المتأمل في خارطة الحركات الإسلامية على امتداد العالم الإسلامي الحديث، يلحظ أن انتشارها لم يقتصر على دول المركز دون غيرها، فهي رابضة وحاضرة في الأطراف كذلك، وعلى اختلاف مسميات ومعتقدات هذه الحركات، فإن انتشارها مردّه إلى حضور الجماعة الأم “الإخوان المسلمون”، التي تعتبر أكبر الحركات الإسلامية الحاضرة في ربوع العالم الإسلامي، كامتداد حركي للتيارات السلفية التي تأخذ بزمام الحفاظ على الهوية، وتشكيل الملامح الدينية للمجتمعات، في مواجهة صراعات طويلة واستقطابات حادة مع تيارات وأفكار وإيديولوجيات تنثال من كل حدب وصوب .
وقد عرف اليمن نشاط الجماعة الأم منذ مرحلة مبكرة في منتصف الاربعينيات، بعد المؤتمر العام الخامس للإخوان المسلمين، حين قررت الجماعة تحويل أنشطتها من المحلية إلى العالمية كإيديولوجية إسلامية شمولية.
ضمن هذه الإستراتيجية الجديدة استحوذ اليمن على اهتمام خاص من قبل المؤسس حسن البنا، وكان الشخص المكلف بشؤون الحركة في اليمن هو الفضيل الورتلاني الجزائري، وهو شخصية مثيرة للجدل نظراً لأدواره السياسية الغامضة، وكان الورتلاني يؤكد على خصوصية اليمن باعتباره البلد العربي الوحيد الذي لم يدخله الاستعمار، ولم “تلوثه” القيم الأوروبية المستوردة، كما أن انتشار الأمية والجهل يعني بوجه آخر أن العقل اليمني لم تفسده الحضارة المعاصرة!
وبعيد منتصف الأربعينيات، قوي تأثير الإخوان مع اشتداد المعارضة ضد الإمام يحيى حميد الدين، خاصة بعد انضمام نجله الأمير سيف الحق إبراهيم إلى حركة الأحرار المعارضة، وكانت أفكار المعارضة اليمنية الإصلاحية الدينية قريبة من فكر الإخوان، المتأثر بفكر رموز النهضة الإصلاحية، كجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ومحمد رشيد رضا.
والجدير بالذكر أن جماعة الإخوان أبقت على علاقتها مع الإمام في الوقت ذاته، من خلال نشاط أخذ شكلاً تجارياً كمدخل لا يثير الشبهة. ويؤكد كثير من الباحثين أن “الميثاق الوطني المقدس”، وهي الوثيقه الأساسية لانقلاب حركة فبراير (شباط) 1948 تضمنت مقترحات أوصت بها جماعة الإخوان، لكن الامام يحيى لم يأخذ بها.
أخذ الاسلام السياسي في اليمن شكل جبهة أو تحالف بعد إعلان قيام دولة الوحدة 1990، فظهرت تنظيمات عديدة وصلت إلى ما يناهز الخمسين حزباً وجماعة وجمعية معترفاً بها.
في بداية دراسات هذا العدد التاسع عشر من كتاب المسبار الشهري، يأخذنا محمد عبدالصمد الهجري في بحثه “السلفية المعاصرة في اليمن، التكوّن والصيرورة” إلى فضاءات التأصيل لنظرية “التورخة” أي أدوات وآليات التأريخ للجماعات الدينية، لينتقل بعد ذلك إلى الاستفاضة في تعريف معنى السلفية من حيث الدلالة اللغوية، وصولاً إلى السياق التاريخي الذي نشأت فيه السلفية كمصطلح، ليخوض بعد ذلك غمار البحث والتنقيب في نشأة وتكون السلفية في تاريخ اليمن الحديث، بعد استعراضه للتيارات المذهبية وتوزيعاتها على الخارطة الاجتماعية اليمنية.
