مارك لينش
1. أدى تدهور الحياة السياسية المصرية إلى انقسام حاد بين الإسلاميين و خصومهم امتد بشكل متزايد ليأخد شكل نزاعات تحليلية. ولقد تراجع بعض الليبراليين من ذوي المبادئ والذين سبق و أن أيّدوا الإخوان المسلمين ضد قمع نظام مبارك عن موقفهم. فلقد رأى من ينتقد الإسلاميين نفسه محقًا و لفترة طويلة و طلب اعتذارًا من الأميريكيين بمن فيهم أنا لإساءة فهم الإخوان المسلمين. و كما كتب أحد أبرز المدونين المصريين مؤخراً “هل أنت مستعد للاعتذار عن ما لا يقل عن 5 سنوات من الترويج للإخوان المسلمين عن كونهم ديمقراطيين ؟ “. هل أسأنا فهم الإخوان؟ لا أعتقد ذلك.
2.فالتساؤلات حول مقدرة الإخوان في أن تكون جماعة ديمقراطية في الماضي لا علاقة له بالحاجة الملحّة للالتزام اليوم بتلك التعهدات. إنّ إعطاءهم الفرصة للمشاركة بشكل كامل في العملية الديمقراطية لا يعني السماح لهم بسوء التصرف حال وُجدوا في السلطة.و لهذا السبب، أود أن أرى استمرار العملية الانتخابية في مصر، وأن يتم معاقبة الإخوان في صناديق الاقتراع جرّاء فشلهم الواضح.
3.في عام 2000، رأى معظمُ الأكاديميين الإخوانَ على أنهم ديمقراطين و ليسوا ليبراليين. و في أواخر الألفين، كان للإخوان ما يقرب من عقدين من المشاركة الانتخابية سواء كانت الوطنية أو المهنية أو الطلابية و هو ما يعتبر رقمًا قياسيًا. و استحدثت الجماعة مبررات أيدولوجية مفصّلة لضرورة وجود إجراءات ديمقراطية. وعندما خسرت الانتخابات، مثل ما حدث في النقابات المهنية، فإنها سلمت السلطة سلميًا. و بحلول 2007، بدا لي أنه لم يكن هناك أكثر مما قامت به جماعة الإخوان لتبرهن على التزامها بالإجراءات الديمقراطية في حالة عدم وجود الفرصة الفعلية للفوز بالانتخابات و السلطة. وبطبيعة الحال، فلقد استحدثت الجماعة بذلك آلة انتخابية جيدة الشحذ جاهزة للاستخدام كلما سنحت الفرصة.
4. آداء محمد مرسي في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية (25% من الأصوات). نجح المجتمع الأكاديمي في تحديد المزايا التنظيمية للإخوان و التي تسمح لهم بالتفوق على آداء المعارضة الجديدة الأقل تنظيمًا. إن التزام الإخوان بالإجراءات الديمقراطية لم يعنِ قط التزامهم بالقواعد الديمقراطية أو الليبرالية، بل إنه كان مصحوبًا طوال الوقت بنضالهم ما بين الالتزام بقواعد الشريعة و بين مشاركتهم في انتخابات ديمقراطية. وكان عدم تمكنهم من الفوز يجنّبهم مواجهة تلك الفجوة حتى إذا وجدوا أنفسهم واقعين في شرك الخلافات العامة حول نواياهم الحقيقية. و كان السؤال الحقيقي هو مدى قدرتهم و استعدادهم لتحمّل وجهات النظر المختلفة.
5. رأى الأكاديميون أيضًا أهمية التمييز بين الإخوان المسلمين و بين تنظيم القاعدة و فروعها المتطرفة السلفية الجهادية الني كانت محور (الحرب محل الإرهاب).
