“شاي الخامسة مساء” هو لقاء مفتوح سيعقد في مركز المسبار كل فترة، تدعى إليه مجموعة من المثقفين والإعلاميين المتواجدين في الإمارات للنقاش مع شخصية مرموقة في مجالها الفكري والثقافي. كان ضيف المسبار في أول لقاءاته في 25 يناير هو المفكر التونسي أستاذ كرسي اليونيسكو لعلم الأديان المقارن البروفيسور محمد الحداد.
د.محمد الحداد يتحدث لأسرة المسبار وبعض المثقفين
التعليم في تونس ودراسة الأديان أشار الحداد في بداية حديثه إلى أن الإسلام كان أكثر الأديان اهتماماً بالأديان الأخرى ، وهو مانلمسه في آيات القرآن الكريم، وقد كانت دراسة الأديان والطوائف موضع اهتمام بعض فلاسفة وعلماء الدين المسلمين القدامي كالبيروني وابن سينا وغيرهم، ولكن المسلمين اليوم هم الأكثر تخلفاً في هذا المجال، مشيراً إلى صعوبة تناول أي موضوع ديني بتجرد عن القدسية والحساسيات في العالم العربي، وقال بأن الأجواء ملبدة في هذا المضمار. وعن المفاهيم المشوهة لليبرالية والعلمانية قال : إنها قُدمت أحياناً بأقلام خصومها “الإسلامويين”، وأن موجة الأصولية العارمة التي تجتاح العالم ليست مقصورة على الإسلاميين، فحتى إسرائيل تعيش هذا الاجتياح من قبل طوائف يهودية دينية متشددة. وفي سؤال عن سبب وجود التقدم العلمي لدى التونسيين بشكل عام وتوفر طاقات تنويرية تؤهل تونس لتكون مركز إشعاع بعد بن علي، قال الحداد: إن ما ميز تونس هو الوعي التعليمي العالي، والمناهج المتينة والحرية الأكاديمية التي امتازت بها منذ خمسينيات القرن الماضي، على الرغم من محاولات نظام بن علي إيجاد قطيعة مع الجيل القديم المتحرر وتضييقه على الحريات الأكاديمية، إلا أن العصر الجديد وانفتاحه على شبكات الاتصال وثورة المعلومات سيجعل لتونس دوراً أكثر تأثيراً ويجعل منها بؤرة للإشعاع. جيل الثورة وأشار الحداد إلى أن العامل الأهم في ثورة الياسمين كان وجود شباب واعٍ يتعاطى مع قضايا العصر بذكاء واتقاد وبأساليب حديثة، وكان لموقع Facebook الفضل في تنسيق جهود الشباب. وأشار إلى دور الجيش في نجاح الثورة، وأن المكوِّن الأهم الذي جعل الجيش ينحاز للشعب، هو وقوع الجيش وموظفيه تحت طائلة الضيق المُعاش في النواحي الاقتصادية، وأن الجيش كان بعيدًا عن تهم الفساد لقلة تسليح الجيش التونسي وعدم وجود صفقات لشراء الأسلحة بالمليارات؛ مما لايشجع على وجود بيئة للإثراء والفساد . وكشف الحداد أن بن علي في أيامه الأخيرة أطلق يد بعض الليبراليين من حزبه ممن كان يعرف فيهم حماسهم لرفع سقف الحريات ليقوموا بحوار مع قيادات المعارضة، واتفقوا معهم على أن تنتهي المظاهرات بإعلان بن علي نيته عدم الترشح لولاية قادمة، ولكنه بعد أن قام بإلقاء خطابه الأخير لم يتجاوب معه الشعب واستمر الشباب في ثورتهم وحاصروا مبنى وزارة الداخلية، واكتشف بن علي أنه خُدع وأنه كان يثق بمن لا يستحقون الثقة من مستشاريه الكبار، كما أشار إليه في كلمته في التليفزيون. الموقف الفرنسي والأمريكي وقال الحداد “إن بن علي اكتشف أنه كان يتحاور مع العناصر غير المؤثرة على الشارع، وبعقليته الاستخباراتية دبّ فيه الرعب من أن يكون مستندًا على معلومات مغلوطة، وقد تكون حياته وأمنه الشخصي عرضة للخطر، فقرر الخروج لفترة مؤقت والعودة لاحقًا. وأشار الحداد أن تطورات الأحداث كانت مفاجأة لجميع حلفاء وأصدقاء تونس بمن فيهم فرنسا التي كانت في موقف الصدمة، موضحاً أن الديبلوماسية الفرنسية اتسمت بالبطء، وفي المقابل قام السفير الأمريكي في تونس بكتابة مقالة في مجلة اقتصادية إليكترونية يؤيد فيها ثورة الشعب التونسي”. مؤكداً أن الموقف الأمريكي كان إشارة قوة الثورة فقد كان تخلي أمريكا عن رجلها في تونس واضحًا، منذ نشرت وثائق ويكيليكس، إضافة إلى تصريحات وزيرة خارجيتها، وهو ما كشف الغطاء الخارجي للنظام وزاد من موقف الثوار قوة. وفي رد على تساؤل أحد الضيوف عن إمكانية وجود حكومة مستقرة، قال الحداد إن التوانسة أمام ثلاثة خيارات: إما أن تستقيل الحكومة كاملة ويتم تغييرها جذريًا، وإما الاحتفاظ بها كحكومة