يؤكد الهجري أن المرحلة الفعلية لتأسيس السلفية المعاصرة في اليمن بدأت بدار الحديث بدماج 1980 التي أسسها الشيخ مقبل الوادعي عراب السلفية اليمنية، ويستعرض المحاور المهمة في حياة الوادعي بين السعودية واليمن، كما يتعرض الباحث بالتحليل لقضية الانفصال والاتصال بين السلفية وجماعة الإخوان، وصدى الدعوة السلفية لدى خصومها من الزيدية والحركات المذهبية وبعض التيارت الحركية، التي ترى في السلفية غلواً وتنطعاً في الدين، ولا ينسى الهجري أن يستعرض موقف السلفية اليمنية من قضايا مثيرة وشائكة، كالديموقراطية والتعددية السياسية والموقف من الدستور والبرلمان وغير ذلك.
وفي بحث موازٍ، يستكشف موسى النمراني ماضي وحاضر جماعة الإخوان المسلمين في اليمن، ويعتبر أن ثورة 1948 التي ساهم فيها الفضيل الورتلاني مبعوث الأستاذ حسن البنا إلى اليمن، هي البداية الحقيقية لدخول الإخوان للمعترك السياسي في اليمن. لكن بعد مرحلة 1954، والأحداث المأساوية التي تعرضت لها الجماعة في مصر، ساهمت اليمن كما السعودية في دعم الجماعة، وذلك من خلال احتواء الشيخ عبدالله الأحمر، الذي كانت تربطه علاقات قوية مع شخصيات إخوانية بارزة، ثم يستعرض الكاتب بعد ذلك الحضور الإخواني في المشهد السياسي اليمني.
واستعرض الكاتب النمراني علاقة الإخوان المسلمين بمشائخ القبائل بشكل عام، وبالحكومات المتعاقبة على اليمن وصولاً إلى مرحلة المشاركة الفعلية في العملية السياسية وذلك حين أعلن عن تأسيس حزب التجمع اليمني للإصلاح، والذي ساهم في تقوية الحالة الإخوانية في اليمن، بل ووضع بصماته على الحراك السياسي برمته، عقب مشاركته في الوحدة بالقتال جنباً إلى جنب مع القوات الحكومية. ويختتم الباحث برؤيته الخاصة وتقييمه للإخوان اليوم من خلال استعراض لأبرز المزايا والامتيازات، وكذا العقبات والعيوب التي تحد من جماهيرية الحركة وفاعليتها.
وفي دراسته “التصوف في اليمن، قراءة تاريخية وتحليلية”، يجول صادق غانم في مسارب التصوف، متنقلاً بين زواياه وشواهده المتناثرة في اليمن، والذي يعد أحد أكبر حواضر التصوف في العالم الإسلامي منذ القدم، ويحاول في البداية رسم خارطة إجمالية لمناطق التصوف، ليعرج على تفاصيل المشهد الصوفي، عبر استعراضه التفصيلي للتصوف في تهامة وحضرموت، والذي تعود بداياته إلى القرن السابع الهجري مع العالم الرباني محمد بن علي الشهير بالفقيه المقدم، ثم ينتقل للحديث عن التصوف في المناطق الجبلية التي يقطنها الزيدية، والذين تأثروا بسلوك الزهاد والنساك في التقشف وترك الترف.
وفي مبحث هام من دراسته يتناول صادق غانم التاريخ السياسي للتصوف في اليمن، حيث يحاول إيجاد علاقة ما بين انتعاش الحركات الصوفية وعلاقة ذلك بشكل السلطة الحاكمة ليؤكد أن الحركات الصوفية كانت تنمو دائماً في محضن الدولة السنية كما حدث ذلك مع الدولة الأموية والدول المستقلة والدولة الطاهرية وصولاً للعهد العثماني فالعصر الحالي، ينتقل الكاتب بعدها للحديث عن الخارطة الفكرية للصوفية في اليمن مستعرضاً الطرق والمدارس الصوفية بمختلف تشعباتها. أما المبحث الأبرز، فهو الجهد الذي بذله غانم في محاولة للإجابة على سؤال: هل يمكن أن تشكل الصوفية بديلاً عن القاعدة ؟!
