واشنطن: عضوان الأحمري
منذ صدور كتابه الجديد “المملكة من الداخل” في نسخته الإنجليزية، والصحفي البريطاني روبرت ليسي وكتابه يعدان محور اهتمام وحديث النخب السعودية، وزاد هذا الاهتمام والجدل حول الكتاب ومؤلفه بعد أن نقله إلى العربية خالد عبدالرحمن العوض وصدر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث في معرض بيروت الدولي للكتاب.
ليسي صحفي بريطاني عشق المملكة وشعبها ومظاهر الحياة فيها، وواكب الطفرة النفطية الأولى راصدا التحولات التي طرأت على المجتمع السعودي إبانها، إلا أن ذلك العشق الذي جعله يتردد عليها لمدة تزيد على 30 عاما مضت، لم يمنعه من عشقه الآخر وهو العمل الصحفي، فكتب عن المملكة من رؤية موضوعية، نفاها البعض عنه من خلال اتهامه بالمديح، وهو أمر استغربه المؤلف ونفاه، محيلا أولئك الذين اتهموه إلى أن منع الكتاب من التوزيع في المملكة يعد أكبر رد عليهم.
في حوار أجرته “الوطن” مع روبرت ليسي يشير مؤلف كتاب “المملكة من الداخل” إلى أن الملك عبدالله شخصية إنسانية عظيمة تحاول فعل المستحيل، وقد نجح في إطلاق مشروع إصلاحي كبير، ولعل مشروع الابتعاث الخارجي يعد مثالا على ذلك، فهو _بحسب ليسي- خطوة كبيرة نجحت بنسبة 80%، وأنها ستشكل بكل تأكيد تغييرا للأفضل، إضافة إلى خطوات إصلاحية أخرى قام بها الملك عبدالله جعلت حب السعوديين له حباً منقطع النظير، فالسعوديون وخصوصاً الجيل الشاب الجديد مستعدون لفداء الملك عبدالله بأعمارهم وإعطائه خمس سنوات من كل عمر ليعيش أطول مدة ممكنة ليكمل مسيرة الإصلاح.
وأوضح ليسي أن فهم طبيعة المجتمع السعودي في فترة قصيرة يعد أمرا صعبا، وقد حاول كثير من الصحفيين الغربيين فهم هذا المجتمع المتنوع ثقافيا واجتماعيا، واعتقدوا أنهم نجحوا إلا أن ذلك ليس صحيحا، فالمجتمع السعودي يحتاج إلى سنوات طويلة كالتي قضيتها لمحاولة فهمه نظرا للتنوع الموجود فيه.
ويرى مؤلف “المملكة من الداخل” أن المسيرة الإصلاحية التي يقودها الملك عبدالله تسير جنباً إلى جنب مع الحرية الإعلامية الحالية التي أصبحت بمثابة شريك فعلي لتلك المسيرة الإصلاحية، لافتا إلى أن المرأة نالها نصيب كبير من خطوات الإصلاح، فهي تتمتع اليوم بقوة داخلية مكنتها من الوصول لمناصب عليا كنائبة وزير التربية على سبيل المثال، وأن المرأة السعودية اليوم تأخذ حقها في جميع مناحي الحياة، لكن المسألة ما تزال بحاجة إلى الوقت، شأنها في ذلك شأن كل الدول التي مرت بهذه المراحل، خصوصا أن المملكة لم تنشأ إلا حديثا.
وفيما يلي نص الحوار:
– سيد ليسي، كنت ضيفاً زائراً في مهمة عمل صحفية وبحثية في السعودية، ترددت عليها خلال ثلاثين سنة. ما هو الشيء الذي لم تستطع كتابته؟
كتبت كل شيء أريده وأريد أن أقوله، والدليل هو منع الكتاب في المملكة.. كتبت عن التعليم والإرهاب والفساد وكل الجوانب الجميلة وغيرها، وأنا أحب السعودية، وحينما تحب شيئا تريد أن تكون شفافاً معه، خصوصاً في هذا الوقت الذي يتغير فيه كل شيء بسرعة.
