أكدت دراسة حديثة الصدور أن السنة الإيرانيين في الخليج أو مايعرف بـ “العجم” السنة، لم يواجهوا قمعاً أوتهميشاً طوال الفترة التي تمتد إلى نهايات القرن التاسع عشر، وقال الباحث المغربي عبدالصمد بلحاج إن العجم السنة تمتعوا بحوافز الفاعلية الاقتصادية، لكنهم شأن غيرهم من شرائح المجتمعات الخليجية خضعوا لضبط سياسي.
ورصد عبدالصمد بلحاج في دراسته التي نشرت في الكتاب السادس والأربعين لمركز المسبار (أهل السنة في إيران) أسباب هجرة العجم السنة إلى الخليج منذ نهايات القرن التاسع عشر، موضحاً أن العجم الذين هاجروا إلى الإمارات دفعتهم أسباب اقتصادية بإغراء الضرائب المنخفضة في دبي مقارنة بالإجراءات المالية للقاجاريين (1794–1925)، وبعد هجرتهم إلى إمارات الساحل المتصالح راق لهم أسلوب الحياة المحافظ.
وكشفت الدراسة أن موجات الهجرة من السنة الإيرانيين إلى المنطقة لم تثِر قلقاً عرقياً من جانب السكان الأصليين، لأن الهجرة من إيران إليها شملت عرباً أيضاً انتقلوا منها إلى إيران ثم عادوا أخيراً، وبعضهم لعب دوراً تاريخياً في العلاقات التجارية والسياسية بين الساحل الفارسي ودول الخليج. بالإضافة إلى ذلك فإن غالبية السكان المحليين هم عرب سنّة، وذكرت الدراسة أن التنوع المذهبي الذي تعيشه الإمارات العربية المتحدة يجعلها منطقة منخفضة الضغط الديني نسبياً.
وقد كان ولا يزال للعجم في الامارات دور اقتصادي بارز، ظهر أكثر في التجارة على المستوى المتوسط والصغير، في حالة مشابهة لنظرائهم في دولة قطر التي يشكل الإيرانيون (سنة أو شيعة) – وفق تقديرات جهات أمريكية- 10% بالمائة من سكانها.
أما أكثر الحالات أهمية بحسب بلحاج فهي حالة العجم السنّة في البحرين. إذ السنة –بحسب الدراسة-أقلية حاكمة، أسهم المذهب بجعلهم حلفاء طبيعيين وضروريين للعرب السنّة في البحرين. لكن الحدود بينهم وبين العرب السنّة المتحوّلين من إيران إلى البحرين -الهولة- لاتزال غائمة رغم أن الهولة ينتسبون إلى قبائل عربية، شارحاً دوافع هذا التمايز برغبة عرب البحرين الأصليين في الترقّي الاجتماعي وإرضاءاً لشعورهم بالانتماء العربي، إضافة إلى ترسبات التاريخ الإيراني الطامع في البحرين.
وأشار الباحث إلى أن الوضع اللغوي والديني للعجم السنّة في البحرين شائك، وأن هناك خلطا متعمّداً أحياناً بين عرب الهولة والعجم السنّة، بسبب التحالف السياسي والاجتماعي وادعاءات الانتماء العربي، ولأن العجم السنّة في البحرين بقوا محافظين على استعمال الفارسية لغة للحديث.أما من الناحية المذهبية فإن العجم السنّة في البحرين يقلّدون المذهب الشافعي، وهو إرث يشاركهم فيه الهولة الذين لهم روابط تاريخية مع إيران، بينما يتبع العرب السنّة في البحرين المذهب المالكي.
في البحرين ورغم قلتهم العددية، يكتسي الدور السياسي للعجم السنّة أهمية بالغة، إذ إن سياسة الحكومة تسير في اتجاه هندسة توازن سنّي-شيعي لمصلحة السنّة –بحسب الكاتب-.
وتحدث الباحث عن موانع الاندماج بما يتعرّض له البحارنة من الأصول الإيرانية «سنّة» و«شيعة»من اتهامات بالتخوين والعمالة، فهم تحت ضغط شديد خاصة من العرب السنّة، لأنهم يُواجهون مطالبة مستمرة باظهار الولاء.
أما في الكويت التي يعرف العجم السنّة فيها بـ”الكنادرة”، فقد ذكرت الدراسة أن هجرتهم كانت فراراً من حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي التي صبغت السنوات الأخيرة للعهد القاجاري. وكانوا محل ترحيب من حيث الانتماء المذهبي حيث يشكل السنة في الكويت 70% من السكان، وقد استطاعوا الاندماج في النسيج الكويتي بنجاح، إذ انمحت اللغة الفارسة تقريبا وطغت اللهجة الكويتية، ويمكن اعتبار التحوّل اللغوي رمزاً لتحوّلهم الاجتماعي.
وأشار بلحاج إلى أن العامل اللغوي في بعض الأحيان يكون محور الهوية الأساس. أما سنّية هذه الأقلية فهي تخضع لمشكلة التشظّي التي يعاني منها السنّة العرب عموماً.
وذكرت الدراسة أن الانفتاح النسبي لنظام الكويت السياسي سمح للكنادرة بتنظيم أفرادهم في جماعة ذات صوت سياسي واحد، حيث كان لشعورهم الجامع بكونهم أقلية أثر واضح في عصبيتهم الجديدة. فالأقلية تسعى إلى البقاء وإلى خلق شروط هذا البقاء. يمكن القول إذاً إن العجم السنّة يسعون إلى إيجاد مكان داخل النظام السياسي الكويتي المفتّت نسبياً.
ويختم بالحاج دراسته بالقول “هذا لا ينفي أنه في حالة انكشف الصراع الفارسي-العربي المختبئ وراء النزاع الشيعي-السنّي سيكون وضع العجم السنّة أكثر هشاشة، ولكن هذه المعادلة لن تكون في صالح إيران أيضاً، حيث إن رأس حربتها هم الشيعة العرب. وكما تدين تدان”.