، وتأثير سيطرة الحركة على القطاع واستبدادها بالحكم. تتبّع الباحث أجواء سيطرة حماس على القطاع سنة 2007، والأحداث الدامية المرافقة، دون أن يغفل محاولة بناء دولة الحركة لعلاقات مع المجتمع الدولي؛ كاشفًا عن اللقاءات السريّة، التي فشلت في إقناع الحركة بحلِّ الدولتين، عبر مفهوم «الهدنة»، مستحضرًا استدراكات الرئيس محمود عباس الذي دان المحاولات التي تشرعن «الدولة ذات الحدود المؤقتة»، التي قد تأتي أو لا تأتي، أو محاولة إحكام عزل غزة عن مشروع دولة السلطة الفلسطينية. لاحظ الباحث أن خروج العسكريين بعد «صفقة شاليط» 2011، أدى إلى تسيدهم على مفاصل الحركة، وتضخم دورهم السياسي؛ ومزايدتهم على رصفائهم السياسيين.
أدت سيطرة حركة حماس على قطاع غزة منذ سنة 2007 إلى يومنا هذا، إلى تداعيات اجتماعية وثقافية وأمنية، تطرق إليها عضو الأمانة العامة لاتحاد الكتاب الفلسطينيين ناصر عطا الله، مركزًا على كيفية بناء الحركة نفوذها. يلاحظ الباحث أنه على الرغم من الجهود التي بذلتها الحركة من أجل فرض رؤيتها الاجتماعية والدينية والثقافية، فإنها بقيت في مربعاتها ذات الجدران العالية: حركة مغلقة.
أما الباحث الفلسطيني في شؤون الحركات الإسلاموية، مدير وحدة دراسات التطرف والأمن الفكري في معهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي، أنور رجب خليل، فقد تطرق إلى نبذ فكرة الوطن والمواطنة في منهجية الحركات الإسلاموية، متناولًا العلاقة بين حماس وجماعة الإخوان الأم، فقرأت دراسته مشروع «التمكين» وآلياته بوصفه هدفًا استراتيجيًا للحركة؛ في سياق المشروع الإخواني الكبير. وفي إطار الضغوط الخارجية والداخلية والتطورات في القضية الفلسطينية، سعت حماس إلى تشكيل مسارات موازية، تحاول من خلالها إخفاء الأيديولوجية الإخوانية، فأصدرت «وثيقة المبادئ والسياسات العامة» سنة 2017، لم تشر فيها إلى ارتباطها العقائدي والوظيفي مع جماعة الإخوان، خلافًا لميثاقها الصادر سنة 1988 الذي يحوي تناقضات كثيرة، والذي أعلنت فيه أنها جناح من أجنحة الإخوان في فلسطين. حللت الدراسة بنود «وثيقة المبادئ والسياسات العامة»، وأكدت أنها لم تأتِ نتيجة الضغوط التي تعرضت لها الحركة على المستويين الداخلي والخارجي، ولم تكن نتاج مخاض فكري، ولو كانت المسألة ذات علاقة بالنضوج الفكري، لصدرت تلك الوثيقة منذ فترة طويلة، ولكنها استراتيجية جديدة من استراتيجيات الحركة وأسلوبها في التمكين.
واستكمالًا لقراءة «وثيقة المبادئ والسياسات العامة» من الناحية السياسية والواقعية، يلاحظ الباحث التركي، مدير مركز شرقيات للبحوث بإسطنبول، محمد زاهد جول، أن حركة حماس، على الرغم من ادعائها التغيير، فهي لم تخرج في تطورها عن سيرة الحركات الإسلاموية، وسلوك جماعات «الإسلام السياسي»، وممثلها الأبرز جماعة الإخوان، وأنها تتصرف في قطاع غزة ومع السلطة الفلسطينية، وفقًا لمنظورها الحركي. وعلى الرغم من محاولات تغيير رؤيتها للصراع الفلسطيني -الإسرائيلي في وثيقتها لسنة 2017 وقبولها حل الدولتين، بتأسيس دولة فلسطينية ضمن حدود 1967؛ فإنها عملت خلافًا لذلك، فلم تتمكن من الانتقال من الأسلمة إلى العلمنة والواقعية السياسية.
أما الباحث المتخصص في الحركات الإسلاموية بفلسطين، ثابت العمور، فقد درس الهيكلية التنظيمية لحركة حماس، التي تتشابه مع الشكل العام للبناء التنظيمي الإخواني، خصوصًا ذلك الشكل المتوارث عن مصر والأردن؛ إذ يقوم في خطوطه العامة على أساس تربية الفرد والأسرة، ومن ثم بناء الشُّعب الإخوانية التي يلتقي فيها الإخوان لبحث شؤونهم وتخطيط برامجهم، وكذا اعتماد أسلوب التعبئة الجماهيرية لحشد الناس على فكرة الجماعة ومفاهيمها.