– كيف كانت لقاءاتك مع الملك عبدالله؟
الملك دائماً إنسان كريم ومرحب بالضيوف، والتقيته في مناسبتين، إحداهما في زيارته لمدينة حائل، والأخرى في افتتاحه لجامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا “كاوست”. والملك هو الذي قال إنه لا يوجد إنسان فوق النقد، ولذا لا أعتقد أن الكتاب أساء للمملكة، بل هو سرد تاريخي. وشخصية الملك شخصية إنسانية عظيمة تستطيع أن تستقرئ ذلك من قلوب السعوديين ودعائهم له، وخصوصاً الجيل الجديد والشباب الذين يتمنى ويحلم كل واحد منهم أن يعطي من عمره خمس سنوات على الأقل للملك عبدالله ليكمل مسيرة الإصلاح.
– ذكرت في كتابك “داخل المملكة” موقف وغضب الملك عبدالله من تأخر أعمال الإنشاء في “كاوست” أثناء بدايتها وأنه حدد لهم مدة محددة للإنجاز، هل لك أن توضح أكثر؟
الملك يحب بلده بشكل غير طبيعي ويؤمن بالتغيير، كان غاضباً جداً في بداية إنشاء “كاوست” حين شعر أن التنفيذ كان بطيئاً جداً وفاجأ الجميع بزيارة لهم حتى يرى سير العمل وكتبت عن تلك الزيارة.
– كتبت كتابك الأول عن السعودية، والآن الثاني، ما هو التغيير الذي لاحظته بشكل واضح؟
الإعلام، الحرية الإعلامية التي أصبحت شريكة في الإصلاح السعودي، كثير من الأمور التي تنشر في الصحافة كانت من المقدسات في زمان مضى، حقوق الإنسان ومطالبات المرأة والمطالبة بالإصلاح تنشر في الإعلام، وهو ما جعل التطوير يسير بوتيرة أسرع. قد لا تصدق لو قلت لك إنني أصبحت متابعاً مواظباً للإعلام السعودي، ومثالاً “طاش ما طاش” الذي يمكن أن يعطي مفاتيح للباحث أو الذي يريد أن يعرف عن حياة السعوديين. والأهم كيف أن السعوديين يرون أنفسهم من خلال “طاش” ويمارسون السخرية على واقع يستطيعون أو استطاعوا تغييره في بعض جوانبه، ومنه تلك الحلقة التي أنتجها “طاش” عن زواج المرأة بأربعة، ومثل هذه المشاهد والمواضيع التي لم يكن مسموحاً بها مطلقاً.
– تقول إنك تعمل على نسخة جديدة من الكتاب إضافة إلى النسخة العربية من كتابك، ماذا ستضيف فيها؟
كتبت كل ما يمكن كتابته عن السعودية في كتابي، وما سأضيفه في حال الإضافة هو مجرد أحداث معينة من هنا وهناك.
– نعود إلى رؤية الملك عبدالله التي تحدثت عنها، ما أبرز القرارات التي تعتقد أنها ستكون شريكة في التغيير المستقبلي؟
الملك عبدالله، أستطيع أن أقول إنه يحاول فعل المستحيل. برنامج الابتعاث مثلاً أعتقد أنه خطوة ناجحة بنسبة تفوق 80%، وهؤلاء المبتعثون الشباب والفتيات الذين راهن عليهم الملك أن يكونوا نواة التغيير سيغيرون في مسألة التشكيلة الاجتماعية وسيكونون شركاء في تطوير التعليم والإصلاح والإعلام. الملك عبدالله مؤمن بالتعليم جداً، وهو ما جعله يخصص الجزء الأكبر للتعليم، سواءً في برنامج إصلاح التعليم والقضاء أو برنامج الابتعاث أو بناء الجامعات. انظر مثلاً إلى جامعة “كاوست”. إن المجتمعات النامية تعتقد أن الملوك يستطيعون فعل كل شيء، هناك ملوك في ممالك لم يفعلوا كل شيء وظلوا يتباهون بالملكية، والملك عبدالله كسر هذا العرف، وبعد أن رأى أن الاقتصاد السعودي تحسن راهن على التعليم وقام ببناء “كاوست” التي يرى أنها نواة التغيير، ثم أرسل عشرات الآلاف من الشباب إلى جميع أنحاء العالم، وهذا ما أعنيه.. أنه يحاول فعل المستحيل.
