مقدمة
يعالج الكتاب السادس والسبعون لشهر أبريل (نيسان) أوضاع المرأة العربية على إثر ما يسمى الربيع العربي، ما الذي تغير واستجد؟ هل كان لها فيه دور؟ وهل نالت حقوقها؟ هل هناك تغيير ما في وضع المرأة العربية؟ هل كان الربيع العربي ربيعًا للمرأة كذلك؟
قدمت الباحثة ريتا فرج رؤيتها حول هذا الموضوع، ورأت أن للمرأة مشاركة واسعة وواضحة في الربيع العربي، وأن المرأة شاركت بصورتين: صورة اندمجت فيها مع الرجل، وصورة أخرى انفصلت فيها عنه. كان للمرأة اليمنية حظها الأوفر في هذا البحث. ولم تكن المرأة بمعزل عن القمع الذي بسطت الباحثة بعض مظاهره في الدول التي جرف أنظمتها تيار الثورات.لكن على الرغم من كل هذا لم يكن الربيع العربي- حسب الباحثة- على المرأة ربيعًا! وقد قدّمت الباحثة تراجعًا ملحوظًا في المشاركة السياسية للمرأة لاسيّما في بعض الدول التي شهدت تقدمًا ملحوظًا في هذا الأمر قبل الربيع العربي كتونس ومصر.
شنّت الباحثة التونسية رجاء بن سلامة هجومًا نقديًا شديدًا على خطاب حزب النهضة فيما يخص النساء، وبيّنت تناقضه وازدواجيته بهذا الخصوص وغيره. فالأستاذ راشد الغنوشي مثلاً يثني على مجلة الأحوال الشخصية التونسية ويعدها امتدادًا للفقه الإسلامي، ثم هو في الوقت نفسه يعدها انحلالاً وخروجًا عن الشرع! تلاحظ الباحثة من خلال آراء الغنوشي وغيره من أعلام الحركة أن هناك تعددًّا يحمل على الحيرة، لما فيه من ضبابية تفتقر إلى الوضوح.
وتنقل بن سلامة بعضًا من آراء الغنوشي القديمة التي يصف فيها المرأة أنها أحبولة من أحابيل الشيطان، وتنقل أيضًا عن بعض مفكري حركة النهضة ما يحرم المرأة من المشاركة السياسية وغيرها.ذكرت الباحثة بعض المفاصل التي تغير بها خطاب الحركة تاريخيًا، لتصل إلى أنه لا تغيير حقيقيا أصاب لبّ فكر الحركة تجاه المرأة إلا على أساس سياسي ذرائعي.
تبحث آمال قرامي الأمر من زاوية أخرى، فهي ترى أن هناك ظاهرة كانت مكبوتة سنين طويلة في تونس حتى جاء الربيع العربي فأطلت بقرونها، فتعالت أصوات تطالب بختان النساء، وزواج القاصرات، وغيرها مما تعده كراهية للمرأة وظلمًا لها، كانت تلك الأصوات أصوات بعض السلفيين في تونس. وأشارت الباحثة إلى وجود مضايقات من تلك الفئات تتعرض لها المرأة التونسية لم تكن معروفة قبل الثورة. وضربت المثل ببعض الشهيرات ممن تعرضن لمضايقات في سبيل أداء عملهن.وفي مقابل هذا التضييق كان للنساء التونسيات نشاط مواجه يشدد على مسألة المساواة، والحرية وحقوق المرأة، كما أشارت الباحثة إلى أن هناك اتجاهًا يعتمد على التراث لتعزيز ما يسمى النسوية الإسلامية.
«النسوية الإسلامية» في بحث هند مصطفى التي خصصته للحديث عن الحالة المصرية، عبر نقولات عن موسوعة غربية تفيد أن القرآن الكريم يتفوق على غيره في التأسيس الفكري لـ «النسوية الإسلامية»؛ متعرضة لما يلقاه هذا المصطلح من نفور إسلاموي، وعلماني على حد سواء.
وذكرت هند مصطفى أن هناك توجهًا ملحوظًا لتأصيل هذا التيار من خلال التراث، وغيره من العلوم الحديثة.
ولم تغفل الباحثة الجانب التاريخي من خلال ذكر بعض البارزات المصريات منذ القرن العشرين من أمثال عائشة هانم التيمورية، وملك حفني ناصف، وبنت الشاطئ، وغيرهنّ ممن يحملن فكرًا إسلاميًا ويمكن الاستشهاد بهن بوصفهن أمثلة لحركة نسوية إسلامية امتدّت حتى العصر الحاضر متجلية في بعض النماذج من أمثال الدكتورة أميمة أبو بكر، والدكتورة هبة رؤوف عزت وغيرهما.
غير أن الباحثة تشير إلى أن “قضية المرأة” لم تشغل في تلك النماذج مقدارًا يوازي حجم القضايا الأخرى وطنية وسياسية ، معرجة على مشاركة المرأة الفاعلة في الثورة المصرية، وإن كانت لم تنل حظًا يوازي القضايا الأخرى.