وفي سبيل فهم أعمق للعلاقة الهيكلية والعضوية بين حماس وجماعة الإخوان، تناول الباحث المصري في الحركات الإسلاموية ماهر فرغلي العلاقة بين حماس والنظام الخاص لجماعة الإخوان، وتطور هذه العلاقة بعد أحداث 2011؛ مستندًا إلى معلومات تكشف عن الدور الذي لعبته حماس في دعم وتدريب وتمويل جماعات متطرفة في دول عربية عدة، وذلك من خلال ذراعها العسكرية، كتائب عز الدين القسام. ناقش الباحث فرضية اعتبار جماعة الإخوان ذراع حماس العسكرية، أساسًا للتنظيم العسكري الخاص، مستشهدًا بالعلاقة الوثيقة التي ربطت الأجهزة العسكرية للتنظيمين، والتعاون في عمليات أمنية مثل تهريب المسجونين عبر الأنفاق، أو حتى تدريب التنظيمات الإرهابية مثل أكناف بيت المقدس وغيرها.
وفي ضوء التناقضات السياسية المتحكمة بحركة حماس منذ أكثر من عقد، والتي تركت تأثيرها على حلفائها السياسيين، رصدت الباحثة السورية شيلان شيخ موسى العلاقة بين الحركة والنظام السوري منذ أحداث 2011، فقبل ذلك التاريخ، سارت العلاقة بين الطرفين في إطار السياسة البراغماتية والمصالح المشتركة، وبعد أن شعرت الحركة برياح التغيير الآتية من «ربيع الإخوان» انقلبت على النظام السوري، وظلت على هذه الوتيرة من التوتر والقطيعة حتى سنة 2022 حين تم استعادة العلاقات بين الطرفين بجهود إيرانية -كما تؤكد الباحثة- تزامنًا مع انتخابات داخلية للحركة، شهدت صعود الجناح العسكري بقطاع غزة، وهو الجناح الموالي للحرس الثوري بقيادة يحيى السنوار.
على مستوى علاقات حماس مع تركيا وإيران، حدد الباحث مثنى العبيدي، أستاذ العلوم السياسية والدراسات الدولية في كلية العلوم السياسية في جامعة تكريت، طبيعتها، فقد مرت بمراحل من المد والجزر، ووصلت إلى التباعد مع أنقرة في الوقت الراهن، علمًا أن الصلات بينهما تعود إلى ما بعد سنة 2002 حين وصل حزب العدالة والتنمية إلى السلطة. أما إيرانيًا، فقد استقرت العلاقة -إلى حد كبير- مع طهران، وإن توترت في مراحل بسبب موقف حماس من الأحداث السورية سنة 2011، لكنها عادت إلى زخمها بعد دخول القيادة الإيرانية في جهود ترميم العلاقات مع سوريا سنة 2022 وصولًا إلى «عملية 7 أكتوبر».
بموازاة ذلك، تطرق الباحث أحمد الخطيب إلى العلاقات المصرية مع حماس، فركّز على عواملها ومراحلها بين عامي (1987–2023)، وقدم تحليلًا تاريخيًا لها، مقترحًا رؤية استشرافية لمستقبلها بعد «عملية 7 أكتوبر»، من خلال طرح سيناريوهات عدة يمكن استشرافها بقراءة تاريخ العلاقة، مع الأخذ في الاعتبار المتغيرات الحديثة، وموقف الأطراف الفاعلة من الحرب الدائرة في قطاع غزة.
تناول الباحث في الدراسات الاستراتيجية والأمنية، أسامة خالد، كيفية استثمار التنظيمات الإرهابية مثل القاعدة وداعش في القضية الفلسطينية، وأبرز المخاطر الناجمة عنها، ورصد مجموعة من البيانات والمنشورات التي أعلن عنها التنظيمان، مع تقديم قراءة تحليلية لمحتواها، وبالتحديد مجلة «أمة واحدة» التابعة للقاعدة، وأجرى دراسة إحصائية للنشاط التحريضي لتنظيم داعش قبل وبعد «عملية 7 أكتوبر».
في الختام، يتوجه مركز المسبار بالشكر للباحثين المشاركين في الكتاب والعاملين على خروجه للنور، ويخصّ بالذكر الزميل ماهر فرغلي منسق الكتاب، والزميل محمد الحداد صاحب فكرة هذا المشروع، الذي نأمل أنْ يسد ثغرة في المكتبة العربية.
رئيس التحرير
عمر البشير الترابي
مارس (آذار)2024