شغل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وهو الاسم الذي أطلقته القاعدة على فرعها في المملكة العربية السعودية، حيزا كبيرا في الدراسات المتعلقة بالإرهاب، ليس فقط لحجمه ونوعية العمليات التي نفذها على الرغم من حداثة تأسيسه نسبيا، وإنما لخصوصيات عدة استأثر بها هذا التنظيم دون غيره من التنظيمات الفرعية، سواء التي انبثقت عن القاعدة الأم، أو تلك التي سبقتها في النشأة والممارسة.
من أهم الخصوصيات التي ينفرد بها تنظيم جزيرة العرب، أنه التنظيم الفرعي الأول الذي تفرع عن القاعدة، وأنه نشأ بأمر مباشر من قائدها، أسامة بن لادن. وكانت ولادته على أيدي محاربين سابقين من السعوديين الأفغان، الذين لم ينقصهم التدريب ولا الأداء التنظيمي سواء في التجنيد أو في إدارة العمليات. كما انفرد التنظيم بآلية إعلامية مكنته من الانتشار في بيئة كانت جاهزة لإفراز متعاطفين ومن ثم أعضاء فاعلين معه. وربما كان للجانب التمويلي أهمية حيث استفاد ذلك التنظيم من عمليات مشروعة وأخرى غير مشروعة لضخ التمويل اللازم لتنفيذ عملياته والإنفاق على حملاته. كذلك فإن قصر دورة نشاط التنظيم- نسبيا- حيث أن عمر عملياته لم يتجاوز من السنوات عدد أصابع اليد الواحدة، يعد خصيصة أخرى انفرد بها تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.
اتخذ تنظيم القاعدة في السعودية شعاره، بل جزءا من تسميته من حديث نبوي شريف: “أخرجوا المشركين من جزيرة العرب”، وفي دراسة مستفيضة تحت هذا العنوان، يعرض منصور بن تركي الهجلة لمفهوم هذا الحديث، رواياته المختلفة والظروف التي أحاطت بهذه الروايات، ثم تطبيقاته التي شهدت ذروتها في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، في محاولة للإجابة على عدد من التساؤلات منها: هل تقيد عمر بنص الحديث عند التطبيق؟ وهل كان إخراج عمر لليهود والنصارى من جزيرة العرب تطبيقا محضا للحديث، أم بناء على مصلحة الأمة كما ارتآها ولي الأمر؟ وما هي حدود جزيرة العرب التي عناها الرسول في حديثه؟
وفي محاولة للبحث في التأسيس، يعرض الباحث النرويجي توماس هيغهامر لدراسة تحت عنوان: “تجنيد الإرهاب، والراديكالية في السعودية”، تتناول خصوصية المجتمع الإسلامي السعودي، ومن خلال دراسة ميدانية يحلل فيها شخصيات أعضاء تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، ويبحث في خلفياتهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ودوافعهم للتعاطف ومن ثم الانضمام للتنظيم. ويلاحظ هيغهامر أن الهدف المعلن لحملة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب منذ البداية لم يكن أساساً للإطاحة بالنظام، ولكنه لإنهاء ما يراه المسلحون احتلالاً عسكرياً أميركياً للجزيرة العربية؛ ومع ذلك- بالتأكيد- كان بعض الأعضاء يتحركون بدافع الكراهية للنظام. وبتطور الحملة؛ انجذبت الجماعة إلى دائرة مغلقة من العنف والعنف المضاد مع قوات الأمن السعودي.
وفي دراسة تفصيلية لأبرز زعماء القاعدة في السعودية، يوسف العييري، وعبد العزيز المقرن، يقدم الباحث أيمن البدوي عرضا لهاتين الشخصيتين من زاوية تنطلق من فرضية نظرية، مفادها أن عضو الجماعة الأيديولوجية يعتقِد دائما في رمزية وكاريزمية القادة والمؤسسين، وأن كلا من هؤلاء القادة قد أوتي علوم الأولين والآخرين؛ الوعي العام بالماضي والحاضر والمستقبل، وليس مجرد المعرفة بها. فلا يجوز له الخطأ- كما يرى الأتباع- بل إنهم يطرونه ويقدسون أوامره، حتى ولو نالت الهواجس في صحتها من بعضهم، فهذه المقولة السحرية، “مقولة الكاريزما” هي المحرك الوحيد لمشاعرهم واستجابتهم لأوامر هؤلاء القادة، بل تنفي أي مشاعر إنسانية وطبيعية أخرى قد تتعارض معها.
ولأن الإعلام كان أحد أذرع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، يخصص الباحث ياسين مشربش دراسة عن استخدام القاعدة للإنترنت كوسيلة للتجنيد والإغراء أو الاستقطاب، حيث يتطرق إلى أهم أوجه الحملة الإلكترونية للقاعدة في جزيرة العرب، بدءاً بلمحة تاريخية قصيرة، ثم الطريقة التي حاول بها التنظيم استمالة المتعاطفين المفترضين معه، ليس فقط بواسطة عرض صحف إلكترونية معدة خصيصاً لهم، بل وتوفير مساحات للتفاعل في حالة اختيار هؤلاء أخذ زمام الأمور بأنفسهم.