أما الباحث عبد الرازق الجمل، فيقرأ علاقة السلطة بالأفغان اليمنيين العائدين من أفغانستان، ويبحث في مثلث السلطة والإندماج وإعادة التأهيل لهؤلاء، وهي تنويع على ظاهرة أشمل أخذت حيزاً كبيراً من اهتمام القيادات السياسية والمحللين، ألا وهي ظاهرة “الأفغان العرب”، وينطلق الباحث من حديث الأرقام الذي لا يخطيء، معتمداً على مراكز أبحاث أجنبية قدرت عدد المتطوعين في اليمن إبان الحرب الأفغانية بما يربو على ثلاثة آلاف مقاتل، لكن الباحث يرى أن هذا الرقم ضئيل جداً، ولا يمثل ما تؤكده الحقائق على الأرض من اقتراب عدد العائدين من أفغانستان من عشرة آلاف مقاتل.
من جهة ثانية، يرى الجمل أن الأفغان العرب لم يشكلوا خطراً على المجتمع اليمني بعد عودتهم في الثمانينيات، إلا في مساحة جغرافية ضيقة وهي المحافظات الجنوبية، التي كانت محكومة من قبل الحزب الإشتراكي. وهو يعزو العلاقة الودية بين الأفغان اليمنيين والسلطة إلى ثقة الأخيرة برموز الحركة الإسلامية، خاصة حزب الإصلاح، وقدرتها على ضبط إيقاع الجهاديين في الداخل، مع إمكانية الإستفادة منهم، وهو ما تم في حرب الوحدة. ثم ينتقل المؤلف بعدها للحديث عن واقع هذه الظاهرة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر، حيث ضاقت الدنيا بهم وبتاريخهم.
وغير بعيدٍ من الأفغان اليمنيين، يتناول ياسر العرامي في بحثه “تنظيم القاعدة في اليمن من الهامش إلى المتن”، أبرز الحركات والتيارات السلفية ذات الطابع العنفي، والتي تتداخل في كثير من تنظيماتها مع القاعدة، التي يستفيض الباحث بعدها في الحديث عن حكاية تأسيسها في اليمن، والتي تعود لعام 1998 مع أول عملية قام بها التنظيم ضد سياح أجانب، لتبدأ رحلة المواجهة بين السلطة اليمنية والقاعدة، والتي خلفت العديد من المواجهات الدامية. وفي نهاية الدراسة يقرأ العرامي مستقبل تنظيم القاعدة في اليمن، خصوصا بعد حادثة الهروب الجماعي الكبير لقيادات وأعضاء التنظيم من السجن المركزي، في حادثة غامضة لم يستوعبها المحللون حتى الآن .
كان من الطبيعي أن نعرج على تنظيم عنفي آخر، وإن كان من منطلقات وقناعات وأدوات مختلفة عن تلك التي تعتمدها القاعدة، ألا وهو التيار الحوثي، في دراسة بعنوان “السلطة والسلطة المضادة، قراءة في جذور التيار الحوثي”، تناولنا فيها بدايات الصراع المسلح العلني بين السلطة والحوثيين، بعد أن كان كامناً على السطح لسنوات طويلة. هذه البدايات قادت إلى استعراض تاريخي لعلاقة اليمن بالتشيع والزيدية منذ بدايات الدولة العباسية، حين انسلخ اليمن من جسد الدولة الإسلامية. ثم الانتقال إلى مرحلة الدولة الإمامية وتحديداً فترة الدولة المتوكلية، التي كانت تعتمد المذهب الزيدي مذهباً رسميا، إلى أن انحسر مع ظهور الصحوة الإسلامية التي جاءت إلى اليمن بفضل المد السلفي أو الوهابي بعد ثورة 1962.
وفي العام 1990 بدأ تحريض “الشباب المؤمن”، التيار الممثل لفكر الحوثي، على عقد تجمعات عامة وهو الأمر الذي كرّس ظهوره ككيان وظاهرة شبابية لافتة في محافظة صعدة، حيث برزت الأسس الفكرية لهذا التنظيم، لا سيما الأفكار السياسية، كما ظهرت تحولات قائد التنظيم، حسين بدر الدين الحوثي، من مقارعة السلفيين، إلى طرح شعارات سياسية معادية للنظام وللولايات المتحدة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر، لتظل آفاق الصراع بين الطرفين مشرعة على كل الاحتمالات.