– نعود إلى الكتاب، ما هي أبرز الصعوبات التي واجهتها حين بدأت كتابة الكتاب؟
السعوديون لديهم ولاء كثير، خصوصاً لعوائلهم، وهناك تنوع كبير في المملكة من الصعب فهمه في يوم أو يومين أو حتى شهر، وهناك صحفيون من أوروبا وأميركا يأتون إلى المملكة ويحاولون فهمها في مدة قصيرة. وترددي على المملكة خلال فترة طويلة كون لي صداقات مع مختلف الطبقات. في تأليف الكتاب التقيت بأكثر من 300 شخصية معظمهم لم أدون شهاداتهم.
– تنوع في أي جانب؟
تنوع ثقافي واجتماعي، لكنه ينصهر حين يكون الهدف الاحتفال في السعودية. في اليوم الوطني شاهدت الجميع يحتفلون وسط السنة في العيد ويلونون سياراتهم باللون الأخضر والنساء يصرخن والشباب يرقصون.. هذا يحدث في دولة لدى شعبها ولاء للحكومة وحب عميق، الملك عبدالله حين أمر بأن يكون اليوم الوطني إجازة إنما هو أعطى مساحة أكثر للفرح والاحتفال وتعزيز الولاء لدى المواطن السعودي وهو ما شاهدته في شوارع العاصمة الرياض أثناء تواجدي ووافق ذلك اليوم الوطني.
– هل غضب منك الأشخاص الذين لم تذكرهم في الكتاب؟
نعم، هناك من اتصل بي وسألني بقوله أو قولها “لم أجد اسمي في الكتاب”.. توقعت أنهم سيشترون الكتاب للاطلاع على محتواه، لكن بعضهم بدأ يبحث عن اسمه هل تم ذكره أم لا.
– لماذا لم تذكر شهاداتهم أو أسماءهم؟
بصراحة لم يضيفوا شيئا، وبعضهم لم يساعدني حقيقة في التعرف على بعض المعلومات التي أعرفها وأريد التأكد من صحتها، وبعضهم كان يبحث عن مجد شخصي من خلال سرده لقصته الشخصية. مشكلة بعض من التقيتهم كذلك أنهم كانوا مثل السلسلة، حين أنتهي من لقائه يقوم بإرشادي إلى شخص آخر أكتشف في نهاية المطاف أنه صديق أو صديقة مشترك ولم يضيفوا جميعاً شيئاً يذكر. وأنا في الأخير صحفي قبل أن أكون مؤلفا، والمصداقية تهمني أكثر من أي شيء آخر.
– وماذا عن المثقفات السعوديات ؟
السعوديات لديهن قوة داخلية وانتشار في مراكز عليا، ولعل نائبة وزير التربية والتعليم مثلاً أبرز مثال، ولكنْ قبلها هناك عدد كبير من الطبيبات ورئيسات الأقسام في المستشفيات. المسألة هي في التغيير التدريجي الذي يحدث الآن، وهو ملحوظ بشكل لا يقبل الشك أن السعودية كدولة نشأت بكيانها الجديد قبل أقل من 100عام بدأت تتخطى جميع الصعوبات، وهو التغيير التدريجي الذي مرت به معظم دول العالم. هناك اقتصاد قوي وتعليم تشارك المرأة السعودية في صناعته، وهي تأخذ حقها في جميع مناحي الحياة حالياً ولكنها تحتاج وقتا.
– سيد روبرت، بصراحة هناك من يقول إنك تدافع عن السعودية وتمتدحها بكثرة أو إنك تشبه “محامي السعودية” في الخارج، بماذا ترد؟
من قال هذا؟ هذا ليس صحيحا. قلت لك لو امتدحت المملكة بالشكل الذي يصوره هؤلاء لكان الكتاب مسموحا بيعه منذ أول يوم لصدوره لكنه حتى اللحظة ممنوع من البيع والنشر داخل السعودية.
المصدر:
الاثنين 2010/12/27