وفي دراسة مستفيضة عن “معسكرات الجهاد الإلكترونية”، يبحر يوسف الديني في خطاب القاعدة في جزيرة العرب عبر إصداريها على الانترنت: “صوت الجهاد”، و”البتار”، ومن خلال استعراض الأعداد الثلاثين لمجلة “صوت الجهاد”، والتي بث فيها التنظيم جل أفكاره العلمية والعملية، يعرض الديني لمجموعة من العناصر الأساسية التي تشكل البنية الفكرية للتنظيم، كما تأتي نشرة “البتار” تأتي نشرة البتار لتغطي الجانب العملي في الاستراتيجية الإعلامية لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب؛ ذات الطابع التطبيقي العسكري، والتي اتخذت مسماها من لقب “البتار”؛ اللقب الأثير لدى أفراد التنظيم في وصف والده ومتبنيه “يوسف العييري”.
وفي البحث عن قضية التمويل المتشعبة، نعرض لدراستين، الأولى للباحث أحمد عبد الحفيظ حيث يقدم لمعضلة التمويل والصعوبات التي تواجه التنظيم في سبيل ذلك، ثم يعرض لكلفة العمليات والتي لم تعد بالضخامة المتصورة.
أما الدراسة الثانية، فهي للاقتصادي السعودي فضل البوعينين، حيث يعرض لمصادر التمويل المختلفة، والأساليب التقليدية وغير التقليدية التي اتبعتها القاعدة في الحصول على الأموال، وما يدخل في ذلك من طرق مشروعة وأخرى غير مشروعة. كما يفرد مبحثا خاصا عن الجهود السعودية والدولية لمكافحة وتجفيف منابع التمويل لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب.
أما عن الجهود المبذولة من جانب المملكة العربية السعودية لمكافحة الفكر التكفيري، ومن ثم القضاء على تنظيم القاعدة فيها، فقد عرض الباحثان هاني نسيرة وفؤاد السعيد لتلك التجربة، التي لفتت اهتمام العديد من المراقبين المهتمين بشأن حصار الإرهاب والتصدي له إقليميا ودوليا؛ حيث تقوم هذه التجربة على محورين رئيسيين هما: لجان المناصحة، وحملة السكينة. وتستمد أهميتها من كون كل منهما آلية نوعية ومنظمة في حوار المتطرفين والإرهابيين، والذين يمثلهم في هذه الحالة أعضاء وعضوات تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.
وتضمن العدد أيضا دراسة علي الفقي التي تعرض لظاهرة العنف المسلح واستراتيجية المملكة العربية السعودية في مواجهة هذا التنظيم، مع مقارنة هذه الاستراتيجية بالتجربة المصرية في مواجهة العنف المسلح من قبل الجماعات الاسلامية المسلحة، لاستخلاص أوجه الشبه والاختلاف بين استراتيجية النظام السعودي والمصري في المواجهة مع الجماعات العنفية، والدروس المستفادة من كل منهما.
أما دراسة العدد المستقلة فيخصصها عبد الإله بلقزيز لأحد رموز الفكر العربي المعاصر، ألا وهو المفكر و المؤرخ هشام جعيط، الذي يعد من ضمن جملة مفكرين عرب معاصرين قليلين، يمثلون جيلاً فكريا نهضويّاً جديداً، وتمثل أعمالُهم لحظة فكرية نوعية جديدة في مشروع النهضة الثقافية العربية، هي اللحظة النهضوية الثالثة في الفكر العربي المعاصر.
وفي عرض لأبرز الأعمال النظرية لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، يقرأ خالد فاروق كتاب “سلسلة العلاقات الدولية في الإسلام”، لمؤلفه فارس آل شويل الزهراني، الذي يعد واحدا من أبرز منظري التنظيم، ويتضمن الكتاب شعارا واحدا يمكن أن يستدل منه على فهم مؤلفه للإسلام، ومن ثم فعلاقة الإسلام بالعالم وبدوله تقوم على إسلام يمكن وصفه بإسلام القطيعة والغلبة، إسلام المعاداة. فالعلاقات الدولية- من منظور الكاتب- ليست إلا علاقات بين دارين، دار الإسلام ودار الكفر، وقانون تلك العلاقات هو: الحرب وتأبيدها، دون شرط أو قيد، حتى تتحول دار الكفر إلى دار إسلام.
ونختم هذا العدد العاشر من كتاب المسبار الشهري بعرض ببليوغرافي لأبرز الاصدارات الأجنبية التي تناولت تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.