“السرورية والأحباش”.. مشروع الحاكمية وسلاح التكفير
“المسبار” كتاب شهري جديد متخصص بالحركات الإسلامية
يفتتح مركز «المسبار» للدراسات والبحوث مشروع كتابه الشهري، بصدور عددي يناير (كانون الثاني) وفبراير(شباط) 2007. وحسب مقدمة هيئة التحرير أن الكتاب الدوري مختص بجماعات أو حركات الإسلام السياسي، وأبرز الشخصيات المؤثرة فيها. وهو بهذا التوجه يسد فراغاً كبيراً في مجال دراسة تلك الحركات، والبحث في نشأتها، وفكرها ـ ونشاطها التعبوي السياسي والعقائدي. وبطبيعة الحال أن الكتاب الشهري المتخصص، في مجال محدد، يوفر للمكتبة العربية والباحثين، ما لا تتمكن من رصده ومتابعته المؤلفات المتفرقة، ومراكز البحوث العامة.
بهذا التخصص، المثير إلى حد ما، يجذب كتاب «المسبار» المهتمين في مجال صار هو الأول، من حيث الاهتمام والتأثير، في الساحة الإسلامية والعربية. صحيح أن تجارب هامة سبقت كتاب «المسبار»، مثل كتاب «عالم المعرفة»، الصادر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت، منذ يناير/ كانون الثاني/ 1978 ومازال، وكتاب «الهلال» الصادر عن دار الهلال المصرية، إلا أن خصوصية كتاب «المسبار» تكمن في تخصصه، ومساهمة مجموعة مؤلفين، أو باحثين، في تأليفه وبذلك يعكس آراء ووجهات نظر متعارضة في قضية من قضايا الجماعات الإسلامية.
يتناول هذان العددان الصادران حركتين طالما شغلتا الاهتمام الفكري والفقهي، وتكادان تكونان مجهولتين بالنسبة للقارئ غير المختص، ونعني بهما حركتي «السرورية» و«الأحباش»، وهما من أنشط الحركات الإسلامية، التي ظهرت في النصف الثاني من القرن المنصرم. الأولى ولدت من رحم الإخوان المسلمين، والثانية اختلفت عنهم إلا أنها تلمست طريقهم إلى التواجد والانتشار، والتأثير عبر تأسيس الجمعيات والمراكز الخيرية.
يكتب عبد الله بجاد في كتاب يناير (شباط): «تُنسب السرورية إلى الإخواني السوري المنشق محمد سرور بن نايف زين العابدين. وكان سرور في البداية قريباً من عصام العطار، قائد الجناح الإخواني السوري، الذي كان معروفاً آنذاك باسم إخوان دمشق. ثم تحول عنه إلى مروان حديد، الذي استخدم العنف كوسيلة مشروعة لتحقيق أهدافه. وقد كان سرور حينها متأثراً بأفكار سيّد قطب مع عقيدة سلفية. واتضح ما ينقص العمل السياسي الإخواني من توجه سلفي يرقى إلى مستوى العقيدة. ومن جانب آخر ان التوجه السلفي بحاجة إلى جرعة سياسية تنظيمية، تمنحه حضوراً مؤثراً في المشهد السياسي. وتلمس في كتابيه عن الغلو والتكفير، على الرغم من كونهما ضد التكفير، أن له علاقة شخصية ببعض تلك الجماعات» (ص 14).
وكتب يوسف الديني في سيرة المؤسس تحت عنوان: «سرور.. رحل من برَيدة وبقيت أفكاره»: «سوري الجنسية، يبلغ من العمر سبعين عاماً (2006)، وعضو بارز في جماعة الإخوان المسلمين، ناشر لمجلة السُنَّة، التي تصدر بلندن عن مركز دراسات السُنَّة النبوية، عاش في المملكة العربية السعودية في مدينة بريدة مدرساً في المعهد العلمي بها، وكان من تلاميذ الشيخ سلمان العودة. ومن المؤسسين مع محمد العبدة للمنتدى الإسلامي في برمنجهام، والذي تصدر عنه مجلة البيان الإسلامية. يقيم الآن في الأردن بعد أن ترك بريطانيا في شهر أكتوبر عام 2004، على اثر التشديدات الأمنية على قادة ورموز الحركة الإسلامية» (ص 41). ثم تختتم موضوعات السرورية بكتاب لصاحبه مؤسس السرورية نفسه، وهو «الحكم بغير ما أنزل الله وأهل الغلو» قراءة محمد مصطفى. أي الحاكمية بعينها.
