هل الإسلام الماليزي مختلف؟ وإن لم يكن كذلك، فلماذا تقدمت ماليزيا وتخلفت غيرها من الدول الإسلامية، على الرغم من أن التجربة الماليزية كانت أكثر من غيرها تعاطيا مع دين الدولة الرسمي، ودمجه في عملية تكريس الهوية وصنع التنمية في مرحلة ما بعد الاستعمار، حتى أوشكت ماليزيا على الانضمام إلى عضوية نادي الدول المتقدمة؟
حاول هذا العدد من كتاب المسبار الشهري سبر غور التجربة الماليزية، من حيث تأثير العامل الديني/ الاسلامي في تطورها، وتطويعه لكي لا يشكل عائقا أمام التقدم للحاق بالنهضة الحديثة، وما رافق ذلك من بناء نظري شارك في وضعه قادة ماليزيا، بحيث اكتملت تلك التجربة، وتسابق في محاولة فهمها كبار المفكرين والمثقفين العرب والمسلمين، ذلك أنها أنعشت السؤال القديم الحاضر دائما، سؤال النهضة الإسلامية: لماذا تخلفنا وتقدم غيرنا؟
ولأن عددنا السابق كان محوره جبهة الإنقاذ الجزائرية، ارتأينا أن موضوع التجربة الماليزية هو الأنسب كي نفرد له العدد الحالي، لأن المقارنة تفرض نفسها بين التجربتين، ففي حين تم احتواء الإسلام السياسي- الذي ظل مصرا على خياره اللاعنفي- في النظام الماليزي، بدرجة ما، ، نجد في المقابل إقصاء لهذا التيار في التجربة الجزائرية، وميل كثير من ممثلي الاسلام السياسي هناك إلى العنف المادي أو الرمزي، وهو ما يتكرر في أقطار عربية وإسلامية أخرى. والسؤال الذي يعاود طرح نفسه مجددا هنا: هل هناك إسلام آسيوي، وآخر عربي أو شرق أوسطي؟ وهل المشكلة في فهم الإسلام في كلا المنطقتين، أم في فاهميه والداعين إليه.. هذه أسئلة مفتوحة على عقولنا لن يحسمها سوى دوام البحث وروح النقد والاطلاع على مختلف التجارب.
في هذا العدد قدم محمد فايز فرحات بحثا عن الحركات الإسلامية الماليزية، يبدأه بشرح خصوصية التميز التي تمتعت بها تلك الحركات، على الرغم مما يجمعها بأخرى من حولها، في إطار ما بات يعرف بـ”الاسلام الآسيوي”، سواء فيما يتعلق بحجم هذه الحركات والعمق الاجتماعي الذي تتمتع به داخل المجتمع الماليزي، أو فيما يتعلق بالظروف التاريخية وعوامل نشأتها، وصولا إلى علاقتها بالنظام السياسي، ويتطرق فرحات إلى خبرة دمج الاسلام بشكل عام، والاسلام السياسي بشكل خاص، في الأنشطة والهياكل السياسية والاقتصادية في ماليزيا.
وعن موقع الاسلاميين الماليزيين بين الحكم والمعارضة، يتناول الدكتور محمد شريف بشير طبيعة الحياة السياسية في ماليزيا، من خلال تعريفه بالأحزاب الإسلامية المختلفة، في ماليزيا، كما يتطرق إلى علاقة الدولة الرسمية بالتيارات بكل منها، بدءا من مرحلة الاستقلال، مرورا بمرحلة بناء الدولة، ثم فترة حكم محاضير محمد الطويلة، وانتهاء بحكم رئيس الوزراء عبد الله بدوي.
وفي محاولة لقراءة أحد الجوانب النظرية التي يتعاطى بها النظام الماليزي مع الآخر، قدم هاني نسيرة قراءة لوثيقة الإسلام والعولمة لمحاضير محمد، تلك التي قدمها لمؤتمر وزراء خارجية المؤتمر الاسلامي عام 2000، وفيها يعرض نسيرة بشكل نقدي رؤية الرجل الذي اعتبر أبا لماليزيا الحديثة، تجاه قضية حيوية تشغل العالم بكل أطيافه، ولا يعزل قارئ الوثيقة القضايا الحيوية التي أوردتها الوثيقة عن شخصية محاضير الكاريزمية، وهي قضايا العولمة وموقفه منها، وتصوره للتاريخ الإسلامي، ثم تصور محاضير للنهضة الإسلامية.
