في سياق التحولات الأمنية المتسارعة بمنطقة القرن الإفريقي، برز مؤخرًا نمطًا جديدًا من التفاعلات بين الفواعل غير الحكومية، يتجلَّى في تنامي العلاقة بين (جماعة الحوثي) في اليمن و(حركة شباب المجاهدين)ً الصومالية، ولم يعد هذا التقارب مجرد افتراضات استخباراتية، بل بات موثّقًا في تقارير دولية، حيث كشف تقرير لمجلس الأمن، في أكتوبر (تشرين الأول) 2024، عن محادثات سرية بين (الحوثيين) و(حركة الشباب) حول تهريب أسلحة متطورة، كما وثَّق تقرير نشرته صحيفة الـ(تليغراف) البريطانية وجود تعاون بين (الحوثيين) و(القاعدة)[1]، مما يمهِّد لشبكة علاقات واسعة مع أذرع (القاعدة) بما فيها (حركة الشباب).
يتناول التحليل التالي السياقات المحفِّزة للتقارب بين الجماعتين، إلى جانب استيضاح ملامح التحول في ديناميكيات العلاقة بينهما. كذلك استشراف مستقبل هذا التقارب، عبر قراءة متعددة الزوايا، تربط بين السياقات الميدانية والرهانات الدولية.
أولًاـ سياقات محفِّزة
ارتكز التقارب بين الجانبين إلى براغماتية واضحة، فـ(الحوثي) المدعوم إيرانيًّا، ورغم تموضعه ضمن ما يُعرف بـ(محور المقاومة)، إلَّا أنه يرى في (حركة الشباب) ذات التوجه المتشدد ورقة ضاغطة في منطقة شرق إفريقيا، في المقابل ترى (حركة الشباب) في (الحوثيين) نموذجًا ملهمًا، فبالرغم من الحصار، لكنه نجح في فرض السيطرة في مناطق من اليمن، وبناءً على ذلك يمكن تحليل أبرز السياقات التي حفَّزت التقارب بين الجماعتين، على النحو التالي:
- هيمنة موازية: أدَّى ضعف المؤسسات الحكومية في اليمن والصومال، إلى تصاعد دور الفواعل غير الحكومية، وتحوّلها إلى أطراف فاعلة في المعادلة السياسية، ففي اليمن، سيطر الحوثيون على العاصمة صنعاء، وأنشأوا كيانات موازية، ورغم غياب الاعتراف الدولي بها، فرضوا أنفسهم كطرف لا يمكن تجاوزه في أي تسوية سياسية، كما وظَّفوا تصنيفهم كجماعة إرهابية لترويج سردية (الاستهداف الخارجي)، ما عزَّز حضورهم المجتمعي بين أنصارهم، ووسَّع دورهم ليشمل التأثير على الأمن الإقليمي عبر شنِّ هجمات متكررة في البحر الأحمر. وفي الصومال، تمكَّنت (حركة الشباب) من ملء فراغ الدولة بفرض أنماط حكم بديلة، نجحت خلالها من جمع ما بين (150 إلى200) مليون دولار سنويًّا، وعليه فإن التآكل المؤسسي لم يكن مجرد خلفية مشتركة بين الجماعتين، بل عاملًا محفِّزًا لتقارب وظيفي، في ظل تشابه التمركز، وآليات التمويل، وسرديات الشرعية.
- سواحل رخوة: بالنظر إلى دول القرن الإفريقي الساحلية، نجدها تعاني انكشافًا أمنيًّا، ناتجًا عن غياب الإمكانيات اللازمة لتطوير الموانئ البحرية، وانعدام القدرة على تدريب كوادر محلية لضبط أمن السواحل، فالصومال تمتلك قرابة (3.300) كيلو متر من السواحل، ومع ذلك ليس لديها سوى بضع زوارق تنفِّذ دوريات غير منتظمة، مما مكَّن حركة الشباب من تكثيف أعمال القرصنة، فوفقًا لتقريرInternational Maritime Bureau، ارتفعت الحوادث البحرية بالقرب من السواحل الصومالية، بنسبة (22%)، خلال الربع الأول من عام 2024[2]، ولا يختلف الوضع باليمن كثيرًا، فانهيار الدولة أدَّى إلى تصدُّر الفصائل المسلحة في كافة الشؤون، وصولًا إلى التحكم في الملاحة الدولية، فمنذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، نفَّذ الحوثيون ما يزيد عن (100) هجوم على السفن التجارية بالبحر الأحمر[3]، مما أدَّى إلى تحويل شركات الشحن مساراتها، ليتسبب ذلك في خسائر تُقدَّر بمليارات الدولارات يوميًّا، لتعكس تلك المؤشرات تحول التنظيمات المسلحة من مجرد كيانات متمردة إلى طرف قادر على إعادة تشكيل معادلة السيطرة على الممرات البحرية.