6. كما أنني لفتُّ الانتباه نحو عدد صغير من شباب المدونيين الناشطين ضد نظام مبارك المنتمين لجماعة الإخوان، فهم يمثلون مجموعة صغيرة أكثر انفتاحا وواقعية من غالبية أقرانهم، وكثير منهم غادر جماعة الإخوان في نهاية المطاف. مثال: أصبح إبراهيم الهضيبي مفكرًا مؤثرًا، و عبد الرحمن منصور الذي كان أحد مسؤولي إدارة صفحة الفيسبوك”كلنا خالد سعيد” سرًا ، و مصطفى النجار أصبح المتحدث باِسم الجمعية الوطنية للتغيير محمد البرادعي وفاز بمقعد في البرلمان، وأصبحت سندس عاصم جزءا من فريق إخوان أون تويتر. ولكن معظمهم اضطر للخروج من تنظيم يثير الامتعاض.
7. عجز الإخوان قبل 2011 عن الفوز في الانتخابات و تشكيل جوانب هذا التنظيم و استراتيجيته من خلال الحدود التي فرضها عليهم نظام مبارك. و عندما أزالت الثورة تلك الحدود أصبح عليهم مواجهة سيل من التناقضات. إن أداء الإخوان بعد توليهم السلطة مروّعٌ و غير كفء استراتيجيًا، و هو المسؤول عن الانقسام المجتمعي و الضعف المؤسسي الذي تعاني منه مصر أثناء فترتها الانتقالية، مما أدى إلى نفور معظم من كانوا قد أعطوهم الفرصة، من السلفيين إلى الليبراليين إلى الثوار.
8. أثناء وجودي في مكتب الشاطر في أواخر 2011، اطّلعتُ على خطط تفصيلية للتنمية الاقتصادية و الإصلاح المؤسسي التي بدت وقتها مكتملة و شاملة. ظهر لي في تلك المرحلة أن الإخوان سيتمكنون من تحريك الأمور سريعًا و فرض أنفسهم كحزب أغلبية إسلامية وسطية- مثل حزب تركيا الحاكم العدالة و التنمية. ومع ذلك فلقد فشلوا تماما في القيام بذلك. فما الذي حدث؟ جزء من الإجابة يرجع إلى وجود فصائل سياسية متعددة داخل الجماعة، فإن السنوات التي سبقت الثورة المصرية أنتجت قيادة إخوانية غير مؤهلة لمواجهة التحوّل نحو الديمقراطية، و شنّ النظام وقتها حملة مشددة ضد جماعة الإخوان عقب نجاحها في انتخابات 2005 و اعتقل مجموعة من قيادات الجماعة من ضمنهم مرسي و الشاطر، وصادر أصولها المالية، وأطلق ضدهم حملات إعلامية مكثفة. مما أثّر سلبا على التوازن الداخلي للسلطة داخل جماعة الإخوان وأنصار المشاركة السياسية فوجدوا أنفسهم في موقف دفاعي ضد الفصيل الأكثر تحفظا، فآثروا التركيز على التوعية الاجتماعية و الشئون الدينية. ثمّ في 2008، فاز المحافظون بالمقاعد الخمسة ليحل مكتب الإرشاد محل المقاعد الفارغة. تبعها في العام التالي انتهاكات إجرائية خطيرة في انتخابات مكتب الإرشاد نتج عنها خسارة كل من العضو الإصلاحي الأبرز عبد المنعم أبو الفتوح، والوسيط الرئيسي بين الفصائل محمد حبيب لمقاعدهم. ثم استُعيض لاحقًا عن المرشد الأعلى محمد مهدي عاكف، و هو من المحافظين القدامى الذين احتفظوا بحذر بالتوازن بين الفصائل، استعيض عنه بالمحافظ قليل الشهرة محمد بديع. ثم غادر عدد من الأعضاء البارزين في الجناح الإصلاحي في جماعة الإخوان أو استبعدوا من مواقع النفوذ على مدى السنوات القليلة التالية.