أما محاضير نفسه، الرجل الذي حكم ماليزيا طوال اثنين وعشرين عاما، فقد سلط الضوء على شخصيته الباحث مصطفى عاشور، ليكشف عن أغوار تلك الشخصية التي لا سابق لها في حكم بلد إسلامي بطريقة ديمقراطية ندر أن تطبق في نظيراتها، ثم يترك السلطة طواعية وهو في أوج تألقه، ويسجل له تاريخ أنه نقل دولته نقلة نوعية من دولة زراعية متخلفة اقتصاديا، إلى دولة تأتي في مقدمة النمور الآسيوية والدول حديثة التصنيع، وقد حدث ذلك كله في اطار نظام سياسي احتفظ بالموروث الماليزي التقليدي الاسلامي، واستطاع محاضير أن يحقق التوليفة الصحيحة بين التنمية الاقتصادية والسياسية والمجتمعية.
ثم تناول دريد البيك شخصية عبد الله بدوي رئيس وزراء ماليزيا الذي خلف محاضير، وتأتي أهمية بدوي من أنه، فضلا عن أنه واصل قيادة قطار التنمية في ماليزيا، فإنه يعد أحد أبرز وجوه حكام العالم الاسلامي، لطرحه وتبنيه للإسلام الحضاري، كمشروع نهضوي للأمة الماليزية، ونموذجا مثاليا تطرحه على سائر بلدان العالم العربي والاسلامي.
أما مفهوم الإسلام الحضاري نفسه، فقد عالجه الباحث الطاهر الشرقاوي، الذي قرأ وثيقة عبد الله بدوي قراءة نقدية، والتي يراها تأتي في سياق البحث عن سؤال النهضة وأزمتها، ومحاولة التوفيق بين الأصالة والمعاصرة، بين الدين من جانب، والعصر من جانب آخر. وقد ارتأينا نشر نص وثيقة الاسلام الحضاري كاملة في هذا العدد التي قدمها عبد الله بدوي في العام 2005 بعد قراءة الشرقاوي لها لمزيد من الفائدة.
وحول التجربة التنموية في ماليزيا، تناولت الدكتورة هدى ميتكيس تلك الطفرة التنموية التي برزت بواكيرها منذ بداية السبعينيات من القرن الماضي، والتي قدمت ماليزيا كنموذج تنموي في جنوب شرق آسيا، يتمتع بخصوصية فريدة من نوعها، وتبحث الدكتورة ميتكيس في معضلة التصالح بين التراث الماليزي الذي يضرب بجذوره في القيم الآسيوية والإسلامية بالطبع، وبين الواقع الحداثي الذي انطلقت ماليزيا تنهل من إنجازاته.
وبما أن قضية التعليم، تعد أهم عوامل التنمية الحديثة، فقد أفردت لها الدكتورة رجاء ابراهيم سليم بحثا خاصا، نظرا لأن تاريخ تطور التعليم في ماليزيا يعكس الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي مر بها هذا البلد، كما ناقشت علاقة جهاز الدولة بالتعليم، ولم تغفل جانب التعليم الديني والذي احتل مكانة بارزة في الهيكل التربوي الماليزي.
أما دراسة العدد المستقلة، فقد خصصها فهد الشقيران لبحث منشطات العنف، وقدم المملكة العربية السعودية كنموذج وجدت فيه تلك المنشطات بيئة خصبة، وينطلق الشقيران من أن العنف لا يولد نبتا عشوائيا، ولا يترعرع دون مغذيات، ففكرة العنف هي عملية اتصال معقدة، لها جوانبها الفكرية المتشابكة، والتي يعرض لكل منها، مستلهما من التاريخ ما يؤيد استنتاجاته.
ونختم العدد بعرض نزار عبد المعطي الطحاوي لكتاب “النموذج الماليزي للتنمية”، والذي يمثل إضافة مهمة للمكتبة العربية، حيث يهدف إلى تقديم دراسة علمية للتجربة التنموية في بلد يتشابه في العديد من خصائصه وظروفه مع كثير من بلدان عالمنا العربي، والكتاب يعرض لمجموعة من الدراسات التي تضيئ تلك التجربة من مختلف جوانبها.