- تقاطع براغماتي: رغم اعتقاد كثيرين أن توجهات إيران توجِّهها رؤية عقدية صرفة، إلا أن الواقع يكشف أن المصالح السياسية والاقتصادية هي المحرك الأساسي لسلوكها الخارجي، وفي ظل تشعب مصالحها في القرن الإفريقي وتزايد المنافسة مع القوى الكبرى، باتت تلجأ إلى أدوات ضغط غير تقليدية، منها خلق تحالف وظيفي بين (الحوثيين) و(حركة الشباب) لزعزعة الاستقرار وإرباك الحسابات الغربية، وقد شهدت الأشهر الأخيرة تزامنًا بين هجمات (الحوثيين) على السفن في البحر الأحمر وتصعيد (حركة الشباب) قرب خطوط الملاحة، ما يعكس نمطًا من الضغط البحري المنسَّق تديره إيران عبر وكلائها. كما كشفت تقارير أمنية عن استخدام طهران مناطق خاضعة لـ(حركة الشباب) كممرات لتمرير دعم لوجستي للحوثيين، شمل مكونات طائرات مسيَّرة وصواريخ، في المقابل تمَّ تزويد الحركة بأسلحة وأنظمة اتصالات إيرانية، في مؤشر على سعي طهران لتعزيز نفوذها غير المباشر شرق القارة.
- إحياء تحالفات قديمة: كشف تقرير لصحيفة (تليغراف) البريطانية عن وجود محادثات بين (القاعدة) و(الحوثيين)[4]، وهو أمر لا يبدو مستغربًا، في ضوء الخلفيات المشتركة لبعض العناصر، حيث يضمّ (الحوثيون) أفرادًا كانوا سابقًا جزءًا من تنظيم (القاعدة) قبل أن ينشقُّوا عنه، وينخرطوا في المشروع الحوثي! ورغم التحول الأيديولوجي، تظل الروابط التنظيمية القديمة، من العوامل المعزّزة للتقارب، وتُستخدم كقنوات اتصال غير رسمية، وعند ربط هذا النمط بـ(حركة الشباب) يتضح أن الأخيرة تمثل امتدادًا وظيفيًّا لشبكة (القاعدة) في شرق إفريقيا.
- انحسار التمويل: أدَّت التطورات الدولية المتسارعة، بدءًا من الحرب الروسية الأوكرانية، مرورًا بتصاعد التوترات الأمنية بالشرق الأوسط، إلى إعادة ترتيب أولويات الدول الغربية، وتوجيه غالبية تمويلها نحو قنوات جديدة تتعلق بالأمن الأوروبي. هذا التحول انعكس بشكل مباشر على معدلات التمويل المخصص لمواجهة الإرهاب في إفريقيا، فوفقًا لتقرير مؤشر الإرهاب العالمي 2025، انخفض التمويل الدولي الموجَّه لمكافحة الإرهاب في إفريقيا، بنسبة (40%)، خلال الفترة من (2020-2024)[5]، وفي ظلِّ هذا التراخي الدولي وجدت التنظيمات المسلحة، فرصة لإعادة تشكيل تحالفات وظيفية تُعزِّز من قدرتها على المناورة.
ثانيًاـ تحولات ديناميكية السيطرة
هناك العديد من ملامح التحول الديناميكي للسيطرة، تجلَّت في التحالف (الحوثي) مع (حركة الشباب) وهو ما يمكن استيضاحه على النحو التالي:
- من السيطرة التقليدية إلى النفوذ غير المباشر: لم يعد مفهوم السيطرة مرتبطًا باحتلال منطقة ما عسكريًّا، بل تحوَّل إلى نمط غير مباشر من النفوذ، عبر أذرع متعددة، تتحرك ضمن تحالفات مرنة، قائمة على النفعية التبادلية، وبإسقاط هذا التحول على حالة (الحوثيين) و(حركة الشباب) يتَّضح أنَّ (الحوثيين) يفرضون سيطرتهم، عبر تهديداتهم المستمرة للملاحة البحرية في البحر الأحمر، من دون الحاجة إلى تموضع مباشر في تلك السواحل. بالتوازي، تفرض (حركة الشباب) سيطرتها على مناطق ساحلية استراتيجية جنوب الصومال، وتُصعَّد من أعمال القرصنة البحرية، بما يمنحها نفوذًا فعليًّا في إدارة النشاط البحري، بعيدًا عن سلطة الدولة المركزية، فكلا الطرفين يسعى لتحقيق أكبر استفادة استراتيجية، من دون الحاجة لتموضع عسكري، ما فرض واقعًا جديدًا من التقارب الوظيفي، أدَّى إلى إعادة رسم خريطة السيطرة في المنطقة.