وحسب قراءة الكتاب يُعد «الحكم بغير…» مشروع سرور العقائدي بعد طرح مشروعه التربوي والأخلاقي في كتابه الآخر «منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله».
وإن ذهبت البحوث الخاصة بالسرورية إلى كشفها تاريخاً، والتلميح بنقدها، وما جاورها من الحركات، يأتي بحث سالم بن عبد الرحمن الحمد «الحصون المنيعة في ردة مَنْ لم يحكِّم الشريعة» طارحاً فكِر الإسلام السياسي، وذائداً عن زعامات إخوان المسلمين، وفي مقدمتهم سيد قطب (أُعدم 1964)، أي يتبنى مشروع الحاكمية بالتمام والكمال. وهو يستند إلى الفقهاء السلف من القدماء والمعاصرين. لكن، ما أن تتم قراءة هذا الدفاع إلا وتدخل في بحث مضاد تحت عنوان «فتنة الحاكمية» ليوسف الديني، الذي اعتبرها من البداية «فكرة مأزومة» بل و«لفظها من الألفاظ المولَّدة»، وما تعنيه العبارة من عدم الأصالة. والسرورية بطبيعة الحال كغيرها من الحركات المتفرعة من الاخوان المسلمين تتقيد بالحاكمية، مع اختلاف الطرائق.
وفي مادة تمايزت عن بقية المواد بموضوعها، ضمن ملف السرورية، كتب رضوان السيد تحت عنوان «أسئلة عن الزمن العربي المعاصر»، تناول فيه التعايش بين المكونات الثقافية والاجتماعية، وكأنه يريد الوصول إلى السؤال الممض: هل التعايش على أساس المواطنة بغياب الديمقراطية مجرد أكذوبة؟ والبيت المستشهد فيه «فيا دارها بالخيف إن مزارها.. قريب ولكن دون ذلك أهوال» يغني عن المقال والتصريح. وكل ما يحدث من محاولات للتقريب بين المذاهب والأديان يبقى مجرد مجاملات من دون الاعتراف بالآخر كشريك حقيقي في الوطن والدولة.
تناول الكتاب الثاني، الذي صدر في الأول من فبراير/ شباط/، جماعة أخرى مثيرة من جماعات الإسلام السياسي، مازالت مقالاتها وحركاتها مخفية عن الكثير من المهتمين، وهي حركة «الأحباش»، التي أسسها رجل قَدم من هَرر الحبشية أو الأثيوبية، وشيد له بلبنان، حيث حرية التحرك والاختيار، قاعدة تفرعت منها قواعد إلى أوروبا وبلدان العالم الأخرى، لها مساجدها ومؤسساتها ومدارسها. والتي قدمت نفسها تحت اسم «جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية».
كتب أحمد الزعبي حول تأسيسها: «خلافاً لمعظم الحركات اللبنانية، ذات الطابع الإسلامي، الطرابلسية (نسبة إلى مدينة طرابلس في شمال لبنان)، تعود أصول نشأة جمعية المشاريع إلى بيروت، ويعرف أتباعها بـالأحباش نسبة إلى مرشدهم الروحي الشيخ عبد الله الهرري المعروف بـالحبشي، الذي كان ولا يزال قطب الجذب داخل الجماعة، ومحور اهتمامها وحركتها، والركيزة في مرجعيتها عبر نشر أفكاره والدفاع عنه نشأة وفكراً» (ص 12). والأحباش وإن تجافوا مع الإخوان المسلمين، الحركة الأم لكل الإسلام السياسي المعاصر، وكفروا أبرز زعاماتهم سيد قطب، إلا أن موضوع الحاكمية يوحد الجميع، وأن سلوك التكفير هو سلاح الجميع أيضاً.