تسييرأعمال، وإما استقالة خمسة من المحسوبين على النظام البائد وإحلال بدلاء من المعارضة والنقابيين، مؤكداً ضرورة الإبقاء على خبراء الاقتصاد والعارفين الاتفاقيات الدولية. وعن إمكانية إقامة انتخابات حالية قال الحداد إن الهم الأول الآن أن تقوم حكومة بتعديل القانون الانتخابي بعد حل البرلمان الذي يمثل الورقة الأخيرة في يد الحزب الحاكم السابق، ولكن الأولية الآن هو حكومة لتصريف الأعمال. الإسلاميون والثورة وردًا على تساؤلات الضيوف إن كانت حركة النهضة بتنظيمها وامتدادها الإسلامي قادرة على سرقة الثورة، كشف الحداد أن راشد الغنوشي حاول العودة إلى تونس ومُنع لوجود صفقة قديمة بينه وبين النظام السابق، ولوجود حكم عليه قد يُنفذ مباشرة في ظل حكم الطوارئ الذي ينفذه الجيش، وقال بأن الإسلاميين حاولوا الاستفادة من الثورة باستغلال مداخل القضايا المشتركة مثل الحريات وربطها بالحجاب. وحول استسفسارعن أن العادة جرت أن الثورات تأتي بنقيض أيديولوجيات الأنظمة المطاح بها، كالحالة الإيرانية التي أنتجت نموذجًا دينيًا ثائرًا ضد علمانية الشاه وتعاطف معه الشعب في بدايته، فهل سينقلب الشعب التونسي على العلمانية؟ قال ضيف المسبار إن القضايا الأيدلوجية لم تحرك الشارع أصلًا،لأنه ثار على الأوضاع المعيشية والفساد، مستبعداً أن تصعد هذه اللافتات الأيدلوجية في البرامج الانتخابية، لأن المواطن سيبحث عن من يكافح الفساد ويسد رمقه، محدداً ثلاثة اسباب حركت الشارع والشباب التونسي: الأسباب الاقتصادية والبطالة الكرامة والحريات. تونس لم تكن علمانية يؤكد الحداد أن تونس لم ترفع يوماً لافتة العلمانية وأن كل الخطابات الرسمية للرئيس السابق ولأبو رقيبة تؤكد ذلك، وفي حديثه في لقاء المسبار قال الحداد إن جمعية العلمانيين التونسيين كانت محظورة في تونس، وكان رئيسها أستاذ قانون وقد سحب النظام السابق منه جواز سفره ثلاثة شهور بسبب هذه الجمعية، فابن علي قمع الجميع من إسلاميين وعلمانيين، لأن أزمة النظام كانت مع الحريات. وكما أن التونسيين يميلون إلى المجتمع والثقافة الغربية أكثر من شغفهم بالنموذج الإيراني، مؤكدًا أن الأخير أفل نجمه بعد أن ظهر بوجهه القامع لحريات الشباب، ولهذا تفاعل التونسيون مع أحداث صيف 2009 بعد الانتخابات الإيرانية . خصوصية اتحاد الشغل وفي سؤال عن اتحاد الشغل التونسي قال الحداد إن الاتحاد تأسس قبل الاستقلال وبقي دائماً عصياً على سيطرة النظام التامة، الذي حرص دائماً على عقد صفقات مع قياداته للسيطرة الجزئية عليه وعلى مفاصله، مضيفاً أنه بالرغم من وجود بعض الفاسدين فيه، ولكنه ظل عصيًا على التسييس. و ختم الحداد بأن الزعيم الحبيب بورقيبة حينما عزل لم يجد له مأوى يأويه ولا بيتاً ولم تكن عائلته فاسدة. تعريف بضيف المسبار البروفيسور محمد الحداد محمد الحداد- – ولد عام 1963 -متزوج وأب لطفلة – حصل على تعليمه العام في تونس، والجامعي من قسم الدراسات العربية والإسلامية في جامعة السوربون بباريس. – عام 1994 نال شهادة الدكتوراه من السوربون عن ( خطاب الإصلاح الديني) بإشراف المفكر الراحل محمد أركون. -مارس الصحافة بفرنسا ، ثم عاد إلى تونس عام 1995، وعمل في الجامعة التونسية بكلية الأداب. – وبعد أن حصل على الأستاذية تولى إدارة الدراسات في كلية الأداب . – أستاذ كرسي اليونيسكو لعلم الأديان المقارن بتونس منذ عام 2004 . مؤلفاته: -محمد عبده قراءة جديدة في خطاب الإصلاح الديني -الأفغاني دراسة ووثائق -ديانة الضمير الفردي – الإسلام نزوات العنف وإستراتيجيات الإصلاح – البركان الهائل – مواقف من أجل التنوير – قواعد التنوير -شارك في كتاب بالفرنسية عن ( تدريس الأديان في عصر العولمة) ترجم إلى العربية. -شارك في كتاب بالفرنسية عن ( الأديان والإصلاحات الدينية) وترجم إلى العربية. – معلق في صحيفة الحياة اللندنية منذ 1991 في ملحق تيارات كل يوم أحد. – عضو في العديد من وحدات البحوث الأوروبية والعالمية. – حاضر في كثير من البلدان الأوربية والعربية. المصدر: مركز المسبار 26 يناير 2011