- من الانفراد إلى التنسيق العملياتي: لم تعد التنظيمات المسلحة تكتفي بالسيطرة المنفردة، بل باتت تنتهج نمط تنسيق متعدد الأطراف، فـ(الحوثيون) يدعمون (حركة الشباب) لوجستيًّا مقابل توفير الحركة ممرات آمنة وغطاء بحري في مناطق يصعب على (الحوثيين) الوصول إليها، خاصة في السواحل الجنوبية للصومال، ما يمنحهم امتدادًا وظيفيًّا في بيئة بحرية معقدة، كما لا يقتصر التنسيق على الدعم المادي، بل يشمل مساحة من تبادل المعلومات تُسهم في تحسين فعالية العمليات، وتعزِّز من قدرة الطرفين على المناورة، ليتحول بذلك نمط السيطرة من سيطرة أحادية إلى شبكة نفوذ متداخلة.
- التحول من الفاعلية الأمنية إلى الفاعلية الاقتصادية: لم تعد التنظيمات المسلحة تكتفي بالدور العسكري، بل تحوَّلت إلى فواعل اقتصادية تدير موارد استراتيجية، وتنتج اقتصادًا موازيًا لتمويل عملياتها، فوفقًا لتقارير يسيطر (الحوثيون) على موانئ حيوية، ويفرضون ضرائب جمركية تصل إلى (30%)[6]، أما (حركة الشباب) فتفرض ضرائب تشمل الزكاة ورسوم المرور والمحاصيل، وتدير تجارة الفحم في جوبا السفلى، بعوائد سنوية تتراوح بين (100 و150) مليون دولار، حسب تقديرات الأمم المتحدة، فيما يعكس هذا التحول تقاطعًا وظيفيًّا بين الطرفين، حيث يظهر كل منهما قدرة على إدارة الموارد وتوظيفها في تعزيز النفوذ، ما يمهد لتفاهمات غير رسمية قائمة على تبادل المنفعة الاقتصادية.
- تحول من سيطرة الميدان إلى تضخيم البيان: انتقلت التنظيمات المسلحة من السيطرة الميدانية المباشرة إلى الهيمنة الخطابية، موظفة أدوات الإعلام لتكريس سرديات تمنحها شرعية، ففي اليمن، يعيد (الحوثيون) إنتاج سردية (المقاومة ضد العدوان) عبر قنوات مثل (المسيرة)، حيث تشير تقارير إلى أن أكثر من (70%) من المحتوى الإعلامي يبرِّر القمع الداخلي باعتباره حماية للجبهة الداخلية. وفي الصومال، تعتمد (حركة الشباب) سردية (تطبيق الشريعة ومكافحة الفساد)، وتنتج أكثر من (40) مادةً شهريًّا تصوِّر الحكومة كعميل للغرب، وتقدِّم نفسها كبديل شرعي، فهذا التحول لا يغيِّر أدوات التعبئة فحسب، بل يكشف عن تقاطع رمزي بين الطرفين في توظيف الخطاب كأداة نفوذ.
ثالثًا ـ سيناريوهات مرتقبة
وفقا لما سبق هناك عدد من السيناريوهات المتوقعة لمستقبل التقارب الحالي بين الحوثيين وحركة الشباب، وذلك على النحو التالي:
- استمرار التعاون: يفترض هذا السيناريو استمرار التخادم الوظيفي بين (الحوثيين) و(حركة الشباب)، ويعزِّز هذا السيناريو؛ تراجع الدعم الدولي، لا سيما بعد تزايد التوترات بين واشنطن وجيبوتي، بعد رفض الأخيرة استخدام أراضيها لشنِّ هجمات ضد (الحوثيين) إلى جانب تصاعد حدة المنافسة بين إيران وعدد من القوى الكبرى حول المصالح الاستراتيجية في البحر الأحمر، خاصة بعد إعلان إيران في يونيو (حزيران) 2025، عن توسيع وجودها البحري في ميناء (عصب) الإريتري، وتوقيع اتفاقيات أمنية مع السودان، ما يجعلها تعتمد على ورقة (الحوثيين) و(حركة الشباب) كأدوات ضغط غير رسمية لتهديد مصالح خصومها.