وفي بحث عن التعليم الديني والمدارس الدينية في اليمن، يتجول بنا ماهر الذيفاني في قراءة مستفيضة، مؤكداً في البداية على ضرورة الفصل والتمييز بين أنواع التعليم، ومن ثم يحاول تحديد مفهوم التعليم الديني من خلال البحث عن ماهيته، مستقرئاً حال المعاهد العلمية التي انتشرت حينا من الدهر في أنحاء كثيرة من اليمن، كاستجابة للحاجة إلى وجود تلك المعاهد التي تحافظ على الهوية، وتقاوم المد الشيوعي، لكن هذه المعاهد تعود فتغلق بسبب الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة، والتي ارتأت في تلك المعاهد بؤراً لإنتاج الكوادر الإرهابية وبعد ذلك يخصص الذيفاني جانباً وافيا من بحثه للحديث عن هيكلية ومناهج المعاهد الدينية، كما يستعرض بالتفصيل تجربة جامعة الإيمان، وهي جامعة دينية متكاملة من حيث المناهج والاستقلالية، أنشأها الشيخ الزنداني في تجربة غير مسبوقة في التيارات السلفية عموماً.
وكنموذج للتشكيلات الإسلامية الشرعية في اليمن، تتناول عبير السياغي حزب التجمع اليمني للإصلاح، ويمكن اعتبار بحثها من نوع “الكتابة من الداخل”، حيث تعد من القيادات النسائية في حزب الإصلاح، لكنها تحاول أن تقدم بشكل موضوعي رؤية الحزب السياسية، ومحاولة جمعه بين الأصالة والمعاصرة، ومن ثم تنتقل لتعرف لنا أهم الشخصيات لحزب الإصلاح، ثم تنتقل الكاتبة للحديث عن موقف الإصلاح من التيارات الإسلامية الأخرى والذي ينطلق من موقف قوة بسبب تحالف الإصلاح من السلطة .
وترصد السياغي المشهد الحزبي في اليمن بدءاً من الأربعينيات التي حملت تجربة التعدد الحزبي، وصولاً إلى مرحلة ما بين الستينات والثمانينيات، التي تميزت بتوقف النشاط الحزبي المستقل، وصولاً إلى التسعينيات فما بعدها، بعد أن فتح الباب على مصراعيه لإنشاء الأحزاب والترخيص لها.
وفي دراسته عن عرّاب السلفية اليمنية الشيخ مقبل الوادعي، يقدم بدر علي المجمّل محاولة لفهم هذه الشخصية التقليدية، ومدى تأثيرها على السلفية في اليمن وخارجه، حيث يبدأ بطرح بانوراما عن حياة الوادعي، لينتقل إلى الحديث عن فكر الوادعي وتأرجحه بين المذهبية واللامذهبية، أو التعلق بالظاهرية التي أسس لها الإمام ابن حزم الظاهري، كما يحاول قراءة مواقفه السياسية من خلال ما عرف عنه من العلاقة المباشرة بحركة جهيمان التي احتلت الحرم المكي.
ويفصل الباحث بدر المجمل مرحلة حاسمة في حياة الوادعي، كما كانت لدى كثير من الرموز الصحوية والسلفية، ألا وهي مرحلة حرب الخليج الثانية، كما يحاول فهم موقفه من الجهاد الأفغاني الذي باركه بشكل عام في البداية، ليعود إلى نقض هذه المباركة ويهاجم القادة الأفغان. ثم يعدد الباحث مواقف الوادعي تجاه الحكومة اليمنية، والتيارات الدينية الأخرى. وفي النهاية لم يجد المؤلف خاتمة لدراسته أفضل من التعريج على وصية الوادعي الأخيرة، والتي خطها بقلمه قبل وفاته في السعودية، بعد معاناة طويلة مع المرض.
وفي بحث لا يقل إثارة، يطرح خالد العبسي العديد من الأسئلة حول شخصية عبد المجيد الزنداني، الرمز الأول للحركة الإسلامية اليمنية، حيث اشتباك الديني بالسياسي، ومن هنا يحاول الكاتب فهم الأدوار المتعددة التي لعبها الزنداني في المشهد السياسي اليمني مما جعله شخصية مثيرة للإهتمام تستحق تخصيصها بالدراسة بسبب حضورها القوي منذ الخمسينيات الميلادية وحتى الآن.