ومن مصر إلى اليمن من جديد نجد الباحثة نبيلة الزبير تشيد بالمرأة اليمنية وإسهامها المفاجئ في الثورة اليمنية، بعد مرحلة من التقدم والتراجع المتفاوت في العهد السابق بحسب الظروف والأحوال وإدارة الدولة، وعلى الرغم من التقدم النسبي الذي حققته المرأة اليمنية في الستينيات وما بعدها، إلا أن هناك تراجعًا ملحوظًا حصل عام 1993م.
لكن هذا لا يعني أن الصورة قاتمة جدًّا فهناك ناشطات يمنيات أسهمن في محاولة التغيير المجتمعي ـ منذ ما قبل الثورة ـ ذكرت الباحثة بعضًا منهن.هذا التراجع كان من أسباب نهوض المرأة اليمنية للمشاركة في الثورة، مضافًا إليه العبء الاقتصادي وإدارة المنزل، والإجحاف المتعدد الاتجاهات.ولم تسلم المرأة اليمنية من الاعتداء عليها جرّاء هذا الحراك السياسي، لكن هذا لم يوقف الحراك السياسي للمرأة اليمنية إذ اقترح اسم مرشحة لرئاسة الدولة، وتم التواصل مع بعض المؤسسات الدولية. وشرحت الباحثة أن وضع النساء بل الثورة نفسها تراجع بعد المبادرة الخليجية ـ حسب رأيها .
هل يختلف وضع المرأة السورية عن وضع المرأة اليمنية؟ الباحثة سيرين خوري أوضحت ما تعانيه المرأة السورية ـ شأنها شأن المرأة الشرقية عمومًا ـ من تمييز جندري، وعادات وتقاليد تجعلها إنسانًا من الدرجة الثانية، تعاني من إرهاب المجتمع ضاربة مثلاً بنظرة المجتمع للمطلقة، وما يجيزه من زواج القاصرات، مبدية تشاؤمها من مستقبل المرأة بعد الثورة إذ تتنبأ بأنها لن تنال حقوقها حتى بعد الثورة، على رغم مشاركتها الفاعلة في الحراك المجتمعي، وعلى رغم ما تعرضت له من الأذى والاعتقال والاعتداء بل الاغتصاب أحيانًا جراء ذلك ، مثلها مثل الرجل سواء بسواء.
وكان للمرأة الليبية نصيب في بحث آمال العبيدي، وهي أيضًا توافق من سبقها من الباحثات في أن المرأة العربية شاركت في الثورات بفاعلية وتأثير ولكنها على الرغم من ذلك عانت من الإقصاء والتهميش أثناء التحول الديموقراطي، هذا التهميش عائد إلى أسباب اجتماعية وثقافية كما تقول.وعلى الرغم من حصول المرأة الليبية سياسيًا وحقوقًيا وتشريعًيا على حظ نسبي لا بأس به، إلا أنها عانت تهميشًا واضحًا بعد الثورة، ذكرت له أمثلة واضحة تعرضت فيها حقوق المرأة إلى تراجع وتهميش.
الباحثة فاطمة أزرويل تكلمت عن المرأة المغربية وأكدت أيضًا مشاركة النساء الفاعلة في الثورات العربية، لكنها عادت أيضًا وأكدت أن الساحة الثقافية المغربية تخلو من حديث يخص المرأة وقضاياها بشكل أساسي.
وعلى الرغم من تقدم ملحوظ بدأ منذ الأربعينيات، ثم السبعينيات حققته المرأة، إلا أن مدونة الأحوال الشخصية المغربية على سبيل المثال كانت مجحفة كما ترى الباحثة بحق المرأة وتعاملها بدونية، ما أدى إلى نضال بعض الحقوقيات للإصلاح غير أن ما حققته المناضلات لم يكن شيئًا يذكر لأنه لم يتعد بعض النواحي الأسرية دون بقية الحقوق المنشودة.
كان الطرف الثاني في النزاع حول الحقوق هو الإسلاميون كما تقول الباحثة الذين رفضوا بعض ما قُرر من حقوق للمرأة كمثل مناصفة المطلقة مال زوجها، وقامت مظاهرات لإثبات هذا الحق ووجهت بمظاهرات يقودها الإسلاميون كانت سببًا في سحب المقترحات حول هذا الأمر.ولكن الصبر مفتاح الفرج! إذ أعلن الملك المغربي محمد السادس عن المدونة الخاصة بالأسرة والتي أنالت المرأة مزيدًا من الحقوق أكثر من أي وقت مضى.
تخلص في ختام بحثها إلى أن المرأة المغربية حظيت بتقدم مقبول في الحقوق قبل الربيع العربي وبعده، لتكون أوفر حظًا من النساء في دول أخرى.
ثم تعرض الباحثة لمى الدهيني سير بعض النساء الناشطات في مجال حقوق المرأة، وتعرض لما جرى لهنّ من إيذاء في هذا الصدد.
أما الباحثة ميرفت حاتم فقد قدمت سردية مجملة حول النساء ودورهن في الثورات في بعض البلاد العربية.وخاتمة الكتاب بنص، ترجمه وقرأه لنا عن اللغة الألمانية جورج كتورة، للمؤلفة غابي كراتوشفيل بعنوان “النساء العربيات الجديدات” تطرح فيها تجارب نساء عربيات نجحن في مجالات متعددة.
رئـيـس المـركـز