- تضارب المصالح: يفترض السيناريو عودة البعد العقائدي، كمحرك لسلوك التنظيمات المسلحة، مع احتمال سعي (الحوثيين) لمد نفوذهم الفكري داخل الصومال، عبر دعم خلايا محلية، ما قد يثير رفضًا حادًّا من (حركة الشباب) ذات التوجه الراديكالي، كما يفترض هذا السيناريو تصاعد التنافس بين الطرفين على السيطرة البحرية في البحر الأحمر، خاصة بعد تسجيل الأمم المتحدة ارتفاعًا، بنسبة (40%)، في الهجمات الحوثية، خلال أغسطس (آب) 2025، وهو ما يهدِّد شبكات التهريب التي تعتمد عليها (حركة الشباب). ورغم أن هذا السيناريو غير مستبعد، إلا أنه يتطلب مدى زمني أطول، نظرًا لتبني الطرفين حاليًّا مبدأ المنفعة المتبادلة.
- إعادة ضبط التوازن: يفترض هذا السيناريو اصطفافًا دوليًّا وإقليميًّا، إلى جانب دعم الحكومات المحلية لاستعادة السيطرة على مؤسسات الدولة، ورغم قوة هذا الطرح نظريًّا، إلا أن تنفيذه يواجه تحديات عملية كبيرة، فوفقًا لتقرير مجموعة الأزمات الدولية، هناك ضعف شديد في التنسيق الأمني بين دول القرن الإفريقي واليمن، فيما تمَّ تسجيل (6) محاولات فاشلة لإنشاء آلية إقليمية مشتركة لمراقبة السواحل.
أما على مستوى الدعم الدولي، فقد انخفضت المساعدات الأمنية المخصصة للحكومات المحلية، بنسبة (80%)، منذ عام 2021، من (64.8) مليار دولار إلى (12.7) مليار دولار خلال 2024[7]، نتيجة لتحول أولويات القوى الكبرى، كما أن أكثر من (70%) من دول الإقليم، تعاني من أزمات داخلية حادة، مما يجعل من الصعب تحقيق اصطفاف فعّال أو تنسيق مستدام لمواجهة التهديدات الأمنية التي يشكِّلها التحالف الحوثي مع حركة الشباب.
أخيرًا؛ يتضح أن العلاقة بين (الحوثيين) و(حركة الشباب) لا تقوم على تحالف أيديولوجي، بل تعكس تقاربًا وظيفيًّا مؤقتًا، يخدم أهدافًا ميدانية محدَّدة. فمع تراجع مركزية العقيدة في تشكيل التحالفات، بات منطق المصلحة هو المحدد الرئيسي للتنسيق بين التنظيمات المسلحة، حتى بين أطراف متباينة فكريًّا، وإن ظلَّ هذا النمط البراغماتي غير معلن، إلا أنه ينعكس بوضوح في تقاطع العمليات ميدانيًّا، كما يكرِّس واقعًا هشًّا في أمن البحار ومسارات التجارة الدولية!
-
Security Council, Letter dated 11 October 2024 from the Panel of Experts on Yemen addressed to the President of the Security Council, available at:
https://documents.un.org/doc/undoc/gen/n24/268/38/pdf/n2426838.pdf ↑ -
Threat of somali piracy,ICC,10/4/2024,available at: New report highlights continued threat of Somali piracy – ICC – Commercial Crime Services ↑
-
2025-012-Red Sea, Bab el Mandeb Strait, Gulf of Aden, Arabian Sea, Persian Gulf, and Somali Basin-Houthi Attacks on Commercial Vessels, United States Department of Transportation,available at: 2025-012-Red Sea, Bab el Mandeb Strait, Gulf of Aden, Arabian Sea, Persian Gulf, and Somali Basin-Houthi Attacks on Commercial Vessels | MARAD
-
4Houthis team up with feared Al-Qaeda branch in new threat to Yemen,telegraph,4/5/2024, available at: Houthis team up with feared Al-Qaeda branch in new threat to Yemen ↑
-
Global terrorism index 2025, available at: Global-Terrorism-Index-2025.pdf ↑
-
Ports of war? ,Regain Yemen, march 2025, available at: Ports-of-War.pdf ↑
-
Nangayi Guyson, Africa sees its foreign aid declining: What’s behind the shift?, development aid, 2/4/2025, available at: Africa sees its foreign aid declining: What’s behind the shift? DevelopmentAid ↑