ومثلما قُدمت السرورية ومؤسسها عبر بحثين منفصلين، قُدمت جماعة الحبشي وزعيمها الهرري عبر بحثين منفصلين أيضاً، فبعد الزعبي، الذي أفاض في تاريخها وعقيدتها، كتب ماجد إبراهيم الأحمد تحت عنوان «الشيخ عبد الله الحبشي.. كاريزما الضباب وأسطورة الجدل». ويجد القارئ في سيرة هذا الرجل غرائب ومفارقات، سواء في تنقلاته، مرتحلاً من هرر، مسقط رأسه إلى بيت المقدس، ثم مقيماً بدمشق، ونزيلاً بمكة ثم مستقراً ببيروت، أم في كثرة أساتذته، وكثرة الموضوعات التي طرقها، من الفقه وأُصول السلفية إلى الصوفية النقشبندية. إضافة إلى ملف الأحباش، أو جماعة الحبشي، ناقش كتاب المسبار الثاني مسألة هامة في الفكر السياسي الإسلامي المتشدد على وجه الخصوص، ألا وهي «الولاء والبراء». كتب عن منزلتها وأهميتها للمسلم محمد بن عبد الرحمن السعد، بينما قابله باحث وناقد هو عبد الله بجاد بمقال «الولاء والبراء: إيديولوجية المعارضة السياسية في الإسلام». وبينما طلب الباحث الأول من المسلمين التمسك بمبدأ الولاء والبراء، لأنها حسب عبارته: «من أُصول الاعتقاد، التي يجب على كل مسلم أن يدين بها» (ص 53).
ذهب الباحث الثاني إلى اعتبارها من إحدى مقومات الخطاب التكفيري. يقول: «وعندما نحاول قراءة الخطابات التكفيرية القديمة والمعاصرة، فإن أعيننا لن تخطئ اعتمادها على مجموعة من المفاهيم والأفكار، من أهمها: الولاء والبراء» (ص 71). ومن المعلوم أن مفردتي أو مصطلحي «الولاء والبراء» متلازمان ولا يفترقان، وإلا لا داعي للولاء إذا كان لايهدده براء، وكذلك العكس صحيح. هذا مع ما بينهما من تمايز المعنى وتضاده، وهو يعكس تماماً التمايز بين شعور الوئام والمحبة وشعور التباعد والكراهية.
وفي ملف «الحركات الإسلامية السياسية»، كتب سعود بن صالح السرحان تحت عنوان «العائدون من العراق»، وفيه يلفت النظر إلى مخاطر تلك العودة، بعد تجربة وتهيئة قتالية حيَّة. فالأفغان العرب العائدون من أفغانستان مازالوا نشطاء في الساحة، وربما منهم مَنْ حصل على تهيئة مركبة حين رافق أبا مصعب الزرقاوي من أفغانستان إلى العراق. وبعد الأطناب في العلائق بين التنظيمات، من أُصول وفروع، يطرح السرحان السؤال التالي: «هل عادوا؟! ويختم الكتاب بقراءة أحمد حسُني لكتاب «جهاد.. انتشار وانحسار الإسلام السياسي» للباحث جيل كيبل، الذي عده من أهم المراجع «في رصد الحركات الإسلامية خلال ربع القرن الأخير من الألفية الثانية».
كتاب «المسبار» المتخصص، ربما لا نراه معروضاً في أسواق الكتب، لأنه يعتمد في توزيعه على اشتراكات المؤسسات والأفراد، فغلافه القشيب الفاخر، وطباعته العالية النوعية، يشيران إلى صعوبة أن يكون في متناول القارئ بسهولة، والمهتم في ما تخصص فيه الكتاب يستطيع متابعته عبر عنوانه الالكتروني،: [email protected]. إنها تجربة من التجارب، في التأليف والتصميم والنشر والتوزيع. أما النجاح فلا دليل عليه غير الإقبال والاستمرارية
الشرق الأوسط 2007.2.14