9. عندما اندلعت الثورة، بعد ذلك، كان العديد من قادة الإخوان المحنكين سياسيًا و ذوي الأيديولوجية المعتدلة قد نُحّوا جانبًا. و سيطر على قيادتها محافظون مصابون بجنون العظمة، أصحاب أيديولوجيا صارمة و خبرة قليلة في بناء شراكات تربط الأيدولوجيات المختلفة ببعضها البعض، أو تقديم تنازلات ديمقراطية. ومن المدهش أن نتصور كيف كان سيصبح ممكنًا لجماعة الإخوان أن تتعامل مع الثورة وما بعدها في وجود شخصيات مهيمنة على مكتب الإرشاد مثل أبو الفتوح وحبيب بدلًا من الشاطر وبديع – ولكننا لن نعرف ذلك أبدا.
10. جزء آخر من الإجابة يكمن في الخلط الذي سببته الثورة على جميع المستويات داخل التنظيم. ففكر الإخوان جاء من واقع بسيط هو أن النصر لم يكن خيارا. و من ثمّ لم يكن الإخوان جاهزين عندما تبدلت تلك الحقيقة. وقد ثبت أنهم غير قادرين وغير راغبين في الانخراط بشكل فعال مع التيارات الأخرى، كما أدت لهجتهم الخرقاء إلى الطائفية و تجزئة المجتمع، والفشل الاقتصادي، والعنف في الشوارع.
كما عكست بلطجة بعض كوادرهم إما فقدان السيطرة على المستوى المحلي أوالاختيار الاستراتيجي الطائش. كما اعتُبِر خوضُ انتخابات الرئاسة بعد التعهد بعدم القيام بذلك أكثر قرارتها تدميرًا، مما قضى على الثقة في التزاماتها. و كان أكبر خطأ ارتكبته الجماعة كما قال لي نائب المرشد وقتها محمد حبيب عام 2009 هو الفوز ب 88 مقعدا في عام 2005. فقد أثار ذلك خوف نظام مبارك و تلقّت على إثرها الجماعة حملة قمع شديدة. لم يكن الفوز ضروريا لجماعة الإخوان، نظرا لأنها تعتبر المشاركة في الانتخابات فرصة للوصول إلى الناخبين ولنشر أفكارها (و هو درس يمكن أن يتعلم منه الليبراليون المصريون اليوم).
11. يكمن الجزء الأخير من الجواب ربما في مزيج غريب من جنون العظمة والغطرسة التي تتخلل التنظيم، و شعورها الدائم بأنها تواجه التهديدات من الداخل و الخارج ومحاربة عداء مؤسسات الدولة والمعارضين السياسيين المتأصليْن.
12. و لذلك لا أعتقد أن الأكاديميين الأميريكيين بحاجة للاعتذار عن إساءة فهم نوايا الإخوان. أو أن أميريكا كانت مخطئة في الالتزام بالإجراءات الديمقراطية. سيكون مأساويًا إذا استسلمنا الآن للدعاية المناهضة للإسلاميين أو تخلصنا من التقدم التحليلي الذي أُحرِز بجهد جهيد منذ العقد الماضي بسبب الدوامة السياسية الراهنة. لكنّ الأكاديميين و صانعي السياسات بحاجة لأن يدركوا أن الدروسَ المستفادة من الماضي لم تعُدْ تُطبّق بطريقة نظيفة كما كان الحال في الماضي، وأن العديد من الاستنتاجات التحليلية التي وُضعَت خلال عهد مبارك قد عفا عليها الزمن. لقد تغيرت جماعة الإخوان بقدر ما تغيرت مصر، و يجب علينا أيضًا أن نتغيّر.
ترجمة:رنا شوشة
المقال كامل منشور على موقع مجلة “الفورين بوليسي” بتاريخ 10 أبريل 2013.
http://www.foreignpolicy.com/articles/2013/04/10/did_we_get_the_muslim_brotherhood_wrong?page=full