ويرصد العبسي حياة الزنداني في القاهرة في مرحلة إنتمائه لحركة القوميين العرب وتأثره بالزعيم جمال عبدالناصر، الذي سرعان ما تخلى عن ترميزه لينتسب إلى جماعة الإخوان المسلمين، إلى مرحلة الثورة اليمنية والتقائه بالأستاذ الزبيري بل ومبايعته إياه سراً كأمين للحركة الإسلامية في اليمن، ومن ثم يحاول المؤلف استنطاق خصائص شخصية الزنداني، وبالأخص جهوده في قضايا الإعجاز العلمي في القرآن التي جلبت له الشهرة وثناء المتابعين، وهو الأمر الذي ساهم في “عملقة” شخصية الزنداني في المشهد الإسلامي اليمني ومكنته من لعب أدوار حاسمة في تاريخ اليمن الحديث.
وفيما يخص قراءات الكتب التي يحرص المركز أن تكون متلائمة مع موضوع العدد، نطالع قراءة مستفيضة لكتاب “الحرب في صعدة من أول صيحة إلى آخر طلقة” للكاتب عبد الله الصنعاني، حيث يستعرض هاني نسيرة في قراءته لهذا الكتاب أبرز تداعيات الحرب في صعدة بين الحوثي والسلطة، لينتقل للحديث عن بدايات تكوين الحوثي، والفروق بين التشيع الزيدي والتشيع الاثنى عشري، ومحاور فكر الحوثي، والخلافات الداخلية في “حزب الحق” بسبب تأييد الحوثي ومعارضته، وصولاً إلى تأسيس منتدى الشباب المؤمن ومن ثم التصعيد العسكري.
أما الكتاب الثاني الذي قرأه يوسف الديني، فهو بعنوان “الإسلام السياسي في زمن القاعدة” للمستشرق الفرنسي فرانسوا بورغا، حيث يقدم قراءة مفصلة للجزء المختص باليمن، والذي يقدم فيه بورغا قراءته للإسلام السياسي في هذا البلد، حيث يفحص الجذور ثم العلاقة بين الإخوان والإمام يحيى، والعلاقة بالثورة، ومن ثم يحلل خطاب الإخوان السياسي، إضافة إلى استعراضه للمواجهات بين السلفية والإخوان، ويركز على خطاب الشيخ الوادعي، ثم يختم بورغا كتابه بهجوم ضار على خيار “الحرب الشاملة على الإرهاب” الذي تطرحه الولايات المتحدة وحلفاؤها، دون تمييز أو معرفة بواقع الحركات الإسلامية، ومن هنا فهو يرى أن مثل تلك الحرب خاسرة لا محالة.
وكما عودنا قراءنا بأن تكون الدراسة المستقلة مخصصة لآفاق فكرية مختلفة، أتت دراسة هذا الكتاب للدكتور سمير نصار، والتي تندرج في إطار سلسلتنا “في العقل الأصولي” لتفحص موقف الأصولية الإسلامية من الحداثة الغربية، حيث حاول الوقوف على سوء الفهم الذي ما زال يسيطر على قطاعات واسعة من الإسلاميين تجاه هذه الحداثة، وقبل ذلك حاول الكاتب استقراء سمات العقل الأصولي، ليلج مباشرة إلى مداخل الفهم المشوهة والتي تسبب عادة قراءات مغلوطة بين الطرفين، كما حاول الحد من فزّاعة التلويح بالحداثة الغربية، رافضاً أن يتم تصوير الحداثة دائماً باتجاه واحد، كما هو الحال في الضفة الأخرى، حين يتم احتكار مفهوم الإسلام في تصورات أصولية ضيقة.
وأخيراً، وإذ نقدم بين يدي القارئ هذا العدد التاسع عشر من كتاب المسبار الشهري، نرجو أن نكون قد أسهمنا، وبجهود الباحثين المشاركين فيه، في تغطية جانب مهم من واقع الحركات الإسلامية اليمنية، والتي –برأينا- تعد ممثلاً دالاً على واقع الحركات والتيارات الإسلامية في العديد من البلدان، إذ توزعت خريطتها بين الجهادية العنفية، والإخوان المسلمين في الممارسة السياسية والاجتماعية، وكذلك المتصوفة الزاهدة، والسلفية الأصولية.